مع هدوء عاصفة الانتخابات السودانية الرئاسية والعامة والولائية، وبروز أحاديث الانفصال مع اقتراب موعد استفتاء الجنوب في يناير المقبل، جاء إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف ثانية بحق الرئيس عمر البشير بتهمة الإبادة الجماعية، ليزيد من الوضع السوداني ارتباكا. لماذا أوكامبو؟ ولكن العلامة البارزة في خضم تلك الأزمات هو لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، الذي صار عدوا لدودا للرئيس البشير، الذي يصر بحسب كلامه أنه ماض في طريقه بثبات لاعتقال المسئولين السودانيين عن جرائم الإبادة من قبضة العدالة. وبناء على استئناف قدمه أوكامبو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ثانية بحق الرئيس البشير بتهمة "ارتكاب ثلاث جرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور"، وفق بيان أصدرته المحكمة. وكانت المحكمة نفسها قد أصدرت في شهر مارس من العام الماضي أمرا باعتقال الرئيس البشير بعد أن وجهت إليه "سبع تهم في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". وأكد أوكامبو في تصريحات صحفية يوم السبت، على أن اعتقال البشير أو الإطاحة به من الحكم هما السبيلان الوحيدان لوقف "المذبحة التي يشهدها إقليم دارفور". تخفيف ضغط واعتبر البعض أن قرار المحكمة الدولية الأخير وسيلة سياسية وإعلامية لتخفيف الضغط علي حكومة الجنوب التي تعاني أزمة حقيقة مع تزايد معدلات التمرد والانشقاقات ، في محاولة "لاقتسام الكعكعة"، وإعلاميا بلفت النظر عن تصاعد أعمال العنف في الجنوب والتي تودي يوميا بالعشرات، الأمر الذي يبعث برسائل سلبية لحفائهم الغربيين وخاصة أمريكا وإسرائيل. وبالعودة إلي تصريحات أوكامبو، فيري أن "تطبيق مذكرة الاعتقال وإلقاء القبض على البشير يشكل فرصة أخيرة لإنقاذ إقليم دارفور، فضلا عن كونه الفرصة الأخيرة للحيلولة دون ارتكاب البشير جرائم أخرى، مضيفا أن "البشير سيواجه العدالة آجلا أم آجلا وأن عامل الوقت يعمل في مصلحة المحكمة الجنائية وهي معنية بوقف أعمال الإبادة فورا لأن الضحايا لا يسعهم الانتظار". مصلحة سودانية وبدوره يرى علي محمود حسنين السياسي السوداني المعارض رئيس حزب الاتحادي الديمقراطي بأن "جريمة الإبادة الجماعية أخطر بكثير من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية"،التي وجهت إلى البشير العام الماضي، مضيفا في حوار مع دويتشه فيله، بأن إضافة هذه التهمة إلى التهم الأخرى الموجهة للبشير "تجعل الهامش أمام الرئيس السوداني ضيقا"، حيث أن هناك "خمس عشرة دولة عربية ملزمة بالعمل على إلقاء القبض عليه"، لأنها من بين الدول المائة والأربع والأربعين الموقعة على معاهدة الأممالمتحدة الخاصة بجرائم الإبادة الجماعية، ومن بين الدول العربية التي وقعت على هذه المعاهدة يذكر حسنين مصر والسعودية والجزائر وسوريا وليبيا والكويت والعراق واليمن بالإضافة إلى السودان نفسه. ورقة سياسية وفي المقابل تري أماني الطويل الأستاذة الزائرة في جامعة جورج واشنطن أن"المحكمة ورقة سياسية" تستغلها بعض الأطراف المهتمة بالملف السوداني. وتضيف الطويل، في حوار مع دويتشه فيله، أن "المحكمة تستخدم للضغط على البشير لتقديم تنازلات في عدد من القضايا، ليس فيما يتعلق بدارفور والاستفتاء في الجنوب فحسب، بل للحصول على تسهيلات أمريكية في منطقة البحر الأحمر". وتعتقد أماني الطويل، الباحثة المتخصصة في الشأن السوداني، بأن تهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي وجهت للبشير "يشوبها الكثير من الشكوك"، وأن "العمل العسكري ضد الأطراف المعارضة في دارفور جاء في إطار صراع سياسي بين المتمردين والحكومة السودانية وليس في إطار تتبع عرق معين لإبادته". فالأعراق الموجودة في دارفور موجودة في الخرطوم أيضا، وبالتالي "لم يتم تتبعها أو العمل على إبادتها طبقا لانتمائها إلى هذا العرق أو هذه القبيلة. فعمليات القتل تمت في إطار صراع سياسي بين طرفين حكومي ومعارض". انتهازية وتنتقد أماني الطويل الموقف الأمريكي من الملف السوداني وتصفه ب"الانتهازي"، فهي ترى أن موقف الإدارة الأمريكية استقر على فكرة إنشاء دولتين في السودان: واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب، "لذا تستغل واشنطن الرئيس البشير حتى لحظة الانفصال". أما السياسي السوداني المعارض علي محمود حسنين فيعتقد أن "كل شيء مؤجل في السودان حتى يتم انفصال الجنوب عن الشمال، وبالتالي فإن هناك حرصا من الغرب على أن يبقى البشير في الحكم حتى يناير المقبل، (موعد الاستفتاء في الجنوب)، وبعد ذلك سينقلبون عليه". غياب رسمي وبينما غابت ردود الفعل الرسمية العربية، جاء استنكار الأمانة العامة لاتحاد الأطباء العرب ليعطي انطباعا أن الملف السوداني بات بعيدا عن واقعه العربي، وأشار إلي أنه تأكد - من خلال لجنة التحقيق التي شكلتها مع عدد من الاتحادات المهنية العربية عام 2004 - أن النظام السوداني لم ينفذ جرائم حرب في دارفور واصفا الاتهامات الغربية بأنها ادعاءات استغلت الظروف المعيشية لأهل الإقليم المرتبطة بالوضع الاقتصادي إجمالا في السودان لإطلاق تلك الفرية . واتهم الاتحاد "بعض المنظمات الدولية والنظم الغربية بالدأب على العمل بسياسة الكيل بمكيالين بإغماض العين عن انتهاكات الاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان والصهيوني في فلسطين وأخرها مذبحة أسطول الحرية وحصار غزة في الوقت الذي تضخم فيه من أحداث تقع في بعض الدول استنادا إلى موقف الغرب والنظام الأمريكي بصفة خاصة منها وليس على أسس العدل والسلم الدوليين".