وصف خبراء وسياسيون وقضاةٌ ما شهدته انتخابات مجلس الشورى أمس الاثنين بأنها فضيحة كشفت كل سوءات النظام المصري وأعطت إشارةً قويةً لما ستكون عليه أية انتخابات قادمة مؤكدين أن هذه الانتخابات أعادت إلى الأذهان صورة الزمن الرديء للانتخابات المصرية التي تراجعت بشكل كبير مع الإشراف القضائي على الانتخابات عامي 2000 و2005م. وحذر الخبراء من خطورة العمليات الاستئصالية التي يمارسها النظام المصري ضد المعارضة في محاولةٍ للاستحواذ على صناعة القرار في كل المؤسسات. فقد قال مجدي أحمد حسين الأمين العام لحزب العمل إن ما حدث يؤكد موت الحياة الديمقراطية في مصر أن كل ما أعلن عنه من رفض للتعديلات الدستوري اثبتت هذه الانتخابات صدق هذه المعارضة حيث لغت هذه التعديلات العملية الانتخابية من الناحية الفعلية من خلال إلغاء الإشراف القضائي . وأضاف حسين أن التزوير انطلق من عقاله فهذه ليست انتخابات مقارنة بموريتانيا مثلا ولن اقول مقارنة بدول الغرب أو الشرق فهي بكل المعايير سبة في جبين مصر وكان من الأفضل إلغاء هذه الانتخابات لهذا فأنا أرجو أن تكون هذه رسالة تدعو إلى ضرورة مقاطعة الانتخابات . وأكد حسين أن لا يجوز أن تجري عملية الإصلاح فيما بعد من داخل النظام وعلى كل القوى السياسية الجادة أن تبحث اذا يمكن أن تفعل في المرحلة القادمة . وقال الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين إن السلطة الحاكمة في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى أعلنت عن إفلاسها وفشلها في إجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة رغم الإمكانات الضخمة الميسرة تحت يده بإتباع إجراءات استثنائية وتدابير شاذَّة حتى يستأثر بالسلطة وينفرد بالحكم. وأضاف أن إرهاصات ذلك كانت تظهر من حملات إعلامية تحريضية ضد الجماعة واعتقالات ومحاكم عسكرية وفرض حظر على أموال الإخوان من تعديلات دستورية قصدت كلها إلى تهميش دور الإخوان إلا أنه شدَّد على أن كل هذه الممارسات القمعية الموجَّهة لجماعة الإخوان لن تؤثر مطلقًا على مسيرة الإصلاح في كافة المجالات وعلى رأسها المجال السياسي. ولأن الانتخابات جاءت في ظل إلغاء الإشراف القضائي بعد التعديلات الدستورية فقد وصفها المستشار محمود الخضيري- رئيس نادي قضاة الإسكندرية- أنها ليست انتخابات مؤكدًا أن المستقبل في مصر مظلمٌ؛ لأن الانتخابات القادمة ستزوَّر حتمًا؛ حيث ستفعل الحكومة ما تريد، وبالتالي لن تكون هناك سلطاتٌ في مصر سوى السلطة التنفيذية ولن يتبقى من الانتخابات إلا اسمها فقط، بل إنها ستكون بالتعيين، وألمح الخضيري إلى أنه ليس من المهم أن يجلس القاضي على صندوق الانتخابات في ظل إشراف قضائي، ولكن المهم أن تكون هناك إرادة حقيقية من قبل النظام لمعرفة إرادة الناخبين الحقيقية دون تزييف؛ لأنه إذا كان هناك قاضٍ ولا يستطيع تنفيذ القانون وتيار السلطة شديدٌ عليه فلن تكون هناك صورة حقيقية لإرادة الناخبين، وبالتالي فالمسألة تكمن في إرادة الدولة والحكومة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وأضاف المستشار أحمد مكي أن الانتخابات التي جرت في ظل غياب الإشراف القضائي انطلقت فيها يد الإدارة بلا رقيب، مؤكدًا ما قاله المستشار الخضيري من أن نزاهة الانتخابات مرهونة بوجود إرادة حقيقية من السلطة القائمة في إجراء انتخابات نزيهة، فإذا غابت هذه الإرادة فلا انتخابات نزيهة، وضرب المثل بمن يقوم بعمل تحاليل طبية، فاذا ما خدع نفسه في نتائجها فلن يُشفى، وهكذا حكومة مصر تخدع نفسها في الحقيقة، ولكن لا تستطيع خداع الشعب الذي يعرف الحقيقة بأن هذه الانتخابات مزوَّرة، والكل يعرف ما إذا كانت مزوَّرةً أم لا، مستدلاًّ على صحة ما يقول بإعجاب المصريين ومختلف دول العالم بما جرى في موريتانيا من انتخابات حرة نزيهة، رغم عدم وجود إشراف قضائي، إلا أن الإرادة الحقيقية لتمثيل إرادة الناخبين هي التي كانت حاضرةً. موضحًا أثر ما نعانيه في مصر من قمع وتزوير في المستقبل في أنه طالما كانت الانتخابات مزوَّرة فسيصاب الناس باليأس والإحباط، مؤكدًا أن الحكومة لا تحب الشعب، وبالتالي لا يحبها الشعب. وأشار د. عمرو الشوبكي- الباحث بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام- إلى أنه يرى أن هذه الانتخابات تمثِّل "بروفة" سيئة لكل انتخابات قادمة في مصر، موضحًا أنه تم استثمار مجموعة من العوامل والظروف في تلك الانتخابات، أولها أن هذه الانتخابات ستظل بالنسبة للمصريين مجرد مشاركة في مجلس غير مقنع، كما أن صلاحياته غير واضحة، على الرغم من الصلاحيات التي منحتها له التعديلات الدستورية الأخيرة إلا أنها كانت محدودة وغامضة، فضلاً عن أنه لا يزال مجلسًا يعاني من عملية تعيين ثلث أعضائه. موضحًا أنه كان يميل لمقاطعتها لأن كل المؤشرات كانت تدلُّ على رغبة النظام لتزويرها لصالح مرشحي الوطني. وألمح الشوبكي إلى عامل آخر، وهو عدم اهتمام الجمهور العادي الذي لا ينتمي لاتجاه سياسي معيَّن للإدلاء بصوته في الانتخابات، وأضاف أن انتخابات الشورى كشفت عن مدى الصراعات داخل الحزب الوطني، والتي أكد أنها ستتعمَّق في الفترة المقبلة لغياب الحزب الوطني ككل عن المنافسة الحقيقية، على حد تعبيره. وكانت الانتخابات قد شهدت أمس أعمال عنف في حين منعت قوات الأمن منظمات حقوق الإنسان والناخبين ومراقبي المجتمع المدني من دخول مراكز الاقتراع. وذكرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنها سجلت منع مراقبين من المنظمات الأهلية ووكلاء مرشحين خاصة من الإخوان من دخول اللجان الانتخابية. كما سجلت في دوائر أخرى منع ناخبين من التصويت بفرض قيود على دخولهم، وعمليات تزوير في بعض اللجان.