أولمرت وليفنى يتحدان لإسقاط نتنياهو بعد موافقة الكنيست الشهر الماضي علي طلب الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود الحاكم بحل نفسه استعداداً لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في يناير المقبل بدلاً من أكتوبر 2013 أثير العديد من التساؤلات حول الهدف من وراء هذا القرار، والحقائق المعلنة والخفية تتعلق ليس فقط بمسألة الميزانية بل بعوامل أخري محلية وإقليمية، فضلاً عن التداعيات المتوقعة علي خريطة الأحزاب والتحالفات فقد تكون هناك مفاجآت واردة تحول الانتخابات التي يتصور نتنياهو أنها في يده إلي كارثة عليه. أعلن نتنياهو عن تبكير الانتخابات في التاسع من أكتوبر الماضي، وعلي أثرها وافقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع خلال جلستها الأسبوعية في 14 أكتوبر علي هذا القرار، معلنة يوم 22 من يناير المقبل موعداً لإجراء الانتخابات العامة، بدلا من موعدها المقرر في أكتوبر 2013 فضلاً عن تصويت الكنيست في افتتاح دورته الشتوية يوم 15 من أكتوبر الجاري علي قانون لحل نفسه. وعلل رئيس الوزراء الإسرائيلي طلبه من الكنيست حل نفسه بسبب عجزه عن إقراره مشروع ميزانية الدولة لعام 2013 بسبب خلافات الحكومة الائتلافية وهو ما عجل من إجراء الانتخابات لإنهاء هذه الخلافات مع حزب "كاديما" المعارض وباقي شركاء "الليكود" في الحكم، اذ كان من المفترض أن يشمل هذا المشروع اجراءات تقشفية صارمة كان من شأنها أن تثير تذمراً لدي شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي, وهذا ما لا يريده أي سياسي يطمح في خوض الانتخابات. وزعم نتنياهو أن حكومته هي الأكثر استقراراً في السنوات الأخيرة وأنه نجح في الحفاظ علي أمن المؤسسة الإسرائيلية وعلي اقتصادها وعلي الاستقرار السياسي فيها. وأعلن أن حزب الليكود اليميني الذي يرأسه سيخوض الانتخابات القادمة علي قائمة واحدة مع حزب إسرائيل بيتنا الذي يرأسه وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان ستحمل اسم " ليكود بيتنا". وتشير استطلاعات للرأي أن نتنياهو سيفوز بالانتخابات إذا لم تتحالف أحزاب الوسط واليسار. ويرجح الخبراء فوز نتنياهو برئاسة الحكومة لعدة أسباب وهي شعبيته الكبيرة داخل الكيان الإسرائيلي، واستفادته من الأحداث العالمية والإقليمية التي تجري حالياً، خاصة تلك التطورات التي طرأت علي البرنامج النووي الإيراني، للتغطية علي الأوضاع الداخلية في إسرائيل، حيث أصبح توجيه ضربة استباقية وقائية للمنشآت النووية الإيرانية، بدلاً من الحديث عن العجز في الميزانية الذي قد يؤدي إلي حل الحكومة. وعلي الجانب الآخر، هناك من يعتبرون أن نتنياهو استبق الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة لكي يضمن عدم وجود منافس قوي له علي الساحة السياسية في الوقت الراهن، إلا أن بعض استطلاعات الرأي تفيد بوجود مؤشرات قوية لإمكانية خوض سلفه وخصمه إيهود أولمرت الانتخابات، خاصة بعد إعلان أولمرت ووزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني اتفاقهما علي ضرورة العمل سوياً وتوحيد صفوفهما، لاتخاذ إجراء لتغيير القيادة في إشارة إلي ما أسمياه وضع إسرائيل المتردي تحت قيادة نتنياهو، ملمحين إلي التوتر مع واشنطن بشأن كيفية التصدي لبرنامج إيران النووي والجمود الدبلوماسي مع الفلسطينيين. كما اتضح أن نتنياهو قد دعم الحصان الخاسر في الانتخابات الأمريكية ومن ثم سيكون بعدها عرضة لعدائية مدفوعة بالرغبة في الانتقام من قبل إدارة أوباما، وهذا ما أكدته مجلة "الإيكونوميست" الأمريكية، أثناء مثول المجلة للطبع، في تقرير يفيد تأثير نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أجريت أمس الثلاثاء علي تحديد شكل الانتخابات الإسرائيلية، ففي حالة فوز الرئيس الديمقراطي باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية، قد يجد أولمرت أن العودة مرة أخري إلي منصب رئيس الوزراء