بقلم: د. أحمد مصطفى (اعلان الرياض هو اعلان يعبر عن رأي الدولة المضيفة وليس هو البيان الختامي ولم يشمل جميع القضايا. هذا ما صرح به وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في مؤتمره الصحفي أمس)، بهذه الكلمات ختم مراسل هيئة الاذاعة البريطانية تغطيته لقمة الرياض الاسبوع الماضي. وكنت قد لاحظت منذ قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل القمة ان وكالات الانباء في تغطيتها لاخبار القمة تعنون القصص الاخبارية بالقول (القمة السعودية) وليس (القمة العربية)، من قبيل (العرب سيجددون الدعوة للسلام في القمة السعودية) او (العرب يتوجهون للقمة السعودية لتأكيد مبادرة السلام)، وغيرها من العناوين. في البداية تصورت ان وكالة اسوشيتدبرس وحدها تلتزم هذا النهج، فهي باعتبارها وكالة اميركية تماما تخدم وسائل الاعلام الاميركية الرئيسية بالاساس تتأثر بالتوجه الاسرائيلي، خصوصا في قضايا الشرق الاوسط. وكلنا يعرف حملة الاعلام الاسرائيلي قبل القمة للتقليل من اهمية مبادرة السلام العربية التي سبق وطرحت في قمة بيروت العربية عام 2002. وتوسع الاعلام الصهيوني في نقل تصريحات ونشر تعليقات تفرق بين المبادرة السعودية، وما اضيف اليها في بيروت من حديث عن حق العودة وغير ذلك مما جعلها برأيهم عربية. المهم وجدت ان رويترز ووكالة الانباء الفرنسية تلتزمان النهج التحريري ذاته في اخبار القمة. ومع ان القمة بحثت الكثير من القضايا العربية، الا ان تجديد دعوة السلام التي سبق وتجاهلها الاميركيون ورفضها الصهاينة كان الاهم. ولربما لهذا السبب، ولان اساس مبادرة بيروت مشروع سعودي، حرصت وسائل الاعلام الغربية على هكذا تسمية للقمة العربية. ورغم انه من المبكر الحديث عن مدى الاستجابة للمبادرة السلمية وامكانية ان تفتح الباب امام تسوية سليمة واسعة في المنطقة، الا ان المؤشرات الاولية غير مشجعة. صحيح ان حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تشكلت بفضل جهد سعودي كبير اكدت التزامها بالمبادرة، وان سوريا التي شاركت في القمة تسعى منذ فترة لفتح مفاوضات تسوية مع اسرائيل، وان مصر والاردن متحمستان لمفاوضات لحل نهائي لقضية فلسطين. لكن كل ذلك لا يكفي لبدء عملية تسوية سلمية كبرى كما تأمل السعودية. ليس فقط لان الادارة الاميركية التي يكرر العرب يوميا انها تملك تسع وتسعين في المئة من اوراق اللعب في المنطقة لم تعد مهتمة كثيرا بالقضايا المعقدة في اواخر ايامها في البيت الابيض، ولكن لانه لا يوجد شريك قوي قادر على صنع سلام او حتى الدخول في تسوية سلمية جدية. لذا جاء اول تعليق لاولمرت رئيس حكومة اسرائيل على القمة في مؤتمره الصحفي مع المستشارة الالمانية طالبا من العاهل السعودي الملك عبدالله ان يلتقيه مع قادة عرب اخرين (لمناقشة الافكار). وبما ان الانجازات الكبرى تحتاج لزعامات كبرى، وهو ما ليس متوفرا لدى أحد طرفي المشكلة، والمقصود هنا اسرائيل تحديدا، فان التسوية السلمية تبدو مؤجلة الى حين اشعار اخر. ولكن الامر لا يقتصر على الاشخاص وقدراتهم، انما هناك ظروف عملية كثيرة تجعل اي تسوية حاليا محكوم عليها على الاقل بالابتسار. فالوضع في العراق لا يزال يهدد استقرار المنطقة بالكامل، خصوصا الخليج والهلال الخصيب. وازمة لبنان، وعلاقة ذلك بسوريا، امامها طريق طويل لا يرتبط فقط بما يتعلق باسرائيل من بقية احتلال وتأمين حدود. والاخطر واكثر الحاحا هي الازمة بين ايران واميركا وحلفاء الاخيرة بالتبعية وفي مقدمتهم اسرائيل وعلاقتها بكل ملفات المنطقة. فالازمة الايرانية لا تقف عند مسألة الطموحات النووية، ولا أزمة البحارة البريطانيين الذين احتجزتهم طهران قبل اسبوعين، ولكنها تتعلق بسياسة أميركية ثابتة تهدف الى اضعاف الدولة الفارسية باعتبارها ضمن ما اسماه جورج بوش (ناقلا عن نصوص اسرائيلية عبر مستشاريه المتصهينين) بمثلث الشر. وبعد تفريع العراق، وما ادى اليه ذلك من قوة ايران اقليميا، لا بد من تحييد تلك القوة وتهميش كل ما بين باكستان واسرائيل وجعلها منطقة (رخوة)، غير منهارة وغير ذات جدوى. وبالتالي فان البحث عن عملية تسوية بين العرب واسرائيل الان، قبل ان تفرغ القوى المعنية (اميركا وبريطانيا وفرنسا) من موضوع ايران هو بمثابة ضرب من الخيال. ولا حتى يمكن تصور ان وضع الخطوط العريضة، وتحديد المواقف، لعملية تسوية محتملة امر لازم قبل ان نرى نتيجة الازمة الايرانية. فلا شك ان تطورات المشكلة مع ايران، باتجاه الحل او التصعيد، سيخلق حقائق جديدة تجعل كل الاطراف تتعامل وفق حسابات مختلفة. وينطبق ذلك على العرب واسرائيل على السواء. اما بالنسبة لاسرائيل ذاتها، فالارجح ان قدرة حكومتها على اتخاذ خطوات جادة مرهون باجراء انتخابات بعد عام واحتمالات فوز حزب العمل بها بعد انتخابه شخصا مثل ايهود باراك له حلفاؤه بين الفلسطينيين ويمكنه ان يدعم تصعيدهم للسلطة ويدخل معهم في مفاوضات يباركها العرب المعتدلون ويضمنون نتائجها. اما الان، فلا اكثر من طرح افكار ومناقشة افكار وتداول افكار وتعديل افكار ثم اعادة طرح الافكار، ونحن في الانتظار...