مدبولي: نعمل مع الوزارات المعنية على تسهيل إجراءات التسجيل العقاري للوحدات السكنية    تعاونيات البناء والإسكان تطرح وحدات سكنية ومحلات وجراجات للبيع بالمزاد العلني    برنامج الأغذية العالمي: الوضع الإنساني بقطاع غزة كارثي.. ومخزوننا الغذائي بالقطاع نفد    بيروت ترحب بقرار الإمارات بالسماح لمواطنيها بزيارة لبنان اعتبارا من 7 مايو    رئيس حزب فرنسي: "زيلينسكي مجنون"!    فاركو يسقط بيراميدز ويشعل صراع المنافسة في الدوري المصري    سيل خفيف يضرب منطقة شق الثعبان بمدينة طابا    انضمام محمد نجيب للجهاز الفني في الأهلي    أوديجارد: يجب استغلال مشاعر الإحباط والغضب للفوز على باريس    زيزو يخوض أول تدريباته مع الزمالك منذ شهر    إسرائيل تدرس إقامة مستشفى ميداني في سوريا    التموين: ارتفاع حصيلة توريد القمح المحلي إلى 21164 طن بالقليوبية    الزمالك: نرفض المساومة على ملف خصم نقاط الأهلي    الشرطة الإسرائيلية تغلق طريقا جنوب تل أبيب بعد العثور على جسم مريب في أحد الشوارع    حرس الحدود بمنطقة جازان يحبط تهريب 53.3 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    استشاري طب شرعي: التحرش بالأطفال ظاهرة تستدعي تحركاً وطنياً شاملاً    المخرج طارق العريان يبدأ تصوير الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان    البلشي يشكر عبد المحسن سلامة: منحنا منافسة تليق بنقابة الصحفيين والجمعية العمومية    ترامب يطالب رئيس الفيدرالي بخفض الفائدة ويحدد موعد رحيله    الهند وباكستان.. من يحسم المواجهة إذا اندلعت الحرب؟    حادث تصادم دراجه ناريه وسيارة ومصرع مواطن بالمنوفية    التصريح بدفن جثة طالبة سقطت من الدور الرابع بجامعة الزقازيق    ضبط المتهمين بسرقة محتويات فيلا بأكتوبر    تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال    مفتي الجمهورية: نسعى للتعاون مع المجمع الفقهي الإسلامي لمواجهة تيارات التشدد والانغلاق    23 شهيدًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مديرية العمل تعلن عن توفير 945 فرصة عمل بالقليوبية.. صور    رسميًا.. إلغاء معسكر منتخب مصر خلال شهر يونيو    مورينيو: صلاح كان طفلًا ضائعًا في لندن.. ولم أقرر رحيله عن تشيلسي    فيبي فوزي: تحديث التشريعات ضرورة لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الرقمية    كلية الآثار بجامعة الفيوم تنظم ندوة بعنوان"مودة - للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".. صور    نائب وزير الصحة يُجري جولة مفاجئة على المنشآت الصحية بمدينة الشروق    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    الداخلية تعلن انتهاء تدريب الدفعة التاسعة لطلبة وطالبات معاهد معاونى الأمن (فيديو)    رابط الاستعلام على أرقام جلوس الثانوية العامة 2025 ونظام الأسئلة    رغم توقيع السيسى عليه ..قانون العمل الجديد :انحياز صارخ لأصحاب الأعمال وتهميش لحقوق العمال    في السوق المحلى .. استقرار سعر الفضة اليوم الأحد والجرام عيار 925 ب 55 جنيها    صادرات الملابس الجاهزة تقفز 24% في الربع الأول من 2025 ل 812 مليون دولار    كندة علوش: دخلت الفن بالصدفة وزوجي داعم جدا ويعطيني ثقة    21 مايو في دور العرض المصرية .. عصام السقا يروج لفيلم المشروع X وينشر البوستر الرسمي    إعلام الوزراء: 3.1 مليون فدان قمح وأصناف جديدة عالية الإنتاجية ودعم غير مسبوق للمزارعين في موسم توريد 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : انت صاحب رسالة?!    تقرير المعمل الجنائي في حريق شقة بالمطرية    بالفيديو.. كندة علوش: عمرو يوسف داعم كبير لي ويمنحني الثقة دائمًا    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    غدا.. الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" للموهوبين بالبحيرة    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون بين البلدين    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا: إيران أغلى قطعة أرض بين إسرائيل واليابان!
