الرد السوري ضروري لتأكيد العداء لإسرائيل وتحويل مجرى الأحداث في الاتجاه الإيجابي عسكرة الثورة وتحويل سوريا لأفغانستان كان خطأ استراتيجي يدفع الشعب السوري ثمنه لابد من وقفة اسلامية فقهية مع تنظيم القاعدة الذى أصبحت أضراره على الاسلام أكثر من فوائده هل أصبحت واشنطن عاصمة الخلافة الاسلامية وحكام الخليج هم ولاتها؟ وهل يمكن لأمريكا أن تقف وقفة لله كما قال شيخنا الجليل ؟! هل يمكن إقامة دولة اسلامية مستقلة في سوريا تحت قيادة أمريكا والناتو وبمساعدة اسرائيل ؟ من تحالف مع أمريكا فهو آثم . ومن تعاون مع أمريكا فهو آثم . ومن أخذ منها السلاح فهو خائن كان من المفترض أن أواصل الحديث عن فتنة السنة والشيعة في العراق وكنت قد وصلت إلى مرحلة العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 ، ولكن العدوان الاسرائيلي على سوريا هو التطور الأخطر الآن لأنه يمثل إنعطافا خطيرا ومهما في سياق الأزمة السورية وهو ليس منبت الصلة عما يحدث في العراق ولكننا سنعود بالتأكيد إن شاء الله لمواصلة تحليل الوضع في العراق. وقد كتبت من قبل عن الوضع في سوريا بين الثورة والنظام والتدخلات الأجنبية . وسأذكر بما كتبته مع ربطه بآخر التطورات . أولا : بدأت الثورة السورية في مارس وابريل من عام 2011 وكانت ثورة طبيعية جدا ، سلمية ، تطالب بالحريات الديموقراطية ، وتتشوق للالتحاق بباقي الثورات العربية . ولم تطرح المظاهرات في البداية شعار إسقاط النظام ، بل المطالبة ببعض الاصلاحات والتعديلات في الدستور. وقد أيدنا بشدة هذه الحركة وتعاطفنا معها والتقينا بعناصرها في دمشق وريف دمشق وقطنة وحمص وحماه . واتفقنا على أن شعارات الحركة لابد أن تتضمن المواقف الثابتة ضد اسرائيل والمتضامنة مع المقاومة . ثانيا : تعامل النظام السوري بعجرفة وتسلط وغطرسة واستخدم العنف المفرط مع هذه المظاهرات السلمية ولم يفكر في التحاور مع أحد ، بل سرعان ما انتقل إلى سياسة القبضة الحديدية . ثالثا: عندما فشلت هذه السياسة القمعية وأدت إلى توسع نطاق الثورة ، بدأ النظام متأخرا يعلن استعداده للحوار والتفاوض ، في وقت رفع فيه الثوار سقف المطالب بسبب الدماء التي سالت ، وهذا قانون حدث في كل الثورات العربية . وطلب النظام السوري من بعض الحركات الاسلامية العربية التفاوض مع القوى الاسلامية المعارضة السورية ولكن النظام لم يقدم أي تنازلات وهو يطلب هذه الوساطة ، وقد شاركت من خلال إحدى المنظمات السنية الاسلامية غير السورية في هذه الجهود بشكل محدود وفى حدود تواجدي المحدود في دمشق . وكان لابد لهذه الوساطة أن تفشل لعدم مرونة النظام السوري وعدم تقديمه أي شىء جوهري للناس. رابعا : رغم عنف النظام وشراسته في القمع رأينا أن الثورة لابد أن تلتزم بالطرائق السلمية ونرى لو أن الثورة التزمت بهذا لكانت الخسائر البشرية أقل وكان التعاطف الشعبي داخل وخارج سوريا أكبر . قرار عسكرة الثورة كان كارثة بكل المقاييس . لأنه يؤدى وفقا للتركيبة الطائفية السورية إلى دمار كبير ويعرض البلاد لخطر التقسيم ، ويؤدى كما ذكرنا لخسائر بشرية أكبر بدون حسم سريع في وجود جيش مركزي قوى وكبير ومسلح جيدا ، ويؤدى قرار عسكرة الثورة