في الثامن عشر من شهر أبريل 2007 اجتمعت في القاهرة لجنة متابعة المبادرة العربية ، قرار قمة الرياض رقم 367 الذي تضمن تأكيد القمة العربية في اجتماعها التاسع عشر على قرار قمة بيروت 2002 بشأن مبادرة السلام العربية وتفعيلها. وأصدرت بياناً تضمن تشكيل لجان من بين أعضائها لتسويق المبادرة وشرحها والحشد الدولي والإعلامي لها ، وكلّفت مصر والأردن بالاتصال مع الكيان الصهيوني للوقوف على رأيه رسمياً بشأنها. وفي اليوم التالي للاجتماع كانت داليا اتسك رئيس الكنيست الصهيوني المكلفة بأعمال رئيس الدولة مع وفد ضم عنصريين صهاينة من الطراز الأول بينهم تسفي هندل ويسرائيل حسون وتساحي هنغبي ، في ضيافة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في عمَّان ، حيث بدأ عملياً الحديث حول المبادرة. وأشار الملك عبد الله الثاني إلى أنّ خطة السلام العربية" ستضمن اعتراف الدول العربية بإسرائيل وبالتالي الاندماج الحقيقي في المنطقة"، وهذا يعني ما هو أبعد من التطبيع الشامل بعد الاعتراف الكامل. وقد أبدت أوساط صهيونية رسمية وغير رسمية آراء تصبّ في قبول الدخول في حوار من دون شروط ، معتبرة أن الإشارة إلى "انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرق القدس ، وتحقيق حق العودة للاجئين على حسب القرار 194 للأمم المتحدة. "، مطالب عربية عنيدة؟ تشبه لاءات الخرطوم الثلاث عام 1967 وتطالب الدول العربية بأن تعترف بأن " السلام الحقيقي يقتضي تنازلات متبادلة."، أي تطالبها بالمرونة وبالتفاوض على آخر تنازل عربي وليس على التنازل العربي الأخير بكل تأكيد ليكون التنازل الأخير موضوع تقديم تنازل فروسي جديد ، مع تقديم دلائل على "حسن نوايا لبناء الثقة" مثل مشاركة عرب لم يعترفوا علناً بالكيان الصهيوني مع الأردن ومصر في الاتصال والحوار الأولي التمهيدي ، أي بمزيد من التطبيع المجاني؟ وإيقاف المقاومة التي يسمونها "إرهاباً" وإدانة أي عمل من أعمالها ، إضافة إلى أمور أخرى بدأ تنفيذها بالفعل مما يدخل في صفحة أكثر أهمية تهيأ المنطقة لها. وتقدَّم صهيوني في معاريف بمبادرة مضادة للمبادرة العربية حتى لا تبدو " إسرائيل" ضد الحل السلمي ، وهي في جوهرها ونصها ومضمونها العام لا تخرج عما كانت تتحدث به الأوساط الصهيونية وتقدمه بعجرفة تفوق التصور من آراء وأفكار ومقترحات ومشاريع. ومما جاء في المبادرة المضادة المشار إليها ، ولا أستبعد كونها معتَمَدة أو موحى بها من الجهات الرسمية الصهيونية المعنية ، جاء بعد تأكيد الاعتراف بالكيان الصهيوني وحق تقرير المصير وعقد معاهدة عامة مع العرب واتفاقيات أو معاهدات ثنائية، أنه: [ لن تكون عودة لأي لاجئ إلى إسرائيل. التي " تُنهي الاحتلال وتنسحب من "المناطق" التي احتُلت في العام 1967، إلى حدود "آمنة ومعترف بها" (لا من "المناطق" بأل التعريف، ولا من جميع المناطق، ولا إلى خطوط الرابع من يونيو 1967، بل من "مناطق" حسب نص قرار مجلس الأمن 242، في نوفمبر 1967 ]. وكتب آخرون يهولون من حجم الكارثة التي ستجرها عليهم المبادرة العربية؟. أمّا المستوى الصهيوني الرسمي فلم يَقبل ولم يرفض وما زال ينتظر بعجرفة قذرة "تقديم مقترحات مقبولة ، ومرونة أكثر تتفق مع استعداده للانفتاح وتقديم ما يسميه: تنازلات مؤلمة؟"