الخبراء: الاقتراض لسد العجز يزيد العجز!! إشعال حماس الجماهير فى معركة التنمية بين جيفارا وغزة من العجيب أن الرئيس مرسى لم يلحظ الزيادة فى المحاصيل الزراعية والصادرات والضرائب وعليه أن يحذر من المجموعة الاقتصادية المحيطة به التى لا تلفت انتباهه للموارد الحقيقية لنتعلم من النهضة الأسيوية التى رفعت مستوى المعيشة 100 مرة خلال عمر الفرد الصندوق يشغلنا بحكاية الدعم بينما الاتحاد الأوروبى يدعم المزارعين ب100 مليار يورو سأضطر لقطع الحديث عن الثورة السورية هذا الأسبوع، وأعود إليه مجددا الأسبوع القادم بإذن الله. فالأوضاع الداخلية فى مصر ضاغطة علينا حكاما ومحكومين، وهناك الكثير مما يحتاج إلى التعليق خاصة فى المجال الاقتصادى، أقصد هنا: التنمية الشاملة والمستقلة، وقد كتبت فى ذلك سلسلة من المقالات، ويشاركنا الرؤية عدد من الرموز والشخصيات الوطنية، ولكن لا نجد أى رد فعل من الرئاسة أو حكومة قنديل التى تسير على نفس الخطى القديمة بالتمام والكمال، فيما عدا بداية محاربة الفساد ولكن بمعدلات بطيئة لا تتناسب مع أوضاع البلاد التى تحتاج لمبادرات ثورية بقدر ما تعانى من تدهور استثنائى، وهذا هو سبب اندلاع الثورة، وهذا هو مبرر وضرورة المعالجة الثورية لمسببات الثورة ومنها الفساد. وقد تلقيت تعليقات شتى على سلسلة مقالاتى الأخيرة يدور معظمها حول معنى: أننا نصرخ فى البرية ولا يسمعنا أحد فى هذا العهد، كما لم يسمعنا أحد فى العهد البائد. وأقول لهم إننا واثقون من إخلاص الرئيس مرسى، وإن كان الإخلاص وحده لا يكفى لضمان حسن السياسة، ولكن توفره ضرورة كنقطة انطلاق. ولأننا نرى أن التنمية المستقلة هى محور القضايا فإذا لم نجد استجابة من الرئاسة، فسنكون فى الانتخابات القادمة معارضين للإخوان المسلمين، وسنشكل محورا إسلاميا وطنيا يطرح البديل الثالث حقا بين خيار الإخوان وخيار الحلف العلمانى، ولاتهمنا حظوظنا الانتخابية، فهذه مسألة مصيرية. ما يهمنا أن نعرض كافة الخيارات على الشعب، وهو الذى يختار ويحدد مصيره. خطاب الرئيس مرسى فى الاستاد وكل خطاباته وكل تصريحات رئيس الوزراء لا تركز إلا على موضوع الدعم كأساس لمشكلتنا الاقتصادية وكأساس لحلها، وذلك لحل مشكلة عجز الموازنة. فالموضوع محاسبى وكفى. وهذه هى رؤية صندوق النقد الدولى التى خربت بلدان العالم الجنوبى. ولا يهمنا أن أهل الحكم يفكرون بالمصادفة مثل طريقة تفكير الصندوق، أم أن هذه شروط الصندوق للحصول على القرض، بل لعل الاقتناع الذاتى بآراء الصندوق أخطر من الخضوع لشروطه، لأن الخضوع يعنى إدراك خطورتها والرغبة فى التخلص منها. ويقول أهل الحكم كلمة أخطر: إننا نريد الحصول على موافقة الصندوق على القرض، دون أن نأخذ القرض، لأن ذلك يعد شهادة دولية بسلامة اقتصادنا الوطنى. وهذا ما قاله لى عصام شرف عندما كان رئيسا للوزراء فى لقائنا اليتيم. وهذه نفس الرؤية التى رزحنا تحت أثقالها 30 سنة، أننا عبيد الغرب، وعبيد الأجانب، ونحتاج منهم شهادة حسن سير وسلوك، ونحتاج منهم لقمة العيش، ونحتاج منهم المشورة فى كل شىء، ونحتاج منهم الأمان (ألا يضربوننا بالصواريخ)!