سلوك ساويرس يوحي بأنّ ما يهمّه هو جمع المال، إن لم نقل سرقته، ونهبه، فقط. أمّا الأديان، فيمكن استخدامها مطية للوصول إلى أهدافه، إن أمكن. وإن لم يمكن، فلا مانع من الحرب، حيث قال مرارًا: «أنا مستعدّ للتّحالف مع الشّيطان من أجل مصالحي»!! ساويرس باختصار شديد يخشى شيئًا واحدًا منذ اندلاع الثّورة، وهو ملاحقته قضائيًا وجنائيًّا، وإرغامه على ردّ جميع ما نهبه من أموال المصريّين إليهم. وهو لذلك مستعدّ لفعل أي شيء لتحاشي هذه اللّحظة المخيفة الّتي تعتبر كابوسًا بالنّسبة له ولعائلته جميعًا. ففي صفقة واحدة، من صفقات كثيرة أتاحها المخلوع له، تمكن من سرقة أكثر سبعين مليار جنيه من أموال الشّعب الفقير، حين اشترى «مصنع أسمنت أسيوط» بنحو ملياري جنيه مصري، ليبيعه بعدها بستّة أشهر فقط بأكثر من سبعين مليار جنيه لشركة فرنسيّة. هذا ما ظهر في العلن، أمّا ما تمّ من سرقات في السّر وجنح الظّلام، فمن المرجّح أنّه أكثر من هذا بكثير. هذا هو الدّافع الرّئيسيّ لساويرس لمحاربة الثّورة . والملفت للنّظر هنا هو أنّه تظاهر في بداية الثّورة أنّه مع الثّوّار. ثمّ سارع إلى تأسيس حزب «المصريّين الأحرار». وهو أيضًا اسم منتقى بعناية بهدف التّعمية والتّمويه، فالحزب لا علاقة له بمصر، ولا علاقة له بالحرّيّة، بل هو منبر لمحاربة الإسلاميّين، وإعادة الفلول. وقد تمكّن ساويرس من استقطاب شخصيّات يمكننا تسميتها «حثالة». لماذا حثالة؟ لأنّها باعت القضيّة بثمن بخيس. فعمرو موسى الّذي يحلو له الظّهور بمظهر المصريّ الأصيل، ويحبّ تقمّص دور الزّعيم، هو في حقيقته من أنصار المخلوع المخلصين، ومستحيل أن يكون مؤيدًا لثورة مصر. وقد أدرك الإسرائيليّون هذا بسرعة، فكلّفوا ليفني بمقابلته، حيث تمّ عقد صفقة سرّيّة أشارت إليها وسائل الإعلام الإسرائيليّة: تقوم إسرائيل بتمويله، في مقابل إفشال ثورة مصر. وهكذا التقى ثالوث أعداء الثّورة: إسرائيل، وساويرس، والفلول، على هدف واحد هو إفشال الحكم الإسلاميّ . أمّا البرادعي، فعلاقته مع إسرائيل وأمريكا كان من الممكن أن تبقى مخفية، لولا زلّة لسانه مؤخرًا، حين اتّهم في حواره لمجلة «الشّبيجل» الألمانيّة الإسلاميّين في مصر بإنكار الهولوكوست!! أصبح من الواضح أنّ البرادعي هو رجل أمريكا وإسرائيل الأوّل في مصر. وقد استغلوا حبّه للظّهور، وعشقه للحديث أمام كاميرات التّليفزيون، وطمعه في الرّئاسة، فسارعوا يقدّمون الدّعم له، والوعود، بأنّهم سيساندونه رئيسًا لمصر. ثمّ تولّى ساويرس المهمّة، بضمّه إلى «جبهة الإنقاذ»، وتقديم دعم سخي له . وأخيرًا نأتي إلى حمدين صباحي الّذي يحلو له القيام بدور الزّعيم، أو المسيح المخلّص الّذي يأتي من السّماء لتخليص أهل الأرض من الظّلم والضّلال. وهو يظنّ أنّه عبد النّاصر زمانه. وقد صدّق هذا بالفعل، وبدأ يتصرّف انطلاقًا واعتمادًا على هذا الوهم، مع أنّ مؤهلاته الشّخصيّة، والعلميّة، والثّقافيّة، لا تسمح له القيام بهذا الدّور. وفضلًا عن ذلك فهو يدّعي تأييد ثورة قامت ضدّ العسكر، برغم أنّ مثله الأعلى، جمال عبد النّاصر، ينتمي إلى هؤلاء العسكر، بل كان هو الّذي وضع أسس الحكم الدّيكتاتوريّ العسكريّ في مصر. فوقع في تناقضات قاتلة. والأكثر من ذلك هو أنّ ما يطلقون اليوم عليه مصطلح «النّاصريّة» هو في الواقع مذهب عفّى عليه الزّمان، وأيديولوجيا أدّت بمصرنا إلى الإفلاس والهزيمة والإذلال. والأغرب من هذا أن يرتمي شخص ينادي بالاشتراكيّة وحقوق العمّال في أحضان شخص، مثل ساويرس، يمصّ دمّ العمّال، ويحارب الاشتراكيّة، ويمارس الرّأسماليّة المتطرّفة!! ارتمى صباحي في أحضان ساويرس، من أجل الحصول على حفنة دولارات، ومن أجل الحصول على جزء من الغنيمة الّتي يحلم بها هو ورفاق السّوء . أمّا سائر أفراد العصابة الآخرين: حمزاوي، وحرب، وعبد المجيد، وبدوي، فهم مشتركون جميعًا في هذه الانتهازيّة المقزّزة، ويمارسون لعبة في منتهى الدّناءة والوضاعة مع شعب مسكين ساذج فقير. والأخير المدعو بدوي، الّذي يترأس حزب الوفد، يقوم بدور هدّام جدًّا منذ اندلاع الثّورة، لأنّه مثل ساويرس، حصل على أموال طائلة بطرق غير مشروعة، ويخشى هو الآخر الملاحقة الجنائيّة، في حالة استقرار الحكم في مصر، وتطهير القضاء. وهذا ما يفسّر الدّور الهدّام الّذي يقوم بدوي وحزبه ووسائل إعلامه به الآن، لأنّهم جميعًا متورّطون في قضايا فساد كثيرة من عصر مبارك، ولا يريدون ردّ مليم واحد لخزانة الدّولة . أحوال مصرنا اليوم محزنة. النّخبة ليست نخبة، بل حثالة. الشّباب الجميل الّذي قام بالثّورة، تفرّق، واختلف، وتمزّق. الإسلاميّون لم يحسنوا استغلال الفرصة الّتي أتيحت لهم. الفلول يتربّصون بالثّورة والشّعب، ويريدون إعادة الحكم الاستبدادي القمعي الفاسد من جديد، يريدون حبس المصريّين مرّة أخرى، واستعبادهم ونهبهم، وتضليلهم. وهكذا ضاعت ثورة مصر المجيدة، أو كادت. والسّبب هو أنّ أبناء مصر فشلوا في توحيد صفوفهم، فسهل على الأعداء تمزيقهم، وتقسيمهم، وتفريقهم، وتضليلهم، والقضاء عليهم لا قدّر اللّهُ .