إلى ضرورة الاعتماد على مصادر تمويلية من دول لتوفير السلاح وتكاليف إدخاله والتدريب عليه وتوفير الذخائر وعقد الدورات وصرف الرواتب والمخصصات ، وتوفير المعدات المساعدة للاتصالات والاسعاف والتمريض والطبابة . وهذا التمويل الضخم يرهن الثوار بمصادر التمويل . وكانت مصادر التمويل أمريكية من حيث القرار وعربية من حيث التنفيذ ، فقد أنفقت دول الخليج حوالى 15 مليار دولار في كل هذه الأشكال من الدعم بالإضافة لإعلان نفير الجهاد لجمع المسلمين من الشيشان إلى فرنسا لقتال النظام السوري باعتباره الخطر الأكبر على المسلمين ( دون أمريكا واسرائيل وفرنسا الذين يقتلون المسلمين كل يوم منذ عشرات السنين ). وإذا كانت دول الخليج مخلصة إلى هذا الحد في دعم الثورات العربية بل في دعم إقامة دولة اسلامية في سوريا ، فلماذا لا تتحمل الرئيس السنى محمد مرسى المنتمي لأكبر تنظيم سنى في العالم الإسلامي ؟ بل لماذا تحاربه بمليارات موازية لتخريب مصر . طبعا عدا قطر التي تلعب دورا مزدوجا متفقا عليه مع الأمريكان ، فهي وحدها التي تساعد مرسى بقدر محدود ، وتخرب سوريا بأموال غير محدودة . وليس معنى ذلك أن أمريكا والغرب لا يمولون المسلحين السوريين بل يتم هذا علنا ولكن بمبالغ بسيطة لا تتعدى عشرات أو مئات الملايين . خامسا : أدت عسكرة الثورة السورية وقد كان ذلك ضد إرادة الكثير من المعارضين السوريين المخلصين ، إلى تحولها إلى حركة مسلحة بلا ضابط أو رابط ، بعضها يتبع قطر وبعضها يتبع السعودية وبعضها يتبع الأردن وبعضها يتبع تركيا وبعضها متصل مباشرة بالناتو وهى كلها شبكة واحدة تتفرع لفروع عديدة ولكن في ظل سيطرة محكمة لغرفة عمليات أمريكية صهيونية غربية . سادسا : تزايدت مع العسكرة النبرة الطائفية والتقسيمية للبلاد ، ودعا مشايخ في مناطق السنة إلى إبادة جنس العلويين وأذاعت الجزيرة والعربية أمثال هذه الكلمات . وبالمناسبة فإن هذه اللهجة تساهم في إطالة عمر النظام لأن الأقليات تدافع في هذه الحالة بأقصى شراسة ممكنة . سابعا : لابد للحركات الإسلامية الرشيدة أن تقف وقفة تقييم حاسمة مع ما يسمى تنظيم القاعدة ، وهو يسمى في سوريا النصرة . واعترف أنني شخصيا كنت من أكثر المتعاطفين مع أسامة بن لادن رغم عدم اتفاقي معه في كل ما يقول أو يعمل . ولكن في حياة بن لادن وبعد استشهاده فقد تحول تنظيم القاعدة إلى وبال على المسلمين وأصبحت مضاره وسلبياته أكثر من إيجابياته ، إن كانت له إيجابيات . ونحن لا نرى إيجابيات إلا في إطلاق النار على العدو المحتل. تنظيم القاعدة خرب الكثير من إيجابيات المقاومة العراقية ، وهو الآن يخرب الثورة السورية . وقد تسربت رسالة من أسامة بن لادن إلى الزرقاوي قبل موته مليئة بالملاحظات العديدة على تطرف الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق الذى كان يستسهل قتل المدنيين من الكفار ويفتى بذلك . ويفتى بقتل عموم الشيعة حتى في المساجد . الاعلام العربي الرسمي موجه لجرائم النظام السوري ولا يتحدث عن جرائم تنظيم النصرة ( القاعدة ) والتي نفرت قطاعات واسعة من أبناء الشعب السوري منهم ، وهذا من عوامل إطالة عمر النظام . دعوة مقاتلين اسلاميين للقتال في