دراسة: أمريكا زرعت القنبلة النووية السنية الشيعية (حلقة 5)
نشر في الشعب يوم 15 - 04 - 2017

لابد من رصد أن حركة رجال الدين الشيعة في العمل السياسي قد شهدت تصاعداً في أواخر القرن 19 وأوائل القرن العشرين في كلا البلدين العراق وإيران.
في إيران هناك علامات مهمة على ذلك منها فتوى تحريم التنباك التي صدرت 1890 ليس بسبب حرمة التدخين ولكن بهدف ضرب احتكار شركة انجليزية لتجارته وقد نجحت هذه الفتوى وضرب هذا الاحتكار بالفعل وأثبتت قدرة رجال الدين على تحريك الشعب ، بالتوازي مع ذلك قاد الشيرازي رجل الدين الشيعي الثورة ضد الانجليز في العراق. وعندما قامت ثورة 1920 الشهيرة في العراق وهي موازية لثورة 1919 حيث بدأت الشعوب العربية تطالب بالاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، في ثورة 1920 العراقية ضد الانجليز من الحقائق لتاريخية الثابتة أن الذي قادها هم فقهاء النجف وكربلاء والكاظمية الشيعة ولكن الثورة كانت عامة وشاركت فيها كل فئات الشعب العراقي ولم يكن قد ازدهر بعد مرض الفتنة خاصة وقد انتهت الدولتان المتحارتان (العثمانية والصفوية) وقمعت الثورة وقام الانجليز بترحيل رجال الدين الشيعة من قادة الثورة إلى إيران!!
ولطالما حدثت الترحيلات المتبادلة ثم يشكو حكام البلدين من التداخل بين حركة الشعبين. فكما ذكرنا نفى الشاه بعد ذلك آية الله الخميني إلى العراق.
ولكن من المهم جداً أن نشير إلى أن صدام حسين هو الذي رحل بنفسه أعداداً من الشيعة إلى إيران من حملة الجنسية العثمانية (وهذه معلومة لا يعلمها كثيرون) فقد كان بعض مواطني العراق بعد سقوط الدولة العثمانية لم يحصلوا على الجنسية العراقية وظلوا يحملوا أوراق ثبوت عثمانية، وهذا ليس على سبيل السهو الخطأ بل لأنهم شيعة والحكام سنة، وابلغهم نظام صدام أنهم ربما يكونوا إيرانيين لأن الدولة العثمانية كثيرا ما امتدت إلى إيران! المهم ان إبعاد "العثمانيين" عن العراق التي عاشوا وولدوا فيها هو جزء من مسلسل الفتنة الذي سيظل يكبر كما كتكبر كرة الثلج كلما تدحرجت من أعلى.
وبعد ذلك كان صدام يشكو من نمو حركة معارضة عراقية شيعية على أرض إيران!!
أيضا لابد من تثبيت ظاهرة ولوج رجال الدين الشيعة للعمل السياسي في البلدين العراق وإيران ومشاركتهم في ما سمي حركة الدستور حتى أصبح في إيران برلمان حقيقي يصدر تشريعات رغم أنف الحاكم في 1944. بينما كانت حركة الدستور في تركيا مقر الخلافة الزاوية علمانية قح، وحركة العلماء تنزوي مع الخلافة لأنها ارتبطت بها ارتباطاً عضوياً ولم تتمتع باستقلال نسبي معقول كما هو حال الحوزات العلمية الشيعية في قم والنجف.
أيضا في مصر حيث كانت مشاركة رجال الدين واضحة ومؤثرة في ثورة عرابي إلا انها انزوت في ثورة 1919 وما بعدها وربما حتى الآن بسبب هيمنة السلطة على الأزهر.
في ثورة مصدق ظل رجال الدين الشيعة مؤثرين، وقد كانت ثورة من أجل الدستور والاستقلال واشتهر اسم آية الله كاشاني وإن كان لم يكمل المشوار مع مصدق حتى النهاية.
على الضفة الأخرى كانت ثورة 1920 قد قمعت ولذلك فضل الانجليز التعامل مع السنة، وكانت سايكس- بيكو قد أعطت العراق للانجليز بحاكم سني. ومنذ 1920 حتى 2003 أي عبر 83 سنة حكم العراق السنة. وهذه مقولة يرددها الشيعة: نحن نقوم بالثورات والسنة يحكمون!!. وهي صورة مؤلمة لمقولة ان التاريخ يعيد نفسه وإن كان بشكل مقلوب أحيانا. فالشيعة قادوا وتحملوا العبء الأكبر للثورة وحكم السنة بالتعاون مع الأجنبي (الانجليز) والآن فإن السنة قاموا بالعبء الأساسي في الحرب ثم المقاومة ولكن الشيعة يحكمون بالتعاون مع الأجنبي (الأمريكان) وإذا أردنا الخير للعراق وللأمة بأسرها فلابد أن نرفض التجربتين. ولكني أعرضها لنبين كيف نشأت وتطورت العقدة السنية- الشيعية.
يقول أنصار نظام صدام أن الحكم لم يكن سنياً على الاطلاق، بل كان في معظم مراحله علمانيا صرف لا يفرق بين الشيعة والسنة، العرب أو الأكراد أو غيرهم. وهذا صحيح شكلاً بمعنى أن النظام البعثي العلماني لا يكترث كثيراً بالدين إلا على الأكثر باعتباره مجرد عنصر من عناصر التكوين القومي العربي الثقافي.
وأيضاً صحيح تاريخياً ان نظام البعث العراقي ضم الكثير من الأكراد السنة والشيعة ولكن في إطار البرنامج البعثي، فالفكر العلماني لا ينشغل كثيراً بحكاية السنة والشيعة طالما أنه غير مكترث بالدين أصلاً. ولكن ليست هذه الحقيقة كلها. ففي إطار الصحوة الاسلامية بدأت تتطور حركات وتنظيمات سنية وشيعية وكان يتعين على النظام أن يقمعها: وهو نظام لا يقبل: ولا يسمح بأي خلاف معه فما بالكم إذا كانت من منطلق ديني. وكانت الحركات الشيعية هي الأشد عوداً خاصة في الجنوب، وهي متأثرة بالحركة الشيعية في إيران حتى وإن قمع الشاه ثورة 1965 (تسمى ثورة 15 خرداد وفقاً للتقويم الفارسي) ولذلك وصل الأمر إلى حد منع كثير من الطقوس الشيعية خاصة في ذكرى كربلاء وغيرها. ولكن ليست هذه القصة الكاملة حتى نقول أن السنة كانوا يحكمون سواء في عهد الانجليز أو عهد الاستقلال.
وما يهمنا الآن عهد صدام حسين والذي في عهده عادت العقدة السنية- الشيعية إلى أقصى انتعاش لها. فرغم أن الوزراء وحزب البعث والادارات ضمت شيعة وحتى أفراد الجيش كان أغلبهم من الشيعة لأنهم يمثلون 60% من الشعب إلا أن القلب الداخلي للنظام ظل سنياً صرفاً، بمعنى أجهزة الرئاسة وأجهزة الأمن والمخابرات وكافة المواقع الحساسة، بل ان الأمر وصل إلى حد تفضيل أهل تكريت مسقط رأس صدام حسين عن سائر السنة.
ونفس الشيئ حدث مع الأكراد فمع مرور الزمن ومع الاستقطاب كاد الأكراد يختفون من أجهزة الدولة ويتمركزون مع التمرد الكردي في الشمال وهذه قصة أخرى. ولكن لابد هنا أن نسجل أن نظام صدام حاول أن يعطي الأكراد أكثر مما تعطيه الدول الأخرى المجاورة من حق الثقافة والتعليم باللغة الكردية وحكم ذاتي ولكن طموحات الأكراد كانت أكبر من ذلك ونظام صدام كما قلنا لم يكن يقبل أي نوع من الخلاف. (الأكراد سنة).
لذلك عندما ضُرب الوجود العراقي في الكويت وانسحب الجيش العراقي منها قامت ثورة ضد نظام صدام في كل محافظات العراق عدا المحافظات الأربعة التي يغلب عليها السنة، وهي ما نسميه الآن المثلث السني (رغم أنه ليس مثلثاً فهو سداسي أو ثماني الأضلاع)، كانت هذه المحافظات مع بغداد هي قاعدة الاستقرار التي انطلق منها النظام لضرب الانتفاضة الشيعية في الجنوب والكردية في الشمال. إلا أن أمريكا والغرب تحركوا لحماية الأكراد بما سمي الحظر الجوي، وتركوا الشيعة لقمة سائغة لطائرات ومدافع النظام!!
