شهدت مصر فى عام 2012 حوادث قطارات بعضها بسبب إهمال عمال المزلقانات وبعضها بسبب تهور المارة وتقصير هيئة السكك الحديدية، بدايةً من حادث قطار قليوب الذى وقع بأكتوبر الماضى؛ عندما ارتطم فى التحويلة أثناء سيره بسرعة كبيرة، وأفضى ذلك إلى تدافع العربات وسقوط الركاب المسطحين فوق الجرار والعربات، وتسبب الحادث بمصرع 6 أشخاص، ثم حادث قطار الفيوم الذى وقع فى نوفمبر، بعد اصطدام قطارين أحدهما متوجه من القاهرة إلى الفيوم والآخر من الواسطى إلى الفيوم؛ حيث كانت جميع السيمافورات الخاصة بتنظيم الحركة والأسطوانات البديلة لها بخط الفيوم معطلة، وأعطى بلوك قرية الناصرية تعليمات حركة شفهية لسائق قطار القاهرة، وفى الوقت نفسه أعطى بلوك قرية سيلا أمر حركة لسائق قطار الواسطى، دون علمه بوجود قطار قادم على الخط نفسه. وتسبب الحادث بمصرع 3 أشخاص بينهم سائق قطار الواسطى، وإصابة 46 آخرين، وأخيرا حادث قطار أسيوط الذى اصطدم بأتوبيس المعهد الأزهرى أثناء ذهابه بالطلبة إلى المعهد، وتسبب بمصرع 52 تلميذًا وسائق الأتوبيس ومدرّسة وإصابة 17 آخرين. قال د. رضا حجاج أستاذ تخطيط البيئة والبنية الأساسية والتخطيط العمرانى بجامعة القاهرة؛ إن مزلقانات السكة الحديدية عبارة عن تقاطع بين مسارين للحركة: مسار للقطار ومسار للطريق، ولا بد لهذين المسارين أن يحققوا 3 شروط؛ هى: الربط، والأمان، والراحة، بمعنى أن الطريق لا بد أن يوصل بين الاتجاهين بدون تعارض مع الطريق الآخر، وتحقيق الأمان بحيث تمر السيارة بدون التعرض لحادثة، وتوفير الوسيلة حتى تحقق الراحة للقطار والمارين بالمزلقان. والأولوية هنا للقطار؛ لأن كتلته أكبر ويأخذ مسافة أكبر، وقدرته على التعامل مع عائق على الطريق أقل بكثير من قدرة فرد أو سيارة، ويوجد بمصر ما يقرب من 1200 مزلقان رسمى ونحو 3300 مزلقان أهلى. والمشكلة هنا أن المزلقان منشأ هندسى يجب أن يصمم ونرى فيه مسافات رؤية واتصال وتوقف. والمزلقانات الموجودة بمصر غير مصممة بالكامل، بدءا من مزلقان ناهيا ومزلقان أبو العلا بشارع السودان، وانتهاء بالمزلقانات الفرعية الموجودة؛ فتصميمها عشوائى؛ لذلك ستقع فى النهاية. وبالنسبة إلى مزلقان المندرة الذى وقع به حادث أسيوط، لم يحدث به حوادث من قبل، والسبب فى وقع هذه الحادثة الآن هو إساءة تقدير الناس فى التعامل مع المزلقان؛ فبعض السائقين يشعرون بالانفلات فأصبحوا فوق مستوى المساءلة، فأصبحوا يكسرون الإشارة والمزلقان بدون مشكلة، ويتهورون ويستهترون بأرواح الركاب. أما عامل المزلقان فهو عامل صيانة لم يؤهل ولم يدرب للتعامل مع الجمهور؛ فلذلك لا يجب أن نلوم العامل على حوادث المزلقانات. وبالنسبة إلى هيئة السكة الحديدية لا تدار من الناحية الفنية للتعامل مع الجمهور؛ فهى تهتم بالقطار والجرار فقط، بدليل أن الآليات الموجودة بالقطار لبناء الأمان مثل «دواسات الطوارئ، وعدادات السرعة، والحساسات الموجودة بالشبكة»؛ كلها معطلة جميعها؛ فإن وقعت حادثة فلا أحد يستطيع فضحهم.. لمصلحة من تلغى إجراءات الأمان وبعدها نعترض إن وقعت حادثة؟! وأضاف حجاج أنه لكى نضع خطة إصلاح للمزلقانات لتفادى الحوادث، لا بد من تحليل المشكلة