، وهو يطمع بكرم عربي أصيل يتمثل في تنازلات جديدة وهي ستكون موضوع نظر حتى لو جاءت بصيغة عنترية على الطريقة العربية كما هو شأن المبادرة الحالية ، لأن المهم هو النزول بسقف المطالب في كل مرة والاعتياد على ذلك، والأهم هو ما يجري على الأرض وليس تحليق العرب في فضاء الكلام على هواهم. وعلى الأرض يوجد عمل كبير وخطير يكاد التحرك على طريق المبادرة يكون على أهميته وخطورته قمة لجبل جليد الأحداث القادمة الكامنة خلفه ومقدمة لها تسوِّغها وتجعل العرب يتقدمون على خيول بيضاء نحو معركة جديدة ووقائع جديدة حالكة السواد يقلبون فيها صفحة مقاومة الاحتلال التي تكتب بالدم العربي ويفتحون أخرى ترسيخ هيمنة أعداء الأمة الذين تتراءى هزيمتُهم للعيان في العراق، وهزيمتهم هناك في العراق مقدمة لهزيمة مشروعهم كله وبضمنه المشروع الصهيوني الذي فقد روحه واقتربت نهاية جسده. على الأرض يتم: 1 استكمال تهويد القدس وزعزعة بنيان المسجد الأقصى، وإيجاد واقع جديد فيه وفي المدينة وما حولها، واقع يجعل سيطرتهم عليها شبه تامة حتى لو كانت هناك صيغة شكلية لعاصمة فلسطينية في المدينة تُخْتصر في الأقصى الشريف. 2 استكمال بناء جدار العزل العنصري وجعل ما ينتج عنه أمراً واقعاً لا يمكن القفز فوقه، ويجعل تعهدات الرئيس بوش لشارون وقائع حاكمة. 3 بناء جدار من الإسمنت المسلح بطول 220 كم على طول حدود فلسطين مع مصر يمتد من رفح " محور فيلادلفيا" إلى آخر نقطة في الحدود، بتكلفة مليار دولار أميركي تقريباً. وقد أعطت مصر عبر سفيرها في الكيان الصهيوني موافقتها المبدئية على ذلك. 4 سعي ووضع دراسات وتمهيد لجعل الجولان السوري المحتل، أو معظمه، محمية بيئية طبيعية غير مسكونة. حيث يصبح مساحة حماية وفاصلاً طبيعياً بين سوريا وفلسطينالمحتلة " الكيان الصهيوني" ، ومتنزَّهاً لليهود الذين يعملون على أن يكون لهم في ذلك الموقع " المحمية الطبيعية" حق التجوّل التام من دون إذن أو شرط ويمنع على السوريين دخولها إلا بموافقة مسبقة؟. 5 إنجاز الاتفاق على عملية تدريب وتقوية حرس الرئاسة الفلسطيني "15000" جندي، وهو موضوع أثير وبدأ في وقت الصراع بين فتح وحماس في غزة قبل اتفاق مكةالمكرمة وقد استمر على الرغم من اتفاق مكة أو يستمر بهدف زلزلته وهي عملية تهدف إلى إعداد قوة صِدام مع حماس مستقبلاً. ويشرف على هذه الخطة المنسق الأمني الأميركي الجنرال كيت دايتون الذي "نجح في الحصول على ميزانية بمبلغ 59 مليون دولار ستخصص لهدفين أساسيين أحدهما والأهم هو " تعزيز الحرس الرئاسي لعباس بالسلاح، الذخيرة ، العتاد ، التدريبات والمال." كما أعلن بالنص. وإسرائيل تؤيد تطبيق "خطة دايتون" لتدريب وتسليح قوات الحرس الرئاسي لرئيس السلطة الفلسطينية" وعبرها وبمعرفتها يتم تقديم السلاح. 6 تعزيز القوة الأميركية في الخليج ، والإسراع في إنشاء وإنجاز قواعد أميركية في المنطقة لا سيما في العراق تمهيداً لخطة الانسحاب الأميركي الظاهري من العراق وتحويل الحرب إلى حرب بالوكالة على خلفية فتنة طائفية تتسع دوائرها وتُغذى من الخارج. وذلك بعد تدهور الأوضاع بشكل مريع في العراق وتفاقم الأوضاع والخلافات والصراعات في العراق وفي الولاياتالمتحدة الأميركية ذاتها حول موضوع العراق. وفي هذا الإطار يتم تمهيد رؤية ودور ومستقبل للكيان الصهيوني في الصراع وفي المنطقة. 