الليل أصابع باردة تطرق بكل عنف نوافذ البدن . بينما يأتيني خبر اعتقال الفتى الثائر أحمد دومة ربيب جماعة الإخوان المسلمين و أحد ماريقيها اليفوع . موجات الصقيع تشمل كل الغرف لا فرق بين قبلي و بحري ... أنت مرتعش على كل المحاور ... لا تحاول ... كان الفتى قوياً حين التقيته رغم قرار النيابة بضبطه و إحضاره على خلفية اتهامه بالضلوع في أحداث مجلس الوزراء و المجمع العلمي بناء على مداخلة له في برنامج الحقيقة مع الإعلامي وائل الإبراشي عرض فيها دومة وجهة نظره في حق الدفاع عن النفس حين يجد المعتصمون أنفسهم محاصرين بين جند يملكون السلاح و الغاز مدعوماً بالحجارة من جهة و طرف ثالث غامض مدعوم بحماية الجند و أيضاً يملك السلاح و تُمهد له الأرض ليجرف أرض الثورة من جهة أخرى ... و قال دومة ألقيت "مولتوف على المعتدي" و علق الإبراشي " إذن أنت معترف " . و أصدرت النيابة أمر الضبط و الإحضار في حين قرر الفتى أن يهرب لحين تشاور المحامين و معرفة ملابسات القضية .
قبل يومين من الخميس 12 فبراير – تاريخ القاء القبض - كنت في حوار مع "دومة" ... يتحدث بحماس من خاب أمله أو من سرقوا منه حلماً . و أتحدث معه برزانة لم أعهدها فيّ . إلى أن قلت له ( المنطق يقول ... ) فرد بسرعة و هو يضحك : (أي منطق يا أستاذ ... منطق الثورة اللي مش ثورة ؟ و لا الحامي اللي ما حماش ؟ و لا الطرف الثالث الذي لو خلصنا منه سينبت لنا طرفاً رابع و سنكتشف أن عدد الأطراف ليس أربع فقط ؟ و لا منطق كشف العذرية و الجدل حول حجم الملابس الداخلية و نوعيتها بالنسبة للمسحولات ؟ و لا منطق براءة القاتلين و ازمات الأسعار و الغاز و أنابيب البوتجاز ... و لا منطق أن أكون هارباً من جديد في عصر ما بعد مبارك المجيد ؟ ) .
وكان أن حضرت يوم الأحد 8 يناير ندوة في المجلس الأعلى للشباب و الرياضة ... و كانت القاعة على غير العادة ممتلئة و في مرحلة متقدمة من عمر الندوة عرفت أن معظم من حضروا الندوة جاءوا بباصات خاصة من عدة محافظات ( ؟؟ ) و وجدت ( المنطق ) الذي يحكم الحوار أكثر رزانة في مواجهة البرد الذي يسري ببدن الثورة و هو الأشرس من كل ليل شتاءنا ... حتى وصل الأمر للحديث عن منطق ( الحي أبقى من الميت ) و ( أصول الأخذ بالثأر) و طبعاً تلاها كلمة عصماء عن عجلة الإنتاج و أن الشاب لازم ياخد باله من مذاكرته لأن المتحدث كان طالب بكلية الطب و عنده رحلة علمية طويلة محتاجة تركيز ! لم أتحمل و هتفت (يبقى نرجع حسني مبارك و نقول إحنا آسفين يا مخلوع و نحلف له بالغالية عجلة الإنتاج إن لو حد لخلخه بس مش خلعه حنطلع عينه و عين الست والدته ) ... و اعتذرت للحضور أني أفسدت ندوتهم بنزقي و انسحبت .
و قبل أحداث مجلس الوزراء استجاب ( ائتلاف فناني الثورة ) لصوت المنطق و تقرر أن نلتقي وزير الثقافة لنعرض عليها رؤية لتطهير الوزارة و إسناد المسؤوليات بها إلى أصحاب المشاريع و تبني رؤية وطنية للحتفال بأول عيد شعبي للثورة المصرية و تشاركت مع الفنان عمرو القاضي و المخرج أحمد رجب ومجموعة من أعضاء الائتلاف . و لا أنكر أن الوزير استقبلنا و عرض أن يسمعنا تفصيلاً في لقاء قادم و تحدد موعده .ثم كانت جريمة مجلس الوزراء و المجمع العلمي فأجمعنا على أن ( المنطق ) صار شماعة السائر في درب الإبقاء على المنظومة فقررنا ألا نذهب لأي لقاء لأن ثورة حقيقية لم تحدث . و في لقائي معه اتفقت مع "دومة" على أنه لا مشكلة في أن يمثل أمام التحقيق لأن المؤكد أن الثوار لن يكون يوماً وقوداً لحرق الوطن و لن يتحولوا بين عشية و ضحاها إلى معاول تهدم مؤسسساته . كما أن ثوار 25 يناير سيكونون هم دوماً من يزود عن ممتلكات الشعب و تراثه ضد من تسول له نفسه المساس به تماماً كما كان الثوار هم من حموا المتحف المصري ساعة قرر المخلوع و رجالاته أن يستبيحوه تاريخاً و ثروة ... و تمت كتابة بيان يطالب بمسلميتن : أولاهما أنه على من يدعي حماية الثوار المسالمين أن يعلن صراحة عن الجناة المتورطين في الاعتداء على المعتصمين و تقديمهم لمحاكمة عاجلة و علنية قبل أن يوجه الاتهام لأي من الثوار و مالم يتم ذلك يبقى في خانة الاتهام مسئول واحد هم ( المجلس العسكري ) بكامل هيئته . و ثانيهما أن من حق المعتصمين و الثوار حال تعرضهم للاعتداء أن يدافعوا عن أنفسهم و عن اعتصامهم من اعتداءات منظمة تحميها متاريس من الأسلحة و قنابل الغاز .
و وعدت دومه أن أكتب عن هروبه في زمن الثورة تم تم إلقاء القبض عليه قبل 48 ساعة من قراره بتسليم نفسه ... كيف ؟ ببساطة تم تعقب خطيبته التي أراد أن يراها قبل أن يعود رهينة لدى نفس العسكر للمرة الثانية التي لا تختلف عن الأولى إلا في شيء واحد هو أن المجلس العسكري هو الآمر لا مبارك .
إذن نعود ل ( المنطق ) لنقول الهواتف لا تزال مراقبة . و القبضة الأمنية تطال من تريد . و الطرف الخفي لا يمكن أن يكون خفياً و السجون لا تزال تستقبل . و الحية لم تغادر مملكتها . و التبرير لغة ألسنة عدة ... لكني أستطيع أن أجزم بذات ( المنطق ) أن ( الثورة أيضاً لا تزال في الميدان ) رغم محاولات إقناعنا بأن القادم عيد و أن البرلمان جديد و أن مبارك ورجالته حقاً في الحديد . و أن الدنيا مش برد ولا حاجة .