، نحتاج منهم أن يرضوا عنا من أعماق قلوبهم وليس من خلال شهادة حسن السير فحسب (هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ) (آل عمران 119) ولم تتقدم أمة تحت هذه الشعارات المقيتة. ولا ننكر مشكلة العجز فى الموازنة وإن كنا ننكر أن الدعم مشكلة! ولكن مشكلة عجز الموازنة ونقص السيولة عرض لمرض، ومعالجة العرض دون المرض تؤدى لاستفحال المرض، ففى هذا الموضوع يقول كبار خبراء الاقتصاد العالميين إن الاقتراض لسد العجز فى الموازنة يؤدى إلى زيادة العجز!! لأن الاقتراض معناه زيادة الإنفاق على سداد أقساط الدين وخدمته: القسط + الفوائد والمصاريف + فوائد التأخير. والعجيب أن الرئيس مرسى قال فى حديثه مع التلفزيون المصرى إن سداد الديون يكلف ربع الميزانية وهذا يعنى ضرورة عدم اللجوء للقروض!! مشكلتنا الاقتصادية والاجتماعية والحضارية الأولى والعظمى تتركز فى إهمالنا للعمل المنتج الصناعى والزراعى لصالح القطاعات الخدمية غير المنتجة، وتتركز فى إهمالنا، إلى حد الانتحار، للبحث العلمى وربطه بعملية التنمية التى لم توجد بعد. مشكلتنا فى عدم ربط كل ذلك بخطة تنمية خمسية وغياب قيادة شاملة لهذه الخطة. وكل هذه المحاور لها مفتاح واحد: حشد طاقات المجتمع وإثارة روح الغيرة بين الجماهير لمنافسة الأمم التى سبقتنا وكانت خلفنا، وإشعال حماستها لبناء الوطن ورفعه لأعلى المراتب بين الأمم، إقناع الناس بمشروع ملهم. ولكن الرئيس يعالج الأمور بصورة روتينية، فهو يتصرف كرب أسرة مسئول ويدبر الموارد للأسرة ويطمئنها. ولكن حتى فى المستوى الأسرى فإن رب الأسرة قد يحتاج لمساعدة زوجته، وقد يحتاج لمساعدة أبنائه، ولا بد أن يضع الأسرة فى الصورة وأن يغرس فيها ضرورة التركيز على الكسب الحلال وحده.. إلخ، وعلى مستوى المجتمع، خاصة فى ظروف بلادنا الآن الخارجة من حطام ثلاثين عاما، فنحن فى أمسّ الاحتياج لتعبئة قوى الشعب فى مشروع وطنى كبير للنهضة. وهذا ما لا يظهر فى خطاب ولا تحركات الرئيس وحزبه. بعد ساعتين من مخاطبة الجماهير فى الاستاد ما الذى يمكن أن يخرج به المواطن: إن الرئيس قد جمع لنا 10 مليارات قروض (بفائدة محدودة وهذا ليس ربا فى عرف الرئيس وهذا غير صحيح من وجهة نظرنا، ولكن المسألة لا تتعلق بالربا ونحن لم نصل بعد إلى مرحلة مناقشة النظام المصرفى الربوى) وجمع لنا 10 مليارات استثمارات أجنبية، وهذا إنجاز كبير فى 100 يوم. ويترتب على ذلك أن تؤيد هذا الإنجاز أو ترفضه. ولكنك كمواطن لا ترى لك أى دور فأنت مجرد متابع أو متفرج. وهناك من يؤيد وهناك من يعارض. ولكن الطرفين يتابعان المباراة من خلال الفضائيات. ولو أن عُشر الجمهور الذى تم حشده فى الاستاد، تم حشده فى سيناء أو البحر الأحمر أو الصحراء الغربية أو فى المدينة الصناعية بالسويس أو بوادى السيلكون بالإسماعيلية، فى إطار وضع حجر الأساس لمدينة جديدة، وفى مجال افتتاح معسكر عمل من العاطلين عن العمل لبناء هذه المدينة أو مصنع جديد، لسرت كهرباء فى أعصاب الأمة ولتسابق الناس إلى العمل المنتج والمطالبة للمزيد منه. كثير من خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال لا يرون هذا البعد المعنوى والروحانى