احتياطى الغاز يكفى «تل أبيب» ل150 سنة وقيمته 300 مليار دولار يجب مطالبة العالم بوقف دعمه الدولة الصهيونية مادامت غنية ولأنها دولة عنصرية إدراج مليار دولار بالموازنة لإرضاء الأمن والاستيطان وتهدئة الاحتجاجات النهب الصهيونى للغاز العربى يشمل ساحل غزة الذى يسيطر عليه الصهاينة بحريا ملخص: تشكل المكتشفات الإسرائيلية من مصادر الطاقة فى الساحل الشرقى للبحر المتوسط تطورا استراتيجيا مهما، وذلك بحكم حجمها ونوعيتها، وأثرها بعيد المدى على مجمل الأداء السياسى والاقتصادى والأمنى والاجتماعى الإسرائيلى. وإذا كانت فلسفة العمل الإسرائيلية قائمة على أن مصدر الموارد أهم من الموارد نفسها، وأنه لا يجوز مسُّ نموذج الدولة الإنتاجية الراهن، كما لا يجوز التحوُّل إلى دولة ريعية زبائنية، تُضرب فيها قيم العمل؛ فإنه من المرجح أن تكتفى «إسرائيل» بإنتاج ما يغطى احتياجاتها. وستسعى إلى الاستثمار فى تحسين ترسانتها العلمية والصناعية، وتقوية مواردها البشرية. وقد تعطيها الموارد الجديدة مزيدا من الشعور بغطرسة القوة، والإمعان فى ممارسة السياسات العدوانية والاحتلالية وسياسات الهيمنة. غير أنه لا بدّ من التركيز على المكتشفات أمام ساحل قطاع غزة، وما توفره من فُرص اقتصادية، وكذلك الساحل اللبنانى، ومنع التعطيل الإسرائيلى للاستفادة منها. مقدمة: يستدعى تناول هذا العنوان التعرف أولا على عناصره التأسيسية الثلاثة: مصادر الطاقة المكتشفة، وصافى الواردات من مصادر الطاقة، وحجم الناتج المحلى. وفى ضوء علاقة هذه العناصر ببعضها بعضا، يمكن استشراف التحولات الاستراتيجية المرتقبة. هنا، ثمة حاجة إلى استدراك مفاهيمى، هو أن اكتشاف مصادر طاقة فى بلد فقير قد يقلب حياته، على خلاف اكتشاف الحجم نفسه فى بلد متقدم. بكلمة أخرى لا ينبغى قياس التفاؤل اللبنانى أو القبرصى، بشأن أثر مكتشفاتهما من مصادر الطاقة فى اقتصاديهما، على المكتشفات الإسرائيلية؛ ليس بسبب حجم المكتشفات فحسب، بل لاختلاف حجم وطبيعة الاقتصاد الذى تقاس عليه الإضافات الجديدة. تذهب التقديرات إلى أن «إسرائيل» تملك احتياطا من الغاز يكفيها ل150 سنة، تصل قيمته نحو 300 مليار دولار، لكن ما ستستفيد منه «إسرائيل» بشكل مباشر يتوزع على شقين: أ- رفع قيمة «إسرائيل» الائتمانية دوليا، على خلفية أنها دولة تملك مصادر طاقة. ب- ما ستستخرجه لغرض الاستهلاك الداخلى أو الخارجى، من ضمن تحقيق توازن فى مجال الطاقة، كأن تستغنى عن استيراد الغاز من الخارج، وتصدر من الغاز ما يعادل وارداتها من مصادر الطاقة الأخرى كالنفط والفحم واليورانيوم. هذا هو الحد الأدنى الذى سيتوفر ل«إسرائيل» سنويا من موارد إضافية، ما يقتضى التعرف بدقة على صافى وارداتها من مصادر الطاقة. تجارة «إسرائيل» الخارجية من مصادر الطاقة: فى سنة 2011، بلغ حجم واردات «إسرائيل» من مصادر الطاقة 13.6 مليار دولار، مقابل 4 مليارات دولار صادرات، أى بعجز 9.6 مليارات دولار، بمعايير 2011. وعليه، فإن استغناء «إسرائيل» أو إيجاد تغطية محلية لوارداتها من مصادر الطاقة، سيوفر لها سنويا ما يعادل صافى فاتورتها من مصادر الطاقة. نخلص فى ضوء ما تقدم أنه سيكون متاحا للمخطِّط الإسرائيلى، موارد إضافية تساوى 9.6 مليارات دولار سنويا بمعايير 2011، وهو مبلغ يفيض كثيرا عن حجم الناتج المحلى السنوى للضفة الغربية وقطاع غزة مثلا. وكذلك بمعيار التعامل مع الاشتباكات