من حق النساء العربيات أن يقلن ذلك، وقد قلن ما يشبهه خلال العقود الستة الماضية وقبل ذلك أيضاً، فالثورات والانقلابات العسكرية كانت ذكورية بامتياز، ومنهن نساء يذهبن إلى ما هو أبعد فيقلن إن الحروب، سواء كانت أهلية أو طائفية، هي مشاريع رجال أولاً وأخيراً، وهن اللواتي يدفعن الثمن كأمهات وزوجات وشقيقات، هذا على الأقل ما كتبته مثقفات لبنانيات ومصريات خلال الأعوام القليلة الماضية . حتى هذا الحراك الذي عبر الحدود والأسوار ولم يعبأ بالمصدات على اختلاف أشكالها، ثمة من النساء من يقلن إنه لا يزال ذكورياً، كأن قدر النساء هو الخريف أما الربيع فهو من نصيب الذكور، ففي البرلمانات والمناصب الحساسة لم تدخل المرأة بعد إلا على استحياء، وأحياناً بشكل رمزي لمجرد استكمال نصاب الدولة ذات الواجهة المدنية والديمقراطية . ما يقال الآن لا يختلف كثيراً عما قيل في النصف الأول من القرن الماضي، ففي تلك الفترة حدث نهوض نسوي لكنه لم يحلق عالياً وبعيداً عن جاذبية الواقع المحاصر بشروط بالغة القسوة، بحيث اقترحت أكاديمية مصرية في تلك الفترة أن تحذف نون النسوة من كتاب النحو العربي لأنها، كما وصفتها، أشبه بالحذاء الصيني الذي يعوق أقدام النساء عن النمو . وكرد فعل على الحصار الذكوري لنهوض المرأة ودفاعها عن استحقاقاتها الآدمية، تطرفت بعض النساء في أطروحات أنثوية مضادة للرجال وعالمهم وهن من يطلق عليهن في أدبيات هذا الصراع الجنسوي "النيمينت". فهل كان ما يسمى الربيع العربي ذكورياً وحكراً على الرجال، أم أن في ذلك غلواً وتجاوزاً للمشهد الواقعي؟ الإجابة ينبغي أن تكون حذرة ولا تتورط في التعميم، لأن هناك تبايناً شديداً في أوضاع النساء في العالم العربي، سواء بين المدينة والريف أو بين بلد وآخر . فيما مضى كان ربيع النساء يعني مرحلة وردية من العمر، تغمرها العافية، لكن ما أن حدث تسييس لكل المفردات، ومنها أسماء الفصول، حتى تحول الربيع من مرحلة في العمر إلى مرحلة في التاريخ، لا يتحدد بالأفراد بل بالجماعات . وحين تقول ناشطة عربية، إن النساء بلا ربيع فمعنى ذلك أنها تحتج على الحصة الضئيلة للنساء من هذا الحراك، وبالتحديد في إفرازاته ونتائجه، فهي كانت، ولا تزال موجودة في الساحات والميادين وتنشط في كل المجالات، لكن ما أن تختبر صناديق الانتخابات جدية هذا الحضور النسوي حتى تكون الخيبة . وقد شهد التاريخ البشري، رغم أنه كما يقال نتاج ذكوري استمر لأكثر من ستة آلاف عام، ثورات نسائية، منها تلك الثورة العنيفة التي قامت بها الأمازونيات، وهن نساء باسلات بترن أثداءهن كي لا تعوقهن عن استخدام القوس أو أي سلاح بدائي مماثل، وفي ثورة مايو الشهيرة عام 1968 لم تكن المرأة مجرد شريك للرجل، بل قادته في بعض المواقع وكان رمز تلك الثورة التي أحدثت تغييراً في العالم أنثوياً، سواء من خلال حرق الكورسيهات في تعبير رمزي عن العصيان، أو من خلال تلك الطالبة الأمريكية من جامعة "كنت" التي أطلق الجنود النار عليها لأنها حاولت أن تحشو باقة ورد في فوهة بندقية . الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة