ازدادت حالة الغموض فيما يخص الوضع المتوتر بين ايران وحزب الله من جهة، وبين العدو الصهيونى من جهة اخرى، بعد نفى حزب الله علاقته بإرسال طائرة جديدة الى سماء فلسطينالمحتلة المزيد من الغموض على الوضع المستجد، وكان العدو الصهيونى قد أعلن فى وقت سابق، عن اسقاط طائرة استطلاع من دون طيار كانت تقترب من خليج حيفا. وبرغم اصرار تل ابيب على اتهام ايران وحزب الله بالوقوف وراء العملية، فإن ردود الفعل ركزت على"خطورة الامر" وعلى "ضرورة الرد فى المكان والزمان المناسبين غير أن ارسال الطائرة، رسالة استعراض قوته امام الاسرائيليين بطريقة تستهدف إشعار قادة العدو بخطورة المبادرة الى اعمال عسكرية عدوانية ضد اطراف الجبهة الشمالية الممتدة من جنوب لبنان حتى طهران، كما تحوّلت هذه العملية الى عنصر استفزاز للعدو، الذى لم يبادر الى رد فعل واضح، وسط توقعات متضاربة حول طريقة تفاعله، بين ترجيح بالصمت والتدقيق قبل اختيار النقلة الجديدة فى لعبة الشطرنج المعقّدة مع خصومه، وبين احتمال وضع تقديرات من النوع الذى يقود عادة الى اخطاء قاتلة ترتكبها اسرائيل بفتح جبهات عليها لا تكون مستعدة لها كفاية. فى حال الافتراض ان مرسل الطائرة اراد ردع اسرائيل، يبقى التساؤل المهم وهو لماذا يفعل ذلك الآن؟ الا ان الوضوح يقود الى استنتاج بسيط، مفاده أن الخصم الشمالى يرى مؤشرات على احتمال قيام العدو بعمل عسكرى ضد سوريا، بحجة او من دونها، سواء من خلال الاثارة المكثفة لموضوع السلاح الكيميائي، او الحديث القديم المتجدد عن مخازن صاروخية تعود الى حزب الله او يتزوّد بها من مستودعات الجيش السوري. كل هذه المؤشرات تقود الى احتمال لجوء العدو الى خطوة فى المكان الخطأ او فى الزمان الخطأ، وهو ما استدعى رسائل تحذير وتنبيه، بدأت على لسان حسن نصر الله الامين العام لحزب الله، الذى قال ان الحزب سيرد فوراً على اى اعتداء عليه فى لبنان، فى حالة وقوف حزب الله وراء العملية كما يقول الاسرائيليون فإن الحزب يتصرف باحترافية عالية، وهو فى هذه الحالة يعرف أن الرسالة تحتمل الاستفزاز وليس الردع فقط، وبالتالى سيكون مستعداً لأى رد فعل من جانب العدو، مع ما يعنى ذلك من جهوزية عملياتية على الارض، وهى خطوة قائمة بمعزل عن كل ادوار وتحديات الحزب الداخلية فى لبنان او المتعلقة بالأزمة السورية.
يشار الى ان رئيس الاركان فى جيش الاحتلال الاسرائيلى بنى غانتس قال فى كلمة له فى المؤتمر السنوى لمعهد بحوث الأمن القومى فى جامعة تل ابيب إن حزب الله"عاظم من قوته، وهو التنظيم، ليس الدولة، الوحيد الذى يملك قدرات استراتيجية"، ".
أما رئيس لواء الأبحاث فى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية العميد إيتى بارون فتطرق أمام "مؤتمر مركز دراسات الأمن القومي" إلى مكانة "حزب الله" بالنظر للوضع الحالى للنظام السوري، وقال إن "هذا التنظيم يعيش فى توتر. وهو خائف أن يستغل أحد الوضع ويمس به، حتى داخل لبنان". وأشار إلى أن منصات إطلاق صواريخ"SA-17"، التى اعترف وزير الدفاع الإسرائيلى موشى يعلون أول من أمس، للمرة الأولى، بتدميرها فى سوريا فى كانون الثانى الماضي، كانت متجهة إلى "حزب الله".
وعن احتمال ان تكون ايران خلف عملية ارسال الطائرة، يمكن القول إن طهران تبعث، للمرة الأولى، برسالة عملانية تحذّر العدو خصوصا أن "هاجس ايران" يتعاظم لدى قادة العدو. وكان لافتاً ما قاله رئيس "مركز دراسات الأمن القومي" الجنرال عاموس يادلين، الذى ترأس لسنوات شعبة الاستخبارات، قبل ايام، من أنه "حتى الصيف سيجتاز الإيرانيون بالتأكيد الخط الأحمر الذى وضعه نتنياهو فى خطابه أمام الأممالمتحدة"، واضاف انه "بوسع إسرائيل أن تهاجم إيران منفردة، وأن تواجه عواقب هذه الخطوة العسكرية".
والمعلوم ايضاً أن جميع المعنيين بالجبهة الشمالية للعدو، فى اسرائيل نفسها كما فى لبنان وعواصم اخرى، قد رفعوا من منسوب التحذير من احتمال اندلاع مواجهة شاملة على غرار العام 2006، مع توضيحات بأنها ستكون اكثر عنفاً، وذات ابعاد اكثر استراتيجية.وربما ساعدت الازمة السورية فى رفع منسوب التحذيرات، بعدما تصرفت اسرائيل بشيء من"الثقة المفرطة بالنفس"، عندما قررت المبادرة الى مهاجمة اهداف عسكرية فى سوريا، والقيام باستعدادات لعمليات اضافية فى وقت لاحق، وترافق الامر مع اجراءات امنية وعسكرية خاصة بمنطقة الجولان، بحجة مواجهة حالة الفوضى القائمة على الجهة المقابلة. بينما ينشط العدو بصورة غير مسبوقة فى عمليات المسح اليومى للمناطق اللبنانية على اختلافها، وينشط امنه البشرى والتقنى فى محاولات للحصول على معلومات تفيده فى المعركة المقبلة.
هذه الخطوات، يقوم بها حزب الله فى المقابل، وهو الذى يظهر استعدادات غير مسبوقة ايضا على مستوى وحداته القتالية فى البر والبحر والجو!