قررت كارين هيوز وكيلة وزارة الخارجية الأميركية المكلفة تحسين الصورة السلبية للولايات المتحدة الاميركية في العالم عموما والعربي والاسلامي خصوصا والتي لا يبدو ان مهمتها التي شبهها المحللون الاميركيون منذ انطلاقتها في عام 2005 بالفيلم الأميركي الشهير «المهمة المستحيلة» قد حققت ما هدفت اليه من ازالة الصورة الاميركية السوداء من الذهن العربي والمسلم والتي ازداد سوادا ونزفت المصداقية حتى وصلت الى ادنى مستوياتها بعد الغزو الاميركي للعراق في مارس 2003 وما صاحب هذا الغزو من همجية وجرائم حرب في انحاء العراق الى جانب فضائح سجن ابو غريب الاميركي في بغداد ومعتقل غوانتانامو الاشبه بمعتقلات القرون الوسطى والذي يعيش خارج الزمن وحضارة القرن الحادي والعشرين.
وهي الاستقالة التي احزنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس وحاولت تبرير تخلي مساعدتها التي تعد من اقرب مستشاري الرئيس الاميركي جورج بوش، وعزتها لاسباب«عائلية» في نفس الوقت الذي قالت فيه هيوز التي عملت كمراسلة تليفزيونية في السابق انها ستبقى مستشارة لوزارة الخارجية بعد تركها منصبها.
وأكدت أن هيوز التي كانت أحد أعضاء الوحدة التي شكلها بوش في عام 2002 تمهيداً لغزو العراق ستبقى مستشارة للخارجية بعد تركها منصبها.
وكانت رايس قد حددت مهام هيوز لدى تعيينها في 2005 بأنها «ستقوم بإزالة الصور المشوهة للولايات المتحدة»، وهي مهمة انتقدها الكثيرون باعتبارها تعتمد أساليب التسويق «الاستهلاكي» على «الإنسان المسلم»، واصفين واجبات هيوز بأنها «تنظيف لأوساخ أميركا»، ورأت «مؤسسة راند» آنذاك أن «سوء الفهم ليس سبب تنامي شعور المعاداة لاميركا، بل هو السياسات الأميركية ذاتها». وفي اعتراف غير مباشر كعادة كل الدبلوماسيين والمسؤولين في الادارة الاميركية التي تعتمد الكذب والتضليل اقتربت هيوز من الكشف المسبق عن اسباب الاستقالة وعن الاقرار باستحالة مهمتها التي تتلقى الضربات اليومية عبر سياسات اميركية مزدوجة وذات مكيالين في الملفات التي تتصل بالحقوق العربية والاسلامية، باشارتها قبيل استقالتها إلى أن تحسين صورة الولاياتالمتحدة في العالم يمثل تحديا طويل الأمد ويحتاج عدة سنوات لتحقيقه. كما أن قضية غزو العراق واحتلاله كانت قضية محورية يثيرها معها العرب والمسلمون كلما التقت بهم مشيرة إلى جانب «قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»، وكشفت هيوز أيضا أنها أوعزت للرئيس بوش ووزيرة خارجيته قبل عامين بضرورة إيجاد حل لهذا الصراع الدائر من أجل تحسين موقف الولاياتالمتحدة على الساحة الدولية، وهي هنا تشير الى الانحياز الاميركي الى جانب الاحتلال الاسرائيلي واجندته التي تتبناها الادارة الاميركية وهو ما يعطل السير نحو ايجاد تسوية عادلة خصوصا وان الفلسطينيين والعرب اجمعوا على مبادرة السلام العربية في قمة بيروت واحيتها قمة الرياض، التي يمكن من خلالها اقامة السلام وبناء التعايش المشترك وفق القانون الدولي وعلى قاعدة الامن والسلام المتبادلين بالتساوي.
واستقالة هيوز واحدة من سلسلة استقالات متتالية وصفتها صحيفة «واشنطن بوست» بأنها «هجرة جماعية للمستشارين بعيداً عن بوش، شملت هذا العام هارييت مايرز ودان بارتليت وكارك روف والبرتو غونزاليس وطوني سنو وروب بورتمان وجي دي كراوتش وسارا تايلور وميغان اوسوليفان». وتحسين الصورة الاميركية التي تسعى اليها الادارة الاميركية لن يتحقق قبل انسجام الولاياتالمتحدة مع مبادئها مقاربة قضية الصراع العربي الاسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية التي اساسها احتلا ل وطن وتشريد شعبه، ووقف ازدواجية المعايير في التعامل مع الضحية والجلاد، الانسان العربي والمسلم يحتاج من الادارة الاميركية الى مصداقية في تعاملها مع قضاياه، يحتاجون الى ادارة اميركية لا تفرض عقوبات على شعوب ودول وامم تناضل من اجل الحفاظ على حقوقها بما تكفلة شرعة الاممالمتحدة، واستقلالية قرارها وخصوصيتها وثقافتها، وتنحاز في الوقت نفسه الى الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه، وتعارض في الوقت نفسه الارادة الدولية العامة الداعية الى هدم الجدار العنصري الاسرائيلي الذي يتلوى داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة. والى ان تتمكن الادارة الاميركية من التغلب على فكرها المنحاز ضد العرب والمسلمين وحقوقهم، فلن يتمكن اي من المسؤولين الاميركيين من احداث اي اختراق في جدار الكراهية الذي صنعته السياسة الاميركية الرعناء في اعقاب حملات التضليل والحقد على من يخالفونها الرأي، حتى ان العداء و الكراهية وصلت الى مستويات مذهلة ليس عند العرب والمسلمين فحسب بل عند الاوروبيين ايضا، وهو ما خلص اليه تقرير لاعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بسبب الكيل بمكيالين وغياب العدالة وتزوير التاريخ وخلط المعايير.