محافظ أسيوط يستقبل مساعد وزير الصحة ويتفقدان مستشفى بني محمديات بأبنوب    جامعة قناة السويس تصنف من أفضل 6.5 % جامعة عالميا وفقا لتصنيف CWUR 2024    حالات الحصول على إجازة سنوية لمدة شهر في قانون العمل الجديد    ارتفاع سعر الذهب العالمية عند أعلى مستوى في 30 يوما    نزع ملكية قطعة الأرض رقم «27س» لإقامة جراج متعدد الطوابق عليها    الكيلو ب 285 جنيها.. تموين جنوب سيناء يوفر لحوم طازجة بأسعار مخفضة    أستاذ طب وقائي يحذر من زيت الطعام المستعمل: مادة خطيرة تدخل في تبييضه    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    البحيرة: توريد 188 ألف طن قمح للشون والصوامع حتى الآن    البيئة تناقش تطوير معالجة المخلفات الطبية    أمين عام الجامعة العربية: نرفض كل التحركات الإسرائيلية في رفح الفلسطينية    قصر «الصخير» يحتضن أول قمة عربية في البحرين.. ماذا نعرف عنه؟    الرئيس الصيني: بكين وموسكو تدافعان عن السلام والنظام العالمي والدور المركزي للأمم المتحدة    إعلام فلسطيني: شهيد ومصابون في قصف إسرائيلي استهدف وسط مدينة رفح الفلسطينية    مراسل «القاهرة الإخبارية»: مستشفيات غزة قد تتوقف عن العمل خلال ساعات    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    صدام جديد مع ليفربول؟.. مفاجأة بشأن انضمام محمد صلاح لمعسكر منتخب مصر    بعد حل أزمته مع التوأم، تعرف على موعد انضمام محمد صلاح إلى معسكر المنتخب الوطني    موعد مباراة المصري والبنك الأهلي بالدوري الممتاز والقناة الناقلة    مترو الأنفاق ينفي وجود اى حالات انتحار داخل المحطات    السجن المشدد 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه لمتهمين بحيازة 6 طرب حشيش في الشرقية    استبعاد رئيس لجنة بالشهادة الإعدادية بالمنوفية بعد تداول ورقة امتحان الجبر    52.6 مليون جينه إجمالي إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في دور السينما    فرقة فاقوس تعرض "إيكادولي" على مسرح قصر ثقافة الزقازيق    يسري نصر الله يحكي تاريخ السينما في مهرجان الفيمتو آرت الدولي الثالث للأفلام القصيرة    الأحد.. الفنان عمر الشناوي حفيد النجم كمال الشناوي ضيف برنامج واحد من الناس    سرطان الأمعاء: ملامح الحالة وأعراضها بعد إصابة برواس حسين    «الرقابة الصحية»: حل 100% من شكاوى المنتفعين ب«التأمين الشامل» خلال أبريل    مواعيد مباريات اليوم الخميس 16 مايو 2024 في الدوري المصري والبطولات العالمية    نجم الترجي السابق ل«أهل مصر»: الأهلي مع كولر اختلف عن الجيل الذهبي    اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    روسيا تعلن إحباط هجوم أوكراني بصواريخ أمريكية على شبه جزيرة القرم    ياسمين عبدالعزيز تنشر صورة مفاجئة: زوجي الجديد    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    تداول 10 آلاف طن و585 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    تطور جديد في قضية سائق أوبر المتهم بالتحرش بفتاة التجمع    تنظيف كبدة الفراخ بمكون سحري.. «هيودي الطعم في حتة تانية»    طريقة عمل دجاج ال«بينك صوص» في خطوات بسيطة.. «مكونات متوفرة»    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    «سلامتك في سرية بياناتك».. إطلاق حملة «شفرة» لتوعية المجتمع بخطورة الجرائم الإلكترونية    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    غارات إسرائيلية على منطقة البقاع شرق لبنان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    إبراهيم عيسى: "في أي لحظة انفلات أو تسامح حكومي البلاعات السلفية هتطلع تاني"    محمود عاشور يسجل ظهوره الأول في الدوري السعودي    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    قدم الآن.. خطوات التقديم في مسابقة وزارة التربية والتعليم لتعيين 18 ألف معلم (رابط مباشر)    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟ أمين الفتوى بجيب    بوتين يصل إلى الصين في "زيارة دولة" تمتد ليومين    4 سيارات لإخماد النيران.. حريق هائل يلتهم عدة محال داخل عقار في الدقهلية    رسميا.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya جميع الشعب مباشر الآن في محافظة القليوبية    منها البتر والفشل الكلوي، 4 مضاعفات خطرة بسبب إهمال علاج مرض السكر    «فوزي» يناشد أطباء الإسكندرية: عند الاستدعاء للنيابة يجب أن تكون بحضور محامي النقابة    الدوري الفرنسي.. فوز صعب لباريس سان جيرمان.. وسقوط مارسيليا    كم متبقي على عيد الأضحى 2024؟    مباشر الآن.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة القليوبية    قصور الثقافة تطلق عددا من الأنشطة الصيفية لأطفال الغربية    حسن شاكوش يقترب من المليون بمهرجان "عن جيلو"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصّ العهد النبوى لنصارى نجران ملزم للمسلمين فى كلّ مكان وزمان
نشر في الشعب يوم 19 - 06 - 2013

فى قراءة متأنية لنص العهد النبوى لنصارى نجران استوقفنى أمران شكليان؛ الأمر الأول هو أن العهد لم يكن لنصارى نجران حصرا، إنما للمسيحيين عموما. والأمر الثانى هو أن الالتزام الإسلامى بنص العهد لم يكن محددا بمسلمى الفترة الزمنية التى صدر فيها، ولكنه نص ملزم لكل المسلمين فى كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة.
