نشرت النسخة الالكترونية من صحيفة الواشنطن بوست على صفحتها الأولى في 1/12/2007 تقريراً من ألفي كلمة تقريباً وضعه محرر شؤونها الخارجية كريغ وتلوك يؤكد فيه، اعتماداً على "وثائق وسجناء سابقين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومحامي دفاع ومسؤولين أمريكيين سابقين"، بأن مبنى المخابرات العامة الأردنية في منطقة الجندويل في عمان قد تم استخدامه كمعتقل للمخابرات المركزية الأمريكية CIA منذ عام 2000، وأن اثني عشر متهماً بالإرهاب على الأقل من غير الأردنيين، ممن تمكن محرر الشؤون الخارجية للواشنطن بوست من توثيق حالاتهم، قد تم اعتقالهم والتحقيق معهم في مبنى المخابرات العامة الأردنية، وبعض هؤلاء يقول أنه تعرض للتعذيب خلال وجوده في الأردن.
ويضيف التقرير أن "محطة عمان" كانت محطة سرية لإيداع من تعتقلهم السي أي إيه خارج الولاياتالمتحدة لمدة أيام أو أشهر ريثما يتم نقلهم إلى غوانتنامو أو معتقلات أخرى للسي أي أيه حول العالم.
.. أو أنهم مطلوبون للسي أي إيه اعتقلوا وهم يمرون – ترانزيت – من مطار عمان الدولي.
وكان أخر هذه الحالات المعروفة لكاتب التقرير حالة معتقل فلسطيني هو مروان الجبور الذي تم نقله من معتقل سري للسي أي إيه عام 2006 إلى الجندويل ليتم إطلاق سراحه بعدها بأسابيع في غزة!
ويقول تقرير الواشنطن بوست أيضاً أن المخابرات العامة الأردنية تعتبر "أكثر شريك موثوق للسي أي إيه في العالم العربي"، وأنها قد تلقت الكثير من المساعدات المالية والعينية لهذا السبب، وأن العلاقة قد تعمقت بين الطرفين خلال السنوات الماضية وسط إشادة المسؤولين الأمريكيين بعمق معرفة نظرائهم الأردنيين بالقاعدة والشبكات الإسلامية الراديكالية.
أما بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد تعمقت العلاقة لسبب أخر، حسب مسؤولين سابقين في أجهزة "مكافحة الإرهاب" الأمريكية وحسب مدافعين أردنيين عن حقوق الإنسان، وهذا السبب هو "سمعة المحققين الأردنيين في إقناع المشبوهين المتكتمين بالاعتراف، ولو كان ذلك يعني استخدام تكتيكات تعسفية يمكن أن تنتهك القانون الدولي أو الأمريكي"!
ويعلق التقرير نفسه بأن مسؤولي إدارة الرئيس بوش يصرون بأنهم لا يسلمون المشبوهين بالإرهاب لدولٍ يمكن أن تعرضهم للتعذيب، بيد أن تقارير حقوق الإنسان السنوية الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية نفسها تشير إلى اتهامات متزايدة باستخدام التعذيب من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية.
ويشير تقرير الواشنطن بوست إلى أن المخابرات العامة ووزارة الخارجية الأردنية لم تجيبا على طلبات الصحيفة بإجراء مقابلات مع مسؤوليهم لإجلاء النقاط الواردة في التقرير.
أما مسؤولي السي أي إيه فقد رفضوا التعليق على علاقتهم مع المخابرات العامة الأردنية، لكنهم دافعوا عن سياسة تحويل المتهمين بالإرهاب إلى دول أخرى سراً، وهي السياسة المعروفة بالإنكليزية باسم rendition.
وقد تطورت العلاقة، حسب الواشنطن بوست، بالأخص منذ 11 سبتمبر 2001، لأن وكالة المخابرات المركزية سي أي إيه لم يكن لديها الكثير من الأماكن لوضع كل الذين اعتقلتهم خارج الولاياتالمتحدة، ولم يفتتح معتقل غوانتنامو حتى بداية عام 2002، واحتاجت حتى ربيع عام 2002 لتؤسس شبكة سجونها السرية حول العالم، ومن هنا بدأت طائرات السي أي إيه تنقل من تتهمهم أمريكا بالإرهاب إلى الجندويل.
وتفسر الواشنطن بوست ذلك، نقلاً عن بعض محامي دفاع المعتقلين وناشطي حقوق الإنسان الأردنيين، "في أمريكا، الناس يساءلون الدولة عن أي انتهاك للقانون، أما في الأردن، فلا أحد يسأل..."