الاجتماعية الداخلية الإسرائيلية حول توزيع كعكة الموازنة، والتى تدور حول مبلغ مليار دولار، لإرضاء الأمن والاستيطان وتهدئة الحراك الاجتماعى الاحتجاجى فى «إسرائيل». «إسرائيل» أمام عبء الأموال السهلة وخطر التحوّل إلى دولة ريعية: تبدو الأمور لمن ينظر نظرة متعجلة وكأن مشكلات «إسرائيل» قد حُلَّت دفعة واحدة مع المكتشفات الجديدة من مصادر الطاقة. أما المتروى، فيدرك أن العقل الاستراتيجى الإسرائيلى، الذى يخاف تاريخيا، من الأموال السهلة، يعرف أن الموارد المضافة راهنا كانت وستبقى أموالا ريعية سهلة! نذكر هنا أن فلسفة العمل الإسرائيلية تقوم على أن مصدر الموارد أهم من الموارد نفسها، وهو ما كان قيل بمناسبة التمييز بين موارد تتأتّى لها من خلال رفع إنتاجية العمل لديها، وبين أموال سهلة تأتى عبر المساعدات الخارجية! ومن ثم فعلى الأرجح أن «إسرائيل» ستتصرف مع الموارد الجديدة محل الحديث، على أنها أموال سهلة، تحمل مخاطر اجتماعية بالغة الخطورة، من جراء رفاه مصطنع يعود إلى الثروات الريعية من باطن الأرض، وليس نتيجة جهد إنتاجى أو إبداعى معادل يحفظ التوازن الاجتماعى. من المرجح أن الثقافة السياسية الإسرائيلية لا تسمح بمس نموذج الدولة الإنتاجية الراهن، والتحول إلى دولة ريعية وما تفرزه من رخاوة اجتماعية وضرب قيم العمل وحلول زبائنية للمشكلات الاجتماعية؛ إذ طالما ألحت «إسرائيل» على أن تكون حلول مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية عبر سياسات تقوم على الربط المحكم بين نمو الإنفاق ومستوى المعيشة وبين نمو الإنتاجية الفعلية وليس الريعية! وهى سياسات تميل إلى تقديم نموذج متقدم فى التعامل مع الثروات الطبيعية. الفوارق البنيوية بين «إسرائيل» وبين قبرص ولبنان: لكن: هل تملك «إسرائيل» بنية اقتصادية تغنيها عن الاستخدام المتسرع للأموال السهلة، أم أن الوضع الاقتصادى على شفير الهاوية؟ يقوم الدليل على أن الناتج المحلى الإسرائيلى، كما ونوعا، يضعها فى مصاف دول العالم الأول، سواء بمعيار متوسط الدخل الفردى، أم بمعيار نوعية الناتج المحلى، لكونه يتأتى أساسا عن قطاعى «التصنيع» و«صناعة المعرفة- الاتصالات والمعلومات»، أو بمعيار أن المصدر الأساس للدخل القومى يعود للعمل، فى دلالة لا تخطئ على كفاءة الموارد البشرية وعدالة التوزيع نسبيا، حسب الكفاءات الفردية. يعادل الوفر المتوقع فى واردات الطاقة، البالغ 9.6 مليارات دولار سنويا نحو 4% من الناتج المحلى سنة 2011، البالغ 244 مليار دولار. ولا تكفى إضافة نمو سنوى بنسبة 4%، إلى جانب النمو الطبيعى، لإحداث تحوَّل استراتيجى فى بنية دولة متطورة، تقررت ملامحها وترسخت. لكن هذه الإضافة تعادل متوسط معدل النمو السنوى الطبيعى خلال العقد الأخير، ما يعنى أن «إسرائيل»، ودفعة واحدة، ستضاعف معدل نموها السنوى مرتين؛ واحدة نتيجة النمو الطبيعى، وأخرى حصيلة الموارد الاستثنائية من مصادر الطاقة. نختم النقطة بالتمييز بين وزن نسبى، تشكله مصادر الطاقة من الناتج المحلى- الثروة المنتجة سنويا أى 4%، وليس بإمكانه إحداث تغيير استراتيجى فى بنية «إسرائيل» ككل، وبين وزن كمّى يُقدَّر بإضافة عشرة مليارات دولار سنويا كفيلة بإحداث ثورة فى قطاعات معينة، ستحظى بحصة الأسد من الموارد المضافة. مستقبل التعامل الإسرائيلى مع مكتشفات الطاقة: تنطلق السيناريوهات الإسرائيلية المحتملة، تجاه موضوع حساس كالذى