جامعة بنها تشارك في ملتقى الصحة العالمي بالمملكة العربية السعودية    محافظ الغربية يتفقد محور محلة منوف.. ويشيد بمستشفى طنطا العام الجديد    من أرض الفراعنة إلى سماء العالم.. مطار سفنكس الدولي يغير خريطة السياحة في مصر    الحكمة.. والاتزان فى التحرك المصرى    زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب بحر باندا بإندونيسيا    شركة الأهلي لكرة القدم توقع اتفاقية تعاون لإطلاق منصة تعليمية رقمية تحمل اسم النادي    تعرف على تشكيل مباراة بروسيا دورتموند ضد فرانكفورت بكأس ألمانيا    اعترافات مرعبة فى جريمة مقتل تلميذ الإسماعيلية .. المتهم قطع زميله بصاروخ كهربائي ل 6 أجزاء وطهى قطعة وأكلها    صندوق دعم الإعلام المصرى.. كيف؟    حلمك يا سى ناصر !    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة.. فيديو    رئيس المؤسسة العلاجية يتفقد مستشفى هليوبوليس لدراسة إنشاء بنك دم تجميعي    محافظ كفر الشيخ: أسواق اليوم الواحد تضمن وصول السلع للموطنين بأسعار مناسبة    فوز التأمين وحلوان والقناطر الخيرية وتعادل النصر بالقسم الثاني    «صحح مفاهيمك».. أوقاف كفر الشيخ تنظّم فاعليات توعوية بالمدارس    وكيل تعليم أسيوط يفاجئ 3 مدارس ويكرم مديرة "الفتح الإعدادية" لتميزها في الأداء    التحالف الوطني يستمر فى تدفق شاحنات الدعم الإغاثى إلى قطاع غزة.. صور    متحدث الوزراء: 40 رئيسا وملكا ورئيس حكومة يشاركون بافتتاح المتحف الكبير    مشاركة الخطيب منتدى مبادرة الاستثمار في السعودية    ما هو سيد الأحاديث؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح أعظم حديث يعرّف العبد بربه    خالد الجندي: «الله يدبر الكون بالعدل المطلق.. لا ظلم عنده أبداً»    "فتح": الإجماع على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ خطوة استراتيجية    شوبير ينفي تلقي داري عرضا من ليبيا ويكشف موقف الأهلي من مستقبله    جوارديولا: مرموش تجاوز فترة صعبة.. وأحتاج منه شيئا واحدا    غدًا.. انطلاق ملتقى التوظيف الأول لأسر الصحفيين بالتعاون مع «شغلني» بمشاركة 16 شركة    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    طرح أغنية كلكوا فلة ل بوسى والعسيلى من فيلم السادة الأفاضل    "المنشاوي" يشهد افتتاح فعاليات المؤتمر العلمي السنوي الثامن لجمعية أسيوط للصدر    وزير الرياضة يُهنئ النوساني بعد فوزه على اللاعب الإسرائيلي في بطولة كندا للإسكواش    السياحة: استعدادات مكثفة داخل المتحف المصرى الكبير تمهيدا للافتتاح المرتقب    إسلام عباس يكشف عن تمثال شخصية الملك لير ويؤكد: نال إعجاب يحيى الفخرانى    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    وجبة الإفطار مرآة جسمك.. ما لا يخبرك به فقدان الشهية الصباحية عن حالتك الهرمونية والنفسية    مجلس الوزراء يعلن بدء العمل بالتوقيت الشتوي اعتبارا من الجمعة المقبل    بعد تسريب بيانات 183 مليون حساب.. تحذير عاجل من الهيئة القومية للأمن السيبراني لمستخدمي Gmail    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    محمد عمر: الأهلي والزمالك لن يعترضا علي تأجيل مباريات بيراميدز    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    «تعمير» تعلن عن شراكة استراتيجية مع «The GrEEK Campus» بمشروع «URBAN BUSINESS LANE»    ماليزيا تعلن استعدادها للانضمام إلى "بريكس" فور قبولها    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    الداخلية تعلن البدء فى إجراء قرعة الحج بعدد من مديريات الأمن بالمحافظات    اعترافات صادمة لقاتل مقاول كفر الشيخ.. أمه غسلت هدومه من دم الضحية    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    مقتل ثلاثة أشخاص في جامايكا أثناء الاستعدادات لوصول إعصار ميليسا    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    طارق قنديل: ميزانية الأهلي تعبر عن قوة المؤسسة.. وسيتم إنشاء فرعين خارج القاهرة    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    بعد خسائر 130 دولارًا| ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُقَدَّمَةُ ثَابِتِ عِيدٍ (المترجم) لكتاب "الإسلام: التّاريخ والحاضر والمستقبل" لمؤلّفه: هانس كينج
نشر في الشعب يوم 21 - 12 - 2018

تسعد جريدة "الشعب" بنشر مقدمة الدكتور ثابت عيد لإصداره الجديد بترجمة كتاب "الإسلام: التّاريخ والحاضر والمستقبل" لمؤلّفه: هانس كينج، والذي يضيف الكثير للمكتبة العربية كما يضيف لرصيده الكبير في الترجمة والتحقيق، جعل الله سائر عمله في ميزان حسناته
ووجه ثابت عيد في نهاية مقدمته التحية للكاتبين الصحفيين مجدي أحمد حسين وعادل صبري
مُقَدَّمَةُ ثَابِتِ عِيدٍ (المترجم) لكتاب
"الإسلام: التّاريخ والحاضر والمستقبل"
لمؤلّفه: هانس كينج
هَذِەِ تَرْجَمَةٌ عَرَبِيَّةٌ لِكِتَابٍ عَظِيمٍ عَنِ الْإِسْلَامِ كَتَبَهُ أَحَدُ جَهَابِذَةِ الْمُفَكِّرِينَ الْغَرْبِيِّينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، الْعِمْلَاقُ السُّوِيسْرِيُّ هَانْسُ كُينْجَ. وَهُوَ كِتَابٌ يَحْتَوِي عَلَى مَعْلُومَاتٍ غَزِيرَةٍ، وَحَقَائِقَ مُثِيرَةٍ، وَمُلَاحَظَاتٍ عَجِيبَةٍ، وَإِشَارَاتٍ لَطِيفَةٍ، وَتَلْمِيحَاتٍ وَجِيهَةٍ.
وَلَيْسَ تُمَثِّلُ هَذِەِ التَّرْجَمَةُ إِلَّا الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ كِتَابِ هَانْسَ كُينْجَ الضَّخْمِ عَنِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ سَتَظْهَرُ تَرْجَمَةُ بَقِيَّةِ الْكِتَابِ لَاحِقًا.
مِنْ أَهَمِّ الرَّسَائِلِ الَّتِي يَبْعَثُهَا هَانْسُ كُينْجَ عَبْرَ كِتَابِهِ هَذَا إِعْلَانُهُ أَنَّهُ «مُحَامِي الْإِسْلَامِ فِي الْغَرْبِ». وَدِفَاعُ كُينْجَ عَنِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ انْحِيَازًا لِلْإِسْلَامِ ضِدَّ الْأَدْيَانِ الْأُخْرَى، بَلْ هُوَ مُحَاوَلَةٌ صَادِقَةٌ لِلدِّفَاعِ عَنْ دِينٍ مَا انْفَكَّ الْغَرْبِيُّونَ يُهَاجِمُونَهُ وَيُلَطِّخُونَهُ مُنْذُ ظُهُورِەِ وَحَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. وَلَمْ يَأْتِ دِفَاعُ كُينْجَ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنْ فَرَاغٍ، بَلْ هُوَ حَصِيلَةُ دِرَاسَاتٍ طَوِيلَةٍ لِلْأَدْيَانِ الْعَالَمِيَّةِ جَعَلَتْهُ يُدْرِكُ وَيَعِي مَدَى إِجْحَافِ الْغَرْبِيِّينَ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ حَانَ لِلِانْتِقَالِ مِنَ الطَّعْنِ وَالْعَدَاءِ إِلَى التَّفَاهُمِ وَالْإِخَاءِ.
عِنْدَمَا اعْتَبَرْتُ هَانْسَ كُينْجَ «عِمْلَاقًا سُوِيسْرِيًّا» (اُنْظُرْ كِتَابِي: الْعِمْلَاقُ السُّوِيسْرِيُّ هَانْسُ كُينْجَ. مُقَدِّمَةٌ فِي حَيَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ)، لَمْ يَكُنْ هَذَا عَبَثًا، أَوْ مُبَالَغَةً. فَلَيْسَ يُوجَدُ، فِي حُدُودِ عِلْمِي، عَالِمٌ وَاحِدٌ فِي تَارِيخِ الْإِنْسَانِيَّةِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُنْجِزَ مَا أَنْجَزَەُ هَانْسُ كُينْجَ فِي مَجَالِ دِرَاسَةِ الْأَدْيَانِ الْإِبْرَاهِيمِيَّةِ الثَّلَاثَةِ بِالذَّاتِ، حَيْثُ دَرَسَ هَذِەِ الْأَدْيَانَ بِعُمْقٍ، وَكَتَبَ عَنْ كُلِّ دِينٍ مِنْهَا كِتَابًا ضَخْمًا يَتَكَوَّنُ مِنْ نَحْوِ أَلْفِ صَفْحَةٍ. فَالْمُسْلِمُونَ أَوِ الْغَرْبِيُّونَ قَدْ يُؤَلِّفُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَالْمَسِيحِيُّونَ وَغَيْرُ الْمَسِيحِيِّينَ قَدْ يَكْتُبُونَ عَنِ الْمَسِيحِيَّةِ، وَالْيَهُودُ وَغَيْرُ الْيَهُودِ قَدْ يَكْتُبُونَ عَنِ الْيَهُودِيَّةِ. لَكِنْ أَنْ يَتَمَكَّنَ عَالِمٌ وَاحِدٌ بِمُفْرَدِەِ مِنْ دِرَاسَةِ هَذِەِ الدِّيَانَاتِ الثَّلَاثِ جَمِيعًا، وَيُؤَلِّفَ عَنْهَا ثُلَاثِيَّةً فَرِيدَةً، فَهَذَا مَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُنْجِزَەُ إِلَّا هَانْسُ كُينْجَ.
يُعَالِجُ كُينْجُ الْإِسْلَامَ فِي كِتَابِهِ هَذَا مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ عَالِمِ لَاهُوتٍ مَسِيحِيٍّ دَرَسَ الْيَهُودِيَّةَ وَالْمِسِيحِيَّةَ مِنْ قَبْلُ، فَأَلَمَّ بِكُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ فِي تَارِيخِ هَذِەِ الدِّيَانَاتِ الثَّلَاثِ جَمِيعًا. وَهُوَ مَا مَكَّنَهُ مِنَ الْمُقَارَنَةِ، وَجَعَلَهُ لَا يَنْدَفِعُ إِلَى مُهَاجَمَةِ الْإِسْلَامِ كُلَّمَا عَثَرَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُعْجِبُهُ. وَالْخُلَاصَةُ أَنَّ مَوَاقِفَ كُينْجَ مِنَ الْإِسْلَامِ هِيَ فِي مُعْظَمِهَا رَزِينَةٌ، نَزِيهَةٌ، مُنْصِفَةٌ، عَادِلَةٌ، مَوْضُوعِيَّةٌ، مُتَوَازِنَةٌ، بَنَّاءَةٌ، بِعَكْسِ نَظْرَةِ غَالِبِيَّةِ الْمُسْتَشْرِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ الَّذِينَ لَمْ يُسْمِعُونَا إِلَّا شَتَائِمَ، وَأَبَاطِيلَ، وَسِبَابًا، وَإِسْقَاطَاتٍ، وَأَوْهَامًا.
