أصدر منظر السلفية الجهادية "أحمد عشوش" رسالة جديدة بعنوان "الإعذار والإنذار للعلمانيين الأشرار " تحدث فيها عن موقف فصيل من التيار العلماني ، محملا إياهم نتائج ما وصلت إليه الأمور في البلاد الآن. الرسالة قصيرة لم تتعد " تسع صفحات" من القطع الكبير، نشرتها مؤسسة البيان الإعلامية المتخصصة في نشر رسائل وكتيبات هذه المجموعة، واشتملت علي بعض الرسائل المختصرة للعلمانيين والشباب المحيط بهم.
فيما حملت الرسالة أيضا موقفا من السلفيين والإخوان علي وجه الخصوص ودعتهم لمواصلة الجهاد لإعلاء شريعة الإسلام، محذرة العلمانيين بوصفها "فكما أنكم تقاتلون في سبيل علمانيتكم فقد تفاجئون بشباب الإسلام يقاتلون من أجل الشريعة الإسلامية"، وفيما يلي بعض مما تناولته الرسالة من موضوعات :
قصة العلمانية
يقول "عشوش في رسالته :" فتاريخ العلمانية في بلادنا مليء بالعار والمخازي , وهو سلسلة متصلة الحلقات من الخيانة والعمالة للغرب.
أفلا تذكروا أيها العلمانيون في حزب الوفد مجيء مصطفى النحاس إلى الحكم على الدبابة الإنجليزية ؟
أولا تذكروا أيها العلمانيون صفقة الأسلحة الفاسدة في عام 1948 ؟ تلك الخيانة التي أدت إلى ضياع فلسطين إلى أجل غير مسمى ؟
أولا تذكروا أن شذاذ الآفاق من الصهاينة ابتلعوا فلسطين في ظل حكمكم وتمكنت عصابات يهود من هزيمة ست جيوش عربية علمانية؟
ألم يكن جمال عبد الناصر علمانيا ؟ أليس هو من عذّب وقتل شعب مصر حتى قال أنه يحكم مصر من خلال زر ؟
أليس العلمانيون بقيادة جمال عبد الناصر هم أبطال هزيمة 1956 و 1967 التي راح في آتونها عشرات الآلاف قتلى من شباب مصر , فضلا عن ضياع المقدرات وسرقة الأموال والممتلكات ونهب مقدرات الدولة , فضلا عن الانحلال الأخلاقي والتهتك الاجتماعي , حتى غدت المخابرات في عهد صلاح نصر إلى ماخور كبير يكفي في الإشارة إليه ما كتب عنه من كتابات .
لقد عرفنا في ظل العلمانية دولة المخابرات في عهد عبد الناصر سرقة الأموال باسم التأميم , نهب الثروات باسم المعركة , وما تجار السلاح منا ببعيد ممن أثروا على حساب هذا الشعب المسكين .
ثم جاء السادات فملّك البلد لمجموعة من الرجال الفاسدين فيما عرف بالانفتاح , فتزاوج الثلاثي الشيطاني السلطة والمال والإعلام , وظهر ما عرف باسم "القطط السمان " , فازداد الشعب فقرا وأثرى اللصوص بما لم يبلغه الخيال .
ثم جاء مبارك , فجمع عبد الناصر والسادات باسم العلمانية والديمقراطية , فكان الاعتقال والتعذيب والقتل والسرقة والخراب , وتدمير المصانع , وهدم المؤسسات واختطاف البلد لصالح أبناء حسني "علاء" و "جمال" , وغدا في خدمتهم كثير من العلمانيين وممن يسمون أنفسهم اليوم رموزا للثورة , والثورة منهم براء .
فهؤلاء الذين يدعون رمزية الثورة , ماهم إلا صبيان الأنظمة العلمانية السابقة الفاسدة المستبدة , وبعضهم كان خادما للمشروع الأمريكي في المنطقة ، وبعضهم من بقايا الشيوعية المندثرة , يحاول اليوم أن يبعث الحياة في جثة الاشتراكية العفنة , وهيهات ثم هيهات لأمثال هؤلاء أن يكونوا رموزا لثورة تزيل الظلم , وتؤكد العدل , وتعنى بالقيم وتتسلح بالأمانة والشرف والكرامة .