يؤكد الأمر الأول ما ورد فى مقدمة العهد حيث يقول: «هذا كتاب أمانٍ من الله ورسوله، إلى الذين أوتوا الكتاب من النصارى، من كان منهم على دين نجران، وإن على شىء من نحل النصرانية، كتبه لهم محمد بن عبد الله، رسول الله إلى الناس كافة؛ ذمة لهم من الله ورسوله».
ويؤكد الأمر الثانى قوله: «إنه عهد عهده إلى المسلمين من بعده. عليهم أن يعوه ويعرفوه ويؤمنوا به ويحفظوه لهم، ليس لأحد من الولاة ولا لذى شيعة من السلطان وغيره نقضه ولا تعديه إلى غيره، ولا حمل مئونة من المؤمنين، سوى الشروط المشروطة فى هذا الكتاب. فمن حفظه ورعاه ووفّى بما فيه، فهو على العهد المستقيم والوفاء بذمة رسول الله. ومن نكثه وخالفه إلى غيره وبدله فعليه وزره؛ وقد خان أمان الله، ونكث عهده وعصاه، وخالف رسوله، وهو عند الله من الكاذبين».
فى ضوء العهد النبوى إلى المسلميين عامة، وفى ضوء الإلزام النبوى بنص العهد للمسلمين عامة، وفى ضوء اعتبار من يخالفه أو ينكثه أو يبدله عاصيا لله ولرسوله، من المهم التوقف أولا أمام بنود العهد، ومن ثم مقارنتها بواقع العلاقات الإسلامية - المسيحية وبدور المرجعيات الدينية الإسلامية فى التعامل مع هذا الواقع.
ينص العهد فى ما ينص عليه (*):
أولا- «أن أحمى جانبهم -أى النصارى- وأذبّ عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح حيث كانوا من جبل أو واد أو مغار أو عمران أو سهل أو رمل».
ثانيا- «أن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا؛ من بر أو بحر، شرقا وغربا، بما أحفظ به نفسى وخاصتى، وأهل الإسلام من ملتى».
ثالثا- «أن أدخلهم فى ذمتى وميثاقى وأمانى، من كل أذى ومكروه أو مئونة أو تبعة. وأن أكون من ورائهم، ذابا عنهم كل عدو يريدنى وإياهم بسوء، بنفسى وأعوانى وأتباعى وأهل ملتى».
رابعا- «أن أعزل عنهم الأذى فى المؤن التى حملها أهل الجهاد من الغارة والخراج، إلا ما طابت به أنفسهم. وليس عليهم إجبار ولا إكراه على شىء من ذلك».
خامسا- «لا تغيير لأسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا سائح عن سياحته، ولا هدم بيت من بيوت بيعهم، ولا إدخال شىء من بنائهم فى شىء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين. فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله وحال عن ذمة الله».
سادسا- «ألا يحمل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبد منهم، أو لبس الصوف، أو توحد فى الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئا من الجزية أو الخراج».
سابعا- «لا يجبر أحد ممن كان على ملة النصرانية كرها على الإسلام»؛ «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ». ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم الأذى حيث كانوا من البلاد».
ثامنا- «إن أجرم واحد من النصارى أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره والمنع والذب عنه والغرم عن جريرته، والدخول فى الصلح بينه وبين من جنى عليه. فإما مُنّ عليه، أو يفادى به».
تاسعا- «لا يرفضوا ولا يخذلوا ولا يتركوا هملا، لأنى أعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين».
عاشرا- «على المسلمين ما عليهم بالعهد الذى استوجبوا حق الذمام، والذب عن الحرمة، واستوجبوا أن يذب عنهم كل مكروه، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم، وفيما عليهم».
حادى عشر- «لهم إن احتاجوا فى مرمة -ترميم- بيعهم وصوامعهم أو شىء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها -ترميمها، أن يرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون ذلك دينا عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم ووفاء بعهد رسول الله موهبة لهم ومنة لله ورسوله عليهم»(**).
لن أفيض أكثر من الحديث عن هذا الموقف الدينى المبدئى الشرعى التأسيسى لعلاقات المسلمين بالمسيحيين. وهو موقف التزم به الخلفاء الراشدون من بعد النبى عليه السلام، ولعل من أشهر المواثيق التى تؤكد هذا الالتزام، العهدة العمرية لمسيحيى القدس. والمنح التى قدمها الأمويون لمسيحيى دمشق لبناء كنائسهم.