عندما نتفحّص المشهد السّياسيّ في مصر الآنَ، ونكتشف أنّ معارضة مصر المزعومة، المسمّاة «جبهة الإنقاذ» يقف وراءها ثلاث جهات مشبوهة، فهذا لا يعني إلّا أنّنا شعب لا يستحقّ بالفعل أن ينال حرّيّته. فمن يقف وراء «جبهة الإنقاذ» المزعومة هذه؟ إسرائيل، والولايات المتّحدة الأمريكيّة وساويرس. إسرائيل في غاية الضّيق والانزعاج من وصول الإسلاميّين للحكم. وهي مصمّمة على محاربة «الإسلاميّين» بكلّ ما تمتلك من قوّة.. والولايات المتّحدة الأمريكيّة غاضبة، لا محالة، من الإسلاميّين في مصر. لكنّها شعرت بالعجز والشّلل تجاه اندلاع ثورة مصر المجيدة، ودحر المخلوع الّذي كان أحد أكبر حلفائها في العالم. أمريكا شعرت بالعجز والإحراج. العجز عن التّصرّف بحكمة. والإحراج من تناقضاتها الفاضحة، حيث تتباهي في الظّاهر بقيم الحرّيّة والدّيمقراطيّة، لكنّها تتحالف في الباطن مع أعداء الحرّيّة والدّيمقراطيّة. أمّا ساويرس، فقصّته غريبة فعلًا. فهو ابن مقاول مصري قبطي، ولو بالاسم. تقول الرّوايات أنّ أمّه كانت تعرف سوزان مبارك. فحصل عن طريقها على «رخصة التّليفون المحمول»، وحصل شقيقه على أراضي «الجونة» على البحر الأحمر، وشاركت أسرته في نهب جزء لا يستهان به من القطاع المصريّ، فحصلوا على مليارات كثيرة بوسائل غير شرعيّة. وبعد اندلاع الثّورة أعلن ساويرس أنّه سيحارب الإسلاميّين. ثمّ صرّح بأنّه سيرعى أي حزب يعارض الإسلاميّين. فجمّع من يسمّون أنفسهم اليومَ «جبهة إنقاذ» تحت مظلّته، ووضع لهم ميزانيّة ضخمة، ليس من أمواله، لأنّه كان في الأصل معدمًا، بل من الأموال الّتي نهبها من ثروة مصر، بمساعدة المخلوع. والعداء بين ساويرس والإسلاميّين في حقيقته اقتصاديًّا قانونيًّا. ذلك أنّ سلوك ساويرس، وفساده، وجرائمه، لا علاقة لها جميعًا من قريب أو بعيد بالدّين، ناهيك عن المسيحيّة الّتي نادى بها عيسى في «موعظة الجبل»، حين ركّز على التّسامح والمحبّة. ونحن نبحث عن مثل هذه المُثُل المسيحيّة الأصيلة، والقيم الدّينيّة النّبيلة في سلوك ساويرس وعائلته، بلا جدوى. فساويرس كثيرًا ما رأيناه يتباهى بالعنف، ونزعة الانتقام، من ناحية، مع أنّ هذا ليس من المسيحيّة في شيء. ومن ناحية أخرى نلاحظ أنّه لا يتمتّع بذّرة من الأخلاق، أو الإحساس، تجاه شعب معدم، فقير، مريض - فلا يمانع من سرقة الأرض، والمصانع، والأموال، ليتباهى أمام الفقراء بأنّه «من أغنى، أغنى، أغنى أغنياء العالم»!! والملفت للنّظر في ظاهرة آل ساويرس هذه هو سلوك الكنيسة القبطيّة منهم. فبدًلا من أن تقوم الكنيسة القبطيّة، في عهد البابا شنودة بالذّات، بدور الواعظ، المربّي، المرشد، الرّادع، رأينا البابا شنودة يتباهى هو الآخر، بأنّ «أغنى أغنياء مصر قبطيّ»، مع العلم أنّ ثروة آل ساويرس قد تمّ تكوينها بالحرام، وبالطّرق غير الشّرعيّة. فإذا كانت الكنيسة تعرف هذه الجرائم، وتسكت عنها، فهذه مصيبة. وإذا كانت لا تعرفها، فالمصيبة أعظمُ