بقلم: جيسي نانز - ترجمة: أحمد أبو عطاء فجّر التقييم الخاصة بالصحة العقلية لجنود قوات الاحتلال الأمريكية في العراق - والذي أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية في نهاية الأسبوع الماضي - موجة من الجدل والقلق الكبيرين؛ نظرًا لأنه أظهر حجم الإجهاد المتزايد الذي يعاني منه الجنود الأمريكيون في العراق، خاصة أولئك الذين تم نشرهم هناك أكثر من مرة. ويبرز جيسي نانز محرر صحيفة كريستيان ساينس مونيتور مدى القلق العميق في أوساط القادة العسكريين الكبار لقوات الاحتلال الأمريكية في العراق حول معايير تطبيق قواعد الأخلاق العسكرية في ساحات المعارك بالعراق. وأشار جيسي نانز إلى أن تقرير وزارة الدفاع الأمريكية بخصوص الصحة العقلية للجنود الأمريكيين في العراق - وهو من إعداد فريق استشاري تابع للقسم الطبي بجيش الولاياتالمتحدة - يعتبر الرابع من نوعه منذ بدأ غزو العراق، لكنه الأول الذي يهتم بالتركيز على معايير الأخلاق العسكرية في ساحات المعارك. وحول هذا الموضوع كتبت صحيفة نيويورك تايمز تقول: إن هذا التقرير الجديد يكشف عن حقيقة تتمثل في أن تعدد مرات نشر الجنود الأمريكيين في العراق وإطالة فترات خدماتهم في كل مرة يزيد من حالة الغضب والكبت المحتقن لديهم, ويجعلهم أكثر رغبة في الاعتداء على المدنيين العراقيين وإيذائهم, فضلاً عن تزايد رغبة هؤلاء الجنود في تحدي الأخلاق العسكرية في أرض المعركة. وأوضحت الصحيفة أن تقرير البنتاجون للصحة العقلية للجنود الأمريكيين في العراق انبنى على أساس مسح شمل حوالي 1320 جنديًا من قوات المشاة و447 من قوات مشاة البحرية المارينز في شهري أغسطس وسبتمبر إضافة إلى مقابلات مع عدد من القادة العسكريين والأطراف ذات الصلة. وخلص التقرير إلى أن طول فترة انتشار الجنود الأمريكيين في العراق يزيد من وطأة الأزمات النفسية التي تحاصرهم، ولا أدل على ذلك من أن معدلات المشكلات العقلية لدى الجنود الأمريكيين تكون في أعلى مستوياتها في صفوف الجنود الذين شاركوا في معارك لم يمض عليها وقت طويل, حيث كانت نسبة الإصابات لدى هؤلاء الجنود أعلى ب30% من نظيرتها لدى الجنود الذين مرت فترة طويلة نسبيًا على خوضهم معارك. وأقر أكثر من ثلث الجنود الأمريكيين الذين شملهم المسح بإقدامهم على أساليب التعذيب في عدد من الحالات التي تم الاحتكاك فيها بمواطنين عراقيين، ولا يتعرض من يقومون بمثل ذلك لأي توبيخ من قبل قياداتهم, كما لا يقوم زملاؤهم بالإبلاغ عنهم. وقال الدكتور أندي مورجان أستاذ الأمراض العقلية في جامعة يالي - والذي كان قد عمل بشكل منتظم مع القوات الخاصة بالجيش الأمريكي-: "هناك أفكار مثل هذه ترد على عقول الجنود بسبب حجم الإجهاد الفظيع الذي يعانون منه, وسيقولون: إن أحدًا لا يستطيع أن يتصور دوافعهم للوقوع في مثل هذا لأن أحدًا لم يمر بما مروا هم به وعانوه". وتذكر وكالة أسوشيتد برس أن الجنرال دافيد بترايوس، القائد العام لقوات الاحتلال الأمريكية في العراق أعرب عن قلقه الكبير إزاء نتائج هذا التقرير، وأكد أنه من غير المقبول ألا يبلغ الجنود عن زملائهم الذين يقعون في أخطاء تتنافى مع معايير الأخلاق العسكرية بحجة أن الجنود بينهم تعاطف مع بعضهم البعض. وقال بيترايوس: "لا نريد أن ننحط إلى المستنقع الذي غرق فيه عدونا، ولقد وقعنا في بعض هذه الممارسات المرفوضة في السابق – في إشارة إلى جرائم التعذيب والانتهاك في سجن "أبو غريب" بحق السجناء والأسرى العراقيين – لكن يجب على قواتنا أن تتذكر القيم العليا التي جعلتنا نسمو على أعدائنا, وعلينا أن نراعي المعايير التي تحكم تصرفات الأمم المتحضرة في الحروب التي تخوضها على الأرض". وأضاف القائد الأمريكي الكبير: "انطلاقًا مما سبق لابد أن تكون الخطوة الأولى هي التأكد من تذكير عناصرنا بأهمية مراعاة الأخلاق العسكرية وجعلها البوصلة التي نتحرك على أساسها". أما واشنطن بوست فقد نقلت عن وكيلة المدعي العام العسكري الأمريكي جال بولوك قولها: إن تقرير البنتاجون الخاص بالصحة العقلية للجنود الأمريكيين يريد أن يذكّر القادة في الجيش بألا يتصرفوا متجاهلين قواعد الأخلاق العسكرية, وأن يولوها اهتمامًا فعليًا لمنع أية عمليات انتهاك. ولاحظت واشنطن بوست كذلك أن هذا التقرير الخطير يلفت إلى فداحة الإجهاد النفسي العنيف الذي يعاني منه جنود قوات الاحتلال الأمريكية في العراق بصورة لم تتكرر منذ الحرب العالمية الثانية أو فيتنام. وكتب كل من العقيد كارل كاسترو والرائد دنيس مكجورك، وكلاهما من العلماء النفسانيين في الصحيفة يقولان: "هناك عدد كبير من جنود المشاة وجنود مشاة البحرية المارينز يخوضون كل يوم عمليات قتالية تستغرق ما بين 10 إلى 12 ساعة طول الأيام السبعة في الأسبوع, وهذا مستمر لأشهر طويلة، وباسترجاع كافة تاريخنا العسكري كله والحروب التي خاضها جيشنا لا نجد أن جنود المشاة أو المارينز اضطروا للخدمة في الخطوط القتالية الأمامية لفترة تزيد عن 6 أو 7 أشهر. ورغم أن الإصابات الأمريكية في العراق تعتبر أقل بكثير من الإصابات الأمريكية في فيتنام، إلا أن الخبراء العسكريين يؤكدون أن العراق هو البيئة الأكثر إجهادًا، لأن فيتنام كانت بها مناطق خلفية يمكن أن تكون كقواعد لالتقاط الأنفاس, على خلاف العراق الذي لا توجد فيه تقريبًا أية مناطق آمنة, وتعتبر كل الأماكن فيه خطوطًا أمامية للقتال. وكتبت نيويورك تايمز أن حرب العراق تعتبر حربًا من نوع جديد على الجيش الأمريكي, ويدور فضاؤها بزاوية 360 درجة, أي أنه لا توجد جبهة أمامية ومؤخرة، بل كل الأماكن خارج القواعد الكبيرة المحصنة بشدة تعتبر غير آمنة على الإطلاق, لاسيما مع هذا الكم من العبوات الناسفة المزروعة على الطرقات وهجمات الهاون المتواصلة. وألمحت الصحيفة إلى أن عدم وجود إمكانية لدى القيادة العسكرية الأمريكية للسيطرة على هذه العوامل وشعور الجنود الدائم بأنهم في جبهة أمامية للقتال ماداموا داخل أرض العراق، كل ذلك يزيد من حالة الضغط والإجهاد النفسي والعقلي عندهم. ويقول الدكتور مورجان: "أنت تستطيع تحمّل الكثير من الإعياء الجسدي والعقلي طالما تشعر بأنّك سيكون لك دور وتأثير، ففي هذه الحالة يمكنك أن تنجز أشياء وتحاول السيطرة على حالتك، لكن إذا فقدت كل هذه المحفزات فقد تصل إلى نقطة الانهيار سريعًا ويصبح الشيء الوحيد الذي تفكر فيه هو كيفية إبقاء نفسك ورفاقك على قيد الحياة ولا شيء آخر يستحق الاهتمام أو التحمل". وتضيف الصحيفة أن واضعي تقرير البنتاجون يوصون بفترة تتراوح بين 18 إلى 36 شهرًا يمضيها الجنود الأمريكيون في وطنهم بعد أية مهمة تستلزم انتشارهم في العراق قبل أن يتم التفكير في إعادتهم إلى هناك ثانية، لكن الواقع أن غالبية الجنود الأمريكيين يبقون في وطنهم بعد الخدمة في العراق لمدة تزيد عن 12 شهرًا قبل أن يتم استدعاؤهم إلى هناك من جديد. ولفتت وكالة رويترز إلى أن خطة البيت الأبيض الجديدة الخاصة برفع مستوى القوات في بغداد استلزمت أن يتم تمديد مدد بقاء الجنود الأمريكيين في العراق من 12 شهرًا إلى 15 شهرًا. وفي افتتاحيتها تحدثت شبكة "أراب نيوز" عن أهمية أن تركز واشنطن على ضرورة محو النظرة السلبية التي ينظر بها الجنود الأمريكيون للمدنيين، معتبرة أن تقرير البنتاجون أخفق في تسليط الضوء على مدى انعكاس الجهل بجمهور المدنيين الذين يتعامل معهم الجنود الأمريكيون على سلوكيات هؤلاء الجنود ومواقفهم. وأشارت الشبكة إلى أن الأمريكيين لا يفهمون الكثير عن دين وثقافة وطبيعة المخاوف التي تنمو لدى الشعب الذي قام الجيش الأمريكي بغزو أرضه، وقالت: إن الجنود الأمريكيين الجدد يصلون إلى أرض العراق وهم يعرفون حقيقة واحدة وهي أنهم سيخوضون حربًا يكرهها الشعب الأمريكي ويعترض عليها، لكن هؤلاء الجنود لا يدكون السر وراء رفض الشعب العراقي لمجيئهم وكيف أن هذا الشعب العراقي لم ينظر للجيش الأمريكي باعتباره المخلص الذي سيسوق إليه الديمقراطية.