المتابع لما سمي بأزمة النائب العام، يجد أن أغلب ما نشر في الإعلام لم يكن دقيقا، رغم أن التعبيرات المختلفة لا تؤدي إلى نفس المعنى، ووصف قرار معين يجب أن يكون دقيقا، فإذا تصور البعض أن قرار التعيين من وجهة نظره يماثل الإقالة، فإن هذا لا يعني أن القرار الذي صدر أصبح قرار إقالة وليس تعيين. ولكن المشكلة الأكبر في نظري، أن تلك المغالطات لا تشارك فيها أغلب وسائل الإعلام فقط، سواءً عن قصد أو دون قصد، ولكن يساهم فيها أيضا الشخصيات العامة. فمثلا ترددت على ألسنة كثيرة العديد من المعلومات المتعارضة عن الالتماس الذي قدمه مجلس القضاء الأعلى للرئاسة، ورغم أن وثيقة الالتماس نفسها موجودة ومصورة ومنشورة، إلا أنه تكرر نفي وجودها، بصورة تتعارض مع الحقيقة. والمشكلة هنا ليست في حجم ما يصل للناس من معلومات مغلوطة فقط، بل أيضا في عدم وجود قواعد للعمل العام، تجعل الالتزام بدقة المعلومات أمر مفروض على الجميع، كما يجعل كل الأطراف مسئولة عن دقيق المعلومة حتى تصل إلى عامة الناس الحقيقة كاملة. ومن الغريب في هذا المناخ، أن يهتم البعض بقانون شفافية المعلومات، وكأن توفر المعلومة الصحيحة كافي لنشرها بين الناس، مع أن التجربة تؤكد أن المعلومة الصحيحة إن لم تكن مفيدة لوسيلة الإعلام أو الشخصية العامة، فهي لا تنشر، وربما ينشر عكسها تماما، في تجاهل واضح للوقائع والبيانات والمعلومات المعروفة والمتاحة بالفعل. ولعل مؤسسة الرئاسة هي من أكثر الجهات التي تعاني من نشر المعلومات المغلوطة، والحقيقة أن مجلس الشعب عانى من نفس المشكلة، والغريب أيضا، أن اللجنة التأسيسية تعاني من حصار بالمعلومات هائل، وربما يفوق الوصف. ومن الواضح أن كل كيان أو شخصية عامة منتخبة، يتم حصارها بالمعلومات المغلوطة لتشويه صورة من ينتخبه الناس، وهي محاولة لتغيير مواقف عامة الناس في الانتخابات، من خلال نشر المعلومات المغلوطة. لذا فهي حرب إعلامية حقيقية، لا تقل عن أي شكل من أشكال الحروب والنزاعات الداخلية، لأنها حرب تورط المجتمع كله في حالة من التوتر والخوف، وتفسد على الناس حياتهم، بل وتفسد عليهم ثورتهم. فهي بهذا المعنى، تعد حربا أهلية إعلامية، يراد من خلالها تصفية خصومات سياسية، وتحقيق انتصارات سياسية. لذا يصبح من مسئولية الرئاسة والحكومة أن تبدأ في هجوم مضاد، يهدف إلى كشف المعلومات الدقيقة، وتروجها وتنشرها وتكرر نشرها مرات ومرات، وتضبط تصريحات المسئولين، بحيث تكون أغلبها مكتوبة وليست شفهية. فمن حق الناس أن تعرف الحقيقة، لذا تصبح المبارزة في كشف الحقيقة، هي الحل الأمثل لمواجهة السباق الإعلامي المحموم على نشر المعلومات المغلوطة.