تستمر أعمال التهويد التي تستهدف المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدسالمحتله على الجانبين الديني الثقافي واليموجرافي على قدمٍ وساق ، فبين الاقتحامات المتتالية للمسجد المبارك وبين الإستيلاء على منازل داخل البلدة القديمة وخارجها واقتطاع أشجار الزيتون وتهجير السكان نجد صمتًا معيبًا للحكومات العربية وأنظمتها التى باتت حليفة للكيان الصهيوني. وبعدما شهدت البلدة القديمة فى القدسالمحتله مؤخرًا احتفال سلطات الاحتلال بمهرجان الأنوار الذي يمتد على مدى أسبوع تقام فيه العروض الضوئية والراقصة في إطار يسعى إلى تقديم رواية تلمودية وتوراتية وتعزيز الوجود الاستيطاني في البلدة القديمة وكذلك الاقتحامات التى تستمر إلى يومنا هذا وبلغت ذروتها في "الفصح العبري" و"ذكرى استكمال احتلال القدس" بالتوازي مع استمرار الاحتلال في منع المرابطات من دخول المسجد وتدخله في عمل الأوقاف. ويرصد هذا التقرير تطور الأحداث في مدينة القدس على المستويين الميداني والسياسي ويقدم قراءةً منهجية لهذه الأحداث تضعها في سياق الصراع بين مشروعٍ تهويدي شامل يطال مختلف جوانب الحياة في المدينة، تُنفذه وترعاه دولة الاحتلال والجمعيات المرتبطة بها، وبين محاولات مقاومة هذا المشروع من قبل المقدسيين المعتمدين على قدراتهم الذاتية وقليل من الدعم الخارجي. التهويد الديني والثقافي ويشتمل هذا المسار على محاولات تغيير هوية القدس ولا سيما المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة من خلال الحفريات الهادفة إلى بناء مدينة تاريخية يهودية أسفل المسجد الأقصى ومحيطه من خلال بناء الكنس والمتاحف، فضلاً عن محاولة نزع الحصرية الإسلامية للمسجد الأقصى وتحويله من معلمٍ إسلامي إلى موقعٍ ديني مشترك مفتوحٍ أمام أتباع الديانات كلهاوكذلك الاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة. يضاف إلى ذلك محاولة تغيير الطابع السكاني العربي للمنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة إلى طابعٍ يهودي، وتهجير سكان هذه المنطقة العرب إلى الأطراف. كما يشتمل هذا المسار على محاولة تسويق القدس سياحيًا ك"عاصمةٍ يهوديّة" وذلك من خلال المهرجانات والاحتفالات وتشجيع السياحة من خلال اختلاق الآثار وبناء المتاحف اليهوديّة في سائر أرجاء المدينة. "غليك".. متطرف بدرجة برلماني وأفسحت استقالة وزير الجيش السابق "موشيه يعلون" من "الكنيست" المجال أمام الحاخام "يهودا غليك" لاحتلال مقعده عن حزب "الليكود". ويعتبر غليك من أشد المطالبين والمروجين ل "حق" اليهود بالصلاة في الأقصى على خلفية أنه المكان الأقدس لديهم، ويتولى تنظيم "رحلات" إلى الأقصى للسياح والمستوطنين حيث يقدم لهم شروحات حول المكان وفق المزاعم التلمودية. الدعوات المتطرفة التي يوجهها "غليك" إلى المستوطنين للصلاة في الأقصى أدت إلى محاولة قتله في 29/10/2014، وهي من العوامل التي أذكت هبة الشهيد أبو خضير في ذلك الحين. وفي 5 مايو 2015 سمحت محكمة الاحتلال بعودة "غليك" إلى اقتحام الأقصى ولكن مرة واحدة في الشهر ومن دون أن يكون معه هاتفه الخلوي أو أي وسيلة تصوير. وقد