رغم الظروف المادية الطاحنة التي تمر بها مصر، والتي حولت آلاف الأسر إلى سجلات الفقراء؛ إلا أن قادة الانقلاب لا يتوقفون عن تدشين سجون جديدة، بما تتضمنه من إنفاق مالي ببذخ، وسط أوضاع قاسية تؤثر على كافة فئات المجتمع المصري "المطحون أصلا. حيث أصر العسكر وعلى رأسهم قائد الانقلاب العسكرى عبدالفتاح السيسى، على اصدار العديد من القرارات الخاصة بإنشاء السجون المركزية وغيرها فى البلاد، وكأنها وحدات إسكان إجتماعية، مما جعلها تقترب من 19 سجنًا وهو مالا يحدث فى البلاد. فقد شهد هذا العام فقط 2015 , قرارات بإنشاء 5 سجون جديدة؛ ليصبح عدد السجون المصرية التي تقرر إنشاؤها في آخر 30 شهر فقط من عمر النظام المصرى الحالي 9 سجون، لتنضم إلي أكثر من 40 سجن موجودين بالفعل بالإضافة إلي عشرات أخرى من أماكن الإحتجاز في أقسام الشرطة, ومعسكرات الجيش, وأجهزة أمن الدولة السرية. ويبدو أن تعهد البناء الوحيد, الذي تم إنجازه في مصر منذ الانقلاب العسكرى قبل عامين, هو التوسع في بناء السجون وإنشاء معتقلات جديدة ؛ مقارنة بالتعهدات السابقه الخاصه ببناء آلاف الوحدات السكنية, التي تبخرت وذهبت أدراج الرياح في بلد يشكو أزمه سكانية؛ يرافقها تكدس المعتقلين في السجون. سجون ما بعد الثورة وعقب قيام ثورة 25 يناير ، تم إنشاء سجن واحد، وذلك بالقرار رقم 1816 لسنة 2011, بشأن إنشاء السجن العمومى رقم (1) بوادي النطرون. وقبل قيام الانقلاب بيومين، صدر قرار رقم 457 لسنة 2013 بإقامة سجن عمومى بالقنطرة، وعقب الانقلاب صدر قرار رقم 951 لسنة 2013 فى 22/ 5/ 2013، بإنشاء سجن مركزى بقسم شرطة بنى سويف، ثم صدر قرار رقم 1750 لسنة 2013, بشأن إنشاء سجني (ليمان + سجن شديد الحراسة) بجمصة بدائرة مديرية أمن الدقهلية، ثم قرار رقم 873 لسنة 2014 بإنشاء سجني (ليمان + شديد الحراسة) المنيا بدائرة مديرية أمن المنيا. وفي 2014, صدر-أيضا- قراراً رقم 2396 بإنشاء وتشغيل السجن المركزى بقسم ثان شرطة بنها، ثم القرار رقم 4073 لسنة 2014، بإنشاء سجن عمومي باسم "سجن (2) شديد الحراسة بطره". ثم أتبعه قراراً رقم 525 لسنة 2015, بالموافقة على تخصيص أرض لإنشاء سجن, وقسم مرور لصالح قوات أمن الجيزة. وبعده صدر القرار رقم 1029 لسنة 2015, بإنشاء سجن مركزى تابع لقسم شرطة النهضة بمديرية أمن القاهرة، ثم القرار رقم 1030 لسنة 2015 بإنشاء سجن مركزى بقسم شرطة 15 مايو بمديرية أمن القاهرة، وكذلك القرار رقم 2345 لسنة 2015 بإنشاء سجن مركزى باسم "السجن المركزى بالإدارة العامة لقوات أمن الجيزة"، والقرار رقم 1104 لسنة 2015، بإنشاء وتشغيل السجن المركزي بقسم شرطة الخصوص بالقليوبية، وبعده مباشرة صدر قرار رقم 3455 لسنة 2015، بتخصيص قطعة أرض بمحافظة البحيرة لإقامة سجن مركزي عليها. أما الشهور التي انقضت من عام 2016، فقد صدر فيها قرار مجلس الوزراء رقم 1717 لسنة 2016, بتخصيص أرض بقرية بغداد بمركز ومدينة بدر بالبحيرة, لإقامة سجن مركزي، وقرار رقم 1923 لسنة 2016 بإنشاء سجن مركزي بمديرية أمن القليوبية باسم "السجن المركزي بمعسكر قوات أمن الخانكة"، ثم صدر قرار رقم 2628 لسنة 2016, بإنشاء سجن مركزى بمديرية أمن القليوبية بمسمى "سجن العبور المركزي"، وكان القرار الأحدث هو رقم 2879 لسنة ,2016 بإنشاء سجن مركزي بمديرية أمن بنى سويف بمسمى "سجن جنوب بنى سويف المركزي". "العربيه لحقوق الانسان": ميزانية "الداخلية" تساوي خمسة أضعاف "التعليم والصحة" وقالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان, في تقرير لها أنه بافتتاح سجن "15 مايو" جنوبالقاهرة, يصل عدد السجون التي تم افتتاحها بعد 3 يوليو 2013, إلى خمسة سجون، بالإضافة إلى سجنين تحت الإنشاء من المقرر الانتهاء منهما خلال أشهر، حيث شرعت السلطات الرسمية في افتتاح سجون جديدة منذ أغسطس2013, بدأتها بليمان جمصة شديد الحراسة بمحافظة الدقهلية. ويقع السجن بجوار مدخل مدينة جمصة, وأنشئ على مساحة 42 ألف متر مربع ، أما سجن "15 مايو", الذي افتتح يوم 4 يونيو الجاري فتبلغ مساحته 105 آلاف متر مربع، ويتسع لأربعة آلاف سجين. وأوضحت المنظمة أن عدد السجون المصرية ارتفع إلى 42 سجنا في كافة أنحاء البلاد، وأن تكلفة إنشاء سجن جمصة وحده بلغت 750 مليون جنيهاً مصرياً, أى ما يعادل "100 مليون دولار"، مضيفة أن ميزانية وزارة الداخلية "تساوي خمسة أضعاف ميزانيتي وزارتي الصحة والتعليم معا". حكومة الانقلاب تبرر لجربمتها وفي محاولة لتبرير ما يفعله الانقلاب ، قال اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير داخلية الانقلاب لشؤون حقوق الإنسان ، إن إنشاء السجون "جاء بعد وصول التكدس داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية إلى 400%، مما أدى إلى حدوث عشرات الحالات من الوفيات بين السجناء". ناشطون: الدولة البوليسية تعمل على تكميم الأفواه من جانبه ، قال عضو "حملة البداية" محمد عواد: إن إنشاء سجون جديدة "يأتي في سياق الانتقام وقمع معارضي النظام"، نافيًا أن يكون "هم الدولة هو التخفيف من التكدس داخل الزنازين، بل التوسع في استقبال المسجونين الجدد -على خلفية سياسية- الذين يزدادون يوماً بعد يوم". وأوضح "عواد" أن الدولة البوليسية تعطي أولوية لإنشاء سجون لتكميم الأفواه, والانتقام من المخالفين في الرأي، أكثر من الاهتمام بالتنمية والتعليم والصحة, وعمل مشاريع لتشغيل الشباب والعاطلين. من جهته دافع عضو حركة "كفاية" عبد الله منصور, عن إنشاء مزيد من السجون، قائلا : إن ذلك يأتي "استجابة لتوصيات المنظمات الحقوقية بتحسين الأوضاع داخل السجون, والتي احتوت تقاريرها على انتقاد لحالة التزاحم داخل الزنازين". كما استبعد أن يكون إنشاء السجون الجديدة, سعيا للتوسع في استقبال مزيد من معارضي النظام. شهادات من داخل المعتقل وبالرغم من التقارير العالمية, التى تؤكد وجود شتى أنواع التعذيب داخل المعتقلات، مما يؤدي إلى وفاة البعض بسبب الإهمال الطبي "المتعمد", فإن قوات الانقلاب لا تلقي بالًا بما يجري، بل تسعي لبناء أكبر قدر من عنابر الموت ، مما يتيح لها اعتقال عدد أكبر من المعارضين. ومن بين نحو 60 ألف معتقل ، اكد "محمد عبد العال" الذي قضى ستة أشهر معتقلًا بين سجني أبي زعبل ومعسكر السلام بتهم التظاهر, وتكدير السلم العام, ومقاومة السلطات، إن "الظروف والمعاملة داخل السجون غير آدمية، حيث يتكدس المساجين, ويوضع نحو 150 شخصا في زنزانة لا تتعدى مساحتها 60 م2 , وتعاني من سوء التهوية ، ولا يقف الأمر عند ذلك حيث يتعرضون دائما