للتنمية، ولكن الزعماء السياسيين هم الذين يدركون ذلك، وهم الذين مارسوا ذلك عبر التاريخ، وهم الذين نقلوا بلادهم من حال إلى حال. ولن تجد فى كثير من كتب الاقتصاد حديثا مطولا عن هذه المادة السحرية التى تفعل الأعاجيب: استثارة حماس الجماهير وتعبئتها فى معركة التنمية. أرجو أن تسمحوا لى بضرب مثل من جيفارا والتجربة الكوبية فى هذه النقطة تحديدا، فتجربة الثورة الكوبية قامت فى أحد أبعادها على العزة الوطنية، وفى ظل الحصار الأمريكى الخانق والمستمر حتى الآن بعد أكثر من نصف قرن. المهم فى بداية حكم كاسترو تم الإعلان عن مشاركة القادة والحكام فى موسم جنى القصب. فتصور الناس أنها مجرد حركة إعلامية للتصوير فى الصحف (لم تكن الفضائيات قد ظهرت)، وذهب موظفو وزارة الصناعة إلى مزارع القصب فى إطار هذا التصور، ولكنهم فوجئوا بوزيرهم: أرنستو جيفارا، يخلع ملابسه العلوية ويمسك بالمنجل وينهال على القصب تقطيعا!! فتحمس الناس وكان الموسم من أفضل مواسم وبأقل فاقد ممكن. فى زيارتى الأخيرة لغزة شرفت بزيارة الجامعة الإسلامية للمرة الثالثة، وسمعت قصة نشأتها للمرة الثانية وهى تستحق أن تروى بالتفصيل فى مكان آخر حتى لا أقطع السياق. ما يهمنى هنا الإشارة إلى نشأة الجامعة عام 1978 فى عام كامب ديفيد وكرد حضارى على هذه الاتفاقية التى اعترفت بإسرائيل وتحدثت عن الفلسطينيين كلاجئين لهم حق الحكم الذاتى. هذه الجامعة بسبب النقص التمويلى وبسبب رفض قوات الاحتلال الصهيونى لم تحصل على ترخيص ولم تتمكن من البناء، فقامت الجامعة داخل الخيام، ثم انتقلت إلى مرحلة البناء بالصفيح، ثم انتقلت لمرحلة البناء الحديث. وهى الآن من أبرز الجامعات العربية المشهود لها بالمستوى الأكاديمى، رغم استمرار الحصار وتعرضها للقصف الجوى فى عدوان 2008. وأنا أستمع لهذه القصة المصورة للمرة الثانية تذكرت أننى كتبت فى مقال أخير: أن ضغط النفقات يمكن أن يصل إلى حد استمرار نفس البرامج التعليمية فى خيام أو تحت ظلال الأشجار، حتى تتوفر المبانى الجديدة للمدارس. وهذا مجرد مثال لتوسيع الخيال للعديد من الاقتراحات المماثلة والمتشابهة فى مختلف المجالات. وأمامنا أشياء كثيرة قبل أن نضطر إلى ذلك، فمرتبات المستشارين فى المواقع الحكومية تصل إلى 22 مليار، بالإضافة لما يسببه هؤلاء المستشارون من اضطراب وارتباك فى العمل إذا كانوا معينين بالواسطة، وغالبا هم كذلك، فيريدون إثبات وجودهم بغير حق! مرة أخرى لا يوجد اهتمام من مرسى بالصناعة والصناعيين، ولا بالبحث العلمى والعلماء، وعلى كثرة لقاءاته لم يلتق هؤلاء ولا مرة واحدة. بينما التقى برجال الأعمال الأقرب للتجارة ولمفاهيم وأساليب العهد البائد. الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية والعلمية سيحدث أثرا إيجابيا أسرع وأكبر من التسول، لأن التسول سيستخدم فى سد العجز القائم ولن يضيف شيئا. فالإنتاج الزراعى لبعض المحاصيل (القمح – القصب – الأرز – التمر) تحسن خلال عام واحد حتى بدون أى تخطيط ولمجرد ارتباك مراكز السيطرة والفساد فى المجال الزراعى، فما بالك إذا حدث تخطيط وسياسات راشدة (القمح زاد بمليون طن). بالنسبة