عاد "غليك" إلى اقتحام الأقصى في أول مارس الماضي بعد منع دام 18 شهرًا، لكن استقالة "يعلون" سوف تضعه أمام "مسؤولية" جديدة إذ سيكون عليه النضال في "الكنيست" من أجل تأمين الصلاة اليهودية في الأقصى. "غليك" الذي اقتحم الأقصى في الثلث الأخير من مايو الماضي اعتبر ذلك الاقتحام الأخير قبل أن يتسلم منصبه بشكل رسمي، وأعلن أنه سيلتزم بقرار منع الاقتحامات السياسية الذي أصدره نتنياهو ضمن محاولات عدم تأجيج انتفاضة القدس التي تأثرت بشكل خاص بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى. إلا أن "غليك" أوضح في تصريحاته أنه لن يقف مكتوف الأيدي، فهو وإن كان سيتقيد بمنع الاقتحامات السياسية إلا أنه سيفعل ما بوسعه لتغيير الوضع في الأقصى. حظر ترميم القدس وفي سياق التدخل في أعمال الأوقاف وزيادة التهويد أصدرت بلدية الاحتلال في القدس في أواخر مايو الماضي أمرًا بمنع الأوقاف الإسلامية من متابعة أعمال بدأتها في الأشهر الماضية لتجهيز حمامات بالقرب من الأقصى في الجهة الشمالية. وكانت سلطة الآثار الصهيونية أصدرت في فبراير 2016 أمرًا بوقف أعمال البناء التي تقوم بها الأوقاف في الأقصى ولكنها سحبت معارضتها بعد ضغط سياسي، إلا أن جمعيات يمينية عادت وفعلت الضغط لوقف الأعمال. وقد رحب وزير الإسكان بقرار البلدية ولكنه قال إن المهم هو تطبيق أوامر وقف البناء وليس فقط إصدارها معتبرًا أن الوقف "ينتهك السيادة الإسرائيلية على المكان". وبالفعل، أغلقت طواقم بلدية الاحتلال في أوائل يونيو الماضي المبنى الواقع عند باب الغوانمة في سور الأقصى الغربي وهو مجهز كوحدة خدمات "حمامات ووضوء" للوافدين إلى الأقصى. البراق.. أقصانا لا هيكلهم أما ملف مساحة الصلاة المشتركة عند حائط البراق فلم تطو صفحته بعد، حيث تتضمن التسوية التي وافقت عليها الحكومة الصهيونيه في يناير 2016 توسعة الجزء الجنوبي من حائط البراق عند منطقة القصور الأموية لتكون مساحة للصلاة خارج القواعد التي يفرضها المحافظون أو المتشددون، لا سيما لجهة اشتراطهم فصل المصلين من الرجال والنساء. وفي السياق، قال ناثان شرانسكي، مدير الوكالة اليهودية، إنه "من المهم أن يشعر كل اليهود بحس من الارتباط بإسرائيل في ظل التحديات التي يواجهها الشعب اليهودي". وجاء تصريح "شرانسكي" على خلفية التأجيل المستمر لتنفيذ خطة مساحة الصلاة المشتركة حيث أشار شرانسكي إلى محاولات الحريديم الحثيثة لتعطيل الاتفاق الذي تبنته الحكومة الإسرائيلية في يناير 2016. ويشار إلى أن وزراء الحريديم صوتوا ضد القرار ولكن من دون الضغط على الحكومة لمنع تبني القرار. وعلى الرغم من عدم حسم الموضوع فقد أدى أتباع التيار الإصلاحي يونيو الماضي صلاة مشتركة لليهود عند حائط البراق من دون حاجز بين النساء والرجال وذلك بعدموافقة المستشار القانوني لوزارة الشؤون الدينية وكذلك المستشار القضائي على إقامتها. وتعتبر هذه الخطوة من قبل الليبراليين من قبيل الضغط على الحكومة كي تحسم مسألة المساحة التي من المقرر إقامتها إلى الجنوب من حائط البراق، أي في منطقة القصور الأموية. الاقتحامات.. نذير الإستيلاء واستمرت اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى خلال مدة الرصد وكان عيد "الفصح العبري" وكذلك الاحتفال بذكرى استكمال احتلال القدس محطتين بارزتين لتكثيف الاقتحامات. ففي فترة عيد الفصح الماضي وصلت أعداد المقتحمين إلى 800، أما في يوم ذكرى استكمال احتلال القدس في نكسة حزيران فوصل عدد المقتحمين إلى 300. وعلق الأردن على هذا الاقتحام الأخير حيث قال وزير الأوقاف والشؤون والمقدّسات الإسلامية الأردني وائل عربيات إن اقتحام حوالي 300 متطرف يهودي للمسجد الأقصى هو دليل عدم احترام سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمعاهدة السلام مع الأردن. كما سمح الاحتلال للمستوطنين باقتحام المسجد فينصف الثلث الأخير من يونيو الماضي أي مع بداية العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم وهو الأمر الذي كان الاحتلال يمنعه منذ حوالي 5 سنوات منعًا لتأجج مشاعر الغضب التى لربما تشعل الانتفاضة من جديد. وتكررت الاقتحامات في تلاتة أيام فيماأطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية على المصلين والمرابطين الذين حاولوا التصدي للاقتحامات مما أدى إلى وقوع إصابات بينهم بالإضافة إلى إقدام الشرطة على اعتقال عدد منهم واقتيادهم إلى التحقيق. ويمكن وضع هذه "المحاولة" من قبل الاحتلال في إطار جس النبض واستكشاف السقف الذي يمكن أن تتفاعل ضمنه ردات الفعل، لا سيما في القدس والأقصى. ولا شك في أن "جماعات المعبد" تضغط للحؤول دون تكريس منع الاقتحامات، لكن التجربة على الأرض بينت أنه لن يكون بالإمكان ضبط الوضع الذي قد يتطور باتجاه عودة العمليات بشكل كبير، وهو الأمر الذي لا يريده الاحتلال. وكانت لجنة السلوكيات في "الكنيست"عقدت جلسة في منتصف يونيو الماضي لمناقشة رفع الحظر عن دخول النواب إلى المسجد وفق قرار نتنياهو في أكتوبر 2015 وقررت اللجنة إبقاء الحظر ولكنها قالت إنها ستجتمع وتغير قرارها عندما يقرر المسؤولون السماح للنواب بدخول الأقصى. واقترحت الشرطة بأن يتم السماح للنواب العرب بدخول الأقصى في الأسبوع الأخير من شهر رمضان الذي يتزامن مع مطلع شهر يوليو، في حين يسمح للنواب اليهود بالزيارة بدءًا من الأسبوع الذي يليه، وهو الأمر الذي لن يكون متاحًا بسبب الرسالة التي وجهها رد المرابطين على اقتحامات العشر الأواخر. تدنيس الأطهار بحفل الأنوار وكذلك على مستوى التهويد الديني والثقافي، لم يفوت الاحتلال الاحتفال بما يسميه عيد الأنوار ما بين والذي يمتدد من أواخر مايو إلى يونيو والذي يسعى من خلاله إلى منافسة الوجه العربي والإسلامي للقدس، لا سيما في البلدة القديمة. والمهرجان يقام منذ عام 2009 برعاية بلدية الاحتلال في القدس ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية وشركة أرئيل شبه الحكومية و"سلطة تطوير القدس". وشارك في المهرجان حوالي 60 فرقة إسرائيلية وأجنبية حيث تقدم عشرات العروض والأعمال الفنية الضوئية على أسوار البلدة القديمة بالتوازي مع الاستعراضات الراقصة. ويحرص المهرجان على تمرير روايات تلمودية وتوراتية بالإضافة إلى تعزيز الوجود اليهودي في محيط الأقصى وفي البلدة القديمة.