انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف مناطق حيوية في تل أبيب وبئر السبع بإسرائيل | فيديو    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    عيار 21 بعد الانخفاض.. سعر الذهب بالمصنعية اليوم الجمعة في الصاغة    أسعار اللحوم اليوم 3-5-2024 للمستهلكين في المنافذ ومحلات الجزارة    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    طائرات الاحتلال تستهدف محيط مسجد "أبو شمالة" في تل السلطان غرب رفح الفلسطينية    ملف يلا كورة.. قرعة كأس مصر.. موعد مباراتي المنتخب.. فوز الزمالك.. وطلب الأهلي    جمال علام: أناشد جماهير الأندية بدعم منتخب مصر.. والاتحاد نجح في حل 70% من المشكلات    خالد الغندور: محمد صلاح «مش فوق النقد» ويؤدي مع ليفربول أفضل من منتخب مصر    إبراهيم سعيد: مصطفى شوبير لا بد أن يكون أساسي فى تشكيل الأهلي علي حساب الشناوي وإذا حدث عكس ذلك سيكون " ظلم "    أحمد الكأس: سعيد بالتتويج ببطولة شمال إفريقيا.. وأتمنى احتراف لاعبي منتخب 2008    «تغير مفاجئ في الحرارة».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر والظواهر الجوية المتوقعة    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    «دفاع الشيوخ»: اتحاد القبائل العربية توحيد للصف خلف الرئيس السيسي    «زي النهارده».. اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو 1991    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    تحذير شديد اللهجة حول علامات اختراق الواتساب    ميزة جديدة تقدمها شركة سامسونج لسلسلة Galaxy S24 فما هي ؟    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    ماما دهب ل ياسمين الخطيب: قولي لي ماما.. انتِ محتاجة تقوليها أكتر ما أنا محتاجة أسمعها    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بسعر 829 جنيها، فاكسيرا توفر تطعيم مرض الجديري المائي    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    أمين «حماة الوطن»: تدشين اتحاد القبائل يعكس حجم الدعم الشعبي للرئيس السيسي    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    خطوات الاستعلام عن معاشات شهر مايو بالزيادة الجديدة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابتلاء الإسلاميين في عهد الإخوان المسلمين
نشر في الشعب يوم 04 - 05 - 2013

(تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور).

اشتملت هذه الآية من كتاب الله على أحد المعتقدات الراسخة التي تشكّل نظرة المسلم للحياة. إنه ما جاء لهذه الدنيا إلا ليُبتلى، مختبر في كل لحظة من حياته، يستوعب هذا الابتلاء كل تقلّبات عمره، في الضرّاء مبتلى، وفي السراء مبتلى. مبتلى بالشر، ومبتلى بالخير (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون). هو منذ أن بلغ الحلم وحتى يأتيه ملك الموت في هذا الامتحان، يعمل حسابا لذلك اليوم الذي سيعرض فيه على الله، ويجد ما عمل حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا.

أما من اصْطلِح على تسميته (بالإسلامي)، فيُفترض أنه ذلك المسلم الذي يحمل هدفا أكبر من مجرّد القيام بالواجبات وترك المحرّمات، فهو فوق ذلك يحمل بين جنبيه مشروع أمة، يسعى لتمكين دين الله في أرضه وسياسة الدنيا به وإعمار العالم وبناء الحضارة وفق هذا المنهج الإلهي، وبذلك فهو لا شك في ابتلاء أكبر، فهو لما قرر أن يَهِبَ حياته لهذا الهدف، حتى صار عنده أغلى من نفسه وبعض أولاده؛ فإنه صار عليه حارسا. فإذا رأى غيره تسلّم رايته ثم أوشكت أن تسقط من يديه: نَذَر نفسه لحملها من بعده، كما حمل الراية جعفر في اللحظة التي سقط فيها زيد بن حارثة، ثم حملها ابن رواحة في اللحظة التي سقط فيها جعفر، ثم سقط ابن رواحة فأخذها خالد، ففتح الله على يديه.

نحن اليوم نشهد إحدى الحلقات التاريخية على هذا الطريق. لقد وصل التنظيم الإسلامي الأكبر (الإخوان المسلمون) إلى حكم مصر، قلب العالم الإسلامي. إلا أنّهم للأسف لم يقدموا ما يروي غليلنا، فقد اتبعوا سياسة ظنوا أنها ستصلح الحال بعد حين، بينما نحن نرى أنها تتجه بهم نحو سقوط، نستبعد أن تنصلح باتباعها الدنيا أو يُنصر بها الدين.


هنا وجدنا أنفسنا أمام إحدى صور الابتلاء التي لم نتعرّض لها في حياتنا قط، ووجدنا أنفسنا مطالبين بالجواب عن ثلاث أسئلة كبرى، أيسرها أولها، وأصعبها وأخطرها ثالثها وآخرها.

السؤال الأول: هل أؤيد الإخوان في معركتهم ضد العلمانيين ودولة مبارك، أم أعارضهم وأنكرعليهم أخطاءهم التي أراها بعيني رأسي؟

الثاني: إنني إن كنت لابد معارضا، فكيف أعارض، وفيمَ أعارض، ولماذا أعارض؟

الثالث، وهو أخطرها: هل بإمكاني اليوم أن أقدّم شيئا يتجاوز مجرّد المعارضة الإسلامية والنقد بإنصاف؟

والجواب عن كل سؤال من هذه الأسئلة صعب في تحديده، وأصعب منه الالتزام بالجواب وتطبيقه، ومن هنا كان الابتلاء.

دعنا نتناول أول الأسئلة: (أؤيدهم وأنصرهم، أم أعارضهم وأنتقدهم؟)

لو كان المسئول رجلا من النظام السابق، فإنه لن يقع في أدنى حيرة قبل أن يجيبك: "عداوتهم ما حييت". فهو خصم الإخوان الأول، صراعه معهم صراع وجود، يهلكون أو يهلك.

وإن كان المسئول علمانيا، فالصراع مع الإخوان صراع هوية وأيديولوجية، سيبذل الغالي والنفيس حتى لا تقع "الكارثة"، وتصطبغ مصر بالصبغة الإسلامية.

أما إن كان المسئول إسلاميا، فإنه يجد نفسه أمام امتحان للأخلاق، ويجد تجرّده وإخلاصه لله على المحك، وقدرته على تحمّل المسئولية تحت الاختبار.

فهو إذ يقر بانتماء الإخوان إلى التيار الإسلامي، وإن خالفهم في عشرات القضايا، وبكون مرسي يُنظر إليه كرئيس لأول تجربة إسلامية في مصر، وإذ يجد الإخوان في مواجهة قوى علمانية تسعى لطمس هوية البلاد وتغريب المجتمع، وقبل ذلك في معركة حامية الوطيس لا يتوقف فيها الكر والفر ضد دولة مبارك، تلك الدولة التي لم يُشف ظهره من آثار سياط جلاديها، فإنه سيخرج بتلك النتيجة: أن دعم الإخوان واجب، بل تأييدهم فرض عين.

ولكنه في الكفة الأخرى من الميزان، سيجد عددا من العوامل التي تدُعّه إلى معارضة الإخوان دَعّا، كلها ليست إلا فروعا عن هذه المسألة الأم: (سياسة الإخوان التنظيمية والحركية). إنها هذه القواعد والأصول التي تبنتها الجماعة منذ مهدها في العمل والحركة والسياسة، انطبعت في صدور أعضائها كالنقش على الحجر، لم يطمسها الزمان ولم يغيّرها تعاقب الأجيال، من "سرية" و"غياب للشفافية" و"عدم السماح للغير بالمشاركة" و"الرغبة في الاستحواذ" و"الولاء المبالغ فيه للجماعة" و"السمع والطاعة للقيادات، والقيادات فقط". كل هذه القواعد لا يكاد يتحمّل آثارها أحد يتعامل معهم، تخلق حاجزا نفسيا بين الشخص -حتى وإن كان إسلاميا- وبينهم، حتى ولو لم يترتّب عليها أخطاء شرعية أو سياسية، وتجعل بينه وبين الإخوان شعرة توشك أن تنقطع.

