لا شك أن هانس كينج من علماء اللاهوت الأوربيين الذين أنصفوا الإسلام ورسوله وحضارتهم في كتاباتهم، نحن مع كتاب (لماذا مقاييس عالمية للأخلاق؟) وهذا الكتاب يخدم التفاهم بين المسلمين والمسيحيين والعرب والغربيين، والكتاب موسوعة عن الديانات الكبرى السماوية منها والوضعية نابعة من ثقافة واسعة للمؤلف باعتبارها أحد علماء اللاهوت فهو أحد عملاقة الفكر الإنساني هو سويسري الأصل مسيحي الديانة كاثوليكي المذهب، داعية للإصلاح ، مطالب بالسلام منصف الحكم، إلى آخر صفاته الحميدة التي أوردها المترجم الذي بذل المترجم جهدا خارقا في نقل النص وشرحه وتشكيله من أجل الاهتمام باللغة العربية. والكتاب يقع في 250 صفحة وأضاف المترجم حوالي 350 صفحة حواشي في مصطلحات التي وردت في الكتاب والمواقف التاريخية تستحق أن تكون كتابا منفردا.
قام الدكتور محمد عمارة بعمل مقدمة للكتاب أشاد بالكاتب وانه من المنصفين للإسلام لكنه ابن الحضارة الغربية وعلى معرفة باللاهوت المسيحي واليهودي بتفوق بما لا يقاس معرفته بالإسلام دينا وحضارة فاجتهد ولكنه عليه ملاحظة وتصويب في قضيتين أساسيتين هما: موقف الإسلام من العنف ومن الآخر الديني وأوضح عمارة في رده أن كل حروب رسول الله (صلعم) حروب دفاعيا ضد المشركين الذين حاصروا دعوته وعذبوه المؤمنين واخرجوهم من ديارهم ثم جيشوا الجيوش وزحفوا إلى المدينة للقضاء على الإسلام وامته وأورد الآية الكريمة (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا )، وأظهر أن كل هذه الحروب الدفاعية من جانب المسلمين والعدوانية من جانب المشركين فهم حصرا : 386 ضحية : 203 من المشركين و 183 من المسلمين ، في حين أن ضحايا الحروب الدينية المقدسة بين الكاثوليك والبروتستانت في أوربا بلغوا 10.000 (عشرة ملايين) أي 40 % من شعوب وسط أوربا.
وهناك ادعا آخر من المؤلف بأن الفتوحات الإسلامية قد محت المسيحية من الوجود في بلادها الأصلية فأورد عمارة نص للأسقف يوحنا النقيوسي كشاهد على هذه الفتوحات وقوله أن هذه الفتوحات أنقد النصرانية الشرقية من الأبادة الرومانية وحرر بطريركها وكنائسها واديراتها وحافظ عليها. وأورد عمارة شهادات أخرى للمنصفين الغربيين لانتشار الإسلامي بالسلم والعقلانية مثل الفيلسوف الأمريكي اسحاق تايلور.
لماذا مقاييس عالمية للأخلاق؟ أدرك كثير من الناس منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أن السلام بين الأمم لن يتحقق بدون سلام بين الأديان وأن المعايير الأخلاقية المشتركة المطلوبة لذلك ذات أهمية قصوى، لكن مثل هذه المعايير الأخلاقية تكتسب بالطبع مرجعية مختلفة تماما عندما نعلم أن تاريخ الإنسانية برمته يكمن ورآها، أن هذه المعايير الأخلاقية تتجاوز كل الثقافات جميعا وأنه لهذا السبب بالذات يمكن تحاشي "صدام الحضارات" لأن هذه المعايير الأساسية تتجاوز كل الحضارات هي معايير واحدة مشتركة. صحيح أن الإعلان قد صيغ في المقام الأول للأديان ووضعه البرلمان العالمي للأديان، ولكنه ليس مجرد مشروع ديني، لكنه يأخذ كل دين من الأديان مأخذ الجد.
الكتاب يتناول عدد من الفصول خاصة عن الأديان ودورها ويبدأ بفصل عن سؤال عن فقدان الكنائس احتكارها للأديان (لماذا يهجر الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية في ألمانيا أكثر من مئة ألف مسيحي سنويا في الوقت نفسه يتزايد الاهتمام بالدين، خاصة الأديان العالمية غير المسيحية.
فأوضح أنه من الواضح أن الكنائس فقدت احتكارها للدين حيث تقوقعت الكنيسة الرسمية الإنجيلية والكاثوليكية وأن الكنيسة لم تظهر إلا قليلا من الكرم والحفاوة نحو أصحاب الرأي الآخر.
وبسؤال أخر: "لماذا تعاني المسيحية في أوربا في الوقت الحالي من أزمة ألم تشارك المسيحية أنجاز العصر الحديث؟ فقال: لقد تربعت أوربا في التطور على القمة منذ القرون الوسطى العليا، في حين أن الإسلام ما زال يقوم بهذا الدور (المتربع على القمة في القرون الوسطى المبكرة، لكن منذ ذلك الوقت كان تأثير المسيحية في العالم يتزايد بصورة مستمرة، الكنائس المسيحية اليوم ما زالت تعاني من مشاكل عديدة يعود بعضها إلى القرن 16 مشاكل عصر (الاصلاح الديني) مثل زواج القساوسة والزيجات المسيحية المختلطة, ويقول أن الفرصة سانحة الآن لاحياء الدين من جديد ، بل أن الدين كثير ما يقدم نفسه بطريقة لم تعد شائعة لكثير م الناس.