فَهُوَ مَثَلًا عِنْدَمَا يُعَالِجُ مَوْضُوعَ مَكَانَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْإِسْلَامِ، لَا يَتَسَرَّعُ فِي إِصْدَارِ أَحْكَامٍ وَاهِيَةٍ، بَلْ يَتَرَيَّثُ، وَيَقُولُ لِلْغَرْبِيِّينَ: تَذَكَّرُوا أَنَّ مَكَانَةَ الْمَرْأَةِ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَسِيحِيَّةِ مُتَدَنِّيَةٌ جِدًّا.
وَعِنْدَمَا يَسْتَعْرِضُ مَوْضُوعَ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ الرَّسُولِ (صَلَعَم)، يَقُولُ لِلْغَرْبِيِّينَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ مِثْلَ الْمَسِيحِيَّةِ يُشَيْطِنُ الْجِنْسَ، وَيَدْعُو إِلَى التَّنَسُّكِ وَالرَّهْبَنَةِ، بَلْ هُوَ دِينٌ يَعْتَبِرُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ شَرِيكَيْنِ. كَمَا أَنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ كَانَ سُنَّةً شَائِعَةً بَيْنَ أَنْبِيَاءِ الْيَهُودِ.
وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الْغَرْبِيِّينَ الْمُنْتَقِصِينَ مِنْ قَدْرِ نَبِيِّ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَذَكَّرُوا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكُونُوا نَمُوذَجًا لِلنَّبِيِّ الْمِثَالِيِّ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُهَاجِمُ الْغَرْبِيُّونَ إِلَّا مُحَمَّدًا (صَلَعَم).
وَيُطَالِبُ كُينْجُ الْكَنِيسَةَ الْكَاثُولِيكِيَّةَ بِالذَّاتِ بِتَعْدِيلِ مَوْقِفِهَا مِنْ نَبِيِّ الْإِسْلَامِ، وَيُشَدِّدُ عَلَى ضَرُورَةِ أَنْ تُعْلِنَ احْتِرَامَهَا لَهُ، وَتَرُدَّ الِاعْتِبَارَ إِلَيْهِ بَعْدَ قُرُونٍ مِنَ التَّلْطِيخِ، وَالتَّشْوِيهِ، وَالطَّعْنِ فِي مِصْدَاقِيَّتِهِ.
مِثْلُ أَعْمَالِي السَّابِقَةِ: «لِمَاذَا مَقَايِيسُ عَالَمِيَّةٌ لِلْأَخْلَاقِ؟»، وَ«قَرْنُنَا هَذَا»، وَ«يُوجَدُ فِي الْحَيَاةِ أَشْيَاءُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ غَيْرُ صِنَاعَةِ السَّيَّارَاتِ»، وَ«أُرْجُوزَةُ ابْنِ سِينَا»، وَ«الْعِمَلَاقُ السُّوِيسْرِيُّ هَانْسُ كُينْجَ»، قُمْتُ بِتَشْكِيلِ النَّصِّ الْمُتَرْجَمِ كُلِّهِ وَجُزْءٍ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ، مُوَاصِلًا مُنَادَاتِي بِضَرُورَةِ الِارْتِقَاءِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَهَمِّيَّةِ الْعِنَايَةِ بِالنُّصُوصِ الْمَنْشُورَةِ، وَالْحِرْصِ عَلَى تَقْدِيمِ اللُّغَةِ الْعَربِيَّةِ فِي أَجْمَلِ صُورَةٍ مُمْكِنَةٍ. وَقَدْ تَعَمَّدْتُ نَقْلَ نصٍّ تُرَاثِيٍّ مِنَ الْكِتَابَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الْمَذَابِحِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا الْيَهُودُ ضِدَّ الْمَسِيحِيِّينَ فِي مَدِينَةِ نَجْرَانَ، لِيَرَى الْقَارِئُ الْكَرِيمُ نَمُوذَجًا لِلنُّصُوصِ الْعَرَبِيَّةِ الْقَدِيمَةِ، وَمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَخْطَاءٍ. وَيُهِمُّنِي إِبْرَازُ الْمُلَاحَظَاتِ التَّالِيَةِ:
1- هَذَا الْكِتَابُ يَدْعُو إِلَى التَّفَاهُمِ وَالْحِوَارِ، وَيُهَاجِمُ نَظَرِيَّةَ صِرَاعِ الْحَضَارَاتِ، وَيُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ الْعَالَمِيَّ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ بِدُونِ سَلَامٍ بَيْنَ الْأَدْيَانِ.
2- وَيَنْتَقِدُ هَانْسُ كُينْجَ فِيهِ الْحُرُوبَ الْمُدَمِّرَةَ الَّتِي شَنَّتْهَا أَمْرِيكَا ضِدَّ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ فِي أَفْغَانِسْتَانَ وَالْعِرَاقِ بِالذَّاتِ.
3- يُنَادِي هَانْسُ كُينْجَ بِالتَّخَلُّصِ مِنَ الْأَحْكَامِ السَّلْبِيَّةِ الْمُسْبَقَةِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَيُطَالِبُ بِمَدِّ جُسُورِ الْحِوَارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
4- بَذَلَ هَانْسُ كُينْجَ مَجْهُودًا خَارِقًا مِنْ أَجْلِ دِرَاسَةِ الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَتَأْلِيفِ ثُلَاثِيَّتِهِ الْفَرِيدَةِ عَنْهَا، حَيْثُ اسْتَعْرَضَ ثَلَاثِينَ قَرْنًا مِنْ تَارِيخِ الْيَهُودِيَّةِ، وَعِشْرِينَ قَرْنًا مِنْ تَارِيخِ الْمَسِيحِيَّةِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا مِنْ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا إِنْجَازٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَيُّ عَالِمٍ مِنْ قَبْلُ أَنْ يَقُومَ بِهِ.
5- يُبَيِّنُ هَانِسُ كُينْجَ الْهَدَفَ مِنْ كِتَابِهِ هَذَا قَائِلًا: «ذٰلِكَ لِأَنَّ هٰذَا 0لْكِتَابَ - 0لْمَكْتُوبَ بِقَلَمِ كَاتِبٍ غَيْرِ مُسْلِمٍ - هُوَ تَعْبِيرٌ عَنْ أَمْلِهِ، لَيْسَ فِي إِضْعَافِ 0لْإِسْلَامِ أَوْ حَتَّىٰ زَوَالِهِ، بَلْ فِي تَجْدِيدِەِ مِنَ 0لدَّاخِلِ. بَعِيدًا عَنْ جَمِيعِ مَشَاعِرِ 0لْغَطْرَسَةِ وَ0لْإِعْجَابِ بِ0لذَّاتِ (سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَسِيحِيَّةً أَمْ عَلْمَانِيَّةً)، يُؤَيَّدُ هٰذَا 0لْكِتَابُ - وَعْيًا بِ0لْجَدَلِيَّةِ Dialektik - إِسْلَامًا مُتَجَدَّدًا».
6- اسْتَخْدَمَ كُينْجُ أُسْلُوبَ «النَّمَاذِجِ» Paradigmen فِي كِتَابِهِ هَذَا حَيْثُ حَرِصْتُ عَلَى اقْتِبَاسِ شَرْحٍ مُسْهَبٍ لِمَعْنَاهَا وَأَشْكَالِ اسْتِخْدَامِهَا مِنْ مَوْسُوعَةِ الْمَسِيرِيِّ عَنِ الْيَهُودِ وَالْيَهُودِيَّةِ.
7- قَسَّمَ كُينْجُ كِتَابَهُ هَذَا إِلَى سِتَّةِ نَمَاذِجَ مَرَّ الْإِسْلَامُ بِهَا: «نَمُوذَجُ 0لْجَمَاعَةِ 0لْإِسْلَامِيَّةِ 0لْأُولَىٰ (P I)، نَمُوذَجُ 0لْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ 0لْعَرَبِيَّةِ (P II)، نَمُوذَجُ 0لدِّينِ 0لْعَالَمِيِّ 0لْإِسْلَامِيِّ 0لْكِلَاسِيكِيِّ (P III)، نَمُوذَجُ 0لْعُلَمَاءِ وَ0لصُّوفِيَّةِ (P IV)، نَمُوذَجُ 0لتَّحْدِيثِ 0لْإِسْلَامِيِّ (P V)،0لنَّمُوذَجُ 0لْمُعَاصِرُ(PVI)».
8- كِتَابُ كُينْجَ هَذَا عَنِ الْإِسْلَامِ هُوَ تَتْوِيجٌ لِدِرَاسَاتٍ طَوِيلَةٍ عَمِيقَةٍ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْأَدْيَانِ الْعَالَمِيَّةِ بَدَأَهَا سَنَةَ 1982م بِسِلْسِلَةِ مُحَاضَرَاتٍ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْمَسِيحِيَّةِ فِي جَامِعَةِ تُوِيبِنْجِنَ فِي أَلْمَانِيَا.
9- بِعَكْسِ أَدْيَانِ الصِّينِ وَالْهِنْدِ الْبَعِيدَةِ يَعْتَبِرُ الْأُورُوبِّيِّينَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُمَثِّلُ تَهْدِيدًا لَهُمْ.
10- وَبِرَغْمِ كُلِّ مَا يَرْبُطُ الْأَدْيَانَ الْإِبْرَاهِيمِيَّةَ الثَّلَاثَةَ مِنْ مُشْتَرَكَاتٍ كَثِيرَةٍ، اتَّسَمَتْ عَلَاقَتُهَا دَائِمًا بِالتَّوَتُّرِ وَالصِّرَاعِ وَالتَّنَافُسِ.
11- مِنْ رُدُودِ كُينْجَ عَلَى صَاحِبِ نَظَرِيَّةِ صِرَاعِ الْحَضَارَاتِ قَوْلُهُ: «إِنَّ 0لْإِسْلَامَ 0لَّذِي لَدَيْهِ حُدُودٌ مُشْتَرَكَةٌ بِآلَافِ 0لْكِيلُومِتْرَاتِ مَعَ 0لْمَسِيحِيَّةِ يَعْتَبِرُەُ 0لْكَثِيرُونَ فِي 0لْغَرْبِ بِصُورَةٍ مُتَزَايِدَةٍ مَصْدَرَ تَهْدِيدٍ عَظِيمًا. أَيْضًا أُسْتَاذُ 0لْعُلُومِ 0لسِّيَاسِيَّةِ 0لْمُسْتَشْهَدُ بِهِ فِي 0لْبِدَايَةِ، صَامْوِيلُ هَانْتِينْجِتُونَ أَعْلَنَ سَنَهَ 1993م بِلَا حَيَاءٍ: «إِنَّ حُدُودَ 0لْإِسْلَامِ مُلَطَّخَةٌ بِ0لدِّمَاءِ». لٰكِنْ أَلَيْسَتْ حُدُودُ 0لْمَسِيحِيَّةِ أَيْضًا مُلَطَّخَةً بِ0لدِّمَاءِ؟».
12- ثَمَّةَ خَطَرٌ مُنْذُ هَجَمَاتِ سِبْتَمْبِرَ 2001م بِأَنْ تُسَيْطَرَ الصُّورَةُ الْعَدَائِيَّةُ لِلْإِسْلَامِ عَلَى السِّيَاسَةِ الدَّوْلِيَّةِ: «وَمُنْذُ 0لْجَرِيمَةِ ضِدَّ 0لْإِنْسَانِيَّةِ فِي 0لْحَادِي عَشَرَ مِنْ سِبْتَمْبِرَ 2001م 0لَّتِي قَامَ بِهَا مُتَطَرِّفُونَ غُرِّرَ بِهِمْ، هُنَاكَ خَطَرٌ بِأَنْ تَتَحَكَّمَ 0لصُّورَةُ 0لْعَدَائِيَّةُ لِلْإِسْلَامِ فِي 0لسِّيَاسَةِ 0لدَّوْلِيَّةِ تَمَامًا، وَهِيَ 0لَّتِي يُقَابِلُهَا عِنْدَئِذٍ صُورَةٌ عَدَائِيَّةٌ لِلْغَرْبِ لِدَى 0لْمُسْلِمِينَ بِمُنْتَهَى 0لسُّهُولَةِ».
13- مِنْ فَوَائِدِ الصُّورَةِ الْعَدَائِيَّةِ أَنَّهَا تُتِيحُ لَنَا اتِّخَاذَ الْعَدُوِّ كَبْشَ فِدَاءٍ لِجَمِيعِ مَشَاكِلِنَا وَإِحْبَاطَاتِنَا، وَتَجْعَلُنَا نَوَحِّدُ صُفُوفَنَا ضِدَّ الْعَدُوِّ الْمَزْعُومِ، وَتَسْمَحُ بِالِاسْتِقْطَابِ: إِمَّا مَعَنَا أَوْ ضِدَّنَا، وَتُعَبِّئُ قُوَى النَّاسِ ضِدَّ الْعَدُوِّ الْمَزْعُومِ. لَكِنَّ هَذِەِ الصُّوَرَ الْعَدَائِيَّةَ لَا تَسْتَمِرُّ طَوِيلًا، فَسُرْعَانَ مَا تَتَهَاوَى، وَتَظْهَرُ صُوَرٌ عَدَائِيَّةٌ جَدِيدَةٌ.
14- يَتَّهِمُ الْغَرْبِيُّونَ الْإِسْلَامَ بِالتَّعَصُّبِ دَاخِلِيًّا، وَالْعُنْفِ خَارِجِيًّا، وَالتَّخَلُّفِ حَضَارِيًّا.
15- يَنْتَقِدُ كُينْجُ الْكَنَائِسَ الْمَسِيحِيَّةَ فِي الْغَرْبِ حِينَ تَسْتَنْكِرُ أَنْشِطَةَ الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، دُونَ أَنْ تَتَوَقَّفَ هِيَ نَفْسُهَا عَنْ حَمَلَاتِ التَّبْشِيرِ.
16- يُهَاجِمُ هَانْسُ كُينْجَ وَسَائِلَ الْإِعْلَامِ الْغَرْبِيَّةَ الَّتِي تَقُومُ بِتَشْوِيهِ صُورَةِ الْإِسْلَامِ.
17- يَقُولُ كُينْجُ: «فِي 0لْوَقْتِ 0لَّذِي أَظْهَرَ فِيهِ 0لْكُتَّابُ 0لْيُونَانِيُّونَ-0لْمَسِيحِيُّونَ 0لْمُبَكِّرُونَ، وَخَاصَّةً هٰؤُلَاءِ 0لَّذِينَ عَاشُوا فِي أَرَاضٍ إِسْلَامِيَّةٍ، مَعْرِفَةً جَيِّدَةً نِسْبِيًّا بِ0لتَّعَالِيمِ 0لْإِسْلَامِيَّةِ وَبِ0لنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ مِنَ 0لْمُثِيرِ لِلدَّهْشَةِ أَنَّ 0لْغَرْبَ 0للَّاتِينِيَّ، بِ0سْتِثْنَاءِ 0لْأَنْدَلُسِ، لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ حَتَّىٰ 0لْقَرْنِ 0لثَّانِي عَشَرَ 0لْمِيلَادِيِّ أَيُّ دِرَاسَةٍ عَنْ مَضْمُونِ 0لْإِسْلَامِ».
18- كَانَ مَسِيحِيُّو الشَّرْقِ يُفَضِّلُونَ الْإِسْلَامَ عَلَى الْحُكْمِ الْبِيزَنْطِيِّ.
19- يُشِيرُ كُينْجُ إِلَى الْمُحَاوَرَةِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ 0لْمَهْدِيِ، أَمِيرِ 0لْمُؤْمِنِينَ، وَطِيمَاثَاوِسَ 0لْجَاثَلِيقِ 0لْبَطْرِيَرْكِ 0لنُّسْطُورِيِّ فِي 0لْقَرْنِ 0لثَّامِنِ بَعْدَ 0لْمَسِيحِ، وَالَّتِي تُرْجِمَتْ مِنَ السُّرْيَانِيَّةِ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ.
20- كَانَ لِيُوحَنَّا الدِّمَشْقِيِّ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 750م) دَوْرٌ هَدَّامٌ فِي تَشْوِيهِ صُورَةِ الْإِسْلَامِ.
21- بَعْضُ الَّذِينَ عَجَزُوا عَنْ فَهْمِ كُينْجَ ادَّعُوا كِذْبًا وَبُهْتَانًا أَنَّهُ يُرَوِّجُ لِدِينٍ جَدِيدٍ! وَهَذَا هُرَاءٌ؛ لِأَنَّ كُينْجَ يَدْعُو أَصْحَابَ الدِّيَانَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمْ، مَعَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُشْتَرَكَاتِ مَعَ الْآخَرِينَ.
22- يَقُولُ كُينْجُ: «... فَ0لْمَاهِيَّةُ 0لْمُمَيِّزَةُ لِلدِّينِ 0لْيَهُودِيِّ هِي: إِسْرَائِيلُ كَشَعْبِ 0للّٰهِ وَأَرْضِهِ (0لْمَوْعُودَةِ). لٰكِنْ بِ0لنِّسْبَةِ إِلَىٰ 0لْمَسِيحِيِّينَ هِيَ: عِيسَىٰ 0لْمَسِيحُ كَمَسِيحِ 0للّٰهِ وَ0بْنِهِ». أَمَّا الْإِسْلَامُ، فَمَا يُمَيِّزُەُ هُوَ الْقُرْآنُ.
23- مَكَانَةُ مُحَمَّدٍ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ كَمَكَانَةِ عِيسَى فِي الْمَسِيحِيَّةِ. فَكَلَامُ اللَّهِ فِي الْمَسِيحِيَّةِ صَارَ جَسَدًا، أَمَّا فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدْ صَارَ كَلَامُ اللَّهِ كِتَابًا.
24- يُبْرِزُ كُينْجُ أَهَمِّيَّةَ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، وَيَسْتَشْهِدُ بِكَلَامٍ لِمُحَمَّدِ أَسَدٍ عَنِ احْتِوَائِهَا عَلَى الْعَقَائِدِ الْأَسَاسِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ.
25- وَيُشَدِّدُ كُينْجُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْقُرْآنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِاعْتِبَارِەِ كِتَابًا حَيًّا مُقَدَّسًا عَرَبِيًّا.
26- يَقُولُ كُينْجُ عَنْ صُورَةِ الْإِسْلَامِ السَّلْبِيَّةِ فِي الْعَالَمِ الْيُونَانِيِّ: «عَلَىٰ كُلِّ حَالٍ 0نْتَشَرَتِ 0لْآنَ فِي 0لْعَالَمِ 0لْيُونَانِيِّ سِلْسِلَةٌ كَامِلَةٌ مِنَ 0لْمَطَاعِنِ وَ0لْأَحْكَامِ 0لسَّلْبِيَّةِ (مُحَمَّدٌ (صَلَعَم) مُحْتَالٌ، وَمُصَابٌ بِ0لصَّرْعِ، وَعَدُوُّ 0لْمَسِيحِ، وَيَعْبُدُ 0لشَّيْطَانَ)، وَ0لْأَسَاطِيرِ: رَاهِبٌ مَسِيحِيٌّ، 0غْتَالَهُ مُحَمَّدٌ (صَلَعَم) لَاحِقًا، هُوَ 0لَّذِي عَلَّمَهُ 0لْقُرْآنَ؛ حَمَامَةٌ كَانَتْ تَأْكُلُ 0لْحُبُوبَ مِنْ أُذُنِهِ، 0عْتَبَرَهَا رُوحَ 0لْقُدُسِ وَوَحْيًا؛ شُوهِدَ قَبْرُەُ فِي مَكَّةَ مَرْفُوعًا فِي 0لْفَضَاءِ بِقُوَّةٍ مِغْنَاطِيسِيَّةٍ».
27- مَعَ بُطْرُسَ الْمُبَجَّلِ (تُوُفِيَّ سَنَةَ 1165م) بَدَأَتِ الدِّرَاسَاتُ الْجَادَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي أُورُوبَّا. وَتَرَجَمَ رُوبِرْتُ الْكِيتُونِيُّ الْقُرْآنَ إِلَى اللَّاتِينِيَّةِ سَنَةَ 1143م، وَهِيَ التَّرْجَمَةُ الَّتِي اسْتَخْدَمَهَا لَاحِقًا نِيكُولَاوُسُ الْكُوسِيُّ وَمَارْتِنُ لُوتَّرَ.
28- دَفَعَتِ الْحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ الْأُورُوبِيِّينَ إِلَى دِرَاسَةِ الْإِسْلَامِ بِصُورَةٍ أَعْمَقَ. وَارْتَبَطَ فِرِيدْرِيخُ الثَّانِي (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1250م) بِعَلَاقَةِ صَدَاقَةٍ وَثِيقَةٍ مَعَ الْعَرَبِ.
29- يُشِيرُ كُينْجُ إِلَى لِقَاءِ فِرَانْسِيسَ الْأَسِيزِيِّ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1226م) بِالسُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1238م) الَّذِي اتَّسَمَ بِنُبْلِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّسَامُحِ.
30- وَيَقُولُ كُينْجُ إِنَّ الْأُورُوبِيِّينَ كَانُوا مُعْجَبِينَ فِي الْقُرُونِ الْوُسْطَى بِالْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، لَكِنَّ إِعْجَابَهُمْ هَذَا لَمْ يَمْتَدَّ لِيَشْمَلَ الدِّيَانَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ.
31- لَمْ يَكُنْ لِتُومَاسَ الْأَكْوِينِيِّ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1274م) دَوْرٌ بَنَّاءٌ فِي الْحِوَارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فِي حِينِ حَاوَلَ رَامُونُ لُولَ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1316م) التَّوَاصُلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، قَبْلَ أَنْ يَلْقَى نِهَايَةً مَأْسَاوِيَّةً.
32- أَمَرَ الْبَابَا كِلِيمِينْسُ السَّابِعُ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1534م) بِحَرْقِ الْقُرْآنِ سَنَةَ 1530م. وَأَيَّدَ لُوتَّرُ تَرْجَمَةَ مَعَانِيهِ، لَيْسَ لِتَحْقِيقِ التَّفَاهُمِ، بَلْ لِشَنِّ مَزِيدٍ مِنَ الْهَجَمَاتِ ضِدَّ الْإِسْلَامِ.
33- سَنَةَ 1668م نَشَرَ أَلِكْسَنْدَرُ رُوسَّ دِرَاسَةً قَيِّمَةً بِعُنْوَانِ: «نَظَرَةٌ عَلَى الْأَدْيَانِ كَافَّةً فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ»، وَرَصَدَ نُورْمَانُ دَانِيلَ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1992م) فِي كِتَابِهِ «الْإِسْلَامُ وَالْغَرْبُ» تَارِيخَ الْمَطَاعِنِ الْغَرْبِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ.
34- سَنَةَ 1705م نَشَرَ الْمُسْتَشْرِقُ الْهُولَنْدِيُّ أَدْرِيَانُ رِيلَانْدَ كِتَابَهُ: «الدِّيَانَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ» رَدَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ نِسْبِيًّا إِلَى الْإِسْلَامِ.
35- سَنَةَ 1724م نَشَرَ چُورْچُ سِيلَ تَرْجَمَتَهُ الْإِنْجِلِيزِيَّةَ لِمَعَانِي الْقُرْآنِ الَّتِي نَالَتِ اسْتِحْسَانَ الْغَرْبِيِّينَ، بِرَغْمِ احْتِوَائِهَا عَلَى مَطَاعِنَ كَثِيرَةٍ.
36- سَنَةَ 1779م نَشَرَ لِيسِنْجُ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1781م) مَسْرَحِيَّتَهُ الشَّهِيرَةَ «نَاتَانُ الْحَكِيمُ» الَّتِي دَعَى فِيهَا إِلَى التَّفَاهُمِ بَيْنَ الْأَدْيَانِ.
37- وَكَرَدِّ فِعْلٍ عَلَى مَوْجَةِ الْعَدَاءِ لِلْإِسْلَامِ فِي أَعْقَابِ هَجَمَاتِ سِبْتَمْبِرَ 2001م، قَامَ الْأَلْمَانُ بِإخْرَاجِ هَذِەِ الْمَسْرَحِيَّةِ 24 مَرَّةً عَلَى الْمَسَارِحِ الْأَلْمَانِيَّةِ حَتَّى نِهَايَةِ سَنَةِ 2003م.
38- سَنَةَ 1819م نَشَرَ جُوتَةُ دِيوَانَهُ «الشَّرْقِيَّ-الْغَرْبِيَّ» حَيْثُ عَبَّرَ فِيهِ عَنْ إِعْجَابِهِ بِالثَّقَافَةِ الْعَرَبِيَّةِ-الْإِسْلَامِيَّةِ.
39- وَبَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ نَشَرَ رُويكَرْتُ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1866م) تَرْجَمَتَهُ الرَّائِعَةَ غَيْرَ الْكَامِلَةِ لِمَعَانِي الْقُرْآنِ.
40- ثُمَّ ظَهَرَ تُومَاسُ كَارْلَيْلَ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1881م) الَّذِي أَبْدَى إِعْجَابَهُ الشَّدِيدَ بِشَخْصِيَّةِ رَسُولِ الْإِسْلَامِ (صَلَعَم)، لَكِنَّهُ هَاجَمَ الْقُرْآنَ!
41- سَنَةَ 1741م عُرِضَتْ مَسْرَحِيَّةُ ڤُولْتِيرَ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1778م) عَنِ «النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ» الَّتِي هَاجَمَ فِيهَا الْإِسْلَامَ ظَاهِرِيًّا، وَالْكَنِيسَةَ بَاطِنِيًّا.
42- يُنَوِّەُ كُينْجُ بِأَعْمَالِ بَعْضِ كِبَارِ الْمُسْتَشْرِقِينَ الَّذِينَ رُبَّمَا قَدْ أَسْهَمُوا فِي تَحْقِيقِ فَهْمٍ أَفْضَلَ لِلْإِسْلَامِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَخَلُّوا تَمَامًا عَنْ مَوْقِفِهِمُ السَّلْبِيِّ مِنْهُ.
43- سَنَةَ 1978م صَدَرَ كِتَابُ «الِاسْتِشْرَاقِ» لِإِدْوَارْدَ سَعِيدٍ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 2003م)، وَأَحْدَثَ صَدْمَةً صِحِّيَّةً فِي أَوْسَاطِ الْمُسْتَشْرِقِينَ.
44- يَعْتَرِفُ كُينْجُ بِالدَّوَافِعِ الِاسْتِعْمَارِيَّةِ لِلِاسْتِشْرَاقِ الْأُورُوبِيِّ الَّذِي حَرَصَ عَلَى تَمْجِيدِ الْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ عَلَى حِسَابِ الْحَطِّ مِنَ الْحَضَارَةِ الْعَرَبِيَّةِ-الْإِسْلَامِيَّةِ. وَبَعْدَ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ، وَهَزِيمَةِ أَلْمَانِيَا، انْحَازَ مُعْظَمُ الْمُسْتَشْرِقِينَ الْأَلْمَانِ لِصَالِحِ إِسْرَائِيلَ ضِدَّ الْعَرَبِ، لِإِحْسَاسِهِمْ بَعُقْدَةِ الذَّنْبِ بَعْدَ جَرَائِمِ هِتْلَرَ ضِدَّ الْيَهُودِ.
45- يُشِيرُ كُينْجُ إِلَى إِشْكَالِيَّةِ جُولْدِتِسِيهَرَ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 1921م) الَّذِي عُرِفَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بِمَطَاعِنِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَصَدَّى لَهُ الشَّيْخُ الْغَزَّالِيُّ وَرَدَّ عَلَى مَطَاعِنِهِ. لَكِنْ بَعْدَ ظُهُورِ «يَوْمِيَّاتِهِ»، اكْتَشَفَ الْأُورُوبِيُّونَ أَنَّهُ كَانَ يَعْشَقُ الْإِسْلَامَ فِي شَبَابِهِ، «وَكَانَ مَثَلُهُ الْأَعْلَى الِارْتِقَاءَ بِالْيَهُودِيَّةِ إِلَى مُسْتَوًى مُشَابِهٍ لِلْإِسْلَامِ»! بَيْدَ أَنَّ الْبَاحِثِينَ لَمْ يَكْتَرِثُوا بِتَفْسِيرِ هَذَا التَّنَاقُضِ. مَا الَّذِي يَجْعَلُ إِنْسَانًا يُهَاجِمُ الْإِسْلَامَ، بِرَغْمِ أَنَّهُ يَعْشَقُهُ؟ مِنَ الْمُرَجَّحِ أَنَّ جُولْدِتِسِيهَرَ أَدْرَكَ أَنَّ النَّجَاحَ فِي الْغَرَبِ يَقُومُ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ عَلَى مُهَاجَمَةِ الْإِسْلَامِ، فِاضْطُرَّ إِلَى نِسْيَانِ عِشْقِهِ الْإِسْلَامَ، وَقَرَّرَ مُسَايَرَةَ التَّيَّارِ السَّائِدِ فِي مَرَاكِزِ الِاسْتِشْرَاقِ فِي أُورُوبَّا، وَرَاحَ يَطْعَنُ فِي الْإِسْلَامِ، حَتَّى ذَاعَ صِيتُهُ، وَاعْتَبَرَەُ زُمَلَاؤُەُ أَحَدَ كِبَارِ الْمُسْتَشْرِقينَ، بِرَغْمِ أَنَّ مَطَاعِنَهُ هَذِەِ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا تَضْلِيلًا، وَنَصْبًا.
46- أَمَّا جَارُودِي (تُوُفِيَّ سَنَةَ 2012م)، فَقَدْ هَاجَمَ عَجْرَفَةَ الْغَرْبِ الْمَسِيحِيِّ، وَطَالَبَ بِحِوَارِ الْحَضَارَاتِ، لَكِنَّهُ وَقَعَ فِي فَخِّ مُعَادَاةِ السَّامِيَّةِ.
47- ثُمَّ ظَهَرَ مُرَادُ هُوفْمَانَ (مِنْ مَوَالِيدِ سَنَةِ 1931م) الَّذِي دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَاعْتَبَرَەُ بَدِيلًا لِلْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ.
48- «لَقَدْ شَدَّدَ أَحَدُ أَحْسَنِ 0لْمَسِيحِيِّينَ مَعْرِفَةً بِ0لْإِسْلَامِ، وِلْفِرِدُ كَانْتِوِلَ سِمِيثَ، دَائِمًا عَلَىٰ ضَرُورَةِ أَنْ يَفْهَمَ 0لْمَسِيحِيُّونَ 0لْإِسْلَامَ كَمَا يَفْهَمُهُ 0لْمُسْلِمُونَ أَنْفُسُهُمْ».
49- يَقُولُ كُينْجُ: «لَمْ يُوجَدْ إِسْلَامٌ وَاحِدٌ قَطُّ فِي أَيِّ زَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ»! فَكُلُّ عَصْرٍ لَدَيْهِ صُوَرٌ وَإِنْجَازَاتٌ لِلْإِسْلَامِ خَاصَّةٌ بِهِ، تَكَوَّنَتْ مِنْ حَالَةٍ تَارِيخِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، عَاشَتْهَا وَشَكَّلَتْهَا قُوًى مُجْتَمَعِيَّةٌ-مَحَلِّيَّةٌ، وَجَمَاعَاتٌ مُسْلِمَةٌ، قَامَتْ بِصِيَاغَتِهَا 0صْطِلَاحِيًّا (نَظَرِيًّا)، مِنْ قَبْلُ أَوْ مِنْ بَعْدُ، شَخْصِيَّاتٌ مُعَيَّنَةٌ مُلْهِمَةٌ فِكْرِيًّا».
50- يُشَدِّدُ كُينْجُ عَلَى أَنَّهُ الْمُحَامِي الْغَرْبِيُّ لِلْإِسْلَامِ، حَيْثُ يَقُولُ: «... فَكَثِيرٌ مِنَ 0لْمُسْلِمِينَ أَنْفُسِهِمْ يَأْمُلُونَ أَوْ يَحُضُّونَ عَلَىٰ تَجْدِيدِ دِينِهِمْ. بَلْ سَأَقُومُ - بِ0عْتِبَارِي مُحَامِيهِمْ إِنْ صَحَّ 0لْقَوْلُ - بِ0سْتِعْرَاضٍ نَقْدِيٍّ يُمْكِنُ أَنْ يُسَاعِدَ فِي 0لتَّجْدِيدِ 0لضَّرُورِيِّ بِصُورَةٍ دَائِمَةٍ لِلْإِسْلَامِ».
51- يُشِيرُ كُينْجُ إِلَى مَا يُوَاجِهُهُ الْإِسْلَامُ مِنْ صِرَاعٍ بَيْنَ التُّرَاثِ وَالتَّجْدِيدِ.
52- يَقُولُ كُينْجُ: «وَعِنْدَمَا يُغَيِّرُ 0لْغَرْبُ مَوْقِفَهُ مِنَ 0لْعَالَمِ 0لْإِسْلَامِيِّ، فَسَوْفَ يُغَيِّرُ 0لْعَالَمُ 0لْإِسْلَامِيُّ أَيْضًا مَوْقِفَهُ مِنَ 0لْغَرْبِ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا».
53- نَوَايَا كُينْجَ الْحَسَنَةُ تُجَاهَ الْإِسْلَامِ يَلْمُسُهَا الْمَرْءُ فِي كُلِّ صَفْحَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، حَيْثُ يَقُولُ: «0نْطِلَاقًا مِنْ مِثْلِ هٰذِەِ 0لْمَسْؤُولِيَّةِ تُجَاهَ 0لْحِوَارِ بَيْنَ 0لْأَدْيَانِ، فَسَيَنْبَغِي عَلَىٰ 0لْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَىٰ خَيْرِ 0لْإِسْلَامِ أَيْضًا».
54- يَسْأَلُ كُينْجُ الْقَارِئَ عَنْ أَوَّلِ إِنْسَانٍ مُسْلِمٍ، قَائِلًا: «مَنْ كَانَ أَوَّلَ مُسْلِمٍ؟ 0لْجُزْءُ 0لْأَكْبَرُ مِنَ 0لْمَسِيحِيِّينَ قَدْ يُجِيبُ قَائِلًا: «0لنَّبِيُّ مُحَمَّدٌ (صَلَعَم)». وَيُوجَدُ لِذٰلِكَ حَتَّىٰ 0لْيَوْمِ أَيْضًا كَثِيرُونَ يُسَمُّونَ هٰذَا 0لدِّينَ خَطَأً «0لْمُحَمَّدِيَّةَ»، وَأَتْبَاعَهُ «0لْمُحَمَّدِيِّينَ» - وَهُوَ مَا يُغْضِبُ 0لْمُسْلِمِينَ جِدًّا. ذٰلِكَ أَنَّ 0لْمَرْءَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْرَأَ فِي أَيِّ مُقَدِّمَةٍ تَعْرِيفِيَّةٍ بَسِيطَةٍ لِلْإِسْلَامِ مَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي 0لْقُرْآنِ مِنْ قَبْلُ: إِنَّ أَوَّلَ مُسْلِمٍ هُوَ آدَمُ، أَوَّلُ إِنْسَانٍ».
55- وَيُشِيرُ كُينْجُ إِلَى أَنَّ عَقِيدَةَ التَّوْحِيدِ كَانَتْ مَوْجُودَةً مُنْذُ الْبِدَايَةِ، لَكِنَّ مُحَمَّدًا ارْتَقَى بِهَا، وَوَصَلَ بِهَا إِلَى أَعْلَى الْمُسْتَوَيَاتِ: «وَلَمْ يُنَادِ 0لنَّبِيُّ مُحَمَّدٌ (صَلَعَمْ) بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ ذٰلِكَ. وَهُوَ بِ0عْتِبَارِەِ خَاتِمَ 0لْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا، إِلَّا 0لِ0رْتِقَاءَ بِهٰذِەِ 0لْعَقِيدَةِ 0لْخَالِدَةِ إِلَىٰ أَسْمَىٰ دَرَجَةٍ نِهَائِيَّةٍ لَهَا. 0لْإِسْلَامُ هُوَ إِذًا دِينُ 0لْإِنْسَانِيَّةِ 0لصَّادِقُ 0لْكَامِلُ 0لْأَبَدِيُّ، هُوَ 0لدِّينُ مُنْذُ بَدْءِ 0لْخَلِيقَةِ».
56- يَسْتَعْرِضُ كُينْجُ تَارِيخَ شِبْهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى أَطْرَافِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّاتِ الْكُبْرَى الَّتِي كَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى أَنْمَاطِ الْحَيَاةِ فِي شِبْهِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. ثُمَّ شَاءَتِ الْأَقْدَارُ أَنْ يَتَزَامَنَ ضَعْفُ الرُّومِ وَالْفُرْسِ مَعَ صُعُودِ الْإِسْلَامِ، فَتُتَاحُ لِلْعَرَبِ فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ لِتَأْسِيسِ إِمْبِرَاطُورِيَّةٍ عُظْمَى فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ الْمِيلَادِيِّ.
57- لَمْ تَفْرِضْ عَقِيدَةُ التَّوْحِيدِ فِي الْيَهُودِيَّةِ نَفْسَهَا، إِلَّا فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ قَبْلَ الْمِيلَادِ. وَفِي الْقَرْنِ السَّابِعِ قَبْلَ الْمِيلَادِ انْتَشَرَتْ عَقِيدَةُ التَّوْحِيدِ فِي الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الْفَارِسِيَّةِ أَيْضًا مِنْ خِلَالِ زَرَادَشْتَ. ثُمَّ وَرَثَتِ الْمَسِيحِيَّةُ هَذِەِ الْعَقِيدَةَ عَنِ الْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ سَبْعَةِ قُرُونٍ.
58- عِنْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ فِي شِبْهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ الْمِيلَادِيِّ (وُلِدَ رَسُولُ الْإِسْلَامِ سَنَةَ 571م وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 632م) كَانَ هُنَاكَ وَثَنِيُّونَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامِ، وَمَسِيحِيُّونَ، وَيَهُودٌ، يَعِيشُونَ فِي شِبْهِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
59- فِي الرُّبْعِ الْأَوَّلِ مِنَ الْقَرْنِ السَّادِسِ الْمِيلَادِيِّ ارْتَكَبَ الْمَلِكُ الْيَهُودِيُّ ذُو نَوَّاسٍ (468م-527م) مَذَابِحَ بَشِعَةً ضِدَّ الْمَسِيحِيِّينَ. وَيَجِدُ الْقَارِئُ الْكَرِيمُ تَفَاصِيلَ مُسْهَبَةً مِنْ مَصَادِرَ مَسِيحِيَّةٍ عَنْ هَذِەِ الْمَذَابِحِ فِي تَعْلِيقَاتِي.
60- عِنْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ نَجْرَانُ مَدِينَةً مَسِيحِيَّةً فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ. وَعَاشَ فِي يَثْرِبَ عِشْرُونَ قَبِيلَةً يَهُودِيَّةً مَثَّلَتْ ثُلْثَ سُكَّانِهَا.
61- خَصَّ كُينْجُ «الْمَسِيحِيَّةَ-الْيَهُودِيَّةَ» بِاهْتِمَامٍ لَافِتٍ، خَاصَّةً أَنَّ هَذَا التَّيَّارَ الْفِكْرِيَّ لَمْ يَنَلْ بَعْدُ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ بَحْثٍ وَدِرَاسَةٍ. يَقُولُ الْأَمِيرُ حَسَنُ بْنِ طَلَالٍ: «إِنَّ مِثْلَ هٰؤُلَاءِ 0لْمَسِيحِيِّينَ-0لْيَهُودِ، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا مِنَ 0لْأَبْيُونِيِّينَ، كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي عَصْرِ 0لنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ (صَلَعَمْ) فِي بِلَادِ 0لْعَرَبِ بَعْدُ - مِثْلَمَا كَانُوا مَوْجُودِينَ أَيْضًا فِي مَنَاطِقَ هَامِشِيَّةٍ أُخْرَىٰ مِنَ 0لْعَالَمِ 0لْمَسِيحِيِّ. وَقَدْ سُمُّوا نَصَارَىٰ بِ0للُّغَةِ 0لْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ 0لَّتِي كَانَتْ فِي 0لْوَقْتِ نَفْسِهِ 0لتَّسْمِيَةَ 0لْعَامَّةَ لِلْمَسِيحِيِّينَ. وَيُسْتَقَىٰ مِنَ 0لْقُرْآنِ أَنَّ 0لنَّصَارَىٰ 0لْحَقِيقِيِّينَ قَدِ 0عْتَرَفُوا بِعِيسَىٰ بِ0عْتِبَارِەِ 0لْمَسِيحَ. وَفَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ 0عْتَبَرُوهُ 0بْنَ مَرْيَمَ 0لْعَذْرَاءِ مِنْ خِلَالِ رُوحِ 0لْقُدُسِ (وَهِيَ عَقِيدَةٌ يُؤَيِّدُهَا 0لْقُرْآنُ تَمَامًا)، وَنَبِيًّا لِإِسْرَائِيلَ. لٰكِنَّهُم لَمْ يَنْسِبُوا لِشَخْصِهِ أُلُوهِيَّةً، مِثْلَمَا فَعَلَ نَصَارَىٰ آخَرُونَ، وَفَهِمُوا أَيْضًا أَنَّ 0لْإِلٰهَ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ ثَالُوثًا. وَيُفْهَمُ مِنَ 0لْقُرْانِ أَيْضًا أَنَّ صُحُفَ 0لنَّصَارَىٰ 0لْحَقِيقِيِّينَ هٰؤُلَاءِ كَانَتِ 0لْإِنْجِيلَ. وَيُسْتَدَلُّ مِنَ 0لرِّوَايَاتِ 0لْعَرَبِيَّةِ أَنَّ هٰذَا 0لْإِنْجِيلَ لَمْ يَكُنْ مُؤَلَّفًا بِ0لْيُونَانِيَّةِ، بَلْ بِ0لْعِبْرَانِيَّةِ: وَهُوَ 0للَّفْظُ 0لَّذِي 0سْتُخْدِمَ حِينَئِذٍ لِلْإِشَارَةِ إِلَىٰ 0لْعِبْرِيَّةِ وَ0لْآرَامِيَّةِ بِ0لْقَدْرِ نَفْسِهِ، 0للَّتَيْنِ كَانَتَا تُكْتَبَانِ فِي 0لْعَادَةِ بِ0لْحُرُوفِ نَفْسِهَا. وَيَمْتَدِحُ 0لْقُرْآنُ صِدْقَ 0لنَّصَارَىٰ 0لْحَقِيقِيِّينَ وَتَوَاضُعَهُمْ، وَكَذٰلِكَ 0لْحُبَّ 0لَّذِي أَظْهَرُوهُ تُجَاهَ 0لْجَمَاعَةِ 0لْإِسْلَامِيَّةِ 0لنَّاشِئَةِ، 0لَّتِي لَمْ يَخْتَلِفْ فَهْمُهَا لِعِيسَىٰ، بِ0عْتِبَارِەِ مَسِيحًا إِنْسَانِيًّا أَنْزَلَ 0للّٰهُ عَلَيْهِ 0لرُّوحَ 0لْقُدُسَ، كَثِيرًا عَنْ فَهْمِهِمْ. وَتُصَوِّرُ 0لرَّوَايَاتُ 0لْإِسْلَامِيَّةُ قَسَاوِسَةَ 0لنَّصَارَىٰ، وَ0لْمُتَّقِينَ مِنْهُمْ مُرْتَدِينَ 0لثِّيَابَ 0لْبَيْضَاءَ، رَمْزًا لِلطَّهَارَةِ، كَمَا يُقَالُ».
62- وَنَظَرًا لِأَهَمِّيَّةِ شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامِ، فَقَدْ نَقَلَتُ مُقْتَبَسَاتٍ مُسْهَبَةً مِنْ سِيرَتِهِ فِي الْهَامِشِ رَقْمِ (215)، كَمَا أَوْرَدَهَا لُوِيسُ جِنْزِبِرْجَ فِي كِتَابِهِ: «أَسَاطِيرُ الْيَهُودِ»، مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مَعْلُومَاتِنَا عَنْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ قَلِيلَةٌ، وَالْمَصَادِرَ الْمُتَوَفِّرَةَ لَدَيْنَا مُتَنَاقِضَةٌ وَمَشْكُوكٌ فِيهَا.
63- يُشِيرُ كُينْجُ إِلَى أَنَّ «الْعَهْدَ الْقَدِيمَ» قَدْ رَفَعَ مِنْ مَكَانَةِ سَارَةَ زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقَ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، فِي مُقَابِلِ الْحَطِّ مِنْ شَأْنِ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ، زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنِهِمَا إِسْمَاعِيلَ، أَبِي الْعَرَبِ.
64- وَيَتَحَدَّثُ كُينْجُ عَنِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْمَسِيحِيِّينَ حَوْلَ الْخِتَانِ الَّذِي جَعَلَهُ الْيَهُودُ شَرْطًا لِلْإِيمَانِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي اعْتَبَرَ الْمَسِيحِيُّونَ فِيهِ التَّعْمِيدَ هُوَ الْفَيْصَلَ بِيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ.
65- لَمْ تَتَمَكَّنِ الْمَسِيحِيَّةُ مِنَ الِانْتِشَارِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ نُفُورِ الْعَرَبِ مِنْ عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ وَتَأْلِيهِ عِيسَى.
66- شَعَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ بِحَاجَةٍ مُلِحَّةٍ إِلَى الْعَوْدَةِ إِلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَسُمِّيَ أَتْبَاعُ هَذَا التَّيَّارِ «الْحُنَفَاءَ». ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافَاتٌ شَدِيدَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ، حَيْثُ اعْتَرَضَ الْيَهُودُ عَلَى قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الَّذِي بَنَى الْكَعْبَةَ مَعَ ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ.
67- يُؤَكِّدُ كُينْجُ عَلَى أَنَّ سَيِّدَنَا إِبْرَاهِيمَ يَجْمَعُ أَصْحَابَ الدِّيَانَاتِ الثَّلَاثِ، خَاصَّةً أَنَّ هُنَاكَ يَهُودًا يَعْتَبِرُونَ الْمَسِيحِيِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَبْنَاءِ إِبْرَاهِيمَ.
68- يَقُولُ كُينْجُ: «وَهٰكَذَا فَلَيْسَ مُسْتَغْرَبًا إِذًا أَنْ يَشْعُرَ 0لْيَهُودُ عَبْرَ تَارِيخِهِمْ بِأَسْرِەِ بَشَيْءٍ مِنَ 0لِ0نْجِذَابِ نَحْوَ 0لثَّقَافَةِ 0لْعَرَبِيَّةِ، بِحَيْثُ أَنَّ 0لْمَرَاكِزَ 0لْمُزْدَهِرَةَ لِيَهُودِيَّةِ 0لْقُرُونِ 0لْوُسْطَىٰ لَمْ تَنْشَأْ وَتَتَطَوَّرْ إِلَّا فِي 0لْبِلَادِ 0لْعَرَبِيَّةِ: تَحْتَ حُكْمِ 0لْعَبَّاسِيِّينَ فِي 0لْعِرَاقِ، وَتَحْتَ 0لْحُكَّامِ 0لْمُورِيِّينَ فِي أَسْبَانِيَا، ثُمَّ بَعْدَ طَرْدِهِمْ مِنْ أَسْبَانِيَا تَحْتَ حُكْمِ 0لْعُثْمَانِيِّينَ فِي إِسْتَانْبُولَ وَسَالُونِيكَا».
69- مَوْقِفُ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ مِنْ غَيْرِ الْمَسِيحِيِّينَ بَدَأَ يَتَغَيَّرُ مُنْذُ الْمَجْمَعِ الْفَاتِيكَانِيِّ الثَّانِي (1962م-1965م). فَبَعْدَ إِعْلَانِ مَجْمَعِ فُلُورِنْسَا الْمَسْكُونِيِّ سَنَةَ 1442م أَنَّهُ لَا خَلَاصَ خَارِجَ الْكَنِيسَةِ، تَرَاجَعَتِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ عَنْ هَذَا الرَّأْيِ، وَأَقَرَّتْ أَنَّ الْخَلَاصَ يُمْكِنُ أَنْ يَشْمَلَ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا.
70- مِنَ الْفُرُوقِ الْمُذْهِلَةِ الَّتِي تُثِيرُ حَفِيظَةَ الْيَهُودِ بِالذَّاتِ ضِدَّ الْإِسْلَامِ أَنَّ عَمَلِيَّةَ تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ وَجَمْعِهُ قَدْ تَمَّتْ بِسُرْعَةٍ خَاطِفَةٍ، مُقَارَنَةً بِأَلْفِ سَنَةٍ احْتَاجَهَا الْيَهُودُ لِإِكْمَالِ تَوْرَاتِهِمْ. يَقُولُ كُينْجُ: «مِنَ 0لْمُحَقَّقِ مَبْدَئِيًّا أَنَّ 0لْأَدْيَانَ 0لنَّبَوِيَّةَ 0لثَّلَاثَةَ جَمِيعًا لَمْ تَحْصُلْ عَلَىٰ كِتَابِهَا 0لْمُقَدَّسِ، إِلَّا بِنَاءً عَلَىٰ عَمَلِيَّةِ تَكْوِينِ وَتَثْبِيتٍ لَيْسَتْ قَصِيرَةً. فَفِي حِينِ أَنَّ أَسْفَارَ 0لْكِتَابِ 0لْمُقَدَّسِ 0لْعِبْرِيِّ قَدْ نَشَأَتْ رُبَّمَا فِي خِلَالِ فَتْرَةِ أَلْفِ سَنَةٍ، وَكُتُبَ 0لْعَهْدُ 0لْجَدِيدُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِئَةِ سَنَةٍ، فَإِنَّ 0لْقُرْآنَ لَمْ يَسْتَغْرِقْ إِلَّا 22 سَنَةً. وَوَفْقًا لِذٰلِكَ كَانَتْ عَمَلِيَّةُ 0لتَّثِبِيتِ فِي الْإِسْلَامِ أَقْصَرَ، حَتَّىٰ تَحَدَّدَ بِ0لضَّبْطِ مُحْتَوَىٰ 0لْكِتَابِ 0لْمُقَدَّسِ».
71- يَقُولُ مَحْمُودُ مُصْطَفَى أَيُّوبَ: «بِ0لرَّغْمِ مِنْ أَنَّ أُمَّةَ 0لْمُسْلِمِينَ هِيَ 0لَّتِي شَكَّلَتِ 0لْقُرْآنَ، إِلَّا أَنَّ 0لْقُرْآنَ هُوَ 0لَّذِي خَلَقَ 0لْأُمَّةَ عَمَلِيًّا، ويَبْقَىٰ حَجَرَ 0لْأَسَاسِ لِعَقِيدَتِهَا وَأَخْلَاقِيَّاتِهَا. وَقَدْ تَشَكَّلَتْ كَثِيرٌ مِنْ آيَاتِهِ تَفْصِيلًا مِنْ خِلَالِ 0لظُّرُوفِ 0لِ0جْتِمَاعِيَّةِ وَ0لدِّينِيَّةِ، وَأَسْئِلَةِ مُجْتَمَعِ 0لنَّبِيِّ (صَلَعَم)، لٰكِنَّ 0لْمُسْلِمِينَ يُؤْمِنُونَ أَنَّ 0لْقُرْآنَ يَتَجَاوَزُ 0عْتِبَارَاتِ 0لزَّمَانِ وَ0لْمَكَانِ كَافَّةً».
72- سَنَةَ 1772م نَشَرَ فِرِيدْرِيخُ مِيجِرْلِينَ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ أَلْمَانِيَّةٍ لِمَعَانِي الْقُرْآنِ، لَكِنَّهُ أَعْلَنَ أَنَّ مُحَمَّدًا (صَلَعَم) كَانَ نَبِيًّا كَذَّابًا.
73- سَنَةَ 1830م كَتَبَ يُوحَنَّا آدَمَ مُولَّرَ مُعْتَرِضًا عَلَى اتِّهَامِ نَبِيِّ الْإِسْلَامِ بِالْكَذِبِ يَقُولُ: «... (عِنْدَ 0فْتِرَاضِ أَنَّ مُحَمَّدًا (صَلَعَم) لَمْ يَكُنْ سِوَىٰ مُخَادِعٍ وَنَبِيٍّ كَذَّابٍ، فَسَوْفَ) تَكُونُ نَشْأَةُ 0لْقُرْآنِ أَكْثَرَ مَا لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُهَا، وَ0لَّذِي كَثِيرًا مَا يُقَابِلُنَا فِيهِ وَرَعٌ أَصِيلٌ، وَتَقْوَىٰ مُؤَثَّرَةٌ، وَلُغَةٌ شِعْرِيَّةٌ دِينِيَّةٌ خَاصَّةٌ جِدًّا. وَمِنَ 0لْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَكُونَ هٰذَا شَيْئًا مُصْطَنَعًا وَإِجْبَارِيًّا، وَهُوَ مَا يَنْبَغِي 0فْتِرَاضُهُ، إِذَا 0رْتَأَيْنَا فِي مُحَمَّدٍ مُجَرَّدَ إِنْسَانٍ مُخَادِعٍ ... فَهُنَاكَ مَلَايِينُ مِنَ 0لنَّاسِ يَأْخُذُونَ وَيَسْتَلْهِمُونَ مِنَ 0لْقُرْآنِ حَيَاةً أَخْلَاقِيَّةً جَدِيرَةً بِ0لِ0حْتِرَامِ دِينِيًّا، وَلَيْسَ يَعْتَقِدُ 0لْمَرْءُ أَنَّهُمْ يَنْهَلُونَ مِنْ مَنْبَعٍ فَارِغٍ».
74- يَقُولُ كُينْجُ: «... هُنَاكَ أَيْضًا أَقْوَالٌ إِيجَابِيَّةٌ (فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ) لَيْسَتْ قَلِيلَةً عَنِ 0لْعَالَمِ غَيْرِ 0لْمَسِيحِيِّ، يُوَجَدُ بِحَسَبِهَا رِسَالَةٌ أَصِيلَةٌ مِنَ 0للّٰهِ إِلَىٰ 0لْإِنْسَانِيَّةِ بِأَسْرِهَا. نَعَمْ، يَسْتَطِيعُ غَيْرُ 0لْيَهُودِ، وَغَيْرُ 0لْمَسِيحِيِّينَ، وَفْقَ 0لْعَهْدَيْنِ 0لْقَدِيمِ و0لْجَدِيدِ، إِنْ يُدْرِكُوا 0لْإِلٰهَ 0لْحَقِيقِيَّ».
75- يُقَدِّمُ كُينْجُ مُقَارَنَةً لَطِيفَةً بَيْنَ شَهَادَةِ الْإِيمَانِ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَسِيحِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. فَالْيَهُودُ يَقُولُونَ: «يَهْوَە هُوَ الْإِلَهُ وَإِسْرَائِيلُ شَعْبُهُ»، وَيَقُولُ الْمَسِيحِيُّونَ: «عِيسَى هُوَ الْمَسِيحُ». لَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَحْدَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَرْبُطُونَ التَّوحِيدَ بِرَسُولِهِمْ فِي شَهَادَتِهِمْ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ».
76- فِي كِتَابِهِ الشَّهِيرِ «هُوِيَّةُ الْمَسِيحِيِّ» تَحَدَّثَ كُينْجُ عَنْ مَرْكَزِيَّةِ اللَّهِ فِي الْمَسِيحِيَّةِ، وَتَحَدَّثَ فِي كِتَابِهِ «الْإِسْلَامُ» عَنْ مَرْكَزِيَّةِ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ.
77- الْخُشُوعُ الَّذِي يُبْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ يُثِيرُ إِعْجَابَ الْأُورُوبِيِّينَ وَدَهْشَتَهُمْ.
78- يَقْتَبِسُ كُينْجُ تَرْجَمَةَ رُويكَرْتَ الْأَلْمَانِيَّةَ لِآيَةِ الْعَرْشِ (الْبَقَرَةُ: 255): «اللَّهُ لِا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُومُ».
79- يُشِيرُ كُينْجُ إِلَى مَعْرَكَةِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ فَرْضِ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ الصِّرْفِ - الَّتِي تَسَمَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَا لَاحِقًا حِينَ قَالَتْ إِنَّهَا جَمَاعَةُ أَوْ: «أَهْلُ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ» - حَيْثُ يَذْكُرُ رَفْضَ الْإِسْلَامِ لِتَأْلِيهِ الْمَسِيحِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَقَضَاءَەُ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى.
80- وَيَسْتَعْرِضُ كُينْجَ مَعْنَى عِبَارَةِ: «اللَّهُ أَكْبَرُ» الَّتِي يُرَدِّدُهَا الْمُسْلِمُونَ كَثِيرًا فِي حَيَاتِهِمُ الْيَوْمِيَّةِ.
81- وَيَتَوَقَّفُ كُينْجُ قَلِيلًا لِبَحْثِ مَغْزَى الْخَلْقِ وَأَسْرَارِەِ، وَيَتَأَمَّلُ الْآيَةَ الْقُرْآنِيَّةَ: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(الذَّارِيَاتُ: 56).
82- وَيَسْعَى كُينْجُ إِلَى فَهْمِ الْعَلَاقَةِ الشَّائِكَةِ بَيْنَ قُدْرَةِ الْبَارِئِ تَعَالَى الشَّامِلَةِ وَإِرَادَةِ الْإِنْسَانِ. وَهُوَ هُنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَنِ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَمَا ذَكَرَەُ «الْكِتَابُ الْمُقَدَّسِ»، حَتَّى لَا يَكُونَ حُكْمُهُ مُجْحِفًا. وَبِعَكْسِ أَحَدِ زُمَلَائِهِ الْأَسَاتِذَةِ فِي جَامِعَةِ تُويِبِنْجِنَ الَّذِي لَمْ يَتَوَقَّفْ عَنِ التَّهْلِيلِ وَالصِّيَاحِ وَالتَّهْوِيلَ وَالِاحْتِفَالِ، مُدَّعِيًا أَنَّ الْقُرْآنَ يَحْتَوِي عَلَى آيَاتٍ تُؤَكِّدُ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ الشَّامِلَةِ، وَآيَاتٍ أُخْرَى تُشِيرُ إِلَى عَكْسِ ذَلِكَ، يَقُولُ كُينْجُ إِنَّ الْقُرْآنَ وَ«الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ» جَمِيعًا يُؤَكِّدَانِ قُدْرَةَ اللَّهِ الْمُطْلَقَةَ، دُونَ أَنْ يَتَنَاقَضَ ذَلِكَ مَعَ مَسْؤُولِيَّةِ الْإِنْسَانِ. وَهُنَا تَتَجَلَّى عَظَمَةُ كُينْجَ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ كَالْمُرَاهِقِينَ لِشَتْمِ الْإِسْلَامِ فِي مَسَائِلَ مُتَأَصِّلَةٍ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَسِيحِيَّةِ.
83- كَثِيرًا مَا يُشِيرُ كُينْجُ إِلَى لَفْظَيِ «الرَّحْمَنِ» وَ«الرَّحِيم». وَتَجْدُرُ الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى أَنَّ فَهْمَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يَسْتَلْزِمُ الْإِلْمَامَ بِدَقَائِقِ عِلْمِ الْبَلَاغَةِ وَالْبَدِيعِ. وَكَانَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمَطْعَنِيِّ رَائِدًا فِي هَذَا الْحَقْلِ. وَنَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُولَ بِتَبْسِيطٍ شَدِيدٍ إِنَّ لَفْظَيِ «الرَّحْمَنِ» وَ«الرَّحِيمِ» مُشْتَقَّانِ مِنَ الْفِعْلِ «رَحِمَ». وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ «رَحِمَ» هُوَ «رَاحِمٌ»، وَالرَّاحِمُ هُوَ مَنْ يَرْحَمُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. أَمَّا كَثِيرُ الرَّحْمَةِ، فَهُوَ «الرَّحْمَنُ» «الرَّحِيمُ». مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ لَفْظِ «سَارِقٍ» عَلَى وَزْنِ «فَاعِلٍ»، لِوَصْفِ مَنْ سَرَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً. أَمَّا الْكَثِيرُ السَّرِقَةِ، فَهُوَ «سَرَّاقٌ». وَمِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: فَعَّالٌ، مِفْعَالٌ، فَعُولٌ، فَعِلٌ، فُعْلَانُ.
84- وَيَتَوَقَّفُ كُينْجُ طَوِيلًا لِاسْتِعْرَاضِ وَصْفِ الْقُرْآنِِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، دُونَ أَنْ يَفُوتَهُ ذِكْرُ اعْتِرَاضِ الْأُورُوبِيِّينَ عَلَى الْوَصْفِ الْحِسِّيِّ لِلْجَنَّةِ فِي الْقُرْآنِ. وَلَعَلَّ دِرَاسَةَ الْجُذُورِ التَّارِيخِيَّةِ لِلتَّنَسُّكِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ فِي الْمَسِيحِيَّةِ تُسَاعِدُنَا فِي فَهْمِ تَحَفُّظَاتِ الْأُورُوبِيِّينَ هَذِەِ، حَيْثُ أَنَّهُمْ وَرَثُوا عَنْ أَصْحَابِ الْحَضَارَاتِ الْقَدِيمَةِ نَظْرَةً سَلْبِيَّةً جِدًّا لِلْمَرْأَةِ، وَالْجِنْسِ، وَالْجِسْمِ، وَالْمُتَعِ الدُّنْيَوِيَّةِ.
85- وَيَتَأَمَّلُ كُينْجُ مَعَانِي أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى فِي الْإِسْلَامِ الَّتِي أَفْرَدَ لَهَا الْغَزَّالِيُّ وَغَيْرُەُ دِرَاسَاتٍ مُسْهَبَةً.
86- وَيَعُودُ كُينْجُ إِلَى التَّأْكِيدِ عَلَى مُشْتَرَكٍ آخَرَ بَيْنَ الْأَدْيَانِ الثَّلَاثَةِ يَتَمَثَّلُ فِي الْإِيمَانِ بِإِلَهٍ وَاحِدٍ - وَهُوَ إِيمَانٌ قَدْ تَتَنَوَّعُ أَشْكَالُهُ وَصُوَرُەُ، لَكِنَّهُ يَبْقَى مُشْتَرَكًا أَسَاسِيًّا بَيْنَ هَذِەِ الْأَدْيَانِ، خَاصَّةً فِي مُقَابِلِ الْأَدْيَانِ الَّتِي لَا تُؤْمِنُ بِوُجُودِ اللَّهِ.
87- اللَّافِتُ هُنَا أَيْضًا هُوَ مُشْتَرَكٌ آخَرُ يَتَمَثَّلُ فِي مُحَارَبَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَسِيحِيَّةِ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِوَقْتٍ طَوِيلٍ.
88- وَلِأَنَّ كُينْجَ إِنْسَانٌ مُؤْمِنٌ مِنَ الطِّرَازِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ يَسْعَى إِلَى مَعْرِفَةِ صِفَاتِ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ بِدِقَّةٍ، وَيُرِيدُ الِاقْتِرَابَ مِنْهُ تَعَالَى بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
89- وَيُشِيرُ كُينْجُ إِلَى اخْتِلَافِ مَكَانَةِ عِيسَى فِي الْمَسِيحِيَّةِ عَنْ مَكَانَةِ مُحَمَّدٍ فِي الْإَسْلَامِ. فَمُحَمَّدٌ (صَلَعَم) هُوَ رَسُولٌ، وَلَيْسَ إِلَهًا، مُجَرَّدُ نَبِيٍّ تَلَقَّى وَحْيًا، وَأَذَاعَهُ فِي النَّاسِ.
90- وَيُشَدِّدُ كُينْجُ عَلَى مَا يَجْمَعُ الْأَدْيَانَ الثَّلَاثَةَ مِنْ مَقَايِيسَ أَخْلَاقِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ حَيْثُ النَّهْيِ عَنِ الْقَتْلِ، وَالظُّلْمِ، وَالشِّرْكِ، وَالزِّنَا. وَهِيَ مُشْتَرَكَاتٌ تَكْفِي لِتَحْقِيقِ تَفَاهُمٍ بَنَّاءٍ.
91- وَيَذْكُرُ كُينْجُ مُيُولَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ إِلَى تَقْدِيسِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَعَم)، مُعَبِّرًا عَنْ تَحَفُّظَاتِهِ تُجَاهَ أَيِّ تَيَّارَاتٍ تَدْعُو إِلَى تَأْلِيهِ مُحَمَّدٍ مِثْلَمَا أَلَّهَ الْمَسِيحِيُّونَ عِيسَى.
92- وَفِي الْفَصْلِ الْخَاصِّ بِرَسُولِ الْإِسْلَامِ (صَلَعَم) يُقَدِّمُ كُينْجُ صُورَةً رَائِعَةً لِلنَّبِيِّ مُحَمِّدٍ (صَلَعَم)، وَيُعَبِّرُ عَنْ دَهْشَتِهِ وَإِعْجَابِهِ بِمَا أَنْجَزَەُ الرَّسُولُ فِي سَنَوَاتٍ عُمْرِەِ الْقَصِيرَةِ نِسْبِيًّا، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَانَ «نَاجِحًا»، بِعَكْسِ عِيسَى الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيْهِ الْغَرْبِيُّونَ بِالْفَشَلِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ قَتَلُوەُ، بِحَسَبِ عَقِيدَتِهِمْ.
93- وَيُقَارِنُ كُينْجُ بَيْنَ فَظَاظَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَطِيبَةِ قَلْبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَعَلَى مَدَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَامًا بَاءَتْ مُحَاوَلَاتُ الرَّسُولِ (صَلَعَم) لِإِقْنَاعِ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْإِسْلَامِ بِالْفَشَلِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي رَحَّبَ فِيهِ أَهْلُ يَثْرِبَ بِرِسَالَتِهِ وَسَارَعُوا إِلَى تَقْدِيمِ الدَّعْمِ لَهُ. وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ فِي عَصْرِنَا هَذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ أَخْلَاقُهُمْ.
94- وَيَتَوَقَّفُ كُينْجُ عِنْدَ مَا يُسَمَّى «الْآيَاتِ الشَّيْطَانِيَّةَ»، وَيُفَسِّرُهَا بِأُسْلُوبٍ يَتَّسِمُ بِالْعَقْلَانِيَّةِ وَالتَّفَهُّمِ.
95- وَعِنْدَ الْحَدِيثِ عَنِ الْقَطِيعَةِ مَعَ الْيَهُودِ، لَا يُرَاعِي كُينْجُ وُجْهَةَ نَظَرِ الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا، بَلْ يَبْدُو مُتَأَثِّرًا بِآرَاءِ الْمُسْتَشْرِقينَ الْمُتَحَيِّزينَ ضِدَّ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ أَشَرْتُ فِي تَعْلِيقَاتِي إِلَى فَضْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَوِيٍّ فِي تَفْنِيدِ حُجَجِ الْمُسْتَشْرِقِينَ فِي كِتَابِهِ «دِفَاعٌ عَنِ النَّبِيِّ»، خَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِيَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ.
96- وَتَحْتَ عُنْوَانِ «اللَّاهُوتِ التَّارِيخِيِّ الْإِسْلَامِيِّ» يَسْتَعْرِضُ كُينْجُ وُجْهَةَ النَّظَرِ الْإِسْلَامِيَّةَ الْقَائِلَةَ بِأَنَّ الْوَحْيَ مَصْدَرُەُ وَاحِدٌ، وَرِسَالَةَ الْبَارِئِ تَعَالَى وَاحِدَةٌ مُنْذُ خَلْقِ آَدَمَ، وَهِيَ التَّسْلِيمُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى. بَيْدَ أَنَّ الْيَهُودَ وَالْمَسِيحِيُّونَ قَدْ حَرَّفُوا هَذِەِ الرِّسَالَةَ. ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ لِتَصْحِيحِ هَذَا التَّحْرِيفِ. وَهَذِەِ بِالطَّبْعِ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِ الدِّيَانَاتِ الثَّلَاثِ، حَيْثُ تَكَوَّنَتِ الْيَهُودِيَّةُ مِنْ مَصَادِرَ مُخْتَلِفَةٍ، ثُمَّ رَفَضَ الْيَهُودُ الِاعْتِرَافَ بِالْمَسِيحِيَّةِ أَصْلًا، وَعِنْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَلْقَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَسِيحِيَّةِ إِلَّا الرَّفْضَ وَالْإِنْكَارَ.
