اسرائيل هى التى اعترضت طريقنا ولابد من تأديبها مليون يهودى هربوا من اسرائيل ويعيشون فى الخارج اذا طردنا سفير اسرائيل فلن يجرؤا على حربنا واذا أصابهم مس من جنون فنحن قادرون على سحق عدوانهم كان المجتمع السياسى المصرى فى أعقاب الثورة مجمعا على عدم فتح ملف اسرائيل وعلى ضرورة التركيز على إصلاح أوضاعنا الداخلية فى المقام الأول ، مع ضرورة الإزالة الفورية لعار حصار غزة . وحتى فى هذا الملف لم يتحقق أى تقدم جوهرى بسبب الضغوط الأمريكية الصهيونية ، فلا يوجد جديد فى التعامل مع قطاع غزة اللهم إلا الريق الحلو فى التعامل والكلام خاصة مع قادة فصائل المقاومة. ويتم استقبالهم بشكل كريم والحديث معهم فى مختلف القضايا ، والسير فى طريق المصالحة التى يعرقلها جناح رام الله بالاصرار على استمرار فياض رئيسا للوزراء دون أن تقوم السلطات المصرية بالضغوط الكافية على أبى مازن بل ربما دعت فصائل المقاومة فى غزة للموافقة عليه وهو أمر يعنى استمرار هيمنة جناح فتح الذى لايؤمن بالمقاومة على المصالحة المفترضة. وفى المقابل ظل مواطنو غزة يعانون فى الدخول والخروج من معبر رفح بسبب الاصرار على تحديد حد أقصى للعابرين كل يوم وهو رقم يتأرجح بين 300 و400 من غزة إلى مصر ، ويتم نقل المعتمرين والمسافرين عبر المطارات بنفس أسلوب الترحيلات ، حتى لاتطأ أقدام الغزاويين أرض مصر ، ولايحظى المسئولون فى السلطة الغزاوية بأى معاملة خاصة . ولايزال معبر رفح مخصصا للأفراد فحسب دون البضائع والسلع وإنما بعض المساعدات الطبية ، بينما تصرخ غزة من نقص فادح فى بعض الأدوية الأساسية . وبالتوازى مع ذلك تم الاعلان عن حملة مشتركة من الشرطة والجيش على أنفاق غزة ، التى تعد شريانا أساسيا للسلع الضرورية فى ظل استمرار اقتصار معبر رفح على مرور الأفراد بمعدل سفرية وأحدة لكل مواطن غزاوى كل 15 عاما !! واستمرار هذه الأوضاع هو إهانة بالغة للشعب المصرى وثورته المجيدة . التى طالما رفعت العلم الفلسطينى عاليا وحرقت العلم الصهيونى. ولايشعر كثيرون فى مصر بهذه الأوضاع لأن الأخوة فى غزة يتحلون بالصبر ولايريدون أن يسببوا أى حرج للسلطات المصرية فى هذه الأوضاع الدقيقة التى تمر بها مصر . ولكن الموضوع استطال بصورة غير محتملة ومرت 7 شهور كاملة على هذه الأوضاع غير المقبولة التى لاتليق بمصر وشعبها وثورتها. ومضابط الكونجرس الأمريكى شاهدة على أن حصار غزة شرط أساسى لاستمرار المعونة الأمريكية . والحقيقة فإن المعونة الأمريكية فى حد ذاتها لاتمثل أى قيمة كبيرة فى عالم المال والاقتصاد فى الوقت الحالى ، فهى أقل من 2 مليار دولار ، وهذا رقم تافه اذا تمت مقارنته بميزانية الشركات أو حتى بمجمل الاحتياجات المصرية وميزانيتها ، ولا بأرباح أى رجل أعمال من المطلق سراحهم ويعيثون فى الأرض فسادا أو حتى استثمارا حلالا ، فلا توجد أمة تبيع كرامتها واستقلالها بهذا المبلغ الزهيد ، ناهيك عن بلد بوزن مصر. ولكن الموضوع أكبر من ذلك فاستمرارالمعونة هو مؤشر على حسن العلاقات بين البلدين ، بل هو شهادة حسن سير وسلوك للدولة التابعة. ومن المفترض أن تكون