كما ترون فإنني أقفزعلى التسلسل الزمني لمناقشة القضية الجوهرية، فسواء قال شيعة العراق أم لا يقولون علناً فإن تجربة ثورة العشرين (1920) في مخيلتهم، هم قاموا بالثورة ضد الانجليز وقُمعوا وتشردوا، ثم حكم السنة بالتعاون مع الانجليز ولا يريدون لذلك أن يتكرر. وكما قلت فإن التجربتين مرفوضتان.
اتفاق العراق والشاه:
كما قلنا نظام الشاه استقر بين 1925 حتى 1979 وتضمن حكم الأب والابن محمد رضا بهلوي واستقر نظام البعث في السبعينيات. ورغم أن النظامين علمانيان وهذا من مبررات التقارب، إلا أن قضية الاستقلال والتبعية تفوق في النهاية. عندما يكون النظام مستقلاً عن أمريكا فإنها تبحث عن أي عكننة أو مضايقة بل الحقيقة عن أي ضغوط من أجل ضبط أوضاع النظام. ورغم تعاطفنا مع الشعب الكردي كأي شعب، حيث يصعب عليك أن تعادي أي شعب، فالمشكلة دائماً مع الحكام أو القادة، الأكراد يُستغلون كورقة للضغط على النظم التي يعيشون في كنفها، وهم يشعرون بحقهم في إقامة دولة مستقلة، ولكنهم يسعون لذلك من خلال التعاون مع أعداء الشعوب التي يعيشون في كنفها. المهم في الموضوع فإن شاه إيران مستغلاً الحدود المشتركة مع العراق قدم الدعم للأكراد للقيام بتمرد مسلح ضد نظام البعث والحقيقة فقد كانت إيران الشاه أقرب إلى مجرد ممر للدعم الأمريكي- الاسرائيلي. ولاحظ هنا الجغرافية الجبلية حيث يعجز أي نظام أن يؤمن هذا النوع من الحدود. والمنطقة الكردية جبلية في إيران والعراق. ومن ناحية أخرى هناك خلاف تاريخي آخر بين العراق وإيران بعد انتهاء مسألة العثمانيين والايرانيين وهي ترسيم الحدود خاصة في جنوب العراق في منطقة شط العرب.
وهنا نتوقف هنيهة لتوضيح كيف تلعب الجغرافيا دورا خطيراً في الخلافات بن البلدين وبالتالي تغذي النزاع السني- الشيعي، ففي حين أن الحدود في الشمال جبلية كما قلنا فإنها أقل وعورة في الوسط ولكنها في الجنوب سهلة تماماً ومتداخلة جداً. وهي منطقة الأهواز (المستنقعات) وهي منطقة مثالية لتسلل المحاربين ولكن لم تكن هناك حركات شيعية عراقية في إيران ساعتئذ. ولكن المشكلة أكثر طرافة فالحدود بين البلدين رجراجة ومتحركة جغرافيا!! فشط العرب هو أقصى جنوب العراق حيث يلتقي النهران العظيمان دجلة والفرات ويشكلان نهراً واحداً لمسافة قصيرة قبل أن يصب في الخليج العربي. وبالتالي فإن طبيعة الأرض تختلف من عام لآخر حسب حجم الفيضان في النهرين، وحسب ما يتم ترسيبه من طمي، فأنت يمكن أن تقيم ميناءاً قريباً من الحدود ثم في العام التالي يصبح في البلد الثاني!! أو يختفي تماما بفعل الفيضان! وهكذا فإن ترسيم الحدود لا يخلو من مشكلة وكل بلاد العالم تسعى لتوسيع حدودها، ولا تسلم الجزر للجيران كما يفعل حكام مصر!! المهم كانت هناك مشكلة حدودية مزمنة بين البلدين عقب زوال الدولة العثمانية رسميا 1924. ونظراً لدور ايران المزعج في دعم التمرد الكردي المسلح، قرر النظام البعثي تقديم تنازلات في الحدود الجنوبية مع إيران مقابل وقف الدعم الإيراني للأكراد. وهذا ما تم في الجزائر وعُرف باتفاقية الجزائر عام 1975. وبالفعل التزم الشاه وتم تجفيف منابع الدعم للأكراد، وشهد العراق هدوءاً وتطبيعاً بين بغداد وكردستان العراق.
