هناك علاقة وثيقة بين قرار نتنياهو تبكير موعد الانتخابات التشريعية ومخططاته تجاه إيران. فمن الواضح أن نتنياهو يرغب في الحصول على «تفويض شعبي» لمواجهة المشروع النووي الإيراني، حيث إن تنصيب نتنياهو كرئيس للوزراء مجدداً يمنحه القدرة على فرض خياراته ورؤيته في التعاطي مع المشروع النووي الإيراني، مع العلم أن معظم المستويات السياسية والأمنية في «تل أبيب» كانت تعارض حماس نتنياهو لتوجيه ضربة عسكرية لإيران. ويتضح مما صرح به نتنياهو ومقربوه، فإن مواجهة المشروع النووي الإيراني، والحرص على ضمان منع طهران من امتلاك سلاح نووي سيكون أهم بند يلف البرنامج الذي سيخوض نتنياهو الانتخابات على أساسه. في الوقت ذاته، فإن تبكير الانتخابات وإجرائها في يناير القادم يسهل على نتنياهو التراجع عن الوفاء بتعهده بالعمل ضد المشروع النووي الإيراني عسكرياً، في حال تبين له حينها أن المخاطر الناجمة عن ضرب المشروع النووي الإيراني أكبر من المكاسب، مع العلم أن نتيناهو قد أعطى الانطباع في تصريحاته الأخيرة بأنه في حال لم توقف إيران مشروعها النووي حتى الربيع القادم، فإن «إسرائيل» ستتحرك عسكرياً ضدها. ولا يمكن هنا تجاهل مخاوف نتنياهو من أن يسمح إجراء الانتخابات في موعدها المحدد للرئيس الأمريكي باراك أوباما بالتدخل في الانتخابات الإسرائيلية بشكل يصعب على نتنياهو مهمة تحقيق النصر. نتنياهو لا يريد المخاطرة بإجراء الانتخابات في موعدها؛ لأنه يعتقد جازماً أن أوباما سيحاول الانتقام منه بسبب تدخله الفظ في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح رومني، وتحديه الإدارة الأمريكية في كل ما يتعلق بمتطلبات تحقيق تسوية سياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. من هنا جاء قرار نتنياهو بتبكير موعد الانتخابات حتى لا يعطي لأوباما –في حال تمت إعادة انتخابه– الفرصة للتأثير في نتائج الانتخابات الإسرائيلية. علاوة على ذلك، فإن لدى نتنياهو مخاوف من فشله في الفوز في حال أجريت الانتخابات في موعدها الطبيعي في فبراير 2014. فنتنياهو سعى لتبكير الانتخابات لقطع الطريق على أي فرصة لإعادة توحيد معسكري الوسط واليسار الصهيوني تحت قيادة واحدة، مع العلم أن هذين المعسكرين يعيشان حالياً حالة من التشظي غير مسبوقة. ويخشى نتنياهو أنه في حال تم إجراء الانتخابات في موعدها الطبيعي أن يتم منح الفرصة لهذين المعسكرين بالتوحد، ولاسيما في ظل الدعوات التي يطلقها مثقفون في اليسار والوسط لتوحيد الطاقات في مواجهة نتنياهو. وأكثر ما يثير الفزع في نفس نتنياهو هو أن يتوحد اليسار والوسط تحت قيادة رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، الذي تمت تبرئته مؤخراً من تهم فساد كبيرة، وهذا سيقلص من فرص نتنياهو بالفوز. من هنا، فإن نتنياهو يحاول استغلال حقيقة أن أولمرت خارج الحلبة السياسية حالياً، لأنه يعي أن أولمرت هو السياسي الإسرائيلي الوحيد، الذي يمكن أن يعرض نفسه كبديل عن نتنياهو كمرشح لإدارة شؤون الكيان الصهيوني، مع أن جميع استطلاعات الرأي العام التي أجريت بعد صدور قرار تبكير الانتخابات تؤكد أن نتنياهو سيتغلب أيضاً على أولمرت. إن أكبر تحد يواجه نتنياهو، وهو يستعد للانتخابات القادمة يتمثل في المعارضة الداخلية التي يواجها داخل حزبه الليكود، حيث شهد العقد الأخير تنامي تأثير مجموعة تابعة للتيار الديني الصهيوني داخل الحزب بشكل كبير. صحيح أن هذه المجموعة لا تشكل في الوقت الحالي تحدياً لقيادة نتنياهو للحزب، لكنها في الوقت ذاته تسعى لإحراجه في أمرين هامين، وهما: التأثير في تركيبة قائمة الليكود البرلمانية، وإضفاء مزيد من التطرف على البرنماج السياسي للحزب. ونظراً لأن الليكود يختار مرشحيه للبرلمان في انتخابات تمهيدية يشارك فيها منتسبو الحزب، فإن مجموعة التيار الديني الصهيوني بقيادة موشيه فايغلين قد نجحت في تنسيب الآلاف من عناصر هذا التيار، بحيث إنهم يصوتون بشكل جماعي لمرشحين محددين. ونظراً لأن هذه المجموعة تستند في مواقفها الأيدلوجية إلى الإرث الديني اليهودي في نسخته الأكثر تطرفاً، فإنها تحرص على دعم مرشحين يتبنون منطلقاتها ويصرون على إملاء مواقفها على نتنياهو، بشكل يقلص من قدرته على المناورة السياسية في مواجهة الخارج. وقد بلغت هذه المجموعة من القوة إلى درجة أنها أحبطت قبل خمسة أشهر خطة لنتيناهو لتعيين أحد مقربيه رئيساً للجنة التنفيذية لليكود. لقد زعم نتنياهو في بيانه الذي أعلن فيه تبكير موعد الانتخابات أن «المسؤولية الوطنية» هي التي أملت عليه هذا القرار؛ لأنه أدرك أنه لم يعد من الممكن تمرير «موازنة مسؤولة» للدولة، حيث إنه اتهم الأحزاب، ولاسيما المشاركة معه في الائتلاف بمحاولة فتح إطار الموازنة الحالية بشكل يزيد من العجز في المستقبل، من أجل تأمين مصالح جمهور ناخبيها. لكن من الواضح أن هذا ليس الدافع الحقيقي وراء القرار.