ويتابع التقرير، نقلاً عن أحد محامي الدفاع، بأن هناك تقارير شبه مؤكدة بأن السي أي إيه تدير محطة اتصال بالأقمار الصناعية من داخل مجمع المخابرات العامة الأردنية... وأضاف نفس المحامي، حسب الصحيفة، بأن التعذيب يتم استخدامه طبعاً، ولكن السبب الرئيسي لنقل المتهمين بالإرهاب من حول العالم إلى الأردن ليس التعذيب، بل مدى معرفة المخابرات الأردنية بالحركات الإسلامية.
وينتهي تقرير الواشنطن بوست بملخص عن المشكلة التي جرت في صيف عام 2006 بعدما قال مفتش الأممالمتحدة، السيد نوفاك، بعد زيارته لسجن المخابرات العامة، ومقابلته مع عددٍ من السجناء السابقين، أن عدداً من وسائل التعذيب يتم استخدامها هناك ومنها الصدمات الكهربائية والحرمان من النوم بالإضافة إلى تقنيات "الفروجة" و"الفلقة". وكان قد نقل عن نوفاك قوله وقتها أن مسؤولي المخابرات العامة الأردنية أنكروا التهم الموجهة للجهاز بأن مجمعهم في الجندويل يتم استخدامه كمعتقل سري للسي أي إيه. ويشار إلى أن الحكومة الأردنية أصدرت بياناً رسمياً في 10/10/2006 تقول فيه بأن تهمة ممارسة التعذيب غير صحيحة.
ولكن الواشنطن بوست نقلت عن السيد مسعد عمر بهاري، وهو مواطن سوداني كان يقيم في فيينا، النمسا، بأنه تعرض للاعتقال خلال مروره من مطار عمان الدولي عام 2003، وبقي مسجوناً قرابة ثلاثة أشهر تعرض خلالها للتعذيب الشديد، ومنه أحد المرات التي ضرب فيها بالعصي بشدة على قدميه وهو معلق من رجليه، رش بعدها بالماء البارد، ثم فرض عليه أن يمشي على أرض مغطاة بالملح... أما موضوع التحقيق، فكان نشاطات مسعد عمر في فيينا، وكان قد تعرض للتحقيق قبلها من قبل الأجهزة الأمنية النمساوية والأمريكية حول نفس الموضوع...
فحتى لو افترضنا بعد كل هذا عدم حدوث أي تعذيب، لماذا تعتقل الأجهزة الأمنية الأردنية مواطناً غير أردني غير مدان بجريمة أو مطلوب للبوليس الدولي، للتحقيق معه في قضايا لم تحدث على أرض الأردن ولا تمس الدولة الأردنية من قريب أو بعيد؟!
لا تعليق!
وكنت قد كتبت في مقالة نشرت بالسبيل الأردنية في بداية شهر 12/2005 ما يلي:
" على ذمة صحيفة الواشنطن بوست في 18/11/2005، وصحيفة الأل إيه تايمز في 11/11/2005، وغيرها من المصادر الغربية على الإنترنت، قامت الأجهزة الأمنية الأمريكية منذ ضربات 11 سبتمبر 2001 بتوظيف الأجهزة الأمنية العربية والإسلامية بشكل مباشر في خدمتها بذريعة محاربة الإرهاب، في سياق استراتيجية أمنية أمريكية عامة تقوم على مبدأ زيادة "علاقات الارتباط" مع الأجهزة الأمنية الأجنبية، عوضاً عن محاولة القيام بكل المهمات الأمنية بجهود أمريكية محض."
"وإذا كان التعاون الأمني بين بعض الأجهزة الأمنية العربية والإسلامية والأجهزة الأمنية الغربية قديماً، فإن الجديد هو الطريقة التي بات يدار فيها هذا التعاون، حسب هاتين الصحيفتين. فالسي أي إيه باتت تشرف مباشرة على العمليات الميدانية اليومية، وعمليات الرصد والاختراق والاعتقال والاغتيال، التي تقوم بها بعض الأجهزة الأمنية العربية والإسلامية بعد أن تخططها الأجهزة الأمنية الأمريكية. وحسب الواشنطن بوست "القدم التي تدفع الباب أجنبية" ولكن مراكز مكافحة الإرهاب الاستخبارية التي تقودها السي أي إيه، المنتشرة في عشرات الدول حول العالم، والمرتبطة جميعاً بمركز مكافحة الإرهاب الرئيسي في قاعدة السي أي إيه في لانلي في ولاية فرجينيا الأمريكية، هي التي تشرف على الأمر كله من الألف إلى الياء". * http://www.freearabvoice.org/arabi/maqalat/WashentonPost.htm