وجهت جامعة الدول العربية انتقاداتٍ حادةً للقرار الذي أصدره مجلس النواب الأمريكي باعتبار الصراع الدائر في إقليم دارفور غرب السودان "إبادةً جماعيةً" بالإضافة إلى تحميله الجامعة العربية مسئولية عرقلة نشر القوات الدولية في الإقليم. وأكدت الجامعة في بيان أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أعربت عن بالغ اندهاشها من القرار الصادر عن مجلس النواب الأمريكي والذي يطالب الجامعة العربية بالإعلان عن أن انتهاكات حقوق الإنسان الواقعة في دارفور تعد إبادةً جماعيةً في وقت لم تستخدم فيه أي منظمة دولية أو إقليمية هذا التوصيف. وأضاف البيان أن الأمانة العامة للجامعة قد عبَّرت عن استيائها مما جاء في قرار الكونجرس من أن الجامعة العربية عملت على عرقلة نشر قوات أممية في دارفور وهو أمر يؤكد أن معلوماتٍ غير صحيحة تقدم إلى الكونجرس الأمريكي تُبنَى عليها قراراتٌ بعيدةٌ عن واقع الأمور موضحًا السجل الدبلوماسي لجامعة الدول العربية في التعامل مع الأزمة في الإقليم. ويأتي الموقف الصادر من مجلس النواب الأمريكي في توقيت غريب بالنظر إلى أنه يتزامن مع ما أبدته الحكومة السودانية من مرونة في تطبيق القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي برقم 1706 والخاص بنشر قوات تابعة للأمم المتحدة في الإقليم؛ حيث أعلنت الحكومة السودانية عن موافقتها على البدء في تنفيذ المرحلة الثانية منه والتي تتضمن نشر 3 آلاف عنصر أمني وعسكري في الإقليم لدعم قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي. وقد يكون هذا القرار جزءًا من مخطط يعده الأمريكيون والبريطانيون للتدخل في دارفور دون النظر إلى المواقف الجديدة المرنة التي تتخذها الحكومة السودانية؛ حيث كانت بريطانيا والولاياتالمتحدة قد أتبعتا إعلان الحكومة السودانية بموافقتها على تنفيذ المرحلة الثانية بالتهديد بفرض عقوبات إذا لم يتم تنفيذ المرحلة الثالثة، والتي تتضمن نشر 17 ألفًا من العناصر الأمنية والعسكرية، وهي المرحلة التي لا تزال قيد التفاوض، وقد رفضت روسيا والصين والدول العربية التهديدات الأمريكية البريطانية، معربين عن دهشتهم من التوقيت الذي صدرت فيه. كما يجيء قرار مجلس النواب الأمريكي على الرغم من النشاط الدبلوماسي والسياسي العربي الراهن في دارفور والممثل في إعلان مصر عن استعدادها لإرسال 800 جندي لدعم قوات الاتحاد الإفريقي، إلى جانب إرسالها وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ومدير المخابرات اللواء عمر سليمان للتباحث مع المسئولين السودانيين. كما يتمثَّل النشاط العربي في الاجتماع الدولي الذي استضافته ليبيا في مدينة سرت خلال يومي السبت والأحد الماضيين بحضور ممثلين عن الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية، من بينها مصر، إلى جانب ممثلين عن عدد من الدول الغربية من بينها الولاياتالمتحدة. وقد أعرب المشاركون في الاجتماع عن دعمهم لفكرة تشكيل قوة مشتركة من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في دارفور، كما شدد المشاركون- في بيانهم الختامي- على ضرورة إعطاء الأولوية للعمل السياسي ودعم الحوار مطالبين مختلف الأطراف التي لم توقِّع على اتفاق