للتعذيب, والإهانة, ومنع ذويهم, من زيارتهم". ويرى عبد العال, أن بناء سجون جديدة في مصر "لن يُحسّن الأوضاع أو يقلل الأعداد في السجون، لأنه سيأتى بمسجونين جدد طالما استمر نظام عبد الفتاح السيسي في ملاحقة معارضيه الذين يتزايدون باستمرار". مستقبل مصر فى السجون وأوردت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا،تقريرًا حذرت فيه من استمرار سياسات القمع في مصر، في ظل نظام الانقلاب، الذي فاق معاناة الشعب المصري، في الفترة الأخيرة. وأعلن مركز الشهاب لحقوق الانسان, عن أعداد المعتقلين في سجون العسكر, حيث قدرهم بنحو 50 ألف معتقل مبينًا أن هذا الرقم لم يسبق الوصول إليه خلال ال 60 عاما الماضية. وأكد المركز فى تقرير له أنه نحو ما يقارب من 60 % من المعتقلين هم من الشباب دون سن ال30 وأن أغلبيتهم العظمي هم "طلاب", مما يعنى أن نظام الانقلاب يستهدف هذه الفئة عن غيرها. ولقد شغلت قضية الطلاب المعتقلين حيزًا كبيرًا من الآلام التي يعاني منها غالبية الشعب المصري,و الذي يرى مستقبل هذا الوطن وأمله يُستنزف بهذه الطريقة. ويبدو أن النظام الحالي قد تعمد خلال محاولاته, قمع الحراك الطلابي الهادر والمناهض له إلى قتل الطلاب داخل جامعاتهم, ومدنهم الجامعية ، وإلى احتجاز المئات منهم في سجونه ومعتقلاته ظنًا منه أن هذا الحل سيمكّنه من السيطرة على الغضب في نفوس الشباب, وسيسمح له بحكم وطن بلا شباب!. فبدلاً من أن تسعى السلطة إلى حل المشاكل التي يعانى منها الطلاب، وبدلاً من أن يجد الطالب المتفوق تكريمًا يليق به, أو الطالب الموهوب استغلالاً وتوظيفًا لموهبته, في دعم قضايا المجتمع والأمة ، وجد الشباب أنفسهم ملقى بهم في المعتقلات بتهم ساذجة, وأحيانًا مضحكة، لأنهم فكروا في المطالبة بحريتهم أو حرية بلادهم. ومن بين الشباب المعتقلين طلاب ينتمون للإخوان المسلمين, وآخرين من حركة 6 أبريل, ومصر القوية, وغيرها من التيارات السياسية والشبابية، في إشارة إلى عداء السلطة للكل وقمعها لأي صوت معارض مهما كان مصدره. ونستطيع أن نكتشف بسهولة معاناة النظام, مما يمكن تسميته عقدة 25 يناير؛ فهو يخشى الشباب كما لا يخشى غيرهم, ويعتقد أنهم خطر عليه, وعلى استقراره ومستقبله, ويدرك أنهم من قادوا الشعب, عندما نجحوا في إسقاط رأس النظام قبل أن يعود النظام, ويستعيد دولته برأس جديد أقسى وأشد من الأولى، وكما يدرك الشباب عداوة النظام لهم جيدًا، ولعل إحجام الشباب عن لعب دور فى مسرحيات السلطة وآخرها مسرحية انتخابات الرئاسة, التي أقامها الجنرال السيسي كأحد طقوس توليه السلطة خير دليل، وهو الأمر الذي يضمن استمرار الصراع بين الطرفين إلى أمد غير قريب. أخيرًا، إن النظام الذي اقتنص السلطة بالدبابات, يبدو أنه يجهل معاني الحرية ومطالب الشباب, ولا يجيد إلا لغة واحدة, وهي القمع والقتل والاعتقال في مواجهة حناجر شابة لا تكل من الهتاف، وتجمعات طلابية, وشبابية أدركت أخيرًا طريق خلاصها, وعرفت كيف ترسم مستقبلهاو الذي تأمله, وكيف تتجنب ماضي غيرها، وهي فى ذلك لا تمتلك رفاهية تكرار هذا الماضي مرة أخرى، هذا نظام محكوم عليه بالإعدام, والسقوط الحتمي, لأنه مهما حاول تشويه مستقبل الوطن وشبابه, فرجاله ومستبدوه قد اقترب رحيلهم, وسيبقى الوطن للشباب لا لغيرهم.