الموقف من هؤلاء العلمانيين
ثم تحدث "عشوش" بعد ذلك عن الموقف الشرعي بأنهم -أي العلمانيين- فاقدون للشرعية الدينية كافتقادهم للشرعية الجماهيرية , فلا وجود لهم عند الشعب المصري المسلم الأبيّ , فهو يعرفهم وما زال يذكر أدوارهم ويعرف كثيرا من خياناتهم .
ويعرف الشعب المصري أنهم تجار غير شرفاء , يتاجرون بالديمقراطية إذا كانت سببا لوصولهم إلى السلطة والمناصب وتحصيل المكاسب, وينقلبون عليها غوغاء أشرار لا يحتكمون إلا لأهوائهم , فلا ديمقراطية ولا صناديق ولا انتخابات إذا ما ضاعت مكاسبهم وصدمت أهواءهم كما هو الواقع .
وعلى هؤلاء أن يعلموا أن الشعب المصري نضج بما فيه الكفاية , وأنه لن ينخدع برموز نظام حسني مبارك , وإن غيّروا جلودهم وانقلبوا على سيدهم , وليعلموا أن الشعب المسلم في مصر يعرف أن معركتهم مع الإسلام لا على السلطة فحسب , ومن ثمّ سيسقطهم إلى غير رجعة .
الإنذار للاعبين بالنار من العلمانيين الأشرار
ثم أطلقت الرسالة جملة من التحذيرات للعلمانيين :
أولا: كل تحريض ضد الشريعة أو الحث على كراهيتها أو الطعن فيها يعد جريمة ردّة بإجماع علماء المسلمين , يستتاب صاحبها وإلا قُتل , وهذه حقيقة في الإسلام أنصع من شمس النهار.
ثانيا : التآمر على الشريعة لإسقاطها وعزلها وتحكيم القوانين الوضعية سواء كان ذلك بالدعوة أو تسيير المظاهرات أو بأي وسيلة من وسائل التعبير عن الرفض التام للشريعة يُعد جريمة ردّة .
ثالثاً : قتل الشباب المسلم في الطرقات من أجل نصرته للشريعة جريمة تستوجب القصاص وقد تصل إلى حد الردّة .
رابعا : لا تسقط الجريمة بالتقادم في الإسلام , ومن ثم فلابد من محاكمة أركان النظام السابق ممن شاركوا في ارتكاب الجرائم العمدية بقتل الشباب المسلم في السجون والميادين قبل الثورة وبعد الثورة , على أن يحاكموا محاكمة إسلامية علنية عادلة .
رسالة لشباب الإسلام من المخدوعين من السلفيين والإخوان
ثم أطلقت الرسالة أيضا تحذيرات للسلفيين والإخوان ، فكما وقفت موقف المناوئ والمعارض للعلمانية المصرية ، تري ان بعض فصائل التيار الإسلامي خدعوا من العلمانية وأتباعها وجروهم إلي الفساد الفكري الذي يصل بالضرورة للفساد العقدي .
حيث ذكرت الرسالة " أفلا يرى الإخوان والسلفيون أنهم يفتنون في كل عقد أو عقدين مرة أو مرتين بأيدي العلمانيين ؟
ويضيف عشوش " وكان الأولى بالإخوان والسلفيين أن يوقنوا بقول الله عز وجل : (إن الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ .كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) "المجادلة 20-21"
فإن الغلبة بفضل الله وتقديره لرسل الله ولأتباعهم ممن يسيرون على صراطهم ويتمسكون بنهجهم , أولئك الذين قال الله عز وجل فيهم : (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) "المجادلة 22"
وتؤكد الرسالة بأن هذه ليس شماتة في الإخوان والسلفيين بل دعوة للمراجعة فتقول الرسالة "لا نقول هذا شماتة بالإخوان والسلفيين , ولكن بيانا للحق , واستخلاصا للدرس , وهداية للأتباع الذين يتابعون على عماية قادة لا يحفلون بدينهم بقدر ما يحفلون بمناصبهم ومراكزهم السياسية .