ثم إنه إضافة إلى هذه الثوابت الدينية الملزمة، هناك موقف إسلامى عام ملزم أيضا يتمثل فى حديث للنبى محمد (صلى الله عليه وسلم). فعندما سئل: من هو المسلم، أجاب: «المسلم من سلم الناس (أى كل الناس بصرف النظر عن الدين أو اللون أو العنصر أو الثقافة) من يده ولسانه». فلا أذية بعمل (باليد) ولا أذية بكلمة (باللسان). وإذا كان هذا هو الموقف العام تجاه الناس كافة، فكيف يجب أن يكون من أولئك الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم أقرب مودة للذين آمنوا، والذى ربط هذه المودة الإيمانية بأن « مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ».
إذا عرضنا واقع العلاقات الإسلامية - المسيحية اليوم فى ضوء ما تتسم به من مظاهر سلبية هنا أو هناك، لا نستطيع إلا أن نتساءل: هل المرجعيات الدينية الإسلامية نجحت فى نشر هذه المبادئ فى الثقافة الدينية العامة، وهل عملت على تكريسها فى السلوك اليومى للمسلمين؟ يحملنا على طرح هذا السؤال. أحداث ووقائع تتوالى فصولا فى دول عربية مثل العراق، وفى دول غير عربية مثل نيجيريا، وفى دول إسلامية مثل ماليزيا، تشير إلى ما يتناقض، أو إلى ما لا ينسجم، مع المبادئ والقيم النبوية الملزمة للمسلمين جميعا. ويعود ذلك إما إلى الجهل بهذه الالتزامات، أو إلى تجاهلها. وتاليا إلى تغييبها عن الثقافة العامة فى بعض المجتمعات الإسلامية. ولو أنها كانت حاضرة ومؤثرة وفاعلة كما يجب، لما امتدت يد لاغتيال كاهن هنا أو راهب هناك. وما فجرت كنيسة هنا أو بيت مسيحى هناك.
ولأن الطبيعة لا تعرف الفراغ، فإن تغييب هذه الثقافة يشرع الأبواب أمام ثقافة أخرى معاكسة، يمليها الجهل بالثوابت الإيمانية ويملى مبادئها التطرف والغلو بما هو كراهية الآخر ومحاولة لإلغائه.
عندما يتعرض الإسلام إلى الافتراء وإلى محاولات التشويه والتضليل، غالبا ما تبادر مرجعيات مسيحية كبرى إلى التصدى لهذه المحاولات وإلى تسفيهها.
من الموقف من منع الحجاب فى فرنسا، إلى الموقف من الفيلم المسىء لرسول الله عليه السلام فى هولندا، إلى الرسوم الكاريكاتورية فى الدانمارك، إلى منع بناء المآذن فى سويسرا.. انتهاء بالدعوة إلى حرق القرآن الكريم فى كنيسة مجهولة فى بلدة صغيرة من ولاية فلوريدا الأمريكية. فقد ارتفعت أصوات مرجعيات مسيحية تندد وتستنكر، من الفاتيكان إلى مجلس الكنائس العالمى إلى مجلس الكنائس الوطنى الأمريكى، إلى اتحاد الكنائس الإنجيلية، إلى مجلس كنائس الشرق الأوسط. وشاركت فى رفع هذه الأصوات مرجعيات دينية يهودية فى الولايات المتحدة وأوروبا.
حتى عندما ارتكبت جريمة 11 سبتمبر 2001 رأينا كيف بادر البابا الراحل يوحنا بولس الثانى إلى استضافة مؤتمر إسلامى - مسيحى فى الفاتيكان من أجل أن يعلن الموقف المبدئى وهو أن «الإجرام لا دين له».
لا شك فى أن هذه المواقف المسيحية الأخلاقية السامية تتعزز وتستقوى بمواقف لمرجعيات إسلامية من قضايا تتعلق بانتهاك حقوق مسيحيين هنا أو بالافتراء على المسيحية هناك، علما بأن مثل هذه المواقف ليست مفترضة على قاعدة المعاملة بالمثل، إنما هى مفروضة على قاعدة الالتزام بالإسلام شرعة ومنهاجا.
من هنا نعود إلى بيت القصيد، وهو أهمية دور المرجعيات الدينية الإسلامية فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر فيها العلاقات الإسلامية المسيحية فى العالم العربى وفى العالم أجمع، فى التعريف بالثوابت الإيمانية النبيلة التى قامت عليها هذه العلاقات منذ العهد النبوى، والتى يجب أن تقوم عليها اليوم وغدا وحتى نهاية الزمن.. ولنا -نحن المسلمين- فى رسول الله أسوة حسنة.
وأخيرا، أودّ أن أختم هذه الكلمة القصيرة بالآية القرآنية الكريمة التى تقول:
« لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ»(***).
------------
(*) مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلافة الراشدة، جمعها محمد حميد الله. دار النفائس - بيروت، الطبعة السادسة 1987.
(**) المرجع السابق نفسه ص 189.
(***) آل عمران 113 و114.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.