ليس هناك من شك أن أعداء الثورة المصرية بالداخل والخارج متوافقون ومتفقون على محاولة القضاء على الثورة وعلى كل مكاسبها؛ وأهمها صعود التيار الإسلامي. وكما توقعت بمقال الأسبوع الماضي.. فقد تمسكت لجنة الانتخابات بزعيم الفلول أحمد شفيق على الرغم من خلع الشعب له بعد خلع سيده ومثله الأعلى، تمسكت بترشيحه بعد مسرحية مكشوفة لهذه اللجنة الفلولية، وباستخدام الأسلوب نفسه الذي كان يتبعه المخلوع وحزبه، وفي مخالفة فجة وتحدٍ لقانون العزل السياسي. والتمسك بترشيح شفيق بالذات، مع علمهم بكراهية الشعب له واستحالة فوزه، يدل على أشياء كثيرة وخطيرة.. أهمها نية الاستفادة القصوى من المادة 28 الدكتاتورية، بتزوير الانتخابات وفتح الباب للاضطرابات والاحتجاجات، حيث يسهل تدبير أية مصيبة إرهابية و(تلبيسها) للتيار الإسلامي. وقد بات واضحا الآن أنه كانت هناك خطة مبيتة لإقصاء الشاطر وأبو إسماعيل بأي ثمن مع التخفيف من وقع الصدمة بإقصاء سليمان أيضا، إذ ليس معقولا- في ظل الرفض الشعبي- أن يرشح الفلول أكثر من فِل. وقد أثبتت اللجنة بكل وضوح أنها ليست مستقلة، وأنها غير محايدة.. وأنها لا تصلح لإدارة انتخابات حرة تعيد السلطة المسلوبة إلى الشعب الثائر. وإذا استمرت هذه اللجنة، ونجحت في إعادة تثبيت النظام المخلوع فقل على الثورة، وعلى مصر ومستقبلها، السلام. إن كل ما يدور من أحداث بعد انتخابات مجلسي الشعب والشورى يدل على أن هناك قرار وترتيبات ومؤامرات (دولية ومحلية) بمنع تسليم السلطة للأغلبية البرلمانية، لسبب وحيد ومعروف وهو أن هذه الأغلبية إسلامية، ولو كانت غير ذلك لما حدث هذا التعطيل المتعمد وما يترتب عليه من وقف حال البلاد والعباد. وهذه ليست أول مرة يواجه فيها الإسلاميون هذا المنع المتكرر من تطبيق النموذج الإسلامي.. لأن المخططين والمتآمرين، (وأولهم الحلف الصهيوأمريكي)، يعلمون جيدا تميز المشروع الإسلامي وقدرته على إنقاذ الوطن وتقديم نموذج يُحتذى؛ ولو كانوا يتوقعون الفشل لأسرعوا بتشجيع تسليم السلطة للإسلاميين لجعلهم عبرة، والقضاء النهائي على الفكرة السياسية الإسلامية من جذورها. لو كانت هناك نية لاحترام إرادة الشعب وبدء تحقيق حلم المصريين الثائرين من أجل حياة حرة ديمقراطية؛ لما تمسكوا بحكومة فاشلة تكاد أن تحرق الوطن بزرع الأزمات ونشر الفوضى.. لدرجة أن رئيسها يتحدى المجلس النيابي الذي سحب الثقة من حكومته، بل ويهدد بحل مجلس الشعب!، وكأن المخلوع هو الذي مازال يأخذ القرارات. إن كرامة ممثلي الأمة بل وكرامة مصر تتطلب اتخاذ موقف سلمي حاد تجاه هذا التعنت وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.. بتجميد نشاط مجلس الشعب والاعتصام داخله حتى تنفذ قراراته، التي تمثل الشعب كله. هل يعي الإسلاميون الدرس، ويدركوا ما يدور حولهم، ويتخلوا عن سياسة ‘حسن النية‘ المفتوحة لكل من يستحقها ومن لا يستحقها؟!. هل يخفى عليكم أن ما يحدث من تعطيل لإرادة الشعب يهدف إلى الانتظار لحين تدبير