للصادرات تكشف الأرقام تقدما بدأ حتى قبل استلام مرسى للحكم. فإذا أخذنا شهر سبتمبر الماضى سنجد أننا صدرنا فى سبتمبر 2010 أى قبل الثورة مباشرة ب 8 مليارات ونصف المليار بالجنيه المصرى، ولكن فى سبتمبر 2011 وفى ذروة ما يسمى بالفوضى الأمنية ارتفعت الصادرات إلى 10 مليارات و172 مليون جنيه مصرى، وفى سبتمبر الماضى ارتفعت الصادرات إلى 11 مليارا و772 مليون جنيه مصرى. حدث هذا التقدم رغم كل السياسات المرتبكة، ويرجع ذلك إلى ضرب مراكز الاحتكار والسيطرة (مجموعة طره). وبالسياسات الاقتصادية التى تشجع الصناعات والصادرات والعمل المنتج عموما يمكن مضاعفة هذه الزيادة الشهرية من 3 مليارات إلى 6 أو 9 مليارات. إذن تكون الزيادة السنوية للصادرات تتراوح بين 60 إلى 90 مليارًا. والحكم المشغول بالعجز المالى عليه أن يتوجه بتفكيره إلى الضرائب فيضرب عصفورين بحجر واحد: يزيد إيرادات الدولة ويحقق العدالة الاجتماعية. فينفذ الضريبة العقارية على أساس زيادة ضرائب العقارات الفاخرة والترفية، ويترك مساكن الفقراء والمتوسطين الذين يسكنون فيها. وإصدار أى تشريع معدل من الرئيس وارد فى هذا الشأن، وليعلم الرئيس أنه لا يمكن أن يحقق العدل ويلتزم الصواب دون أن يغضب أحدا. فهناك من 1 إلى 5% من الناس يستفيدون من امتيازات العهد البائد ويعتبرونها حقا مكتسبا. وبنفس طريقة زيادة الصادرات فقد زادت حصيلة الضرائب أيضا ببركات الثورة أى دون عمل مخطط مدروس وسياسات ضريبية جديدة وقبل تولى الرئيس مرسى الحكم، حيث زادت حصيلة الضرائب فى الربع الأول من هذا العام بحوالى 13 مليارًا ونصف المليار جنيه بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضى. ويقول رئيس مصلحة الضرائب إن الضرائب المتأخرة والمعلومة والمحددة تصل قيمتها إلى 64 مليار جنيه. هذه مجرد أمثلة عن الأموال الطائلة الموجودة تحت أقدام الحكومة والتى تغنيها عن التفكير فى القروض لسد العجز. وقد قاد النظام الحالى لقروض الفائدة الأقطار النامية إلى استدانة بلغ مقدارها 400 بليون دولار أمريكى بفائدة وقسط استهلاك تجاوزا 40 بليون دولار أمريكى فى السنة، ولم تتمكن ثلاثة عقود زمنية من التمويل بالدين من جعل الأقطار المدينة متكيفة ذاتيا، ولم تتمكن من تحقيق فائض للوفاء بديونها، وأن هذه القروض– فى معظمها– قروض استهلاكية. وليست إنتاجية يمكن أن تعود غلتها إلى سداد هذه الديون (د. عمر عبد العزيز العانى). وإذا تابعت أحوال الأمم ستجد كثيرا منها عانى أو يعانى من ظاهرة العجز فى الموازنة، ولكن القيادات النابهة لا تتوقف عند هذا المظهر وتبحث عن الحلول فى مجالات تبدو بعيدة. هل تعرف أن بلادا كثيرة تعانى الآن من عجز الموازنة مثلا: أمريكا – فرنسا – بريطانيا – معظم دول أوروبا – تركيا – معظم البلاد العربية حتى السعودية والبلاد البترولية الأخرى – وماليزيا. وطبعا للعجز أسباب مختلفة من اقتصاد لآخر. ولكن لا بد من عدم التعامل معه بحالة من الفزع بحيث ننساق إلى طرق مسدودة بدعوى العلاج السريع لهذا الخطر الفظيع!! إن قوة الاقتصاد تقاس بالقدرة على الإنتاج والاعتماد على الذات فى مفاصل الاقتصاد. هناك اقتصاديات