مصر الثورة على أهبة الاستعداد للتحرر من هذه العبودية. والطريق المثالى لذلك هو عدم الاستجابة للإشتراطات الأمريكية بحجة الضغط الشعبى ، وليتخذ الكونجرس مايريده من قرارات وليقطع مايريد أن يقطعه ، وتعلم أمريكا أنها هى الطرف الخاسر من ذلك ، وأن قطع المعونة فرصة لتحرر مصر من القبضة الأمريكية . لم نكن نريد فتح كل الملفات الخارجية فى الفترة الانتقالية ، ولكن أمريكا هى التى تعترض طريقنا وتريدنا أن نواصل دور الجلاد والسجان لغزة ، وقد استطالت الفترة الانتقالية بسبب تعمد المجلس العسكرى التباطؤ فى تسليم السلطة حتى الآن ، بينما استمرار معاناة غزة يضغط على أعصابنا وعقيدتنا وانسانيتنا كبشر. فهذا معناه استمرار حصار غزة لمدة سنة بعد الثورة ، ومعناه أن عقابنا من الله الذى نخافه ونخشى عذابه سيكون ثقيلا فى الدنيا والآخرة . وقد أجمع العلماء الثقاة فى ظل المخلوع أن محاصرة المسلمين تعنى الخروج من الدين حيث اعتبروا ذلك من نواقض العقيدة الاسلامية ، ولا أدرى حقا كيف سيتقبل الله صيامنا وقيامنا بينما صمتنا عن هذه الكارثة التى ماتزال متواصلة باسم مراعاة الحسابات مع أمريكا واسرائيل التى أصبحت تهم حكامنا أكثر من الحسابات مع الله. واذا كان المخلوع كان كنزا استراتيجيا لاسرائيل فكيف بعد خلعه بهذه الثورة العارمة تظل مصرتنفذ نفس سياسات هذا الكنز الاستراتيجى المخلوع!! فى البداية قلنا سننتظر حتى تتشكل حكومة منتخبة من الشعب بعد انتخابات سبتمبر ، ولكن العسكرى خلف وعده وهذه كبيرة عند الله وقال بل ستكون الانتخابات فى نوفمبر فكيف نصدق أنه لن يحدث تأجيل جديد. ننتظر حل كثير من الأمور الداخلية والخارجية المعلقة ، ولكن استطالة المدة تعود فتفرض علينا عدم تجاهل أخطر مافى هذه المؤجلات . وأكرر إن استمرار حصار غزة ومنع مواد البناء عنها وغير ذلك من الأمور الأساسية من الكبائر والجرائم الكبرى فى الاسلام ، وبمعايير الوطنية والقومية العربية والانسانية ، بأى معيار شئت. واذا كنا لم نقبل ذلك من المخلوع ، فكيف نقبله من العسكرى المؤقت الذى يتلكأ فى تسليم السلطة. ثم جاءتنا هذه المصيبة الصهيونية الجديدة بالاعتداء على أرض وسيادة مصر وقتل المصريين على أرض مصر برصاص وذخيرة اسرائيلية . ويصر اعلامنا على أن الشهداء خمسة فى حين أن السلطات قد اعترفت فى بيانات مختلفة بشهيد عسكرى سادس ، واعترفت فى بيانات رسمية أخرى باستشهاد 3 من البدو المدنيين برصاص اسرائيلى على أرض مصر ، أى أن المجموع تسعة ، وهناك روايات أخرى تتحدث عن أرقام أكبر. والمقصود هو تقليل حجم الاعتداء قدر الامكان . بل إن صحفية أمريكية اتصلت بى فى بداية الاحداث وأصرت على أن شهداء مصر هم اثنان فقط. والأهم من ذلك أننا كنا أمام معركة سافرة وواضحة بين قوات مصرية واسرائيلية وكان كل طرف يعلم علم اليقين من يواجه ولم يكن هناك خطأ ولا يحزنون! وكما رصد بدقة الكاتب الوطنى هشام الناصر الموقف فقد كان كالتالى : بدا الأمر وكأنه حادث حدودى ثم تكشفت الحقيقة عن كونها مجزرة متكاملة الأركان. قوة مطاردة عسكرية إسرائيلية كاملة العتاد مدعومة بالطيران