مبارك قبل تقديم "تسهيلات عسكرية" وأمريكا أرادت "قواعد".. هل هناك فارق بينهما؟! الباز: وفد أمريكى طالب مصر عام 1982 بقاعدة عسكرية فى رأس بناس على البحر الأحمر لتستخدمها أمريكا لحماية منابع البترول فى الخليج.. ورفضنا بصرف النظر عن مدى صحة وحقيقة حديث مبارك واتهامه للمشير أبو غزالة بالسعى لإقامة قواعد أمريكية فى مصر حيث لم يؤكد محاميه فريد الديب -كالعادة- صحة الحديث من عدمه، وهو ما اعتاد عليه الديب منذ الحديث الشهير لمبارك مع قناة العربية والذى تسبب فى حالة عداء أشد ضد مبارك. وبصرف النظر عن رأى المسلمانى وانتقاداته لمبارك؛ حيث تفتقد قيمتها بسبب كونه أحد تابعى "إعلام بلاط القصر" حتى الأيام الأخيرة للمخلوع، فإن موضوع مثل إقامة قواعد عسكرية أمريكية فى مصر، وما يرتبط به من محاولة تشويه أبو غزالة يجب أن يكون محل تعليق وتوثيق لتعلقه بجزء من تاريخ وسيادة مصر. عن مدى وجود قواعد عسكرية أمريكية فى مصر من الواضح أن السادات كان صاحب الاستعداد الأكبر لتقديم هذه الهدية الكارثية لأمريكا على حساب مصر، وليس عجيبا أن يحدث ذلك وكيسنجر يقول فى مذكراته إننى كنت أطلب من السادات مطالب وتنازلات فأجده يقدم أكثر مما أطلب أو أتخيل أن يوافق عليه. وللإجابة على السؤال بصورة موثقة نعرض لما جاء فى رسالة الدكتوراه للسفير شعبان محمد محمود شعبان، حيث سرد له د. أسامة الباز نموذجا للصلف الأمريكى كأحد مظاهر سياسة الولاياتالمتحدة ضد مصر. ففى عام 1982 -أى بعد عام واحد من تولى مبارك الحكم- جاء إلى مصر وفد أمريكى رفيع المستوى برئاسة نيكولاس فاليوتس مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط -وصاحب الشتائم الذى وجهها لمصر عندما كان سفيرا لبلاده بالقاهرة إبان أزمة الباخرة الحربية إكيلى لاورو-، وكان الوفد الأمريكى يضم كبار قادة الجيش والبحرية والقوات الجوية الأمريكية بالإضافة لكبار المسئولين بالمخابرات الأمريكية ووزارتى الدفاع والخارجية. وقد عقد اجتماع سرى بقصر عابدين برئاسة أسامة الباز، وضم ممثلين عن وزارة الدفاع والمخابرات الحربية والمخابرات العامة. وكان الوفد الأمريكى جاء بخطة متكاملة لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية فى رأس بناس على البحر الأحمر لقربها من منطقة الخليج ولتستخدمها أمريكا للتصدى لأى مخاطر تهدد منابع البترول فى دول الخليج ولمجابهة تهديدات النظام الإيرانى بالمنطقة، واستخدام القاعدة لتخزين معدات عسكرية ووجود قوات أمريكية، مع حظر دخول المصريين عسكريين أو مدنيين. وتشاور الباز مع أعضاء الوفد وأجمعوا على رفض الطلب الأمريكى، وهو ما أعلنه الباز، وهنا أخرج فاليوتس خطابا كان السادات قد أرسله إلى الرئيس الأمريكى جيمى كارتر حول استعداد مصر لتقديم كافة التسهيلات للولايات المتحدة فى حالات الطوارئ، وسأل دكتور الباز عما إذا كانت مصر تحترم التزاماتها. ورد د. الباز بأن مصر تحترم أى التزام يتعهد به رئيسها، ولكن يبدو أن واشنطن أساءت فهم الخطاب؛ حيث إن هناك فرقا كبيرا بين تسهيلات وقاعدة عسكرية، وأن مصر سبق أن منحت الولاياتالمتحدة تسهيلات باستخدام قاعدة رأس بناس العسكرية عندما أرادت واشنطن شن حملة لتحرير الرهائن الأمريكيين فى سفارتها فى طهران عام 1981. هذا وإذا كان قد تم رفض طلب القاعدة الأمريكية مع استمرار تقديم التسهيلات، تجدر الإشارة إلى موقف آخر للباز عن تسهيلات السادات، بأنه عام 1979 طلبت أمريكا تصريحا دائما بمرور السفن الحربية الأمريكية التى تحمل مواد وأسلحة نووية فى قناة السويس بدلا من