وبُعدها الوصول إلى الحل فى إطار القائم والموجود. وبالمقارنة بشبكة السكك الحديدية فى دولة الهند، فهى غير مميكنة، وتعمل يدويا مثل الشبكة الموجودة بمصر، وتحمل عدد من الركاب أضعاف الذين تحملهم قطارات مصر، ومع ذلك نسبة الحوادث هناك أقل من مصر؛ فلا بد أولا من إعادة تصميم المزلقانات بوصفها منشأ هندسيا، بمعنى تعديل العمران على المنشأ الذى يلغى مسافة الرؤية، وكذلك تطوير المزلقانات من ماسورة خشب ضعيفة معلقة بالنصف يمكن للسيارات الصغيرة أن تمر من تحتها، إلى كلابات أو مخالب مغروسة فى الأرض، إذا تعدتها سيارة تمزق عجلتها فتقف فى مكانها. وهذه الكلابات تكاليفها أقل من المزلقانات الخشب، وكذلك لا بد من إعادة تأهيل العنصر البشرى -وهم عمال المزلقانات- بتدريبهم وتوفير ظروف عمل مناسبة، وتوفير مرتبات مناسبة ليستطيع أن يبذل مجهودا لمدة 12 ساعة؛ وذلك بصرف حوافز عن تقييم أدائه فى إرضاء الناس وعدم وقوع حوادث بمكان عمله. وهناك أيضا إجراءات تأمين على السكة الحديدية لا بد من توفيرها لتنبيه السائقين قبل دخول المزلقانات، مثل السيمافورات والأضواء، وكذلك لا بد من الانتظام من جداول القطارات؛ لكى يكون العامل على علم بأوقات مرور القطارات من قبل ليستعد بإغلاق المزلقانات مسبقا، وكذلك لا بد من صيانة القطارات والعربات وصيانة السكة الحديدية؛ فلا بد من اتباع هذه الخطوات بدلا من البحث عن المسئول عن الحادثة ومعاقبته لكى نحل هذه المشكلة. من جهتها، قالت د. سهير حواس أستاذة الطرق والهندسة بكلية التخطيط العمرانى: «كلما جرى الفصل بين مستويات الحركة بين الطرفين (القطار والمارة)، وصلنا إلى أمان أكثر؛ وذلك عن طريق أنفاق أو جسور لفصل الحركتين فصلا كاملا. أما ‘ذا كانت الحركتان فى مستوى واحد بالمزلقان، فلا بد من التمهيد المسبق للمزلقان عن طريق مهدئات السرعة بالطريق، مثل معالجات للأرضيات للتنبيه عند دخول مزلقان، وكذلك لا بد من إخلاء جميع المعوقات البصرية من إعلانات أو أشجار أو أى شىء يعوق رؤية القطار من بعيد على جانبى المزلقان؛ لذلك لا بد من اتباع الأسس الفنية السليمة فى معالجة الأمور، ولا بد أن يكون المزلقان قويا بحيث لا يقدر أحد على تعديه، ويكون أكثر مقاومة للصدامات، وكذلك لا بد من تنظيم حركة القطارات إلكترونيا عن طريق شاشات تظهر حركتها بحيث يتم رؤية المشكلة قبل وقوع الحادثة؛ فبدلا من صرف أكثر من 160 مليون جنيه فى تطوير ديكورات لمحطة مصر، كان لا بد من صرفها فى صيانة المحطات والمزلقانات وعربات القطار أهم من الديكورات. من جانهم، قال عمال مزلقان أرض اللواء بالجيزة، إنهم يواجهون عدة مشكلات؛ هى: استهانة المارين بالمزلقانات؛ إذ يتعدون السلاسل الحديدية وبوابات المزلقانات، بسبب تهورهم وقعت حادثة الأسبوع الماضى بهذا المزلقان عندما حاول شخص المرور سريعا أمام جرار ولاقى مصرعه فى الحال، كما اشتكى عمال المزلقان من أن مكتبهم غير آدمى وغير مؤهل لأى شىء، ولا يحتوى إلا على هاتف وصفارة للتحذير بقدوم القطار، ولا يوجد به دورة مياه؛ فكيف لهم أن يعملوا لمدة 12 ساعة يوميا بدون غرفة مؤهله لهم؟! الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة