في 27 يناير الماضي، قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة مفاجئة إلى القاهرة، حيث أشاد بدورمصر في دعم "الاستقرار السوداني" ضد الاحتجاجات الواسعة النطاق المستمرة منذ 19 ديسمبر. لكن، قبل يومين، استدعت وزارة الخارجية السودانية، السفير المصري لدى الخرطوم حسام عيسى، احتجاجا على طرح مصر مزايدة دولية لاستكشاف النفط والغاز بالبحر الأحمر. فهل ينتهي شهر العسل بين السيسي والبشير بسبب النفط؟ أم يبقى الأمر مجرد سوء تفاهم عارض وتعود العلاقات بين النظامين سريعا؟
اقرأ أيضا: النظام يصدر الكهرباء للسودان.. ويرفع أسعارها على المصريين
دعم السيسي للبشير
قبل زيارة البشير المذكورة إلى مصر بأسابيع، أعلن نظام السيسي عن تبنيه موقفا عدائيا من التظاهرات السودانية الرافضة لنظام البشير، وأعلن عبد الفتاح السيسي عن دعمه الكامل للنظام السوداني. وفي 27 ديسمبر، بعد أيام فقط من اندلاع الاحتجاجات، توجه وزير الخارجية سامح شكري ورئيس المخابرات عباس كامل إلى الخرطوم لإجراء محادثات حول العلاقات الثنائية لتعزيز "التواصل الدائم بين الجانبين على كافة المستويات". وفي 5 يناير، استقبل السيسي نائب الرئيس السوداني محمد الميرغاني، وقال له إن "الاستقرار السوداني جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري". ويخشى السيسي من انتقال هذه الاحتجاجات إلى الشارع المصري، خاصة مع انهيار شعبيته وتفاقم الفشل في مصر. وفقا لدراسة نشرت بمركز "كارنيجي"، يؤمن السيسي بأن دعم نظام البشير سيمنع الاحتجاجات ضد التقشف من الانتشار إلى مصر. فمن الناحية الاقتصادية، تشهد مصر والسودان حالة من الانهيار، مما يجبر كلاً من السيسي والبشير على اتخاذ تدابير تقشف غير شعبية، مثل تحرير سعر الصرف. وقد اتخذت مصر سلسلة من القرارات التي دمرت معيشة المواطنين تنفيذا لأوامر صندوق النقد الدولي، بما في ذلك زيادة أسعار الطاقة والمستحضرات الدوائية، وتعديل ضريبة الدخل، وفرض الضرائب على الهواتف المحمولة والسجائر. وقد ارتفع الدين الخارجي بمقدار 13.6 مليار دولار في سنة مالية واحدة ليصل إلى 92.6 مليار دولار في نهاية يونيو 2018. وبالمثل، خفضت الحكومة السودانية عملتها إلى 18 جنيهاً سودانياً مقابل الدولار، وفرضت تعريفة جديدة على الكهرباء للقطاعات الصناعية والزراعية والتجارية، ورفعت الدعم عن القمح. وكان الارتفاع المتصاعد في التضخم، السبب الرئيسي للاحتجاجات التي دعت البشير إلى الاستقالة، حيث لم يعد بإمكان السودانيين العاديين تلبية نفقاتهم. وبدأت الدعوة إلى الاحتجاجات الاقتصادية في الارتفاع، مثل حملات "إرحل يا سيسي" و"اطمن انت مش لوحدك"عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد ارتفاع أسعار الوقود.
أزمة نفط حلايب
ورغم حالة "الغرام" المتبادل بين السيسي والبشير، إلا أن إعلان مصر اعتزامها طرح مزايدة دولية لاستكشاف النفط والغاز بالبحر الأحمر، كان كفيلا بإثارة ازمة في العلاقات. الخارجية السودانية قالت، في بيان، إنها استدعت سفير جمهورية مصر لدى السودان، على خلفية الإعلان الذي أصدرته وزارة البترول والثروة المعدنية، عبر موقعها الرسمي، بفتح عطاء (مزاد) دولي "لاستكشاف واستغلال النفط والغاز في مناطق بالبحر الأحمر، خاضعة للسيادة السودانية". وأضاف البيان أن وكيل الخارجية بدر الدين عبد الله أعرب عن احتجاج السودان على هذا الإعلان، وطالب ب"عدم المضي في هذا الاتجاه الذي يناقض الوضع القانوني لمثلث حلايب، ولا يتناسب مع الخطوات الواسعة التي اتخذها البلدان الشقيقان لإيجاد شراكة إستراتيجية بينهما". وشدد بيان الخارجية السودانية على أن إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية لا يرتب، وفقا للقانون الدولي، أي حقوق لمصر بمثلث حلايب، محذرا الشركات العاملة في مجال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز من التقدم بأي عطاءات (مزادات) في المنطقة المذكورة. والأسبوع الماضي، تحدثت تقارير إعلامية عن أن شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول طرحت أول مزايدة عالمية للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في 10 قطاعات بالبحر الأحمر، بينها ما يقع ضمن حدود حلايب، وهو ما لم تعقب عليه القاهرة. وحذر السودان شركات الطاقة الإقليمية والدولية من العمل في أربعة قطاعات طرحتها مصر للتنقيب عن النفط والغاز والمعادن في منطقة حلايب المتنازع عليها.
ورغم ما قاله السيسي لنائب البشير حول الأمن القومي المصري، إلا أن نظام السيسي له مآرب أخرى في دعم البشير، أهمها بالطبع عدم السماح بامتداد روح التمرد والثورات إلى مصر، في حال نجاحها في السودان، وهو نفس موقف دول الخليج من ثورات الربيع العربي في 2011. يؤمن السيسي بأن دعم البشير هو وسيلته لسحق حركات المعارضة بالقوة، لإرسال رسالة إلى المصريين مفادها أن أي احتجاجات لن تجدي نفعاً. لكن، هل يتأثر هذا الغرام بأزمة التنقيب عن النفط؟ أغلب الظن أن العلاقة بين السيسي والبشير لن تتغير، ولن تتاثر بهذه الزوبعة. سبق وسحب السودان سفيره من مصر، وتوقع البعض أن العلاقة بين النظامين على شفا الانهيار، خاصة أن وسائل إعلام النظامين شنا حربا متبادلة، لكن سرعان ما عاد السفير السوداني وعادت العلاقات بين النظامين بشكل أشد متانة من ذي قبل. أغلب الظن أن خبر التنقيب عن نفط في البحر الأحمر هو وسيلة مصرية للضغط على البشير، الذي يحتاج للدعم المصري له في مواجهة الاحتجاجات العنيفة المطالبة برحيل البشير، لكن كلا النظامين سيجاوزان المشكلة سريعا، والواقع أن زارة الخارجية المصرية تُذكّر البشير، من خلال تسليط الضوء على دعمها للاستقرار السوداني، بأنها تستطيع سحب هذا الدعم في أي وقت. وهذا يسمح لمصر باستغلال الاحتجاجات لزيادة الضغط على البشير، وتحديد أكبر عدد ممكن من التنازلات.