ووجه رسالة لهؤلاء الشباب فقال" لا تسمعوا إلى هؤلاء العلمانيين المحركين للفتن , ولا تخرجوا معهم ولا تستجيبوا لخداعهم , فإنهم أعداء دينكم , وخصماء الإسلام , وأولياء الغرب وعيونهم في بلادنا .
عقيدتنا في مواجهة العلمانية
وطرحت الرسالة معني العقيدة كما يرونها فيقول عشوش :" عقيدتنا وعقيدة الشعب المسلم في مصر أن الإسلام عقيدة وشريعة , شريعة مهيمنة وحاكمة على غيرها من الشرائع , وأنه لا شرعية لدستور أو قانون يخالف أحكام الشريعة الإسلامية , فالشريعة والسنة فوق الأمة والدستور" .
ويستكمل فيقول " وهذه حقيقة راسخة لا يمكن تجاوزها , وكل من يتجاوز هذه الحقيقة أو يحاول القفز عليها فإنما هو محارب لله ورسوله , ومن حارب الله حُرب , ومن غالب الله غُلب , فللإسلام رب يحميه , وشعب يجاهد في سبيل الدفاع عنه , فليحذر الذين يخالفون عن أمر الله أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) "النور 63 "
كما حملت الرسالة العلمانيين مسئولية الأحداث الراهنة، فقال عشوش في نهاية الرسالة " كما أنني أحمّل قادة العلمانيين المحركين للفتن كل النتائج التي يمكن أن تترتب على ما يحيكونه من فتنة ومؤامرة , كما أننا نحمّلهم تبعة الدماء التي أريقت , والتي يمكن أن تراق ."
نقد و رؤية
ما قدمته الرسالة يتفق عليه كثير من الإسلاميين نحو الموقف من العلمانية ، كمذهب من حيث الفكر والتكوين والموقف من الدين ، ورغم حدة التناول الذي يقدمه دائما منظر السلفية الجهادية الشيخ احمد عشوش ، لكنه أغفل جزء هام في التناول الفكري للعلمانية في محيطها العربي والإسلامي علي الإطلاق وهو أنواع العلمانية .
فنجده يصنف كل العلمانيين في خندق واحد وهذا خطاء فكري وعقدي في غاية الخطورة فيقول في رسالته " وكل هؤلاء علمانيون أقحاح , فلا خيار في العلمانيين بين علماني وآخر , كما أنه لا خيار في المشركين بين مشرك ومشرك , فلا ولاية بين مسلم وجاهلي , ولا ولاية بين من يريد الشريعة وبين من يعادي الشريعة , لا ولاية لمن يجعل الحكم خالصا لله ومن يجعل الحكم خالصا للبشر ."
والحقيقة أن كبار علماء العقيدة فرقوا بين المذاهب بعضها البعض ، بل ووصل الأمر داخل المذهب العقدي الواحد فنري تفريق بين الشيعة الأثيني عشرية والزيدية في كتابات الشهرستاني وابن حزم حول الفرق بين الفرق ، هذا علي سبيل المثال .
بل إن النبي صلي الله عليه وسلم فرق بين المشركين بعضهم البعض وقال عن عمه أبو طالب " أقل الناس عذابا يوم القيامة"، وفي معركة بدر قال النبي صلي الله عليه وسلم" لو أن المطعم ابن عدي كان حيا ثم سألني هذه الرؤوس النتنة لوهبته إياها "، وكان المطعم مشركاً.
"ليسوا سواء"
"ليسوا سواء"، هذه هي القاعدة الإسلامية بل تحدث المولي عز وجل عن أهل الكتاب فقال " منهم أمة قائمة يتلون آيات الله " وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة ، أما ماعدا ذلك ففيه نظر ، و الذي يجعل الإيمان شيئا واحدا ويجعل الكفر شيئا واحدا، كمن يضع البيض كله في سلة واحدة ، ويقع في مخالف للمنهج الأصيل لفكر الإسلامي القويم ، فمن المفكرين من يقول بالعلمانية الجزئية كالمسيري مثلا و الطيب اردوغان رئيس وزراء تركيا .
