قالت صحيفة" ذي جارديان" في مقالة للكاتب "سايمون تسيدَيل" أن الانسحاب الأمريكى من العراق ليس النهاية وإنما بداية الصراع في العراق ودول الشرق الأوسط لأن بخروج الأمريكان من العراق ستظهر العديد من القضايا على السطح. ويرى الكاتب أن الانسحاب الأمريكي سوف يوقظ قضايا معلقة ونائمة منذ أيام حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهذه القضايا تمتد من شمال العراق إلى جنوبه بالإضافة إلى عواصم إقليمية عديدة. ويشبّه الكاتب الخروج الأمريكي من العراق بخروج بريطانيا من مستعمراتها السابقة وتركها للكثير من المسائل العالقة, ويعي حكام إيران هذه المعضلة والحقيقة التاريخية، فلا يمكن للغازي أن يغلق الأبواب التي فتحها، وبما أنهم يعون أيضا الحقيقة التي يدركها الكثير من المحللين وهو أن طهران وليس واشنطن هي من كسب الحرب في العراق، فسوف يعملون على استغلال ذلك جيدا. ويرى الكاتب أن لإيران خيوطا متشابكة في النسيج العراقي، أولها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي كان يوما لاجئا في إيران ويحتفظ بعلاقات دافئة مع الإيرانيين. كما أن هناك التيار الصدري الذي يقوم نوابه على حراسة مصالح إيران في البرلمان العراقي بشكل مخلص، وتقوم مليشيات التيار المتمثلة بما يسمى "جيش المهدي" على حماية المصالح الإيرانية في الشارع العراقي. ويُعتقد أن إيران ستضخ "مئات إن لم تكن آلافا" من عملائها إلى داخل العراق إما على شكل دبلوماسيين موالين تماما أو جواسيس. ويشخص الكاتب مصالح إيران في العراق على أنها عكس المصالح الأمريكية، فهي تريد للعراق أن يبقى ضعيفا وخاضعا وغير قادر على الاستقلال برأيه. ويقول إن إنجاز إيران في العراق هو تمكنها بمساعدة أمريكية من إسقاط العراق الذي كان عقبة في وجه تطلعها لأن تصبح قوة إقليمية عظمى. وقد حرص رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال زيارته لواشنطن قبل أيام على أن يشير إلى رفضه أي تدخل إيراني في الشؤون العراقية، لكن الكاتب يقول إن هذا هو نفس المالكي الذي انحاز إلى رفض طهران لوجود قوات أمريكية في العراق بعد عام 2011، وهو نفس المالكي الذي يقود نحو 700 ألف عنصر أمن عراقي يقول الأمريكيون عنهم إنهم لا يتمتعون بأي قدرة على حماية العراق من أي اعتداء خارجي وخاصة إيران، وإلى حد أقل بكثير تركيا وربما سوريا في المستقبل التي لا يعرف أحد إلى أين ستؤول الأمور فيها. وفي الشأن الدولي يقول الكاتب إن إصرار إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش على تورط صدام حسين في هجمات 11 سبتمبر بوجود صلات له بالقاعدة، وانكشاف زيف تلك الادعاءات فيما بعد قد دمّر أي قانونية للحرب، والأدهى من ذلك أن الحرب منحت للقاعدة موطأ قدم في العراق لم تكن تحلم به أيام صدام حسين. وبعد انكشاف زور اتهامات إدارة بوش بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، واتضاح أن الحرب بنيت على معلومات كاذبة ومغلوطة، أصبحت ادعاءات الولاياتالمتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني تقابل بكثير من التشكك في أوساط دولية عديدة. ويرى الكاتب أن كل ممارسات الولاياتالمتحدة في العراق لها انعكاساتها السلبية على الصعيدين المحلي والدولي، فمعاييرها المزدوجة حول حقوق الإنسان وما حصل في سجن أبوغريب، قد قوى من مركز حكام معادين للديمقراطية مثل الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد. أما بالنسبة لدول الخليج العربي فيرى الكاتب أن الحرب في العراق لن تنتهي بعد خروج الجيش الأمريكي منه فهو لا يزال جزءا من هلال شيعي يمتد من إيران إلى سوريا، وبالنسبة لتركيا التي عارضت الحرب ولم تسمح للقوات الأمريكية بعبور أراضيها إلى العراق فقد يشهد صراعها مع المتمردين الأكراد الأتراك تصعيدا خطيرا. واقتصاديا يرى الكاتب أن كلفة الحرب الباهظة التي وصلت إلى 700 مليار دولار قصمت ظهر الولاياتالمتحدة وأعطت الفرصة للصين لتصبح اللاعب الاقتصادي الذي رجحت لصالحه الكفة في العقد الأخير. على الصعيد الأوروبي خلقت الحرب على العراق انقساما فاضحا بين القوى الأوروبية التي رفضتها وبين تلك التي أيدتها ودعمتها، ولكن الكاتب ينهي مقاله بالقول إن أخطر نتائج الحرب على العراق التي لم تنته بعد هي الشرخ الذي أحدثته في الإيمان بالديمقراطية الغربية. فعندما رتّب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ملف الحرب قاما بشكل متكرر بلي الحقائق والكذب المتعمد. وبخيانتهم لثقة الجماهير فقد ارتكبا فعلا ضارا بمصداقية التقاليد الديمقراطية الغربية التي تعتبر نموذجا للديمقراطية في العالم. ذلك الضرر لم تتم إزالته بعد، ولم يتم الاعتراف بالخطأ بشكل كامل، ولم يقدم أي اعتذار صادق، وهذه كلها أسباب تجعل حرب العراق ما زالت مستمرة وربما لن تنتهي بالنسبة للأجيال التي عايشتها.