ترانزيت ومصر لن تكون من هذا النوع مهما أجهدتم أنفسكم. قدر مصر أن تكون قائدة فى منطقتها وإلا تتعرض للفناء: أقصد الفناء المعنوى بتحولها إلى مطيّة لدولة عظمى. موقع مصر أخطر من أن يكون ترانزيت، رغم أنها أنسب دول العالم لذلك لأنها محور العالم. العالم منقسم دائما، وسيظل دائما منقسما على مصر، ومصر لها مصلحتها الوطنية المستقلة. ولذلك فمصر دائما كانت وستكون بين شقى الرحى لأكبر قوتين فى العالم، فإما تسيطر عليها واحدة منهما، أو تنجح فى الاحتفاظ باستقلالها وتصبح هى ذاتها دولة عظمى أو جزء من دولة عظمى. وتاريخ مصر لا يخرج عن هذين الاحتمالين بصورة متواصلة لا انقطاع فيها. فمن الترف السياسى والجيوإستراتيجى عدم وضع مصر فى بؤرة الاهتمام والسيطرة. لذلك من المثير للرثاء أن يتصور حاكم مصرى أن مشكلات مصر الاقتصادية يمكن أن تحل من خلال التعاون مع صندوق النقد وهو أداة السيطرة الأمريكية على أمثالنا من الدول الغافلة. أمريكا يمكن أن تسمح أو تغض الطرف عن نمو النمور الأسيوية، يمكن أن تشجع تحول سنغافورة لدولة ترانزيت: تحقق أرباحا هائلة من خلال عملها كنقطة التقاء بحرى للتجارة العالمية وهى جزيرة صغيرة. يمكن للغرب أن يحول دبى إلى اقتصاد ترانزيت: تجارى وصناعى وجوى وبحرى، ولكن الشركات المتعددة الجنسية لن تتعاون معنا فى مشروع تحويل قناة السويس إلى منطقة ترانزيت عالمية لرسو وإصلاح السفن أو لإنشاء مناطق تجارية وصناعية حرة. ولا مانع فى أن نسعى لذلك ولكن لنعرف حجم المخاطر والتحديات. ولنعرف أن المضمون فى اليد هو بناء قاعدة إنتاج متينة تستند لسوق كبير: 90 مليون مصرى ومحاط بسوق أكبر: أكثر من 300 مليون عربى. الاهتمام الفورى بالقطاعات الإنتاجية يعنى أن يحدث خلال سنة زيادة الدخل القومى بما لا يقل عن 10 %، وهذا يؤدى إلى زيادة الصادرات ونقص الواردات فيحدث توازن أكثر فى ميزان المدفوعات وبالتالى تحدث انفراجة فى احتياطى العمولات. وهذه الزيادة فى الدخل القومى تؤدى إلى زيادة فى حصيلة الضرائب خاصة مع مقاومة الفساد فى مجال التهرب الضريبى. وهكذا تزيد موارد الدولة وينخفض العجز كل عام. التوسع فى الإنتاج يعالج مشكلة البطالة ويرفع من دخول الأسر بصورة تسمح لها بتحمل تقصير الدولة فى الخدمات وتتمكن شريحة أكبر من اللجوء إلى العلاج الخاص والتعليم الخاص، وهذا يخفف من أعباء الدولة وهكذا. والتجربة التنموية الأسيوية قدمت نماذج باهرة فى هذا المجال، أى مجال التوسع ثم التوسع ثم التوسع فى الإنتاج، أى التركيز على الاقتصاد العينى: ثم تجد باقى المشكلات يحل بعضها بعضا. لقد حققت النهضة الأسيوية معدلات فى النمو وطفرات فى التنمية لم تتحقق فى مثل هذه الفترة الوجيزة. فى أحد المؤتمرات الدولية احتار الخبراء فى تفسير هذه الظاهرة حتى طلب الكلمة خبير كورى وقال: إن منهج الأسرة الساخنة هو الذى يفسر هذه المعجزة الأسيوية؛ وشرح ذلك بالقول بأن "الأسرة الساخنة" تعنى ببساطة أن المصنع أو المنشأة الاقتصادية هى عبارة عن ثلاثة مكونات رئيسية؛ أولا: الماكينة، ثانيا: مكان تناول الطعام والترفيه والتريض، ثالثا: سرير ينام عليه العامل. وهكذا تعمل