والحقيقة، يجب التفريق بين العلمانيين واتجاهاتهم ومواقفهم فلا ينبغي وضع أيمن نور مع البردعي ، ونوال السعدوي مع جميلة إسماعيل وكمال ابو المجد مع حمدين صباحي لأننا بذلك نقيم الأمور تقيما فيه غبن للمواقف والآراء .
وعلي سبيل المثال يقسم د عبد الوهاب المسيري العلمانية إلي :
العلمانية الجزئية:
هي رؤية جزئية للواقع لا تتعامل مع الأبعاد الكلية والمعرفية، ومن ثم لا تتسم بالشمول، وتذهب هذه الرؤية إلى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة، وربما الاقتصاد وهو ما يُعبر عنه بعبارة "فصل الدين عن الدولة"، ومثل هذه الرؤية الجزئية تلزم الصمت حيال المجالات الأخرى من الحياة، ولا تنكر وجود مطلقات أو كليات أخلاقية أو وجود ميتافيزيقا وما ورائيات، ويمكن تسميتها "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية".
العلمانية الشاملة:
رؤية شاملة للواقع تحاول بكل صرامة تحييد علاقة الدين والقيم المطلقة والغيبيات بكل مجالات الحياة، ويتفرع عن هذه الرؤية نظريات ترتكز على البعد المادي للكون وأن المعرفة المادية المصدر الوحيد للأخلاق وأن الإنسان يغلب عليه الطابع المادي لا الروحي،ويطلق عليها أيضاً "العلمانية الطبيعية المادية"(نسبة للمادة و الطبيعة). ويعتبر الفرق بين ما يطلق عليه "العلمانية الجزئية" وما يسمى "العلمانية الشاملة" هو الفرق بين مراحل تاريخية لنفس الرؤية، حيث اتسمت العلمانية بمحدوديتها وانحصارها في المجالين الاقتصادي والسياسي حين كانت هناك بقايا قيم مسيحية إنسانية، ومع التغلغل الشديد للدولة ومؤسساتها في الحياة اليومية للفرد انفردت الدولة العلمانية بتشكيل رؤية شاملة لحياة الإنسان بعيدة عن الغيبيات ، واعتبر بعض الباحثين "العلمانية الشاملة" هي تجلي لما يطلق عليه "هيمنة الدولة على الدين".
ابن تيمية والآخر
كما أن هناك عملا فكريا رائعا أعده الداعية الشاب عائض الدوسري وقدمه المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة بعنوان "ابن تيمية والآخر" يجب أن يراجعه كاتب هذه الرسالة بشكل جدي ليتعرف كيف تعامل العلامة ابن تيمية مع مخالفيه حتي من الكفار فيقول ابن تيمية علي سبيل المثال (هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله فيَّ بتكفير، أو تفسيق، أو افتراء، أو عصبية جاهلية؛ فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتماً بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكماً فيما اختلفوا فيه).
أما النقد الثاني، وهو عن عرض تاريخ العلمانية في مصر بهذه الطريقة المتعجلة في رسالة بدون توثيق الأحداث فهذا يعمل علي الإخلال بالمضمون ، فهذه ليست خطبة جمعة أو درس في ميدان الثورة يجلس الشيخ وإتباعه من المؤيدين المتحمسين المعجبين به وينصرفون بدون إعمال العقل وإطلاق الذهن، فقط يتحمسون ويوافقون .
هذا حكم تاريخي ثم شرعي علي العلمانية المصرية لابد وان يكون موثقا بالأدلة التاريخية والمنطقية السليمة من علماء التاريخ الثقات ، وأقول الموثوق بهم في هذا المجال وليس غيرهم من المؤرخين الإسلاميين المتحيزين بشكل عام ، مع العلم أن كثير من الأحداث التي ساقتها الرسالة صحيحة ولكن أدلتها التفصيلية منقوصة ، فيجب أن توضح في سياقاتها حتي لا يتهم هؤلاء بأنهم يتحدثون مع أنفسهم .
و في النهاية نترك الحكم للقارئ الكريم فقد نقدم هذه الرسالة ليتعرف الرأي العام علي فكر وثقافة هذا الفصيل من الإسلاميين الهام والمتواجد علي الساحة.