97- يَسْتَشْهِدُ كُينْجُ بِالْعَالِمِ الْبَاكِسْتَانِيِّ مُحَمَّدِ عَلِيٍّ الَّذِي كَتَبَ «سِيرَةَ مُحَمَّدٍ» بِالْإِنْجِلِيزِيَّةِ، وَاجْتَهَدَ مِنْ أَجْلِ تَلْخِيصِ أَهَمِّ مَنَاقِبِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامِ، حَيْثُ يَقُولُ: «تَتَّفِقُ سِيَرُ مُحَمَّدٍ (صَلَعَم)، سَوَاءٌ أَكُتِبَتْ مِنَ 0لْأَصْدِقَاءِ أَوِ 0لْأِعْدَاءِ، جَمِيعًا فِي إَعْجِابِهَا بِبَسَالَتِهِ 0لْجَسُورَةِ، وَصُمُودِەِ 0لَّذِي لَا يَتَزَعْزَعُ، بِ0لنَّظَرِ إِلَىٰ نَوَائِبِ 0لدَّهْرِ 0لشَّدِيدَةِ جِدًّا. لَمْ يَعْرِفِ 0لنَّبِيُّ (صَلَعَم) 0لْيَأْسَ وَلَا 0لْقُنُوطَ. مُحَاصَرًا، كَمَا كَانَ، مِنْ جَمِيعِ 0لْجِهَاتِ عَبْرَ آفَاقٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمِنْ خِلَالِ 0لْمُقَاوَمَةِ، لَمْ يَتَزَعْزَعْ إِيمَانُهُ بِ0نْتِصَارِ 0لْحَقِّ فِي 0لنِّهَايَةِ لَحْظَةً وَاحِدَةً قَطُّ. وَلَمْ تَتَمَكَّنْ أَعْتَىٰ عَوَاصِفِ 0لشِّدَّةِ، وَ0لْحِرْمَانِ، وَ0لْمُطَارَدَةِ، مِنْ زَحْزَحَتِهِ وَلَوْ حَتَّىٰ سَنْتِيمِتْرًا عَنْ وُجْهَةِ نَظَرِەِ. وَقَدْ فَعَلَ أَفْضَلَ مِا يُمْكِنُ فِعْلُهُ مِنَ 0لْوَسَائِلِ 0لَّتِي يَسَّرَهَا 0للّٰهُ لَهُ، وَتَرَكَ 0لْبَاقِيَ لِرَحْمَةِ 0للّٰهِ. وَلَمْ تُضْعِفْ تَحَوُّلَاتُ 0لْقَدَرِ 0لْمُفَاجِئَةُ مِنْ شَجَاعَتِهِ أَوْ تُقَلِّلْهَا قَطُّ. وَحَتَّىٰ بَعْدَ كَارْثَةِ مَوْقِعَةِ أُحُدٍ 0لْفَظِيعَةِ، عَادَ فِي 0لْيَوْمِ 0لتَّالِي مِنْ جَدِيدٍ لِيُطَارِدَ أَعْدَاءَەُ. بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ: حَتَّىٰ فِي ظِلِّ أَصْعَبِ 0لظُّرُوفِ وَأَسْوَإِهَا كَانَتْ نَفْسُهُ دَائِمًا مُفْعَمَةً بِقَنَاعَةٍ ثَابِتَةٍ بِأَنَّ 0لْحَقَّ لَابُدَّ أَنْ يَنْتَصِرَ فِي 0لنِّهَايَةِ».
98- وَيَسْتَعْرِضُ كُينْجُ بَعْدَ ذَلِكَ الِاتِّهَامَاتِ التَّقْلِيدِيَّةَ الَّتِي مَا انْفَكَّ الْيَهُودُ وَالْمَسِيحِيُّونَ يُوَجِّهُونَهَا إِلَى رَسُولِ الْإِسْلَامِ (صَلَعَم)، بِدَايَةً مِنْ زَعْمِهِمْ بِعَدَمِ صِدْقِهِ، مُرُورًا بِادِّعَاءِ مُمَارَسَتِهِ الْعُنْفَ، وُصُولًا إِلَى تُهْمَةِ عَدَمِ تَحَكُّمِهِ فِي نَفْسِهِ جِنْسِيًّا. وَقَدْ تَفَضَّلَ كُينْجُ وَفَنَّدَ هَذِەِ الْمَزَاعِمَ تَفْنِيدًا عَقْلَانِيًّا مُقْنِعًا.
99- يَدْعُو كُينْجُ الْمَسِيحِيِّينَ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِنُبُوَّةِ رَسُولِ الْإِسْلَامِ، تَحْقِيقًا لِلتَّفَاهُمِ بَيْنَ الْأَدْيَانِ، حَيْثُ يَقُولُ: «لٰكِنْ أَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ مُجَرَّدِ 0لِ0عْتِرَافِ هٰذَا بِحَقِّ مُحَمَّدٍ (صَلَعَم) أَنْ يَنَالَ لَقَبَ 0لنَّبِيِّ أَنْ تَكُونَ لَهُ نَتَائِجُ إِيجَابِيَّةٌ هَائِلَةٌ لِلتَّفَاهُمِ بَيْنَ 0لْمَسِيحِيَّينَ وَ0لْمُسْلِمِينَ، وَبِصُورَةٍ خَاصَّةٍ لِلرِّسَالَةِ 0لَّتِي أَعْلَنَهَا، وَبَشَّرَ بِهَا، وَدَعَا إِلَيْهَا، 0لْمُدَوَّنَةِ فِي 0لْقُرْآنِ؟».
100- مُقَارَنَةً بِالْأَدْيَانِ الْأُخْرَى يُسَجِّلُ كُينْجُ مُلَاحَظَتَهُ بِأَنَّ أَحَدَ أَهَمِّ عَنَاصِرِ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ يَتَمَثَّلُ فِي وُضُوحِهِ وَبَسَاطَتِهِ.
101- الصَّلَاةُ فِي الْإِسْلَامُ تَرْمُزُ إِلَى جَوْهَرِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ تَمَامًا عَنْ صَلَاةِ الْيَهُودِ وَالْمَسِيحِيِّينَ.
102- يَشْرَحُ الْعِمْلَاقُ كُينْجُ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ فِي الْإِسْلَامِ، حَيْثُ يَقُولُ: «تَقَعُ 0لصَّلَاةُ - كَتَدَفُّقٍ لِلشَّهَادَةِ - فِي مَرْكَزِ 0لْمُمَارَسَةِ 0لْإِسْلَامِيَّةِ تَمَامًا. لٰكِنْ لَا يَجُوزُ 0لنَّظَرُ إِلَيْهَا بِمَعْزَلٍ عَنْ دَعَائِمِ 0لْإِسْلَامِ 0لْأُخْرَىٰ. إِذْ مَا قِيمَةُ 0لصَّلَاةِ بِدُونِ فِعْلٍ عَمَلِيٍّ: وَهٰذَا هُوَ هَدَفُ ضَرِيبَةِ 0لْمُسْلِمِينَ 0لِ0جْتَمَاعِيَّةِ. وَمَا قِيمَةُ 0لصَّلَاةِ، بِدُونِ تَنْظِيمِ شُؤُونِ 0لْجِسْمِ: وَهٰذَا هُوَ هَدَفُ 0لصِّيَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. لٰكِنَّ ذُرْوَةَ حَيَاةِ كُلِّ مُسْلِمٍ هِيَ 0لْحَجُّ إِلَىٰ مَكَّةَ، مَرَّةً وَاحِدَةً فِي 0لْعُمْرِ عَلَىٰ 0لْأَقَلِّ».
103- وَيَحْرِصُ كُينْجُ عَلَى إِبْرَازِ اسْتِقْلَالِ الْإِسْلَامِ وَتَمَيُّزِەِ عَنِ الدِّيَانَاتِ الْأُخْرَى. وَكَثِيرًا مَا يَتَحَدَّثُ بِصُورَةٍ مُبَاشِرَةٍ مُحَذِّرًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَمِيلُونَ إِلَى إِرْجَاعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْإِسْلَامِ إِلَى أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ وَمَسِيحِيَّةٍ، فَيَقُولُ إِنَّ صِيَامَ الْمُسْلِمِينَ مُخْتَلِفٌ تَمَامًا عَنْ صِيَامِ الْيَهُودِ وَالْمَسِيحِيِّينَ، وَإِنَّ صَلَاتَهُمْ أَشَدُّ اخْتِلَافًا عَنْ نَظِيرَتِهَا فِي الْأَدْيَانِ الْأُخْرَى.
104- أَمَّا الْحَجُّ إِلَى مَكَّةَ، فَقَدْ أَشَارَ كُينْجُ إِلَى ارْتِبَاطِهِ بِسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبِقِيَامِ الرَّسُولِ (صَلَعَم) بِتَطْهِيرِەِ مَنْ آَثَارِ الْوَثَنِيَّةِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، لَكِنَّ شَعَائِرَەُ تَبْقَى مُجْهِدَةً وَمُعَقَّدَةً.
وَأَخْتِمُ هَذِەِ الْمُقَدِّمَةَ بَتَوْجِيهِ شُكْرِي وَامْتِنَانِي إِلَى الْمُؤَلِّفِ الصَّدِيقِ هَانْسَ كُينْجَ الَّذِي كَرَّسَ حَيَاتَهُ لِتَحْقِيقِ التَّفَاهُمِ بَيْنِ أَصْحَابِ الدِّيَانَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَكَانَ سَعِيدًا بِشُرُوعِي فِي تَرْجَمَةِ كِتَابِهِ هَذَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالشِّفَاءِ، وَيُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ آلَامِ الْمَرَضِ. وَقَدْ كَانَ لِلصَّدِيقِ الْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ عِمَارَةَ الْفَضْلُ فِي إدْرَاكِ أَهْمِيَّةِ هَذَا الْكِتَابِ وَضَرُورَةِ تَرْجَمَتِهِ. فَلَهُ الشُّكْرُ وَالتَّقْدِيرُ عَلَى مَا أَبْدَاەُ مِنْ تَشْجِيعٍ وَحَمَاسٍ. وَلَا يَفُوتُنِي التَّنْويهُ بِجُهودِ الصَّدِيقِ سُعُودِ الدُّلَيْمِيِّ وَإِدْرَاكِهِ لِأَهَمِيَّةِ التَّرْجَمَةِ فِي إِثْرَاءِ الثَّقَافَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَهُ مِنِّي خَالِصُ الِامِتِنَانِ. كَمَا أَشْكُرُ الْبَطَلَيْنِ الْحَبِيبَيْنِ الْغَائِبَيْنِ مَجْدِي حُسَيْنٍ وَعَادِلِ صَبْرِي، وَالصَّدِيقَيْنِ فِكْرِي طَنْطَاوِي وَحُسَامِ عُثْمَانَ عَلَى جَمِيِعِ خَدَمَاتِهِمَا الْجَلِيلَةِ،
ثَابِتُ عِيدٍ
زِيُورِخُ فِي أُكْتُوبَرَ 2018م
*****
الكتاب: الإسلام. التّاريخ والحاضر والمستقبل
المؤلّف: هانس كينج
المترجم: ثابت عيد
النّاشر: عيد للإعلام
الطّبعة الأولى: 2018م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.