أمرا لا يقاوم، مشيرة إلي أن هناك رغبة لديه في خوض الانتخابات، علي الرغم من أن المحاكمة التي يخضع لها حاليا في قضية الفساد "هوليلاند" وتهم الرشوي وأمور قانونية أخري عالقة. وتحسباً لوقوع هذا السيناريو أطلق أعضاء ووزراء في الليكود حملة لمنع اولمرت من التنافس في الانتخابات المقبلة علي أساس إدانته بهذه الجريمة. أما في حالة فوز المرشح الجمهوري ميت رومني سيجعل نتنياهو، الصديق الوفي والقديم لرومني، محصناً من احتمالات مواجهة أولمرت خلال الانتخابات المقبلة. وأشارت مجلة "تايم" الأمريكية، في تقرير للكاتب كارل فيك تحت عنوان "الانتخابات الإسرائيلية المقبلة"، أنه رغم تصور نتنياهو إنه سيكون الفائز في الانتخابات المبكرة التي دعا إليها، قد تكون هناك مفاجآت واردة، وتتحول تلك الانتخابات التي يريد الفوز بها إلي كارثة عليه. حيث إن الأحداث المتعاقبة والمتلاحقة في الشرق الأوسط، وكذلك الأوضاع الداخلية في إسرائيل، قد تقلب الأمور رأساً علي عقب أمام نتنياهو، فهناك عدد كبير من الناخبين لا يؤيدون صقور إسرائيل أو حمائمها، ويبحثون عن حزب وسط معتدل لا يهتم ببناء مزيد من المستوطنات في الضفة الغربية ولا يميل للدخول في حرب مع أي من أطراف النزاع، بل يهتم بالأوضاع الداخلية لإسرائيل. وهؤلاء الناخبون هم من يركز عليهم نخبة من الإعلاميين الإسرائيليين الذين يتحركون بقوة لمنافسة نتنياهو عبر جذب عدد كبير من الشباب وأبناء الطبقة الوسطي الساخطين علي سوء الأوضاع الاقتصادية. ويري محللون سياسيون، أن الفترة المتبقية علي موعد إجراء الانتخابات ليست بالقصيرة في جو سياسي مشحون وقد تكون مليئة بالمفآجات وتغيرات للوضع. غير أن الاعتقاد السائد لدي المحللين هو أن نتنياهو كان صائباً في حساباته عندما اتخذ القرار بتقديم موعد الانتخابات، خاصة وأن رجال الليكود الحاكم يخشون من قيام أحزاب الوسط واليسار بالائتلاف مع بعضها وهو خيار ما زال مطروحاً بقوه حتي الآن، وهو أمر يقلق نتنياهو شخصياً. كما أن القضية الأمنية أحد أهم المبررات لإجراء انتخابات مبكرة، حيث يري رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن تل أبيب تواجه مخاطر وتحديات في محيطها الإقليمي وحالة من عدم الاستقرار السياسي أو الأمني، فضلا عن الملف النووي الإيراني، مما يستوجب إجراء انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة جديدة قادرة علي مواجهة هذه التحديات الأمنية المحيطة بإسرائيل، ويشير خبراء سياسيون إلي أن الحديث يدور الآن في الدولة العبرية علي ترتيب الملفات بين الملف الإيراني والتغييرات التي طرأت علي منطقة الشرق الأوسط وثورات الربيع العربي. وهناك حقائق غير معلنة وراء تقديم الانتخابات مرتبطة بالوضعين الإقليمي والدولي، فنتنياهو يحاول تصدير مأزقه الداخلي وعزلته الخارجية وصورته القاتمة أمام الرأي العام العالمي بوصفه معطلاً للمسيرة السلمية ومجهضاً للمفاوضات المجمدة منذ أشهر بسبب رفضه وقف الاستيطان والالتزام بحدود عام 1967 كما أنه لم يفلح في إقناع أوباما بشن حرب علي إيران رغم كافة الضغوطات التي مارسها علي البيت الأبيض، وفي الأفق يلوح رومني؛ المرشح الجمهوري المتوافق كلية مع السياسة الإسرائيلية تجاه إيران، ويبدي استعدادا كبيرا لشن حرب علي إيران وإعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط وفقًا للرغبات الإسرائيلية. نتنياهو يطمع بقوة بسقوط أوباما وفوز رومني، فنتنياهو يريد أن يحصل علي تفويض شعبي من خلال ائتلافه الجديد للتصدي لأي معارضات داخلية فيما يخص إيران خاصة من جانب النخبة العسكرية والعديد من القيادات السياسية الرافضة لاستخدام العمل العسكري ضد إيران. هذا فضلاً عن معالجة الملفات الأمنية الأخري مثل التعامل مع مستجدات الشأن السوري خاصة فيما يتعلق بترسانة الأسلحة الكيماوية التي تري إسرائيل أنها تشكل تهديدا لا يقل في خطورته عن النووي الإيراني. هذا بجانب حزب الله وقطاع غزة وحماس.