وكان آية الله الخميني لا يزال منفياً في العراق، وربما اعتبر العراق في هذا ورقة ضغط على الشاه. على أي حال كانت العلاقة بعد اتفاقية الجزائر هادئة بين العراق وإيران، رغم الخلاف بين النظامين. ولكن نظام العراق لم يهنأ طويلاً إذ في عام 1978 اندلعت الثورة الايرانية الثانية.
وهنا ننتقل إلى طهران وما كان يجري فيها..
توافر الحد الأدنى من المعلومات الصحيحة عن الثورة الايرانية التي استمرت قرابة عام وتوضيح توجهاتها بعد تسلم السلطة، مهم جداً لفهم ما يجري الآن. ولتتبع كنه الفتنة السنية الشيعية. وقد أشرت من قبل سريعا لمواقف الثورة بشكل عام ومختصر. والموضوع يحتاج لبعض التفصيل. ستقولون.. لقد أطلت علينا ونحن نريد أن نسمع ما يفيدنا في الأزمة الراهنة في العراق وسوريا واليمن والبحرين وباقي دول الخليج. وأقول لن أطيل كثيراً ولكن أذكركم بالطبيب المخلص الذي ترتاح إليه، فلماذا ترتاح إليه؟ لأنه يبدأ بالقول اروي لي ماذا حدث لك بالتفصيل وكيف بدأت الأعراض ولا تنسى شيئاً، وهذا ما يسميه الأطباء تاريخ المرض history وأعني بالمرض الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة. والآن اقتربنا من بداية الدور الأمريكي.
الثورة الايرانية:
لا أعتقد أن آية الله الخميني كان له دوراً في تحديد توقيت الثورة، فقد كان قابعاً ومحاصراً في إحدى مدن العراق (غالباً النجف)، ولكن لا شك أنه كان مستعداً تماماً لالتقاطها وقيادتها.
قد لا يعلم كثيرون أن الشرارة الأولى للثورة كانت مظاهرة تطالب باعتماد التقويم الهجري! (كما قلنا سنتحدث عن الخلاف العقائدي السني- الشيعي في نهاية الدرسة).
ولم يأبه النظام كثيراً ولكنها تطورت وأصبح آية الله الخميني يضع لها شعاراتها (الموت للشاه..الموت لأمريكا..الموت لاسرائيل) وأحسب أن ثورة 2011 لو رفعت شعارات مشابهة لما تعرضت لكل ما تعرضت له من انقسامات وهزائم وفشل، حتى ان الاعلام الرسمي يسميها الآن أزمة 25 يناير!!
طلب الشاه من صدام حسين إخراج آية الله الخميني من العراق ، حيث اتضح انه يتصل بالثوار، كما أن النظام العراقي لم يضعه تحت تحديد إقامة صارم طالما أنه لا يتدخل في الشئون العراقية.
واستجاب صدام لطلب الشاه وطلبت السلطات العراقية من الخميني أن يتجه للكويت المجاورة، ولكن الكويت رفضت دخوله ولا شك أن هذا كان بالتشاور مع أمريكا لأن وجود الخميني على مقربة من إيران يسهل عليه الاتصال بالثورة. وبعد مشاورات عدة توصلوا إلى حل فرنسا حيث تم الترحيل لفرنسا في ضواحي باريس في نوفيل لوشاتو. وربما أراد الغربيون بذلك أن يفتحوا باباً للحوار مع الزعيم الذي أصبح من المرجح مع مرور الأيام أن يتولى الحكم في إيران، ولكن الأهم ان وجود آية الله الخميني في فرنسا لم يعيق اتصالاته بالثورة. وأصبح بإمكانه أن يرسل بيانا من نسخة واحدة يعاد طباعته في كل المحافظات. أو يرسل شريط كاسيت صوتي واحد يعاد نسخه في كل المحافظات.
