عدم الإعتراف بالنظام العسكرى الذى يحكم البلاد، والذى جاء بانقلاب عسكرى، هو أمر لا مناص منه، فجميع قراراته هى والعدم سواء، ولكن هناك بعض الأشياء التى تستوقفنا أحيانًا لمعرفة ماذا يجيئ خلفها، فالعسكر لا يفعل شئ إلا بمقابل، حتى ولو كان إقالة أحد مسئولية، فالأمر دائمًا متعلق ب الفضائح التى قد يكشفها المسئول. ولنا فى المستشار هشام جنينة، خير دليل على ذلك، وتبعه يوم أمس الدكتور أحمد درويش- رئيس الهيئة العامة لمنطقة قناة السويس- وكان يشغل وزير التنمية الإدارية فى حكومات المخلوع مبارك، لكن على مدى تلك الفترة وحتى الآن، يلقى درويش احترام وقبول العديد من المواطنين فى الشارع المصرى، نظرًا لجديته واحترامه الشديدين، هذا بجانب إخلاصه لعمله. فبعد أن أصدر قائد نظام العسكر، عبدالفتاح السيسى، قرار إقالة "درويش" هاجمه العديد من مؤيدية، مؤكدين أن مميش الذى تم تعيينه لا يصلح لهذا المنصب بدلاً من الأول، ولكن على ما يبدوا أن التقرير الاخير الذى نشره درويش وتحدث فيه بمصادقية عن عدم نية النظام القيام بأى تنمية فى المنطقة كان السبب فى الإطاحة. وأبدى مؤيدو السيسي دهشتهم من إعلان القرار والتصديق عليه بشكل مفاجئ، دون إعلان سبب محدد له، ودون إعلام درويش نفسه به، معتبرين الأمر "كارثة". ولم ينتظر السيسي أن يكمل درويش مدته في رئاسة الهيئة، المقرر انتهاؤها في 28 نوفمبر 2018، إذ أصدر قرارا برقم 200 لسنة 2017، بتكليف الفريق مهاب مميش رئاسة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بدرجة وزير، لمدة عام، إضافة إلى عمله في رئاسة هيئة قناة السويس. ومنح القرار، الذي تم نشره في الجريدة الرسمية، أمس الأحد، لمميش جميع صلاحيات رئيس الهيئة التي كفلها القانون، وقرارا إنشاء المنطقة الاقتصادية وإنشاء الهيئة. ومن جهته، فجّر الرئيس المُقال للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس مفاجأة، عندما أعلن أنه لم يتقدم باستقالته من منصبه، مؤكدا في الوقت ذاته أنه يثق في رؤية السيسي، وذلك في تغريدة عبر موقع "تويتر"، قال فيها: "أنا لم أستقل"، مستدركا: "لكنني أثق بشدة في رؤية (الرئيس) للمرحلة المقبلة، وما ومن تحتاجه". وجاءت إقالة أحمد درويش بعد أيام قليلة من إصداره تقريرا رسميا باسم الهيئة، أوضح فيه حجم الأعمال التي تمت منذ قرار إنشائها في أغسطس 2015، والعوائق التي واجهتها، كاشفا أنها استقبلت 24 وفدا لتجمعات رجال أعمال وشركات أجنبية، وعقدت أكثر من 900 اجتماع مع شركات من مجالات مختلفة، وتعاونت مع 16 من الشركاء المصرفيين في التنمية من المنظمات الدولية والإقليمية. لكن التقرير انتقد أداء النظام لدعم المنطقة، فقال إن الدراسات طوال الفترة الماضية أكدت عدم إسهام الدولة في مشروعات المنطقة، وإن الهيئة قد تكون غنية بأصولها، لكن مواردها لا تقابل الطموحات المطلوبة للبنية الأساسية، وفق قوله. وأوضح التقرير أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تواجه تحديات تتعلق بجاهزية المنطقة للتطوير، وتتعلق بعدم توافر البنية التحتية، والمشكلات الأمنية في منطقة سيناء (شمال شرق). وأشار إلى أن موانئ المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تواجه تحديات دولية، أهمها عدم الاستقرار في المنطقة العربية، والضريبة المقررة بالمنطقة، وسمعة مصر في سيولة أداء الأعمال، وإجراءات التقاضي، والخروج من السوق، والتعاملات البنكية الخارجية، وصعوبة تحويل العملة الأجنبية. وكان السيسي أصدر في 9 أغسطس 2015 قرارا بإنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وتُعدّ المنطقة ذات طبيعة خاصة، على مساحة 460.60 كيلومترا مربعا، وحدودها ميناء غرب بورسعيد وميناء شرق بورسعيد والمنطقة الصناعية شرق بورسعيد، والمنطقة الصناعية في القنطرة غربا، ووادي التكنولوجيا، وذلك دون المساس بالملكيات القائمة داخلها أو أراضي القوات المسلحة، بحسب القرار. وأبدى عدد من أنصار السيسي انزعاجهم الشديد من القرار، واعتبروه "كارثيا". وشن الإعلامي الموالي للسيسي، عمرو أديب، في برنامجه "كل يوم"، عبر فضائية "أون"، مساء الأحد، هجوما عنيفا على قرار الإقالة، معربا عن استنكاره له. ورأى أديب أن وراء إقالة درويش أو أي مسؤول آخر في مصر احتمالات عدة، الأول أن يكون هناك هدف معين لم يحققه، والتاني أن يكون مختلفا مع أحد، بمعنى أن يكون بينه وبين أحد تضارب في الاختصاصات أو الشغل، "فيمشُّوا واحد، ويخلوا واحد"، بحسب تعبيره. وقال: "السبب الثالث بلاش نتكلم فيه؛ لأن أحمد درويش رجل دقيق ومحترم وكل حاجة"، في إشارة إلى اختلاسات أو انحرافات مالية أو اقتصادية. وتابع بأن "درويش أكد أنه لم يستقيل، شكل الخبر جاله وهو قاعد، والإدارة المصرية ماطلعش منها أي بيان، ولا شكر للرجل، واحد اشتغل 519 يوما لازم شريف إسماعيل (رئيس الوزراء) يطلع يقول أي كلمة"، على حد قوله. من جانبه، استنكر الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، القرار، وكتب عبر حسابه في موقع "فيسبوك": "قرار كارثي: تعيين ضابط بحري (الفريق مميش) رئيسا للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.. أمل مصر تقريبا الوحيد في المرحلة الحالية، خلفا للدكتور المحترم والكفؤ وصاحب المنهج العلمي أحمد درويش، يُعد قرارا كارثيا.. هذا بغض النظر عن أسباب استقالة أحمد درويش التي قد تعني الكثير.. والكثير جدا.. ماذا يحدث في هذه البلد؟". من جهته، قال العضو السابق في الحملة الرئاسية للسيسي، حازم عبد العظيم، عبر "تويتر"، مخاطبا درويش: "اسمح لي أن أقول إنك أخطأت بقبولك منصبا في عهد السيسي". وسخر عبد العظيم قائلا: "نتيجة للإشادة الدولية بعبقرية الدراسة الاقتصادية للتفريعة، تم إسناد رئاسة الهيئة الاقتصادية للفريق مميش.. لا والله.. لا والله.. ما حكم عسكر". واستنكر الكاتب الصحفي، أنور الهواري، القرار، وكتب في موقع "فيسبوك" ساخرا: "حضرة أفندينا المعظم الخديوى مهاب مميش باشا، رئيسا للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.. مصر تُدار كأنها عزبة".