وفي هذا سؤال هام: "يحرز الإسلام في القارة الإفريقية نجاحا كبيرا هل يعود هذا أيضا إلى أن الإسلام بصورة أبسط فهما وكذلك لأن لديه بنى اجتماعية ابسط من المسيحية؟
يعترف الكاتب بأنه لم يكن من الممكن للإسلام أن ينتشر في القرن السابع الميلادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقية بمثل هذه السرعة لو لم يكن لديه بجانب جيوشه أيضا عقيدة بسيطة نسبيا، في حين أن كل المنازعات والخلافات التي جرت في المجامع الكنسية حول طبيعة المسيح لم تحل قضايا طبيعة المسيح بطريقة نهائية، بل زادت تعقيدا، ولكن عندما جاء الإسلام كانت بالطبع رسالة سهلة وقالوا للأفارقة "تستطيعون الاستمرار في الإيمان بالله واحد، وكذلك الإيمان بعيسى كنبي لكن لا تتخدوه إلها". كانت هذه الرسالة البسيطة جدا لأخر الرسول محمد (صلعم).
وهو ما ترك آثاره في أفريقيا السوداء حتى اليوم، أن الإسلام الذي نبع من السياق العربي كان لديه موقف أكثر تسامحا تجاه الأديان القبلية فنظام تعدد الزوجات الذي كان من البديهيات في افريقيا قد تسامح فيه القرآن، لقد سهل هذا جدا توغله في المناطق التي كان قد تم تنصيرها، حيث كان المبشرون النصارى قد وضعوا مطالب متشددة جدا أحيانا مثل الاحتفاظ بزوجة واحدة.
وبسؤال آخر بعنوان: "المقاييس العالمية للأخلاق: هل هي دين عالمي جديد؟ فيقول : لو كان الأمر هكذا لكان شيئا مثيرا للسخرية، وهناك قواعد أساسية يجب أن تسرى على الإنسانية جميعا وأؤكدت اهميتها في برلمان الأديان العالمية في شيكاغو عام 1993 بطريقة محددة تماما مثل:
- ما معنى عدم القتل بل ممارسة الاحترام تجاه كل أشكال الحياة، ما معنى الكذب، بل قول الحقيقة؟ ما معنى عدم السرقة، بل العمق من أجل تحقيق نظام اقتصادي عادل؟
- هذه مقاييس توحد جميع الأديان والتي يمكن لغير المؤمنين أيضا أن يشاركوا في دعمها لتحقيق هذا لا نحتاج إلى ديانة مشتركة، بل فقط إلى أخلاق أساسية مشتركة.
- يدعو الكاتب إلى عدم سيطرة جنس من الجنسين على الآخر وهذا ينطبق بالذات على استغلال النساء وسوء الاستخدام الجنسي للأطفال وكذلك البغاء الأجباري، ويوضح بصفة عامة عن التقاليد الأخلاقية مثل (لا تزن) هذا ما قيل في الماضي واليوم نقول: "ينبغي عدم إساءة استخدام الجنس" أو "احترموا واحبوا بعضكم بعضا" هذا يعني بوضوح لا لبس فيه أنه ليس يحق لأي إنسان أهانة إنسان آخر يجعله مجردا لمتعته الجنسية. ودفعه إلى إدمان الجنس أو تقييده في هذا الوضع.
يوضح الكاتب أنه في عام 1998 طرح مشروع "حوار الحضارات" في الجمعية العامة للأمم المتحدة كدعوة مضادة لفكرة " صدام الحضارات" والكاتب من أشد المعترضين لصدام الحضارات، ويعترض على إساءة حرية الراي وحرية الصحافة لتجريح أحساسيس دينية رئيسية عمدا وخلق مشاعر عدوانية مثل الرسوم المسيئة للرسول في الصحف الدنماركية في ربيع عام 2006 ، وحول هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وعواقبها أوضح أن الغالبية العظمى من المسلمين قامت على الفور بادانة الهجمات الأرهابية على الولاياتالمتحدةالأمريكية على أنها غير إسلامية وإرهاب الأفراد أو إرهاب الدول يعتبره المسلمون بصفة عامة تشويه للإسلام أو انحرافا عنه ويأتي الكاتب بالآية الكريمة (والذين صبروا ابتغاء ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار) (سورة الرعد22) في إشارة إلى أن في الإسلام الرد على السيئة بالحسنة.
إن الأوضاع العالمية الحالية المأساوية لا تحتاج إلى الإنسانية إلى برامج سياسية وأفعال فحسب بل تحتاج أيضا إلى رؤية تعايش سلمي بين الشعوب وبين الجماعات الإثنية والأخلاقية، وبين الأديان بمسئولية مشتركة تجاه كوكبنا الأرض ، رؤية مبنية على الآمال والأهداف والمثل العليا والمعايير.
نحن لا نعني بالمقاييس العالمية للأخلاق إيدلوجيا عالمية جديدة، ولا دينا عالميا موحدا يتجاوز جميع الأديان الموجودة، ناهيك عن سيطرة دين واحد على سائر الأديان، بل نقصد بالمقاييس العالمية للأخلاق إجماعًا أساسياً فيما يخص القيم الرابطة الموجودة، والمعايير الثابتة، والمواقف الأساسية الشخصية، بدون إجماع أساسي على المقاييس الأخلاقية يواجه كل مجتمع خطر الفوضى أو الديكتاتورية، وسيصاب البعض باليأس عاجلا أو آجلا.