سوريا هو نوع من التخريب للثورة السورية لأن هؤلاء لا يعرفون شيئا عن سوريا وطباع الشعب السوري والموزاييك المعقد له ، وهم يعكون الدنيا ، وأيضا يموتون بسهولة لعدم معرفتهم طبيعة الأرض . تكرار تجربة أفغانستان في سوريا أمر في غير محله على الاطلاق . الجهاد في أفغانستان كان ضد قوة عظمى عالمية ( الاتحاد السوفيتي ) وحتى الآن فإن الجهاد الأفغاني ناجح تماما بدون استنفار إسلامي عالمي في إذاقة الويلات لأمريكا وقوات الناتو . لاحظوا أن أحد أسباب الهجرة الواسعة أن أقساما من الشعب السوري وجدت نفسها بين شقى الرحى فتركت البلاد للطرفين : النظام والميليشيات الأجنبية التي تقدر بعشرات الالاف ! ومعركة حلب تدور بين الجيش النظامي وبين مقاتلين معظمهم من خارج حلب ومن خارج سوريا!! سابعا : أخطر تطور في سوريا هو تحول الحلف الأمريكي الصهيوني الغربي إلى القيادة الحقيقية للحركة المسلحة المعارضة و بالتالي لم نعد أمام ثورة بالمعنى المعروف والشرعي ، ورغم معارضتنا الشديدة لممارسات النظام السوري ضد شعبه إلا أننا نفرق بين مرحلتين : المرحلة الأولى للثورة السلمية والنظام مدان تماما في تعامله معها . المرحلة الثانية : حيث أصبحت سوريا تعج بشتى أنواع المحاربين من مختلف الجنسيات ومن تنظيم النصرة المخترق من كل مخابرات الغرب والعرب . كيف لا يخترق تنظيم النصرة وغيره وهم يتعاملون مع الحريري و14 آذار من عملاء أمريكا واسرائيل ، وكيف لا تخترق النصرة وغير النصرة وهى تتعامل مع أجهزة السعودية وقطر والأردن وهى تدار جميعا من المخابرات الأمريكية . كيف لا يخترق الجيش الحر وهو يدرب في قواعد الناتو في تركيا ، وتتم متابعته لاسلكيا داخل سوريا للتوجيه والقيادة . أي ثورة هذه بالله عليكم ؟ إذا كانت هناك فتوى بأن أمريكا أصبحت قائدة العالم الاسلامي وأن أوباما باعتبار أن اسمه حسين هو خليفة المسلمين قولوا لنا حتى نستريح ونقتنع . قولوا لنا أن حكام الخليج أيضا هم الولاة المسلمون المعينون من واشنطن عاصمة الخلافة . ورغم أن الشيخ الجليل يوسف القرضاوي هو شيخي الذى تعلمت على يديه وعلى كتبه ودراساته وسأظل أستفيد منها ما دمت حيا ، وهو أيضا لم يبخل على برعايته ودعمه إلا أن دعوته الأخيرة في خطبة الجمعة أمريكا إلى أن تقف وقفة لله وتتدخل عسكريا في سوريا أمر لم أتخيل أن يخرج من فم العلامة الكبير إلا أنني سمعته بنفسي . فما رأيه الآن بعد الضربة الاسرائيلية لدمشق فهل هي لله أيضا ؟ وهذا ذكرني بموقف المفكر الاسلامي الجليل خالد محمد خالد عندما قال في أزمة العراق : أرحنا بها يا بوش واضرب العراق . الموقف من نظام بشار مشابه تماما للموقف من نظام صدام حسين فكلاهما بعثي علماني ، كلاهما تصادم مع شعبه وقتل منه الكثير ، وكلاهما كانا ضد أمريكا واسرائيل . وعندما تعرض نظام صدام للحصار والغزو من العدو الأجنبي وقفنا مع العراق وطالبنا المعارضة العراقية بالوقوف ومعه ، وطالبنا بالمصالحة الوطنية . وهذا الموقف مسجل ومعروف ( لاحظ وقفة نظام بشار مع صدام حتى سقوطه وما بعد سقوطه) . واليوم عندما يتضح أن معظم العمل المسلح في سوريا يعتمد على دعم وتمويل وتوجيه أمريكا والناتو وعملائهم . ولا نقول الغارات