الثورات أنواع؛ إذ يحلو للثوار وللإعلاميين وصف الثورات بأسماء مناسبة للشهرة والتمييز، فهناك ثورة الياسمين، والثورة البرتقالية، الخ.. ولكن الثورة الرومانية ضد الطاغية المعدوم شاوشيسكو تنفرد بوصف الثورة (الخائبة)، لأنها كانت خائبة بالفعل؛ إذ فرح الشعب الثائر المسكين بالتخلص من الطاغية بعد إعدامه وزوجته في ميدان عام، ولم ينتبهوا لخطورة بقاء فلول النظام، لتنتهي الثورة بتسليم البلاد لنائب الطاغية الذي انقلب على الثورة وقام بالتنكيل بالثوار، وبقي النظام كما هو!. وقد حظيت الثورة المصرية المباركة، عند اشتعالها، بأجمل الصفات ونالت إعجاب الدنيا كلها.. وينتظر العالم النتيجة النهائية للثورة وثمرتها المرجوة، باستكمال مسيرة الحرية، مع إجراء أول انتخابات رئاسية- نأمل أن تكون حرة. فهل ستكتمل الثورة وتنجح في تحرير مصر وإنقاذها من التخلف والفقر والقهر الذي فرضه المخلوع ونظامه.. أم تتحول (لا قدر الله) إلى ثورة خائبة مثل ثورة رومانيا؟!. إن الثورات تقوم ليس فقط للتخلص من الطغاة والمفسدين ولكن لإصلاح ما أفسده الطغيان والانطلاق- بالاستفادة من الطاقة الثورية- إلى التنمية والتقدم وتحقيق الرفاهية للشعب الثائر. وقد واجهت ثورتنا ظروفا استثنائية قاسية أجّلت وأخّرت الاستفادة من الطاقة الثورية للانطلاق وإعادة بناء الوطن، لأن مصر تختلف عن أغلب دول العالم نظرا لتميزها وتميز شعبها، وخشية الجميع من عودتها إلى الريادة وتغيير كل الحسابات وقلب كل المعادلات.. فلم تتوقف الضغوط والتدخلات والمؤامرات (المعلنة والخفية) لحرماننا من قطف ثمار الثورة. وإذا كنا قد أضعنا فرصة استكمال الثورة في حينها (بالضربة القاضية للنظام المجرم).. فلا أقل من استكمالها بالطرق الدستورية بانتخاب من يؤمن بالتغيير الثوري، ويقدر على لم الشمل وإعادة الروح الثورية، وتحجيم الفلول والقضاء على المفسدين، ويستفيد من الطاقة الإنسانية المصرية الهائلة ويستثمرها في إحداث طفرة تنموية تعوض ما فات. لقد تسبب البطء والخضوع لتدخلات من لا يريدون الخير لمصر إلى إحياء أمل فلول النظام السابق في إنجاح الثورة المضادة.. ووصلت الجرأة إلى الترشُّح لرئاسة الجمهورية، مما أيقض الخلايا التي كانت تتظاهر بالنوم ومنحها الجرأة على الجهر بالسعي لاستنساخ الطاغية المخلوع من خلال أهم وأغلى ثمرات الثورة وهي الانتخابات الحقيقية غير المزيفة!. وهذه الجرأة كشفت حقيقة من تظاهروا بالتوبة والندم في أعقاب الثورة، الذين اعتذروا (لفظيا) للشعب عن سنوات التضليل والخداع لصالح المخلوع ونظامه، مدّعين أن الثورة طهرتهم وأنهم لن يعودوا إلى هذا السلوك المشين والمدمر. فها هي صحيفة الأهرام وغيرها من صحف النظام، وكذلك القنوات الحكومية، تعود كما كانت وتستأنف عمليات التضليل والخداع، سعيا إلى القضاء على الإجماع الشعبي على تطهير البلاد من النظام الفاسد، وإحداث بلبلة لتغييب الوعي وبث الفرقة والفتنة التي تؤدي إلى قبول فكرة انتخاب أحد الفلول. ومن الواضح أن هناك تعليمات بتنفيذ خطة ممنهجة ومنظمة لتفتيت الإجماع الشعبي الذي أسفرت عنه انتخابات مجلسي الشعب والشورى.. لدرجة أن إذاعة القرآن الكريم- التي كانت أول من استفاد من مناخ الحرية بعد الثورة وانقلب مستوى الأداء فيها رأسا على عقب إلى الأفضل ولصالح الثورة- تختار مقالات لإذاعتها وترديدها وتستضيف من ينادون بعدم ضرورة اختيار رئيس من التيار الإسلامي!