رئيس يقبل بدور فرملة الإسلاميين أو القضاء عليهم بحل مجلسي الشعب والشورى، وربما فرض الأحكام العرفية بأية حجج يدبرها الفلول؟.. وإذا كان هذا هو الهدف فهل يظن عاقل أن يسمح هؤلاء بوصول رئيس إسلامي إلى سدة الحكم؟. إن كل ما يدور حولنا الآن يقول إن هناك (قرار) بمنع وصول الإسلاميين إلى الرئاسة. وقد خطط المخططون في البداية لتفتيت أصوات الإسلاميين.. ولكنهم عندما لاحظوا الشعبية الجارفة لبعض المرشحين واحتمال ألا تتفتت الأصوات غيروا الخطة واستخدموا أسلوب المخلوع في الاستبعاد، بمنع من يُحتمل فوزهم من الترشح، بحيث يسهل تفتيت أصوات الباقين الذين تتساوى حظوظهم تقريبا. وبالطبع فليس مستبعدا استخدام المادة 28 لتزوير الانتخابات، وهناك خطط وبدائل كثيرة منها الطعن في النتيجة أو في العملية الانتخابية ذاتها إن فاز أحد الإسلاميين، هذا إن أجريت الانتخابات أصلا. وخطورة هذه المخططات لا تقتصر فقط على تعطيل المسار الديمقراطي وعودة الطغيان والقضاء على الثورة، بتحويلها إلى ثورة خائبة مثل ثورة رومانيا ضد شاوشيسكو.. ولكنها سوف تؤدي إلى ضرب الاستقرار وربما نشر العنف المدبر لإنجاح مخطط القضاء على الثورة، حتى وإن احترق الوطن بمن فيه!. ليس أمام الإسلاميين إذاً سوى تحكيم العقل، والجلوس معا والاتفاق على مرشح واحد؛ للتقليل من فرص الفلول في العبث وصنع الأزمات.. لأن مرشح واحد قوي سوف تكون الأصوات التي يحصل عليها واضحة كالشمس ويصعب التلاعب فيها، كما أن وجودهم جميعا ومنافسة بعضهم البعض في هذه الظروف المصيرية سوف يضيع فرصة الجميع. ووجود مرشح واحد سوف يكشف أوراق اللعبة مبكرا، فإن كان قرار منع الإسلاميين مصيريا بالنسبة لمن يخططون ويدبرون ولا رجعة فيه، فسوف تلغى الانتخابات بأية حجة ويعلم الشعب حقيقة الأمور ويتصرف على هذا الأساس. لذا أقترح تشكيل لجنة من ثلاثة أحزاب إسلامية غير مشاركة في المنافسة، ولتكن أحزاب (النور) و(العمل) و(الوسط)، لإجراء استطلاع رأي شعبي موسع؛ وترتيب المرشحين الإسلاميين طبقا لنتائج الاستطلاع.. ويتم اختيار الأول للاستمرار في المنافسة ويتعهد بتعيين الثاني نائبا. وليعلم المرشحون الإسلاميون جميعا أن حلمهم الكبير وهو (المشروع الإسلامي) في خطر، بل إن مصر الغالية نفسها في خطر، وينبغي على كل من يسعى لمصلحة الإسلام والوطن أن يتحلى بفضيلة إنكار الذات وتغليب المصلحة العليا على المصالح الحزبية أو الشخصية.. ونحن نحسبهم جميعا كذلك ولله الحمد. همسة: • الأزمات التي تصنعها حكومة الجنزوري فتحت الباب واسعا لسرقة الشعب.. فمحطات الوقود مثلا تستغل أزمات الوقود ببيع البنزين 90 على أنه 92، حيث لا تجد في أية محطة ممن يوزعون الأخير سوى البنزين 92 وكأن البنزين 90 قد تم إلغاؤه، بل حول بعضهم (بتعديل الكتابة بالقلم) طلمبات 90 إلى 92 ولا ندري ماذا يوجد بها. فهل اختفي البنزين 90، ومن الذي قرر ذلك.. أم أن المواطن يتعرض للسرقة، وعلى من تعود الأموال المسروقة بالفرق بين النوعين؟!.