ثم يُضاف إلى ما سبق عدد آخر من أصولهم الحركية والتنظيمية، مثل "البطء في اتخاذ القرار" و"النزوع إلى تأجيل المعارك" و"المبالغة في تقدير قوة الخصم" و"الحرص الزائد على المكتسبات" و"الغلو في اتباع سياسة النفس الطويل" و"الإغراق أحيانا في تبني نظرية المؤامرة"، وغير ذلك. هذه الأصول التي تتبعها الجماعة يرى الإسلامي أنها تسببت في أخطاء ظاهرة، كان لها أثر لا تخطئه العين على دنيا الناس ودينهم، وضاعت بسببها فرص ذهبية لتحقيق عدد من أهداف الثورة بل ولزيادة رقعة الشريعة في المجتمع والدولة.

هنا تكاد تتساوى أمامه كفتا الميزان، ويصبح في حيرة من أمره، حيرة في اتخاذ الموقف الحالي، وحيرة كذلك في وضع هدفه الاستراتيجي للتعامل مع الوضع ومع من في السلطة: الإخوان.

تزول الحيرة إن شاء الله إذا أدرك أنه ليس ملزما بموقف واحد على طول الخط، فعليه ألا يتقاعس أبدا عن نصرة حق حمله الإخوان بسبب ما عاناه من إقصائيتهم وغياب شفافيتهم ورغبتهم في الاستحواذ وعدم رضاه عن طريقتهم، فهو لا يسألهم خرجا؛ فخراج ربه خير، بل يظل ممسكا بزمام فرسه، ما أن يسمع بصيحة للجهاد إلا ويهب إليها، قياما بواجب الأخوة لوجه الله، ونكاية في خصوم المشروع الإسلامي.

وفي المقابل، عليه ألا يلجم لسانه عن إنكار منكرهم إذا لم يجد الكفاية من الإنكار قد تحققت. فلا يجاملهم على حساب دينه، ولا يغضّ الطرف عن أخطائهم على حساب مصالح العباد. يقوم بالقسط ويشهد لله ولو على نفسه أو والديه والأقربين.


هنا سنواجه السؤال الثاني:

(إن كنا لابد معارضين منتقدين للإخوان المسلمين، فكيف وفيم ننتقد ونعارض؟)

نأتي من جديد لنفس المعنى. الابتلاء والمسئولية في كل لحظة، والتعبّد لله بكل عمل، ومنه هذا العمل: النقد والمعارضة. لابد إذن أن يكون (أحسن العمل)، فيكون نقدك لوجه الله خالصا، وأن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أبرز معالم ذلك:

1-أنك تنكر عليهم ما حقه الإنكار من مخالفة شرعية ظاهرة أو اجتهاد سياسي خاطئ يعود على دين الناس أو على مصالح العباد بالضرر، فلا يكفي ألا يروق لك فعلهم أو أن يكون سعيهم مخالفا لمصلحة حزبك لتنتقدهم، وإلا لم يكن نقدك لوجه الله خالصا.

2-ثم إنك تنكر عليهم وتناصحهم وقلبك يحمل هذا الخلق النبوي الفريد: أنك تتمنى أن ينتفعوا بنقدك، فتجتهد في إخراجه في أقرب صورة لتحقيق هذا المقصود، فأنت لا تتشفّى فيهم ولا تعاديهم ولا تفرح بتعثّرهم كما يفعل غيرك، بل أنت تتمنى لو انصلح حالهم وسلكوا الطريق المستقيم ليرفعوا عنك الحرج وتُعفى أنت من المسئولية.

3-هكذا ستجد بإذن الله ألف تفسير لأسباب تلك الأخطاء وألف وسيلة لإنكارها والأخذ على يد مرتكبيها قبل أن تلجأ إلى هذ المضيق المظلم: رميهم بالخيانة وطلب الدنيا، والانشغال بسلخهم ليل نهار.

4-وستجد خطابك النقدي أكثر اشتمالا على مناقشة الخطأ لا المخطئ، وستجد نفسك أقدر على فك الارتباط بين التخطئة والتخوين، وستجد نفسك أكثر اهتماما بوضع الحلول والبدائل، غير مكتفٍ بالنقد والإنكار.