الماكينة 24 ساعة ويتبادل عليها 3 عمال، ويعمل مكان الترفيه طول اليوم ويظل السرير ساخنا لتبادل العمال عليه دون انقطاع!! كانت محاولة لتبسيط حالة التعبئة التى جعلت الأسيويون يحققون نموا ورفعا لمستويات الدخول فى 25 عاما ما أخذ من الأوروبيون والأمريكان مئات السنين لتحقيقه. ومن الأرقام التى تبناها الخبراء أن الثورة الصناعية الأوروبية سميت كذلك لأنها تمكنت لأول مرة فى تاريخ البشرية من رفع مستويات المعيشة بنسبة 50% خلال عمر الفرد، فى حين تمكنت معدلات النمو فى أسيا من رفع مستويات المعيشة 100 مرة خلال عمر الفرد أى بنسبة 10000%!! (نصف العالم الأسيوى الجديد – كيشور محبوبانى – الخبير السنغافورى). الدعم سياسة ضارة.. أكذوبة يقول خبراء الغرب خاصة فى صندوق النقد إن الدعم سياسة ضارة بالاقتصاد لأنها تتلاعب فى الأسعار الحقيقية للسوق وتفسد قانون العرض والطلب، وتحمل ميزانية الدولة بأعباء غير مطلوبة لأن الدعم يصل إلى الأغنياء أيضا ولا يصل لمستحقيه فحسب. هذه هى البضاعة التى يصدرونها لنا، ونحن نكرر من خلفهم. وهذه بضاعة مغشوشة وفاسدة وكاذبة فهم يمارسون عكسها فى بلادهم لتحقيق مصالحهم الاقتصادية وبأسلوب لا يستطيع أن يميز فيه بين الغنى والفقير، بل لعله يساعد الغنى أكثر!! هل يتابع الاقتصاديون المحيطون بمرسى الأزمات الدولية التى تحدث خلال المفاوضات الزراعية؟ فالاتحاد الأوروبى ينفق ما يربو على 100 مليار يورو سنويا دعما للمزارعين وشركات الأغذية وصيد الأسماك من منتجعات البحر الأسود فى بلغاريا ورومانيا إلى جزر الكنارى وماديرا. وفى كل دورات منظمة التجارة العالمية فإن الاتحاد الأوروبى وأمريكا يرفضان إنهاء إعانات الدعم التى تقدم إلى القطاعات الزراعية لديهما. وتنفق الولاياتالمتحدة ما يزيد على 20 مليار دولار سنويا لمزارعيها. وهذا يحافظ على أسعار مخفضة للتصدير، مما يحبط فرص الدول النامية فى الأسواق العالمية. وهذا نص ما ورد فى دراسة "الرؤية الإسلامية لحزب العمل" والتى صدرت فى العام الأخير لحكم المخلوع، والذى كان يركز فى أيامه الأخيرة على مسألة إلغاء الدعم أو إيصاله لمستحقيه: نحن نتناول هنا المبادئ العامة الموجهة فى تناول مسألة الدعم، أى دعم الدولة لبعض السلع والخدمات الضرورية ضمانا لتحقيق العدالة الاجتماعية، أو حفزا لبعض الأنشطة الاقتصادية، أو دفعا للاقتصاد فى اتجاه معين، والدعم أحد أدوات الدولة فى التدخل فى العملية الاقتصادية للصالح العام، وبالتالى فإن سياسة الدعم تختلف من مرحلة لأخرى ومن بلد لآخر، ومن قطاع لآخر، وما يكون صالحا لمصر فى عام 2000 قد لا يكون مناسبا لعام 2010 وهكذا. ولكننا نتناول القضية من زاوية اللغط الذى تثيره الحكومة المصرية بين آن وآخر حول مسألة رفع الدعم لأن حجمه المالى فى ازدياد مستمر، فقد وصل مؤخرا لقرابة مائة مليار جنيه سنويا، وهو ما يؤدى من الناحية الظاهرية إلى عجز فى الموازنة العامة. ورفع الدعم أحد محاور روشتة صندوق النقد الدولى فى إطار التخفيف المستمر لدور الدولة فى الاقتصاد. وقد أدت الضغوط فى هذا المجال على مدار العقدين الماضيين إلى رفع مستمر وتدريجى للدعم، وهو ما