تخترق نقطة حدودية بين المنطقتين (ج ، د) فى سيناء وتصطدم مع موقع للشرطة المصرية بقوة جماعة أو اقل (فى حدود عشرة أفراد). سيناريو الحدث تلخصه مكالمة ملازم الشرطة الشهيد لوالده أثناء المعركة .. "بابا .. سوف تشرف بأبنك". ملازم الشرطة الشهيد قدر الموقف وأدرك النتيجة. لن يمروا كما كانوا يمرون، ولن يعربدوا كما كانوا يعربدون. القوة غير متكافئة بين التسليحين. الأول مجرد بنادق خفيفة والثانى رشاشات ثقيلة وقنابل يدوية ودعم جوى بطائرات مروحية (هليوكوبتر) مزودة بصواريخ جو أرض. لم يكن شعار النصر أو الشهادة واردا . كان الشعار هو الكرامة والشهادة معا. وكان له ما توقع. لم تكن حادثة "نيران صديقة" كما صورها البعض من المحسوببن على نظام المخلوع "مبارك". وهكذا فإن أى أمة لاتضع أولوياتها كما تتمنى فقد تفرض عليها معارك سياسية أو حربية فى توقيت غير ملائم ، بل أقول للمجلس العسكرى أن الجيوش خلقت أصلا من أجل الدفاع عن كرامة الأوطان وسيادتها وفى كل الظروف والأوقات فنادرا مااختارت أى أمة توقيت الحرب ، بل عادة فإن المعتدين هم الذين يختارون الأوقات المناسبة لشن الحروب العدوانية. أما المدافعون فلا يختارون التوقيت فى أغلب الأحيان . ولنا فى دروس غزوات الرسول أسوة حسنة ، ولنا فى سوابق التاريخ أمثلة لاتحصى عن الحروب التى فرضت على الأمم. والمدافع عن الحق وعن الوطن يكون عادة أقوى من المعتدى لأن القتال من أجل قضية عادلة يقوى من عزيمة المقاتلين ، والمدافع عن أرضه وعرضه وشرفه أقوى من المعتدى الظالم. أقول جازما إن اسرائيل لاترغب فى الحرب مع مصر ولاتقوى عليها ، لأن مصر اذا انضمت للجبهة الشرقية وجبهة المقاومة فإن ذلك يضع اسرائيل بين شقى الرحى . وسكان الكيان اليهودى سئموا الحروب وقلة الإحساس بالأمان . أشرت مرارا فى كتاباتى الى أن اسرائيل تنكمش وتتداعى من الداخل وأن حكامنا الذين يخشون منها إما إنهم لايتابعون ماذا يجرى فى اسرائيل وإما متواطئون لمصالح وارتباطات مع الولاياتالمتحدة لايملكون منها فكاكا . وقد كتبت عدة دراسات حول هذا الموضوع ، وكان لأستاذنا الراحل عبد الوهاب المسيرى دراسات مهمة فى هذا المجال حتى اللحظة الأخيرة فى حياته. وحتى لايبدو الموضوع حماسيا ومبهما بالنسبة لمن لايتابع شئون اسرائيل من الداخل وفى ظل التعتيم الاعلامى المقصود فى اعلامنا الرسمى والخاص ، أشير اليوم إلى زاوية واحدة وهى أهم الزوايا إطلاقا : أى هروب اليهود من اسرائيل إلى موطنهم الأصلى وأن هذا العدد يدور حول مليون يهودى . وهى أهم زاوية لأن اسرائيل لم تقم أصلا إلا على أساس إقناع يهود العالم بالاحتشاد فى فلسطينالمحتلة. إن (5.6) مليونا من مجموع اليهود في العالم البالغ (13.5) مليون يهودي يعيشون في دولة الاحتلال، وبالرغم من حرية بقيتهم المطلقة في الاستفادة من "قانون العودة" الصهيوني، ومن إغراءات حكومات دولة الاحتلال وحثها المتواصل لهم على الهجرة اليها، فإنهم اختاروا بمحض إرادتهم البقاء في ما تصفه الأدبيات الصهيونية ب"المنفى"، لا بل إن المراجع اليهودية والصهيونية والاسرائيلية تقدر الان بأن مليونا من "يهود اسرائيل" قد انضموا الى هذه البقية، مع أن وزارة استيعاب المهاجرين في دولة الاحتلال تخفض هذا الرقم الى (750) ألف نازح بما يعادل حوالي عشرة بالمئة من يهود دولة الاحتلال وعربها، لكن حكومة نتنياهو في تقارير أخرى تقدر المواطنين اليهود الذين يعيشون خارجها بعدد يتراوح بين (800) ألف ومليون "يهودي اسرائيلي" بما يعادل (13%) من مجموع السكان. لكن مؤتمر "اليهود الاسرائيليين" الذين يعيشون خارج دولة الاحتلال الذي انعقد في يناير الماضي قدر عددهم بمليون يهودي، حوالي (60%) منهم استقروا في أميركا الشمالية، وربعهم تقريبا استقر في أوروبا، و(15%) توزعوا في بقية العالم، علما بأن حوالي (40%) من يهود دولة الاحتلال مولودون خارجها .( من مقال للكاتب الفلسطينى نقولا ناصر) وقد اشتدت الهجرة العكسية عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 وما أعقبها من حرب لبنان التى أذاقت سكان الكيان طعم الحرب ومرارتها فى كل بيت بسبب الصواريخ المنهمرة ، وكذلك صواريخ غزة التى حولت بعض بلدان جنوب الكيان إلى مدن أشباح. فى بداية اغتصاب فلسطين كان اليهود المهاجرون تحدوهم آمال كبار وكان لديهم استعداد كبير لتقديم الثمن . ولكن عشرات السنين من الحروب وعمليات المقاومة التى طالت كل شبر فى اسرائيل ( أثناء كتابتى للمقال وردنى نبأ قيام شاب فلسطينى فى تل ابيب بإصابة 8 اسرائيليين بسكين وبالدهس بسيارة اصابة اثنين منهم بليغة) أدت إلى حالة متزايدة من الإحباط وخرج جيل جديد من شباب اليهود لايريد سوى الاستمتاع بالحياة والترف وبدون العيش فى حالة من التهديد المستمر، ولذلك تركزوا فى مثلث تل أبيب - القدس - حيفا فى الوسط ورفضوا السكن فى المستوطنات . بل ستجد شمال وجنوبفلسطين ذات كثافة يهودية محدودة وأغلبية فلسطينية! الدفاع عن الوطن والكرامة والسيادة لايشترط أن يكون المعتدى ضعيفا ، وإلا لاستسلمت الشعوب لجيوش الاستعمار، ولكن الشعوب قاومت العدوان بما تملك من قوة مادية وعلى أساس تعديل موازين القوى أثناء القتال.أما اذا كان العدو متداعيا وضعيفا بالمعنى الاستراتيجى العام وليس بقدر ما يملكه من قوة نيران أو تكنولوجية حربية ، فإن الاستخذاء أمامه يمثل جريمة مزدوجة : الخيانة بالإضافة إلى ( الغباء وسوء التقديروالتحليل ونقص فى المعلومات). وبكل المقاييس والمعايير الموضوعية ، فإن معاقبة اسرائيل بتهبيط التمثيل الدبلوماسى دون مستوى السفير ، ووقف مد اسرائيل بالغاز ، لن يكون سببا كافيا لاسرائيل لإعلان الحرب على مصر، ولكننا نقول حتى إن جاز هذا الاحتمال المرجوح جدا ، فإنه سينقلب خيرا وبركة على مصر والأمة العربية والاسلامية ، وعلى المستوى الداخلى فإن هذا الموقف سيوحد مصر من جديد ويطهرها من أدران الخيانة التى عاشت فيها أكثر من 3 عقود ويعيدها إلى مكارم الجهاد ، وسيعرض اسرائيل لأشد المخاطر . أما بالنسبة لأمريكا المهزومة فى العراق وأفغانستان والمأزومة اقتصاديا إلى حد الإفلاس ، فهى لم تعد هذا الغول المخيف الذى يأمر فيطاع . ومع ذلك فقد هزمت وهى فى ذروة قوتها فى كوريا وفيتنام وجنوب شرقى آسيا فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضى . أما فى الوقت الحالى فيمكننى الاستعانة بدراسة وصلتنى عبر الايميل ولم أتعرف على كاتبها ولكنها تعبر عن الرؤية التى كتبت فيها مرارا من قبل . وقد جاء فيها : لم تتمكن الولاياتالمتحدة من تحقيق انتصار عسكري حاسم واحد طوال السنوات الستين منذ ان ورثت الامبراطوريتين الاستعماريتين، فرنسا وبريطانيا. مع ذلك فإنها لم تكف عن التدخل، وأصبح الشرق الاوسط منطقة التدخل الاميركي المباشر بعد سقوط النظام السوفياتي في اوائل التسعينيات من القرن الماضي، الامر الذي واكبه ارتفاع خطورة الارهاب في المنطقة وتخومها الجغرافية. خلال تلك الفترة الطويلة من الهيمنة الاميركية التي لم يواكبها انتصار عسكري حاسم واحد كانت الولاياتالمتحدة تهتم بأمنها الاقتصادي عسكرياً بالدرجة الاولى. انتشرت نشاطاتها الاقتصادية في انحاء العالم مؤكدة نفوذ الدولة الأعظم وهي تستمر في عجزها عن تأكيد قدرة عسكرية استراتيجية موازية لتوسعها الاقتصادي. في هذا الاطار نفسه، قامت الولاياتالمتحدة بعملية عسكرة المجتمع الأميركي، لا سيما للاقتصاد الاميركي الذي اكتسب طابعاً عسكرياً. الصناعة الاميركية اكتسبت هذا الطابع العسكري كذلك، وبالمثل تعسكرت الانظمة المعلوماتية والمعرفية الى حد إهمال جسيم للقطاعات المدنية من الاقتصاد الاميركي والتكنولوجيا الاميركية. وأصبحت اميركا تعتمد اعتماداً كلياً على استيراد كل ما يلزمها لحياة المجتمع من دول العالم الاخرى. لقد تراجعت انتاجية اميركا الصناعية والتكنولوجية في كل المجالات، إلا في المجال العسكري. وخلال السنوات العشرين الاخيرة، بدا واضحاً ان الأخطار الاقتصادية على مكانة اميركا تمتد من الصين شرقاً الى اميركا الجنوبية غرباً، لتشمل اليابان وأوروبا. وفيما يشبه المفاجأة، اصبحت الصين منافساً قوياً للولايات المتحدة الى حد انها تعد الآن بالارقام والاحصاءات التي لا تكذب أكبر دائن للولايات المتحدة، في وقت تضخمت فيه ديون أميركا الخارجية والداخلية الى حد لم يسبق له مثيل في التاريخ. وتحولت اوروبا (الاتحاد الاوروبي) الى منافس اقتصادي قوي للولايات المتحدة بينما استمرت الولاياتالمتحدة تدفع النصيب الاكبر من نفقات حلف الاطلسي، وهو آخذ في التوسع رأسياً وأفقياً. وخرجت اميركا اللاتينية من تحت مظلة الهيمنة الاميركية الاقتصادية والاستراتيجية. لقد صعد دور الحروب في الاستراتيجية الأمنية الأميركية الى مستوى لم يسبق له مثيل. وبينما كانت الحروب وسيلة الى الخروج من أزمات اقتصادية طوال الفترة من بدايات القرن العشرين الى ثلثه الأخير، اصبحت في العشرين سنة الأخيرة وسيلة لتقويض الاقتصاد الاميركي وتحويله الى اقتصاد مدين لدول مثل الصين والهند والبرازيل. في الوقت نفسه، تعاني الولاياتالمتحدة عجزاً شديداً في القدرة على الحد من النهم الاستهلاكي وخاصة الى سلع لا تنتجها انما تستوردها من الخارج. وليس مقصوداً بهذا النهم الاقتصادي نهم غذائي، انما نهم الى كل سلعة استهلاكية من أي نوع ولأي استخدام او حتى بلا قيمة استخدامية. هل يمكن هنا أن نتحدث عن نهاية سيطرة المجمع الصناعي العسكري ذلك الذي حذر منه الرئيس ايزنهاور في خطبة الوداع وهو يغادر الرئاسة عام 1961؟ الصحيح عند الرد على مثل هذا التساؤل ان هذا المجمع الذي كوّنه تحالف العسكريين والصناعيين لا يزال يملك سيطرة كاملة على السلطة في اميركا. لم تتراجع سلطته على الرغم من تراجع مكانة الولاياتالمتحدة عسكرياً وصناعياً في ظل قيادته. لكن من الصحيح ايضاً ان الحالة المتردية التي وصلت اليها اميركا اقتصاديا لم تعد تشهد حالة الانسجام التام بين الطرفين المكونين لهذا التحالف. فهما بطبيعتهما وبطبيعة دور كل منهما يتنافسان على السيطرة على صنع القرار، وكثيراً ما يتصاعد التوتر بين الصناعيين والعسكريين حينما يحس أي من الطرفين انه يكاد يصبح مجرد أداة في يد الطرف الآخر. وهذا بحد ذاته مرشح للتحول الى صراع خطير في ظل حالة التراجع الاقتصادي الذي تعاني منه اميركا. واذا ما تصاعد هذا الصراع وتصدّعت الأسس التي يقوم عليها التحالف بين العسكريين والصناعيين، حيث يميل كل منهما الى إلقاء مسؤولية هذا التراجع على الآخر، فإن هذا الصراع ستكون له اثار وانعكاسات سلبية تتعدى حدود الاقتصاد لتنال من الأمن الاميركي الداخلي قبل الخارجي. ذلك انه في الفترة نفسها، اي خلال السنوات العشرين الاخيرة، طرأت تطورات بالغة الخطورة على الاوضاع الاقتصادية الداخلية في المجتمع الاميركي. تعاظمت اللامساواة الاجتماعية - الاقتصادية بين الطبقات الى حد يهدد السلام الاجتماعي. وقد وصل الامر الى حد جعل واحدا من كل ستة اميركيين يعيش على بطاقات الطعام المجاني التي توفرها الحكومة لمن لا يملكون ثمن الحصول على طعام غير مجاني. ومعنى هذه النسبة ان قسماً غير ضئيل من الطبقة المتوسطة الاميركية قد دخل في عداد من يعتمدون على بطاقات الغذاء المجاني. في هذا الاطار، الذي يطلق عليه المعلقون الاقتصاديون اليساريون صفة «الاغتيال الاقتصادي للولايات المتحدة»، هبطت نسبة العمالة الأميركية، أي أولئك الذين لا يعانون البطالة، إلى أدنى مستوى بلغته منذ ان بدأت الدوائر المختصة ترصد هذه النسبة سنوياً، أي من 43 عاما. ويؤكد الاقتصاديون غير الحكوميين انه لا صحة للأرقام الحكومية الاخيرة التي تقدر نسبة البطالة بين العاملين الاميركيين بنحو تسعة واثنين من عشرة في المئة، وان الرقم الصحيح لهذه النسبة الآن هو اثنان وعشرون وسبعة اعشار في المئة. يحدث هذا في ظل وضع عام لتوزيع الثروة في الولاياتالمتحدة يبلغ درجة قصوى من «الحرب الطبقية بلا رحمة»، حسب تعبير المحلل الاقتصادي الاميركي غريغوري ايليتش، حيث يملك واحد في المئة ربع الدخل القومي الاميركي وأربعين في المئة من الثروة الاميركية. ولا تنتهى المحنة عند هذه الحدود فإن «الواحد في المئة هؤلاء يعتقدون ان هناك مشكلة، ذلك ان ما يملكون لا يكفي» (...) ويستنتج المحلل نفسه ان الولاياتالمتحدة تتحول فعلياً الى نموذج بلدان العالم الثالث من حيث الفوارق الطبقية. هذا في وقت ارتفعت فيه ارقام الانفاق الاميركي على حربي العراق وأفغانستان الى ثلاثة تريليونات ومئتي مليار دولار، بينما اصاب الجمود أجور العمال والموظفين منذ بداية الازمة الاقتصادية الراهنة عام 2008. وهذا لا يشمل فئة رؤساء المؤسسات وكبار المديرين التنفيذيين. فهؤلاء زادت مرتباتهم وأنواع المكافات الاضافية التي تدفع لهم بنسبة 37 في المئة في عام2010 وحده. فيما يشبه المفاجأة أيضاً ظهر في مجلة « تايم» الاميركية الاسبوعية مقال للكاتب الاميركي فريد زكريا، وهو من اصل هندي مسلم، تحت عنوان «نسير نحو عالم ما بعد اميركا». نقول فجأة لأن زكريا هو من اكثر المعبرين عن النظام الاميركي وقد تولى لسنوات طويلة رئاسة تحرير شهرية «فورين افيرز» (الشؤون الخارجية) التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الاميركي. وهذا المجلس من اقوى مصانع الافكار المعبرة عن النظام والمؤيدة لسياساته. يقول فريد زكريا في هذا المقال «نحن نسير بوضوح نحو عالم ما بعد الولاياتالمتحدة حيث لا يسيطر أحد، بل تظهر الطاقة والافكار المبتكرة كمقومات رئيسية للنجاح في القرن الحادي والعشرين». ويضيف «ان الولاياتالمتحدة ليست لديها سياسة في مجال الطاقة منذ عشرين عاماً، وليست لديها سياسة هجرة ولا سياسة تجاه فرص العمل والنمو، ولا حتى سياسة تتعلق بمواجهة العجز في الميزانية... بدلا من ذلك لدينا شلل سياسي سخيف في واشنطن حيث يبدي الجميع المزيد من الاهتمام بالفوز عن طريق تحقيق المزيد من النقاط والاحتفاظ ببقائهم عن طريق التعاون مع اعضاء اكثر تطرفاً بدلاً من التوحد وحل المشكلات.». لا شك ان المفاجأة كانت مذهلة لمعظم الاميركيين لأن فريد زكريا لم يكن في اي وقت ممن يرددون انتقادات اليسار للنظام الاميركي، لكن ها هو الآن يعلن ان القرن الحادي والعشرين ليس قرن اميركا انما يمكن ان يكون قرن الصين. انه يقول عن الصين انها «الاكثر ملاءمة للريادة في القرن العشرين حيث تحظى بعمالة رخيصة وتدخل اليها مبالغ ضخمة من رؤوس الاموال، كما ان بمقدورها القيام بكل ما تريده. « لكنه يضيف ان الصين، شأنها شأن الولاياتالمتحدة، «تكافح في قضية الطاقة حيث هي مستهلكة وليست منتجة. لكن الصينيين اصبحوا زعماء العالم في الطاقة النظيفة، سواء كانت الطاقة الشمسية او طاقة الرياح. وقد وضعوا اسس المنافسة في القرن الحادي والعشرين عبر بناء نظم جامعية عظيمة والسعي لامتلاك معامل ابحاث.». هل يمكن ان تتحول قضية انحدار دور اميركا مع انحدارها الاقتصادي الى واحدة من قضايا حملة انتخابات الرئاسة الاميركية ام ان المسألة لم تتحول الى هذه الدرجة العالية من الحرارة؟ سؤال من الصعب للغاية الإجابة عليه من الأن في المرحلة الراهنة من حملة الانتخابات الرئاسية. ان النظام الاميركي عنيد وقوي الشكيمة في مجال الدعاية عن نفسه. وغالباً ما سيعتبر انه تجاوز ازمات من هذا النوع من دون ان تتحول الى حروب اهلية او طبقية. مع ذلك فإن رد الفعل المعتاد من الرأي العام الاميركي، اي من الناخبين الاميركيين، في اوقات الازمات كان دائماً مقاطعة صناديق الاقتراع تعبيراً عن استيائه وخيبة أمله. وقد يحدث هذا في انتخابات الرئاسة الاميركية (2012)، لكن الرأي العام الاميركي يهيأ لإدراك حقيقة ان القرن الحالي ليس قرن اميركا كما كان القرن العشرين. اي انه يتهيأ لتقبل حقيقة ان الولاياتالمتحدة ستتراجع الى المركز الثاني او الثالث وربما الرابع في الترتيب العالمي. انها لن تعود الدولة الأعظم لا بقوتها العسكرية ولا بقوتها الاقتصادية، وبالتالي ليس بقوتها السياسية. إنه عالم ما بعد أميركا وقد بدأ بالفعل. وفى النهاية نقول الخلاصة : إن الاشارة لهذه الوقائع التى تمس المجتمعين الاسرائيلى والأمريكى تأتى تحت عنوان التعرف على أوضاع العدو ، حتى تكون تقديراتنا سليمة فى خوض الصراع ، ولكن لانعنى أننا ندعو لمواجهة الحلف الصهيونى الأمريكى لأنه يتداعى ، بل نحن مأمورون فى كل الأحوال بالدفاع عن ديارنا وعقيدتنا ، ولكننا نقدم دلائل إضافية على خسة المنبطحين أمام الأعداء الذين لم يعودوا يخيفون أحدا إلا حكام مصر والعرب!! ومن ناحية أخرى فإن ثورة 25 يناير لن تكتمل ولن تحقق أهدافها العظمى فى الاستقلال والتنمية والعدالة الاجتماعية والحرية بدون استئصال كل أشكال التبعية لهذا الحلف الشرير الصهيونى الأمريكى ، والشعب المصرى الذى تمكن من إسقاط أكبر عميل لهم فى المنطقة لقادر بإذن الله على مواصلة تطهير البلاد ممن تبقى من منظومة التبعية. [email protected]
------------------------------------------------------------------------ التعليقات kz الإثنين, 05 سبتمبر 2011 - 06:52 am العتق من عبودية التسليح الامريكى (المشكلة الحقيقية فى السلاح لا المعونة النقدية) المشكلة الكبرى و المسكوت عنها ان سلاحنا المتقدم (نسبياًً) امريكى فقد ادخلنا السادات فى هذه العبودية و هى من اهم عناصر تقويد مصر فى كامب ديفيد .. ففى حالة نشوب نزاع عسكرى مع اسرائيل فامريكا حتما لن تمد مصر بقطع غيار و ذخيرة متقدمة و لذلك فان لدينا معضلة كبيرة فى ان سلاحنا لا نستطيع ان نستخدمه ضد عدونا الرئيسى فما فائدته اذن؟ و لكنك فى نفس الوقت لا تستطيع بشكل فورى ان تتخلى عنه الا فى اطار استراتيجية عامة تحت قيادة نزيهة لا يريدها البعض ان تأتى يحيى بدوي الثلاثاء, 30 أغسطس 2011 - 02:34 am لقد وصل الخبر مع تقديري للأستاذ مجدي حسين ولكن الواقع يقول أننا بدأنا بعد 25 يناير الذي خططت له أمريكا بذكاء تحقيق حلم أمريكا في شرق أوسط جديد تهيمن عليه إسرائيل ومن المؤكد أن هذا الخبر قد وصل إلى المجلس العسكري صلاح السبت, 03 سبتمبر 2011 - 06:46 am سداد الديون مصر حاربت إسرائيل والنتيجه أستشهاد مصريين وديون بقيمه السلاح ولأجل أن نواصل يلزم بأن تتحمل دول الخليج بقيمة الديون وهذا أقل واجب لأنهم مثلنا عليهم أن يحابوا ويستشهد أبناؤهم وينفقوا قيمة السلاح فالحرب تحتاج ألى إقتصاد وجنود ونجد بأن حرب أيام ناصر 56 و76 خسرناها ونصرنا الله فى عهد السادات حرب 73 وأسترد سيناء وعمل المعاهده ولكن هناك دين 100 مليار دولار لم يدفع وتسبب لتسديد فوائده فى خفض الدخل للمصريين فأصيبوا بالفقر لذلك المطلوب تسديد الدين لأجل أن يتوفر المال لكى يرتفع مستوى الدخل للمصريين وبعد أصلاح إقتصادنا يمكن أن تقوم مصر مع ايران مع تركيا بإسترجاع الأرض والقدس