سيتميّز أداؤك السياسي تماما عن جبهة الإنقاذ، وخطابك الإعلامي عن هذا الزور المبثوث على قنوات الفلول، ولن تلجأ أبدا إلى السخرية منهم على طريقة باسم يوسف.

سيوفقك الله إلى القيام بهذه العبادة التي قرأنا عنها في الكتب في عهد مبارك ولم نتصوّر أن يأتي اليوم الذي نمارسها فيه بهذه السهولة: أن نقوّم الحاكم إذا أخطأ، وأن نعينه إذا أحسن، فلتستعن بالله وحده على ذلك.

نأتي الآن إلى بيت القصيد، وهو جواب أخطر الأسئلة، وهو:

(أننا إن فرضنا أن نموذج الإخوان قد حوى في أحشائه من الأخطاء ما ستدفع به نحو سقوط في العاجل أو الآجل، فهل نحن أمام الله، بعد أن رفع عنا بفضله وقدرته استضعاف وقهر ستين عاما، هل نحن مطالبون فقط بمعارضة سياسة الإخوان، أو حتى بتجويد النقد وتحرى الإنصاف حال نقدهم، أم أن الله قد هيّأ الأوضاع بعد الثورة لأعمال أبلغ أثرا، تقطع بنا خطوات أوسع من ذلك بكثير في طريق التمكين لدين الله، ولا نتورّط في تضييع هذه الفرصة النادرة؟

سؤال يتوجه إليك أيها الشاب، يا من تتابع الجديد كل ساعة على فيسبوك وتويتر، أرعه سمعك بالله عليك: لقد شاء الله أن يُشهدك هذه السنة الكونية: الإحلال والتبديل، واستلام الراية من الجيل السابق، فهل في جيلنا اليوم من هو على قدر المسئولية لحمل هذا الهم الكبير: قيادة الأمة، يجعله الله للمتقين إماما؟

دعني أختصر لك الطريق وأوقف نفسي وإياك على مسئوليتنا في هذه الحقبة التاريخية.

إنّني سأسير معك حتى تبلغ بي ذروة الرفض لتجربة الإخوان. هب أن مرسي لم يُنتخب أصلا، أو أنه ليس رئيسا إسلاميا لننتظر منه حراسة الدين أو سياسة الدنيا به... السؤال الآن:

هل ذلك يغيّر من هذا المعنى شيئا: أن الله قد أهلك عدونا منذ عامين، ولم يزل ينظر كيف نفعل؟

لا يغيّره والله على الإطلاق. إذن، فحذار أن يراك الله بعد أن رَفَع عنك القيود على نفس الحال التي كنت عليها يوم كانت الأغلال في أعناقنا إلى الأذقان! بل استعذ بالله من أن يراك تقابل هذه النعمة وأنت أشد من ذي قبل إحجاما عن المواجهة ورهبة من تحمّل مسئولية الإصلاح؛ إذن لم تكن صادقا يوم سألته الفرج وتعللت بالتضييق، وعاهدته لئن آتاك من فضله لتتصدقنّ ولتكونن من الصالحين.

إياك أن تصبح نسخة مصغّرة من أولئك السياسيين، الذين أنفقوا عامين لم يقدّموا للبلاد إلا انتقاد الإخوان والسلفيين، فكانوا دائما غير قادرين على إنشاء أي نفع ولا مستعدين لأية مواجهة. يطالبون بتأجيل الانتخابات في 2011، ويطالبون بتأجيلها في 2013! فليس لديهم مشروع، إنما مجرّد تصيد هنات وتزيّد في توصيف زلّات.

إياك أيضا أن تسلك طريقا مشابها لذلك الذي سلكه كبار المنشقّين عن الإخوان، الذين أنفقوا هذين العامين لا همّ لهم إلا القسم بالله أنهم قد طلّقوا الجماعة ثلاثا! فاهتموا بشكليات لا تسمن ولا تغني من جوع، وحاولوا إرضاء أقصى اليمين وأقصى اليسار، فخرج منتجهم في منتهى الميوعة، لا لون ولا طعم ولا رائحة.