7 جددت الولاياتالمتحدة الأميركية على لسان روبرت غيتس وزير الدفاع في زيارته يوم 19 الجاري إلى الكيان الصهيوني "الالتزام القائم منذ فترة طويلة بالمحافظة على تفوق إسرائيل العسكري في المنطقة". وأشار غيتس في تلميح ذي دلالات مستقبلية كبيرة من تل أبيب إلى " أن الدول الخليجية الصديقة حصن ضد إيران." وقال في لقائه مع أولمرت وليفني: "لديّ الانطباع بأنه في هذه المرحلة يشعرون بعض العرب بالرضاء إزاء السماح للعملية الدبلوماسية بالمضي قدما". على الأرض يتهيأ الأميركيون لمرحلة جديدة بعد أن تم تدمير العراق وإعادته إلى الوراء عقوداً من الزمن حسب الطلب الصهيوني ، وبعد أن شوشت المقاومة العراقية واللبنانية وبعض المواقع العربية المصلحة الأميركية المباشرة في العراق وحدّت من انتشار مشروعها الأصلي " الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" في المنطقة، يتهيأ الأميركيون لترسيخ نفوذهم وتكوين تحالف قوي يخوض حرباً بالوكالة ضد إيران بعد أن يفكك ما يسمونه " محور المتطرفين" أو ضده، على أسس فتنة مذهبية بين سنة وشيعة. ولن تترد الولاياتالمتحدة الأميركية التي تخدم في الفيلق الصهيوني الآن عن القيام بأي شيء يطلبه الكيان الصهيوني أو يصب في مصلحته، والكيان الصهيوني يتطلع إلى إنقاذ حقيقي بعد أو وصل إلى تهافت ملحوظ بعد عدوانه على لبنان وصمود المقاومة وانتصارها هناك، وبعد فقدانه روحه وأخلاقه وانغماسه في الفساد وانفضاح ممارساته العنصرية ودمويته ومشاريع الإبادة التي يمارسها منذ سنوات. إن لجنة متابعة المبادرة العربية سوف تنجح في إيصال رسالة للعالم وفي حشد رأي عام ومواقف مؤيدة لمبادرتها، وستقيم تطبيعاً غير مباشر ببرامج أنشطتها الموجهة للإعلام والجامعات والفعاليات المختلفة ومنها الكيان الصهيوني ذاته، حسب قرار اللجنة وطلبها من الأمين العام تقديم اقتراح شامل حول ذلك النشاط. وسوف تقدَّم المبادرة تقديماً يجعلها مقبولة في المفاوضات على ما تبقى من الأرض والحق العربيين لكي تتمكن الجهات المعنية بالمرحلة الأهم من الصراع القادم أن تتفرغ لذلك. وفي هذه المفاوضات لا بد من مرونة عربية حسب مطلب ليفني غيتس البيت الأبيض لتتمكن الأطراف المعنية من النجاح. وعند هذا المفصل سوف يتردد العرب ثم يراوحون قليلاً ثم يقدمون تنازلات فروسية جديدة بصيغة عنترية كبيرة ويحصلون على .. ماذا؟. ثم يذهبون إلى مواجهة جديدة مكلفة يدفعهم إليها الأميركيون والصهاينة والأوروبيون بدرجات متفاوتة.. ولكنها هذه المرة مواجهة تستدعي حشد القوى والمال والمروءة والثارات والأحقاد القديمة كلها، فهي بين عرب وإيرانيين، عرب ومسلمين، سنة وشيعة..!؟ يا للكارثة القادمة لا سمح الله. ومما يدمي القلب أننا نشهد في مناطق مختلفة ما يشير إلى أن ناراً تعس تحت الرماد وأخرى تشتعل فوق أسوار بعض المدن، وأننا سوف نُدفع دفعاً إلى خوض حرب على المفاعلات النووية الإيرانية بدلاً من المفاعلات النووية الإسرائيلية.. لأن الأولى أشد خطراً وفتكاً وتهديداً لأمننا وأمن الولاياتالمتحدة الأميركية والعالم كله.. أي باختصار شديد أمن الكيان الصهيوني العنصري البغيض.