أدى إلى ارتفاع مستمر فى أسعار السلع والخدمات الضرورية، وهذا هو السبب وراء ارتفاع أسعار المياه والكهرباء والنقل العام بما لا يتوازى مع دخول المواطنين، كما أدى إلى الارتفاع المستمر فى أسعار الخبز والوقود والدواء والخدمات التى من المفترض أن تكون مجانية وفقا للدستور (التعليم والصحة). ويبدو رقم الدعم كبيرا بسبب النمو السلحفائى للاقتصاد، فالمشكلة الكبرى فى الحجم الكلى المتدنى للاقتصاد، وليس فى حجم الدعم. وأيضا المشكلة فى انعكاس فشل التنمية الاقتصادية مع عدم العدالة فى التوزيع، على انخفاض دخول معظم المصريين بما لا يسمح بالاستغناء عن الدعم. ومسألة الدعم مؤشر بالغ الأهمية على الازدواجية المعيبة التى يتبعها الغرب معنا، نحن وكل دول الجنوب، كما فى مسألة الخصخصة، فهو يدفعنا لرفع الدعم حتى تكون الأسعار متوافقة مع واقع التكلفة الاقتصادية، بينما سياسة الدعم مطبقة فى بلاد الغرب على نطاق واسع، سواء فى السلع أو الخدمات ومختلف أشكال الإنفاق الاجتماعى، بل إن البلاد الغربية تقدم دعما بعشرات المليارات للمزارعين، للحفاظ على ازدهار القطاع الزراعى وخفضا لأسعار التصدير، كما يظهر الدعم الحكومى فى قطاعات التعليم والصحة. إذن لا توجد سياسة رشيدة اسمها إلغاء الدعم، فالدعم الحكومى للسلع والخدمات سيظل أحد أدوات التدخل الحكومى لضمان العدالة الاجتماعية وحد أدنى من الرفاه للشعب. ولكن الدعم يختلف حجمه ونطاقه- كما ذكرنا- من دولة لأخرى ومن زمن لآخر، وهذا المبدأ من القواعد المستقرة فى الاقتصاد الإسلامى الذى يستهدف تحقيق حد الكفاية (لا الكفاف) للجميع. وتقدم الحكومة مفاهيم مغلوطة فى هذا الموضوع فتتحدث عن تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى، وهذا تلاعب بالألفاظ، فكيف ستحدد الشخص المستحق لهذا الدعم النقدى، والأهم من ذلك أن الدعم النقدى يعنى إطلاق السوق من عقاله، فهل كلما ارتفع سعر الخبز سيرتفع مبلغ الدعم النقدى؟! إذن نحن أمام إلغاء مستتر للدعم. كذلك عندما تحسب الحكومة الدعم للمواد البترولية فإنها تحسب ذلك بالأسعار العالمية، وهذه مغالطة كبرى، لأن هذه المواد منتجة فى مصر بأسعار أقل بكثير من الأسعار العالمية، وهذه الأخيرة ليست مقدسة، ولا أهمية لها إلا فى مجال التجارة الدولية، ومن المفترض ألا تكون معيارا بين الحكومة والشعب فى مواد تنتج وطنيا!! فالأصل أن البترول ينتج من أجل النهضة الوطنية، أما التصدير فيكون فى حالة الفائض، بل والفائض الكبير لأننا نتحدث عن سلعة إستراتيجية معرضة للنضوب. عندما تحسب الحكومة دعم المواد البترولية بالأسعار العالمية يبدو الرقم كبيرا جدا، ولذلك فهى تعلن أنها تتجه لإلغاء الدعم نهائيا على المواد البترولية!! وكما ذكرنا فإن أحوال مصر الراهنة فى ظل انخفاض الدخول فى مقابل الأسعار فإن الأوضاع لا تحتمل رفع الدعم عن السلع والخدمات الضرورية، فوفقا لآخر تقرير صادر من البنك الدولى 2010 فإن قيمة الحد الأدنى للأجور فى مصر هى الأقل فى المنطقة العربية بأكملها! (من دراسة الرؤية الإسلامية لحزب العمل والتى صدرت عام 2010 على موقع العمل، وصدرت لها 3 طبعات بعد ثورة 25 يناير).