إنما كن أيها الحبيب على مستوى الحدث. والله ما سقط مبارك إلا وكُتِب علينا أشد الابتلاء، وما كان وصول الإخوان للسلطة إلا قدرا من تخفيف لهذا الحمل عنا، فإذا ما رأيناهم غير قادرين على حمله، وجب علينا النهوض، فقد أُلقِي الهم على كاهلنا من جديد، وضاقت علينا الدائرة، وصار المطلوب منا أكبر وأجَلّ، فإياك أن تفرح بسقوطهم إن لم تكن جاهزا لسد مكانهم، إذ غياب البديل سيعني سقوط المشروع الإسلامي لعقود تأتي، ولست من اللوم على التقصير بمعزل.

جيلنا يتسلّم القيادة يا شباب، وزماننا ينتظر منا ما هو أعظم وأجل شأنا من التفرّغ لأخطاء الإخوان أو الدعاء عليهم أن فعلوا كذا وقصّروا في كذا! زماننا ينتظر رموزا تتبع، وأعمالا تغيّر وجهه، فاعقل هذه المعاني واعقد عليها قلبك، ثم اختر لما تبقى من عمرك الطريق الذي تراه أبرأ لذمتك أمام ربك.

موقفين وعاهما قلبي، منهما أبصرت هذا المعنى الخطير: وهو وجوب مناسبة الوسيلة المستخدمة للحظة وظروفها، وعدم الاستسلام لهوى النفس حال تحديد السلاح الذي تختاره في المعركة، أو المسار الذي ستسلكه، إذ قد يفتح الله أمامك ساحات للإصلاح ذات أثر بالغ، ثم تتركها أنت لأن نفسك لم تألفها!

أول الموقفين: مقالة دبّجها داعية فاضل قبل اندلاع الثورة بأيام بعنوان (امش ولا تلتفت)! يحذّر الناس فيها من الالتفات إلى هذه الأحداث التي ستجري على أرض البلاد بعد أيام، ويدعوهم إلى المضي قدما في طريق الدعوة، إذ مهمة الداعية أن يربي الناس ويعبّدهم لربهم ولا تستغرقه الأحداث، ومهما كانت الأمور عظيمة فلابد للمسيرة أن تستمر. وما هي إلا أيام وينهار النظام باستخدام وسيلة (المظاهرات) كانت على أقل تقدير ليست في ظنه من الوسائل الناجعة، وإذا بالمراحل تُحرق والمسافات الطويلة على الطريق تُقطع بسقوط النظام، وإذا بالكيان الذي ينتمي إليه الشيخ "يلتفت" متأخرا، ويستغل مناخ ما بعد الثورة في المشاركة السياسية والإعلامية بكثافة هائلة لا نظير لها، حتى أثّر ذلك بالسلب على العمل الدعوي!

قريب منه، نقاش دار بيني وبعض إخواني وبين شيخ فاضل في أكتوبر 2011، يوم كان الصراع بين الثورة والعسكر في تصاعد، وكنا نخاطب الشيخ قائلين: "يا شيخ. إن العسكر يتعمّدون إطالة الفترة الانتقالية كي يكفر الناس بالثورة ويمرروا هم القوانين ويُصنع الدستور على أعينهم، ويُشَرْعن الحكم العسكري، وهذا فيه من الخطورة ما..." هنا قاطعنا الشيخ قائلا: "فليطل العسكر الفترة الانتقالية، ونحن نستفيد من مدّها كذلك بالوصول إلى الناس بالدعوة في المساجد"!! هكذا!

إياك أن تظنني أسفّه من أمر الدعوة في المساجد! حاشا لله، بل إنني لأعدّ إحدى أكبر خسائر المشاركة السياسية: أنها فرّغت المساجد من الدعاة وأخرجت منها الشباب، ويا ليتها سحبتهم إلى (الفعل) السياسي الناضج، بل قذفت بهم في مستنقع (متابعة) أخبار السياسة على مواقع التواصل الاجتماعي!

إنما الكلام هنا عن تصوّر الشيخ -في المثالين- للمرحلة وإدراكه للمتوفر بين يديه وبين يدي خصمه –في نفس الوقت- من أسلحة، والإصرار على الاقتصار على ما أَلِفَته الأنفس من وسائل، ولو أدى ذلك إلى تضييع فرص لن تتكرر في التاريخ، فكان كل منهما كقائد عسكري ذي قناعة بأهمية التدريب، يصر على انخراط جميع الجند في برنامج إعداد طويل للمشاة وفرق الصاعقة، بينما عدوه قد شرع بالفعل في دك بلاده بالقاذفات من السماء!

لقد فتح الله اليوم أبوابا وذلل الطريق لاحتلال مواقع في منتهى التأثير، كنا نتحاشى ذكر اسمها قبل الثورة! فما ينبغي أبدا أن تمر المرحلة دون استخدامها، مع الإقرار الكامل أنها لا تغني عن الطرق الأصيلة، بل هي بدونها لا تساوي شيئا، فإياك أن يصدّك عن ولوجها واستخدامها أن قد أساء إخواننا من الإخوان استخدامها، فإن خصمك لا يطمع في أن يظفر منك بأكثر من ذلك، لتخلو له هذه المواقع المؤثرة، ثم لا تنعم أنت بعدها لا بدعوة، ولا ربما حتى بصلاة في محراب.

لذلك، فلعل المنهج الأقوم في نظري للتعامل مع هذه المعضلة: هو العمل في مواجهة خصوم التجربة الإسلامية والبذل في بناء الدولة بمعزل كامل عن الإخوان، بأن تختار طريقا لا تلتزم فيه بالسير خلفهم، تقدّم نموذجا جديدا متكاملا (سياسيا – ثقافيا وفكريا – اجتماعيا) أو تساهم على الأقل في إنشائه ولو بجهد المقل، خاليا سالما –بحول الله- من أوجه قصورهم، وبذلك ستتجنب في نفس الوقت مصادمتهم بل قد لا تلتفت إليهم، فتجعل المعركة مستقلة بينك وبين الفساد قدر إمكانك، تبني حيث يهدم، وتقطع الطريق حيث يحاول الفرار، وتستأصل السرطان حيث يحاول التمدد. فإن وافّقّت ضربتك ضربة الإخوان ذات مرة: فالحمد لله على نعمه، يتفرّق دم الفساد بين الفصائل. وإلا، فقد أديت الذي عليك، وتقرّبت إلى الله بنصرته، ونكأ الله بك عدوا قصّر غيرك في التصدّي له، والساحة تتسع للجميع، وخصوم الحق لن يُعدموا قبل يوم القيامة، والثغور بالمئات لازالت مفتوحة، تنادي كل ليلة طالبة من يسدّها.

والذي أفهمه من سنن الله تعالى، أن من يتبنى هذا المسلك هو أقرب الناس إلى سحب بساط القيادة من تحت الإخوان بنعومة، وأن من ناصر الحق لا يريد منهم جزاء ولا شكورا، فإن الله كريم، ربما يكافئه بتسخير كل ما بذلوه هم من جهود لأجله، لتصبح أساسا قويا صالحا لمن سيعقبهم لحمل بناء شامخ لا تقربه يد هادم، يورثهم الله من بعد الإخوان أرضا هي أخصب ما يكون.

فكر هكذا دائما: انظر كم تنكأ للإسلام من خصم، لا كم يفيد من جهدك الإخوان.

زماننا يا شباب مفتوح للبناء، بعد أن عشنا دهرا نفرّغ طاقاتنا في النقد.

وليتك تتذكّر دائما أثناء سيرك كيف كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحسن لمن أساء إليه ويتعمّد إيذاءه من أهل الشرك وعبادة الأوثان، لربما دفعك هذا إلى أن تعفو وتغفر وتصفح، ثم تحسن لمن فعل ذلك متأولا، وهو أخ لك في العقيدة.

والله لو ابتغيت رضوان الله وحده لتوشك أن تسود.

لا ترجُ من أحد جزاء ولا شكورا، وارض بالخدمة في أي موضع يقيمك الله فيه حتى ولو كنت في الساقة، واصدق الله يصدقك، وعامله وحده، قسما بعزته يأتك الفتح حيثما كنت، ولو كنت ترعى غنم القوم.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.