الاسرائيلية الأخيرة على دمشق وحدها . لابد من إعادة تقييم الموقف لا لمناصرة النظام السوري ولكن لرؤية الموقف بشكل صحيح . ودعوة الأطراف السورية والعربية إلى إعادة تقييم الموقف من أجل : توحيد الجبهة الداخلية ضد اسرائيل شريطة قيام النظام السوري بالرد على اسرائيل لأن النظام السوري لم يرد على أي ضربة اسرائيلية ضد سوريا على مدار سنوات . الدعوة لوقف إطلاق النار فورا وخروج القوات غير السورية من سوريا . الشروع الفوري في مصالحة جادة مع المنسقيات الوطنية السورية وكافة رموز المعارضة الوطنية السورية . أي بتفعيل المبادرة المصرية التركية السعودية الايرانية . لابد من استيعاب فكرة وجود أنظمة استبدادية ولكنها مستقلة ومعادية للاستعمار ، وعلينا أن نسقط هذه الأنظمة ولكن بدون إضاعة الاستقلال ! وهذا ما يقتضى كثيرا من الحكمة. ثامنا : الموقف الايراني من الأزمة السورية موقف سياسي في المحل الأول وليس مذهبيا كما يشيع البعض. فالشيعة الاثنى عشرية وهى مذهب الدولة الايرانية وحزب الله لا يمثلون فى سوريا إلا 3% من السكان. وهذا المذهب لا يعترف بالعلوية كمذهب شيعي . وايران تتعامل مع النظام السوري كنظام علماني ، وكما قال الرئيس الايرانى لوفد مصرى فى طهران ( لم أكن في هذا الوفد ولكن روى لي الحاضرون ، ولم أتحدث مع أحمدي نجاد إلا مرة واحدة في القاهرة ) قال لهم أن اهتمام إيران الأساسي بسوريا يرجع إلى أنها ممر لدعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية . وكل القريبين من مباحثات الأزمة السورية يعلمون هذه الحقيقة . ويعلم الجميع أن أول زعيم خارجي للمعارضة السورية كان برهان غليون الذى صرح بأنه وبمجرد الوصول للحكم سيقطع العلاقات مع ايران وحزب الله وسيغلق مكاتب حماس ( كانت حماس لم تغادر دمشق بعد ) . أما زعماء الخارج الذين أتوا من بعده فلم يظهروا موقفا مخالفا . بل كانت تصريحاتهم لينة تجاه اسرائيل بما في ذلك رموز الاخوان المسلمين كالبيانونى من قبيل : إننا لن نحارب اسرائيل ولن نستعيد الجولان إلا بالمفاوضات ، وإننا نعترف بإسرائيل كدولة واقعية وموجودة على الأرض. ********* وأخيرا نحن نرفض وضع تعارض بين حرية الوطن والمواطن ، ولكن نظمنا القومية هي التي وضعت هذا التعارض ونرجو من النظم الاسلامية القادمة ألا توقعنا في هذه العقدة وكأنها مستحيلة الحل . هكذا صادرت النظم القومية الحريات باسم الاستقلال والثورة حدث هذا في مصر عبد الناصر والجزائر وليبيا وسودان نميري والعراق وسوريا واليمن . ولكننا نموت ولا نتعاون مع اسرائيل أو أمريكا ضد الحاكم المستبد لأننا بذلك نخرج عن العقيدة ، وإذا قتلنا الحاكم المستبد نموت شهداء وحسابه على الله . إذا كنتم نسيتم أمريكا نقول لكم هي التي رعت كل الطغاة الذين قتلوكم ، ثم هي الآن ترعى الفوضى في مصر وتونس واليمن ليبيا وسوريا وهى تقتل السنة في اليمن وباكستان وأفغانستان والصومال بالطائرات بدون طيار كل يوم بالمعنى الحرفي للكلمة . فمن تعاون مع أمريكا فهو آثم ، ومن تحالف مع أمريكا فهو آثم ، ومن تلقى منها السلاح فهو خائن . أما حكامنا فنحن كفيلون بتأديبهم والخلاص منهم إذا أخلصنا النية لله . [email protected]