، أليست هذه نتيجة لتعليمات؟.. ترى من الذي يصدر التوجيهات الآن؟، ومن الذي يستجيب؟، ألم نكن قد تخلصنا من هذا السلوك المدمر في أعقاب الثورة؟. لقد سقط الخوف ولن يعود، وينبغي على الشعب الثائر ألا يستجيب إلى تعليمات العودة إلى النظام الإعلامي للمخلوع.. الذي خلصتنا الثورة منه. على الشعب المصري أن يستيقظ ويستوعب دروس التاريخ، وأن يسعى لحماية ثورته وإنقاذها من احتمال التحول إلى ثورة خائبة. لو نجحت الثورة المضادة في إعادة استنساخ الرئيس المخلوع، بانتخاب موسى أو شفيق، فسوف يتم القضاء على الثورة والتنكيل بالثوار.. وسوف تظل مصر متخلفة، مهانة، خاضعة، غير مستقلة. إن هناك عملية ثأر بين فلول النظام والشعب.. بعد الإهانة الثورية التي تعرضوا لها، ولو تمكن هؤلاء من رقابنا فسوف ينتقمون منا أسوأ انتقام. ومن السهل تدبير بعض العمليات الإرهابية وإلصاقها بالثوار وصنع جزائر جديدة أو رومانيا مصرية. على كل مصري أن يفكر بعمق وأن ينتبه لنتائج اختياره.. وأن يتذكر أن هذه (شهادة) يحاسبنا الله عليها: - احذر من انتخاب أحد الفلول حماية لثورتك وإنقاذا لمستقبلك وأسرتك، ولا تصدق افتراءات وأكاذيب الإعلام الكاذب الموجه. - احترس أن تهيء الفرصة لطاغية جديد ينطبق عليه قول الحق تبارك وتعالى (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ، هود- 205). - تجنب اختيار من يَسخرون من ميزة التدين التي يتمتع بها الشعب المصري، وينافقون بالقول (لا للدولة الدينية وهم يعلمون أنه يستحيل وجود دولة دينية في مصر، أو غيرها!)، فهؤلاء مرْضى يعادون الشعب ويصنعون الأزمات. - لا تنخدع بشعارات الليبرالية ‘والمدنية‘ المخادعة، وفتش عن معناها الحقيقي، وعن حقيقة من يرددونها. - احذر الشيوعيين؛ حتى وإن تلونوا بأسماء أخرى مثل الاشتراكية والديمقراطية.. فقد سقطت الشيوعية في عقر دارها بعد أن خرّبت الدول الشيوعية وأفقرتها. - لا تصدق مقولات (الدولة الدينية) فليس في الإسلام شيء اسمه دولة دينية، بل إن الدولة الدينية بمعناها الحقيقي تتصادم مع الشرع الإسلامي الذي يُعلي شأن الأمة ويجعلها مصدر السلطات، ويعتبر الحاكم أجيرا لدى الشعب. - تذكر أن من يتنازل عن برنامجه أو مبادئه الآن لإرضاء هذا وعدم إغضاب ذاك.. هو مرشح نفعي لن يصمد في وجه أعدائنا وسوف يستمر في التنازل إن أصبح رئيسا. - ثق أن مصلحة مصر تكمن في وجود رئيس مؤمن، قوي، نزيه، يفهم ويعي أحوالنا ومشكلاتنا، وله تواجد بيننا وفي كل مكان، ونستطيع الوصول إليه. - لا تنس أن المرشح الذي له مرجعية تسنده، وحزب يعاونه، ومعاونون مخلصون ينقلون إليه النبض الحقيقي للشعب.. هو الأقدر على إنقاذ مصر في هذه المرحلة المصيرية التي لها ما بعدها. - قبل أن تدلي بصوتك (شهادتك).. تذكر قول الله تعالى (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ، البقرة- 113).