أبوجا للتسوية في الإقليم إلى التوقيع عليه كذلك عبَّر المشاركون في الاجتماع عن قلقهم بسبب تردي الوضع الإنساني في الإقليم، داعين كل الأطراف لتسهيل وصول وتسليم المساعدات الإنسانية. وقد أعلن علي التريكي- أمين شئون الاتحاد الإفريقي في الخارجية الليبية- أن مؤتمرًا مماثلاً سوف يُعقد في مدينة طرابلس سوف يضمُّ المتمردين؛ حيث لم يحضر أي ممثل عنهم المؤتمر الذي عُقد في سرت. وفي الوضع الميداني نفت الحكومة السودانية الاتهامات التي وجَّهتها بعض فصائل التمرد في دارفور بأن الحكومة السودانية قامت بمهاجمة أحد المواقع الذي كان المتمردون يعتزمون الاجتماع فيه مما أسفر عن اشتباكات شهدت إسقاط مروحية حكومية. ونفى أحد المتحدثين باسم القوات المسلحة السودانية علمَه بأي شيء عن وقوع تلك الهجمات. وأكد- بحسب رويترز- فقدان الجيش لمروحية أثناء تنفيذها مهمة استطلاع بعد أن أبلغ طاقمها عن وجود مشكلة فنية بها. وقال المتحدث إن القوات الجوية فقدت الاتصال بطائرة هليكوبتر أثناء مهمة استطلاع على بُعد 60 كيلو مترًا شمال شرق بلدة كوتوم في شمال دارفور. وأضاف أنه أبلغ الطيار عن عطل فني ثم فقدنا الاتصال به.. القوات المسلحة تجري حاليًا عملية بحث وإنقاذ". كما أكد مجذوب الخليفة مستشار الرئيس السوداني في مؤتمر صحفي في العاصمة السودانية الخرطوم أن الأوضاع مستقرة في معظم أنحاء دارفور باستثناء منطقة يسيطر عليها المتمردون في الشمال، مشيرًا إلى أن الحكومة قد أصدرت قرارًا قبل 10 أيام بوقف كل عملياتها في الإقليم للسماح لجماعات المتمردين بالانضمام إلى عملية السلام.. وأضاف الخليفة أن "السودان لا يتعامل إلا مع قوات ويوافق على عدم قصف أي قرى أو مدنيين". وكان أحمد عبد الشافي- زعيم أحد فصائل حركة تحرير السودان- قد قال القوات الحكومية شنَّت هجومًا على أحد المواقع التي كان المتمردون سوف يعقدون فيها اجتماعًا من أجل بحث التطورات حول الإقليم؛ مما أسفر عن سقوط بعض المصابين، ونقلت (رويترز) عن عبد الشافي- الذي لم يوقع على اتفاق أبوجا للسلام- قوله إن المتمردين أسقطوا مروحيةً من اثنتين شاركتا في الهجوم وأن الوضع "أصبح تحت السيطرة". كما قال القيادي في المتمردين جار النبي عبد الكريم: إن طائرات الحكومة هاجمت هدفًا آخر قرب هشابة في شمال دارفور، لكنه نفى وقوع أية إصابات. وفي سياق آخر شهد الأمس مظاهراتٍ حاشدةً في مناطق مختلفة من العالم؛ حيث كان منظمو حملة "اليوم العالمي من أجل دارفور" قد قالوا إن الاحتجاجات ستنظَّم في 35 عاصمة في أنحاء العالم بمناسبة الذكرى الرابعة لبدء الصراع، وكانت بريطانيا ونيجيريا ومصر من بين الدول التي شهدت تلك المظاهرات. إلا أن تلك المظاهرات تعتبر محلَّ تشكيك من جانب بعض المراقبين، بالنظر إلى أن مثل هذه الحملات لم تتفاعل إلا بعد تدخل الأمريكيين بصورة واضحة في الإقليم؛ مما يرجِّح أن من يقف وراءها هم جماعات الضغط الأمريكية ذات المصالح في إقليم دارفور، بعيدًا عن الرغبة في المساندة الحقيقية لأهالي الإقليم. وقد أسفر النزاع في دارفور عن مصرع حوالي 200 ألف شخص وتشريد 2.5 مليون آخرين خلال 4 سنوات، وفق الإحصاءات التي أوردتها الأممالمتحدة، والتي تشكك الحكومة السودانية في مصداقيتها.