نحن بصدده، من فلسفة العمل الإسرائيلية الحاكمة لكيفية التعامل بالمبدأ مع الموارد المتاحة، القديم منها أو الجديد، والتى تقوم على إدراك المخاطر الاجتماعية للنموذج الريعى «العالم ثالثى». ولذا، فإن القاعدة التى لم تَحِد «إسرائيل» عنها يوما، هى أن الموارد، أيا كان مصدرها، لا بد وأن تمر من المصدر إلى الاستثمار- الإنتاج أولا، قبل أن تتحول دخلا فرديا. وعليه.. فأين ستذهب الموارد الإضافية المتأتية عن مكتشفات مصادر الطاقة، والمقدَّرة بعشرة مليارات دولار سنويا؟ من المرجح أنه لن تستخرج «إسرائيل» من مصادر الطاقة إلا ما يغطى حاجتها، سواء للاستهلاك الداخلى، أو التصدير لتغطى وارداتها من مصادر الطاقة الأخرى. ويعود ذلك إلى عدم استنزاف مواردها الطبيعية، وكذلك إلى محدودية طاقتها الاستيعابية للرساميل الجديدة، وذلك لأنها مشبعة على الصعيد «الترسملى». إن دليلنا على ما تقدم هو أن التكوين الرأسمالى، أى ما يضاف من أصول ثابتة؛ بلغ 43 مليار دولار، أى 17% من الناتج المحلى سنة 2011. ومن ثم فمع التشبع الاستثمارى، لن يبقى أمام «إسرائيل» سوى التوجه صوب تحديث ترسانتها العلمية والصناعية، من خلال: أ- رفع حصة البحث والتطوير من الموارد المتاحة. ب- تحديث الآلات الراهنة، حتى ولو لم ينقضِ عمرها الافتراضى، لمجاراة آخر التقنيات العالمية واللحاق بها. يترتب على ما تقدم استيعاب مزيد من الطاقة البشرية المؤهلة، ووقف نزف العقول واستعادة الكفاءات المهاجرة للخارج بحثا عن فرص مادية أفضل... إلخ. من جانب آخر يتيح لها استخدام مزيد من التقانة، واستجلاب أحدثها من الخارج، فرصة رفع مستوى الإنتاجية دون حاجة إلى موارد بشرية إضافية. إذًا، من المتوقع أن تُوجَّه الموارد الإضافية المتاحة أولا صوب تطوير الموارد البشرية والتحديث ورفع إنتاجية العمل كخط استراتيجى له الأولوية على ما عداه، بما فى ذلك الأمن، على قاعدة أن احتفاظ «إسرائيل» بتفوقها التكنولوجى وتوسيعه، هو الأمن الحقيقى، والمصدر الذى ينبثق عنه كل أمن آخر، ومنبع كل تفوق آخر. ستتوفر ل«إسرائيل» قدرة أكبر على تدوير الزوايا وإحلال هدوء نسبى على جبهة التجاذب على الموارد بين الاستيطان والأمن، وبين المطالبات الاجتماعية على مختلف أنواعها. وفى هذا السياق، ليس لدى «إسرائيل» شىء كثير تضيفه على صعيد الاستيطان والأمن، إذ إنها سعت دائما لتوفير حاجة هذين الجانبين. ليس من المتوقع أن تلجأ النخبة الإسرائيلية إلى أسلوب الرشاوى الاجتماعية، بالتحوَّل إلى دولة إعالة اجتماعية، فهذا شىء، أما دولة الرعاية الاجتماعية فشىء آخر. يقع فى هذا السياق دعم الشرائح الضعيفة، من خلال برامج محكمة الضبط، كيلا تنزلق صوب دولة الإعالة، أو استفادة غير المستحقين من برامج الرعاية الاجتماعية. إن تخصيص مزيد من الأموال لتطوير الموارد البشرية والتحديث ورفع إنتاجية العمل ونصيبه من الثروة المنتجة، يُعجل على الأرجح انتقال «إسرائيل» من دولة الرعاية الاجتماعية، بمعنى التمكين الاجتماعى، إلى دولة الرفاه المتأتى عن رفع مستوى الدخل كمواز لرفع مستوى إنتاجية العمل، وليس من جراء توزيع المال الريعى. وإن تحسن جودة الحياة فى «إسرائيل» يجعلها أكثر جاذبية للعيش، ما يؤدى إلى خفض الهجرة المضادة منها، ويجعلها تتلقى مزيدا من المهاجرين، ما يحسن الميزان الديموغرافى وتوازنه بين الهجرة إلى «إسرائيل» والهجرة منها. يتناقض الحديث عن رفض سياسة الرشاوى الاجتماعية، مع ما يجرى منذ إنشاء «إسرائيل» مع المتدينين اليهود (الحريديم) الذين عادة ما يعطون مزايا خاصة. غير أنه يمكن افتراض عدم التوسع فيما يعطى لهم من «رشاوى»، أو مده ليغطى فئات أخرى، على خلفية سعى العديد من القوى الإسرائيلية الفاعلة إلى تشكيل شبه إجماع فى «إسرائيل»، على أن التوسع فى إعالة الحريديم، فضلا عن إعفائهم من التجنيد، يفضى إلى هدر موارد بشرية ومالية، كما يؤسس ظاهرة اجتماعية طفيلية تهدد قيم العمل التى تقوم عليها الحياة الاجتماعية فى «إسرائيل. ثمة حصيلة بنيوية لما تقدم، هى ارتفاع تأهيل القوة العاملة الإسرائيلية ودفعها نحو أعلى السلم المهنى، ما يولد حاجة متزايدة لليد العاملة غير الفنية، التى لا مجال لتوفيرها إلا من الخارج، ومن ضمنه الضفة وغزة. لا شك أن تحسن الأوضاع الاقتصادية فى «إسرائيل»، راهنا ومستقبلا، سوف يجعلها أقل حاجة للمساعدات المالية الخارجية، وأعلى قدرة على مجابهة الضغوط الاقتصادية الخارجية، هذا إن وقعت، أو ثار سؤال فى يوم ما حول أن «إسرائيل» تمول برامجها الاستيطانية فى الضفة الغربية بأموال المساعدات الخارجية. ولا شك أن توفير موارد جديدة كبيرة ومديدة ل«إسرائيل» سينعكس إيجابا على حجم القوة الإسرائيلية الشاملة، ومن ثم على ميزان القوى الذى تنطلق منه، وهو ما قد يعكس مزيدا من غطرسة القوة والعدوانية، والممارسات الاحتلالية، ومحاولات فرض الهيمنة فى المنطقة. من جهة أخرى، تطرح «حمى غاز المتوسط» على نحو جدى مسألة غاز ساحل غزة، الذى تَحُول «إسرائيل» دون المضى فى اكتشافه واستخراجه، لما يوفره من تغطية لفاتورة الطاقة الفلسطينية الباهظة نسبيا، التى تُدفع من جراء استيراد مصادر الطاقة. ويكتسب الأمر أهمية عالية ربطا بالأزمة المالية الحالية المتمادية للسلطة الفلسطينية. وأخيرا، ثمة آثار جانبية أخرى لمكتشفات البحر المتوسط، مِثل أن تصيب آثارها بعض دول المتوسط، كتركيا واليونان. غير أنه ليس من الحكمة المبالغة فى عوائد ذلك على دول المنطقة الأخرى عدا «إسرائيل»، أو الظن أنها تكفى لتأسيس تحالفات سياسية لحماية مصالح اقتصادية مشتركة ناشئة مزعومة، لا شك أنها محل مبالغة شديدة. توصيات ومقترحات: - على الرغم من الأهمية الاقتصادية لمكتشفات «إسرائيل» من مصادر الطاقة، باعتباره أمرا ناجزا، فإنه من الضرورى متابعته، ليس كونه مسألة اقتصادية فنية فحسب، بل كحدث له أثر استراتيجى مديد أيضا. - «إسرائيل» دولة غنية، وقد حصلت الآن على موارد جديدة، وهى مع ذلك لا تزال تتلقى مساعدات من الخارج بمليارات الدولارات. إنه لا بد من رفع الصوت لوقف تلك المساعدات، ليس فقط لعدم حاجتها إليها، وإنما أيضا لأنها دولة احتلال عنصرية، قائمة على اغتصاب حقوق الشعب الفلسطينى. - لا بد من طرح ملف غاز ساحل غزة جزءا من هذا الملف وقضية ملحة، على خلفية تداخل المساحات الاقتصادية للأطراف المختلفة، وما يقتضيه ذلك من تحديد رسمى حسب القانون الدولى، وهذا أمر ترفضه «إسرائيل» بذريعة الأمن، لإدامة سرقاتها. ملاحظة: كافة الأرقام المعطاة والنسب المستخرجة الخاصة بالاقتصاد الإسرائيلى؛ الناتج المحلى، والصادرات والواردات، مستخرجة من الكتاب السنوى للإحصاءات الإسرائيلية الرسمية لسنة 2012، أبواب عدة وصفحات مختلفة. * يتقدم مركز الزيتونة إلى الدكتور حسين أبو النمل بخالص الشكر على كتابته النص الأساسى الذى اعتمد عليه هذا التقدير.