وقدم الشعب عشرات الآلاف من الشهداء حتى إسقاط نظام الشاه.. وقد كانت ثورة نموذجية في سلميتها (وهو أمر يخيف الطغاة العرب) وليس هنا مجال التفصيل. لكن باختصار فإن كل ما فعلته الثورة الايرانية ولم تفعله ثورة 2011 المصرية هو سبب فشل الأخيرة.
(1) السلمية المطلقة (2) الاطاحة بكل أركان النظام السابق (3) الموقف الحاسم من أمريكا واسرائيل (4) التحام القيادة بالشعب والذي سمح بتحدي كل القوى الخارجية: أمريكا- الغرب- اسرائيل- الاتحاد السوفيتي- الأنظمة العربية التابعة.
ونعود لموضوعنا.. هو لماذا أثار نجاح الثورة الايرانية، قريحة الأعداء لتدبير الفتنة الشيعية السنية (أو الفارسية- العربية) كوسيلة أساسية لوقف هذا المد الثوري المخيف ضد أنظمة عربية لا تختلف كثيرا عن نظام الشاه.
أكتب وعيني على الشباب الذين لم يعيشوا هذه الأحداث.. وما أذكره هي وقائع لا يختلف عليها أحد ممن عاشوها.
* كل من تابع خطب وأحاديث الخميني لم يجد فيها أي ترويج للشيعة أو الفقه الشيعي، بل كان يتحدث دائما عن الاسلام. أو يتحدث عن القرآن وهو يعني نفس النص الذي في أيدينا نحن السنة، بل ان النظام الايراني أرسل المصاحف إلى الأزهر لاعتمادها قبل طباعتها. كان يتحدث عن الأمة الاسلامية ونهضتها ووحدتها.
* كان آية الله الخميني قطباً داخل الحوزة في قم وكان الكثير ضده كما ذكرنا، ولكن الشعب هو الذي انتصر له ورفعه إلى المرتبة الأولى ومعه كوكبة من العلماء والمفكرين ثم المريدين.
* في مناقشات الدستور أصر آية الله الخميني على تسمية "الجمهورية الاسلامية" رغم خطورة ذلك على انقسام الصف الثوري.
* كان مصراً على الصدام مع أمريكا لاخراجها من إيران، فصنع مشكلة كبرى معها حين استقبلت الشاه وطالب بتسليمه فأرسلته إلى السادات. وقام الطلاب الايرانيون باحتلال السفارة الأمريكية وتم العثور على وثائق خطيرة لأن السفارة- كما قلنا- كانت مقر المخابرات المركزية الأمريكية للمنطقة بأسرها. وقد نشرت صور الوثائق- بعد تبويبها- في سلسلة كتب.
وصادرت أمريكا مليارات الدولارات التي كانت لديها في إطار المشروع النووي مع الشاه وأشياء أخرى. (تم إرجاع بعضها بعد 36 سنة بعد الاتفاق النووي) واستمر احتلال السفارة الأمريكية واحتجاز الدبلوماسيين كرهائن لمدة 444 يوماً. وكان هذا سبب سقوط كارتر في انتخابات الرئاسة ونجاح ريجان.
* وبالتوازي تم إغلاق السفارة الاسرائيلية الكبيرة وتحويلها إلى سفارة فلسطين وقد زار ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية طهران مهنئاً "وفاتحا" ومنتصراً وتحدث في مؤتمر جماهيري ضخم، واستلم مفاتيح السفارة الاسرائيلية. وتم قطع إمداد إسرائيل بالبترول ووقف كل أشكال التطبيع والتعامل.. وظلت القضية الفلسطينية محورية في فكر آية الله الخميني وقرر أن تكون الجمعة الأخيرة من رمضان يوما عالميا للقدس. وهو نفس نهج خلفه آية الله السيد خامنئي. ولا أريد الغوص في الأمور الداخلية الايرانية لأنها ليست موضوعنا.
ما يهمنا الآن.. أن أمريكا تملكها الفزع خاصة أن محاولات الاتصال بالقيادة الايرانية الجديدة باءت بالفشل حتى عبر الفرنسيين. وفي تقرير أمريكي سري محدود التداول.. وردت هذه العبارة الموحية والخطيرة والملخصة للموقف:
(لقد فقدنا أغلى قطعة أرض من اسرائيل الى اليابان)! (يتبع).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.