بتقديم طلب فى كل مرة. واجتمع الباز بعدد من الخبراء العسكريين والمدنيين فى هذا المجال للوقوف على المخاطر خاصة فى حالة حدوث تسرب إشعاعى، وعندما توجه للسادات للحديث عن الطلب الأمريكى بادره السادات بعلمه بالطلب وموافقته عليه، واستمر الأمر إلى انتهز د. الباز فرصة خلاف مع أمريكا و"سخّن" السادات حتى عاد التصريح بمرور السفن الحربية مع كل حالة بدلا من التصريح الدائم. جانب آخر لموضوع القواعد أو التسهيلات التى قدمتها مصر لأمريكا فى المجال العسكرى وقد تابعته عن قرب، فمع مطلع حرب الخليج الأولى تم اتهام الأستاذ عادل حسين بسبب ما كتبه عن الإمدادات الأمريكية من الأراضى المصرية لضرب العراق، كما تم اتهام الزميلة الصحفية هدى مكاوى -مندوبة الجريدة "الشعب" بالمطار- لما كتبته عن تخصيص مطار القاهرة القديم للتحركات العسكرية الأمريكية فى حرب الخليج ونقل الطائرات المدنية للمطار الجديد مقابل وعد أمريكى بالمساهمة فى تخفيف خسائر قطاع الطيران والسياحة فى مصر الناجمة عن حرب الخليج. وكنت متابعا للمحاكمة عن قرب بحكم العمل والصداقة الشخصية والعداء لأمريكا وعدوانها، وانتهت القضية والتى كانت أمام محاكمة عسكرية برئاسة العميد وجدى الليثى بالبراءة، وهو ما يعنى صحة ما كتباه بالجريدة، هذا فضلا عما كتبه الأستاذ مجدى أحمد حسين مؤخرا عن وجود قواعد عسكرية أمريكية فى مصر. وبجانب هذه التسهيلات وافق مبارك على مشاركة قوة مصرية فى الحرب بمنطقة "حفر الباطن" على الحدود السعودية - العراقية، وهو ما يستوجب الكشف عن عدد ما قدمناه من ضحايا لصالح الاعتداء الأمريكى والذى استمر جاثما بالمنطقة كلها حتى اليوم. أما عن موضوع تشويه مبارك للمشير أبو غزالة فهو أمر كان متوقعا، خاصة لقضاء مبارك على كل منافسيه، ولعل هذا كان وراء إيثار المرحوم منصور حسن للإقامة الدائمة بالخارج، وقد كان من أبرز المرشحين للرئاسة خلفا للسادات. وقد تزايدت شعبية وجماهيرية أبو غزالة بصورة خيالية، خاصة مع ما قيل عن متابعته للأنشطة الرياضية والنادى الأهلى، وكان يحمل "كاريزما" لا تتوافر فى مبارك. وقام نظام مبارك بمحاولة تشويهه ببث شائعات عن علاقته بلوسى آرتين صاحبة القصة الشهيرة، والتى أطاحت باللواء حلمى الفقى من رئاسة الأمن العام ومساعده اللواء فادى الحبشى، وأذكر أننى توجهت لمقابلة لوسى آرتين فى سجن النساء بالقناطر، والتقيت أيضا والدتها، كما تحدثت مع القاضى المتهم فى قضيتها والذى أحيل للتقاعد بتهمة قبول هدايا أو رشوة، وقد صدر قرار بحظر النشر وقتها، مما حجب الحوارات والتحقيقات الصحفية التى قمت بها، وما توصلت إليه هو براءة المشير أبو غزالة من كل ما نسب له زورا حول علاقته بلوسى آرتين، وأن الزج باسمه كان متعمدا لتشويهه أمام الرأى العام، هذا وقد انتقل المشير أبو غزالة إلى رحمة الله وذمة التاريخ. ترى هل هناك فارق كبير بين وجود قواعد عسكرية عن تقديم مساعدات إذا أرادت القوات الأمريكية ضرب أى هدف سوى أن الأولى تمثل احتلالا مباشرا قد يكلف المتواجدين داخل القواعد حياتهم بفعل مهاجمة الوطنيين، والثانية يعد احتلالا عن بعد يحقق أهداف القواعد العسكرية ذاتها دون خسائر؟ وهل التسهيلات التى هى عوضا عن القواعد. يتم استخدامها لضرب دول أوروبية أم لضرب الدول العربية والإسلامية فى المنطقة؟ ترى هل لدينا جهة ما لجمع كل ما يكتب من شهادات وتمحيصها لكتابة التاريخ الحقيقى لمصر، والذى لا نعرف حقيقة ما جرى فيه حتى فى العصر الذى نعيشه؟ ومتى يتم فرز الأبطال عن الخونة ونضع كل منهما فى كفة الميزان التى يستحقها؟