منذ سنوات طويلة تصل إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي والكل في مصر يعلم أن عدد متعاطي المخدرات في البلد وحجم تجارتها تحدده وزارة الداخلية ، ليس من زاوية ممارسة التجارة والترويج للمواد المخدرة ولكن من خلال قيامها بالتدخل في سوقها لصالح زيادة استهلاك أصناف بعينها أو منع أصناف أخرى ، مثلما حدث مع مخدر" الحشيش " قبل الثورة بعدة شهور حيث تم حجبه وتقليل كمياته لصالح عودة مواد مخدرة أخرى للانتشار مثل " الهيروين " وكذلك لزيادة استهلك مخدرات أخرى مثل " البانجو". وبعد ثورة يناير ، واصلت وزارة الداخلية اللعب في سوق المخدرات ولكن هذه المرة عبر القيام بدور الصمت الكامل عن تنامي حجم تجارتها بمعدل غير مسبوق ، وذلك في إطار خطة القيادات القديمة بالوزارة لتشويه سمعة الثورة وإظهارها بمظهر المتسبب في كل المظاهر السلبية بالمجتمع وعلى رأسها انتشار البلطجة وتجارة المواد المخدرة.
الحقائق السابقة رصدتها دراسة حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية ، أكد فيها أن تجار المخدرات استغلوا حالة الانفلات الأمنى المتعمدة بعد ثورة يناير وقاموا برفع معدلات تجارتهم حتى أصبحت مصر تحتل المرتبة الثانية في أفريقيا من حيث انتشار تعاطي وتجارة المخدرات ، وذلك خلال الشهور الخمسة الماضية .
وتقول الدراسة أن التراخي الأمني رفع عدد متعاطي المخدرات في مصر ليصبح 8 ملايين مواطن بما يعادل 10 % من الشعب المصري ، وامتد الأمر لتصبح هناك أحياء ومناطق سكنية كاملة عبارة عن أوكار مفتوحة لتجارة وترويج المخدرات تحت سمع وبصر رجال الشرطة.
وفجرت الدراسة مفارقة خطيرة تمثلت في أن نفس التراخي الأمني تسبب في انتشار مفهوم مفاده ان تعاطي بعض أنواع المخدرات ليس مجرما قانونا مثل البانجو والأفيون!
وتواصل الدراسة رصد تفاصيل الرواج الكبير لتجارة المخدرات بعد الثورة بسبب تقاعس رجال الداخلية عن أداء مهام عملهم حيث تكشف أنه بقدر ما كان مخدر " الحشيش " شحيحا قبل الثورة ، فقد عاد هذا النوع من المخدرات ليشهد رواجا وانتشارا منقطع النظير .
وتضيف الدراسة مؤكدة أن جزءا كبيرا من القوة الجديدة التى يشعر بها تجار المخدرات يعود لكونهم حصلوا على كميات ضخمة من الأسلحة من أقسام الشرطة ومقار الأمن التى تم فتحها أثناء الثورة وتهريب ما بها من سلاح للبلطجية لنشر الرعب بين المواطنين.
وللتدليل على الدور الذي يقوم به التراخي الأمني في حماية انتشار تجارة المخدرات بعد الثورة ، استشهدت الدراسة بصفحة تم تدشينها على " الفيس بوك" تحت عنوان " وزارة المخدرات وشئون الدماغ العالية " يقول مؤسسوها أن العمل بدون ملاحقة الشرطة ممل، وأعلنوا عن خفض أسعار عدد كبير من أنواع المواد المخدرة !
وفي تحليل لأسباب ظاهرة انتشار تجارة المخدرات بمعدلات غير مسبوقة بعد الثورة بسبب التقاعس الأمني نقلت الدراسة عن الخبير في الشئون الأمنية اللواء حسن رفاعي أن انتعاش تجارة السلاح والمخدرات من سمات الفترات الانتقالية في حياة الشعوب ، والتى تعقب التغيرات السياسية والاجتماعية الكبرى ، وأنها تنتعش بسبب رخاوة القبضة الأمنية والتركيز على الأمن السياسي دون الجنائي.
وتضيف الدراسة نقلا عن اللواء حسن رفاعي قوله أنه خلال هذه الفترات الانتقالية غالبا ما يسعى تجار السلاح والمخدرت والدعارة لاستغلال الوضع الأمني المنفلت في إنعاش تجارتهم ، وأن هذه الفترات الانتقالية تطول مدتها أو تقصر بحسب الظروف السياسية التى تمر بها الدولة ، لكنها تأخذ وقتا أطول في حالة الثورات الشعبية على عكس الانقلابات العسكرية التى يواكبها إحكام سريع للقبضة الأمنية على البلاد، وذلك بسبب احتياج الثورات الشعبية لفترات أطول لكي تنتشر في مؤسسات الدولة ، لكن الرفاعي أوضح أن مصر بعد ثورة يناير هي الأقل من حيث انتشار الجريمة من بين الدول التى تمر بظروف مشابهة .
وعن سيناء أفردت الدراسة مساحة كبيرة للحديث حول تفاصيل وخبايا تجارة المخدرات بها حيث تقول أن محافظتي شمال وجنوبسيناء تستأثران ب 90 % من حجم تجارة المخدرات في مصر ، وقد وصلت الكمية المضبوطةخلال العام الماضي فقط في سيناء إلى 3313 فدان مزروعة بأنواع مختلفة من المخدرات ، وفسرت الدراسة هذا الأمر باتساع مساحةالمحافظتين وبعدهما عن السلطة الأمنية وكذلك صعوبة إثبات ملكية الأراضي المزروعة بالمخدرات .