حذرت دراسة حديثة من انهيار اقتصادي واجتماعي وشيك في مصر نتيجة التراجع الشديد في عائدات السياحة والصادرات للخارج، مع انخفاض سعر العملة لمستويات غير مسبوقة، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم. جاء ذلك في دراسة المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية بعنوان " مستقبل النظام السياسي المصري: التحديات والمسارات"، التي يعرض موقع الجزيرة مباشر للجزء الثاني منها. وكانت الدراسة ذكرت –خلال الجزء الأول- أن مصر تعاني من مجموعة من المشكلات الاقتصادية، التي جعلت من الوضع الاقتصادي ما يمكن أن يطلق عليه المعضلة الاقتصادية. ووصفت الحالة الاقتصادية المصرية من خلال مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، نعرض خلال هذا الجزء للتضخم الركودي، والسياسة النقدية. تكريس ظاهرة التضخم الركودي فبحسب الدراسة، من الظواهر الاقتصادية شديدة السلبية، التي تشهدها اقتصاديات الدول، تزامن ظاهرتي البطالة والتضخم في آن واحد، وللأسف فإن مصر خلال الفترة الماضية تعاني من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، كنتيجة طبيعية، لتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وكذلك ضعف أداء الناتج بشكل عام، وعدم اعتماده على قاعدة إنتاجية قوية، وغلبة النشاط الخدمي على النشاط الإنتاجي، وكذلك غياب المنتجات والخدمات ذات القيمة المضافة العالية. فقد بلغ معدل التضخم في ديسمبر 2015 إلى معدل 11.1%21، بينما وصل معدل البطالة إلى 12.8% خلال الربع الثاني من عام 2015، وذلك وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. ويرجع ارتفاع معدل التضخم إلى أمرين الأول ارتفاع تكاليف الإنتاج في مصر، بسبب اعتماد الصناعة المحلية على استيراد مستلزمات الإنتاج بنسبة كبيرة، وكذلك الزيادة المطردة في الواردات السلعية، وارتفاع تكلفة الوقود بالنسبة للصناعة بشكل خاص وباقي قطاعات الاقتصاد بشكل عام. أما الأمر الثاني فهو يتعلق بقيام البنك المركزي بطباعة النقود دون وجود غطاء من النقد الأجنبي أو الذهب، وكذلك الاضطراب في سوق الصرف، التي أدت إلى انخفاض قيمة الجنيه بشكل مستمر. أما ما يتعلق بارتفاع معدلات البطالة فمبعثه –بحسب الدراسة-تدني معدلات المدخرات والاستثمارات المحلية كنسبة من الناتج المحلي، واعتماد الناتج بشكل رئيس على الاستهلاك وليس الاستثمار، وفي ظل تواضع الاستثمارات المحلية بحدود 14% كنسبة من الناتج المحلي، من الصعب استيعاب جميع الداخلين الجدد لسوق العمل، أو تخفيف حدة البطالة القائمة في سوق العمل. ولذلك يلاحظ اتساع حجم ظاهرة شديدة السلبية في سوق العمل وهي سوق العمل غير الرسمية، حيث تستوعب العدد الأكبر من الداخلين الجدد لسوق العمل، وهي سوق تتسم بعدة عوامل سلبية بالنسبة للعاملين، منها تدني الأجور، وطول ساعات العمل، وعدم وجود تغطية اجتماعية، سواء من حيث التأمين الاجتماعي أو التأمين الصحي، فضلا عن غياب التأمين الصناعي، مما يجعل هؤلاء العمال عرضة لكثير من إصابات العمل. فشل السياسة النقدية رأت الدراسة أن فشل السياسة النقدية بمصر يظهر خلال الفترة الماضية من خلال مجموعة من المؤشرات، على رأسها الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه، فمنذ يوليو 2013 وصل انخفاضه إلى نسبة تقترب من 28%، وكان لقرار البنك المركزي الأخير دور في التخفيض بنسبة 14.5%. ولا يتوقع أن يتوقف انخفاض قيمة الجنيه خلال الأجلين القصير والمتوسط لاعتبارات العرض والطلب على الدولار. أما المظهر الثاني، فهو رفع سعر الفائدة بنحو 15% على عمليات الإيداع والاقتراض، حيث تم تقليص مشكلات الاقتصاد المصري في اهتمامات السياسة النقدية دون النظر لأبعادها السلبية على الاستثمار، ورفع تكاليف الإنتاج، والحد من التجارة، بحسب الدراسة. وأضافت الدراسة أنه في إطار هذه المؤشرات الكلية تبرز مجموعة من المؤشرات الجزئية، شديدة الأهمية والتأثير في تطورات الأوضاع الاقتصادية، وتداعياتها على النظام المصري الحالي، لعل أبرزها: تعدد المؤشرات السلبية التي وثقتها تقارير دولية، حول معدلات الانهيار في الأوضاع الاقتصادية في مصر خاصة بعد انقلاب 3 يوليو، وتنامي معدلات الفساد. ورصدت الدراسة المؤشرات السلبية في كل من: الصراع داخل منظومة رجال الأعمال ضد السياسات الاقتصادية للنظام التي تجعل من الجيش المتعهد الرئيس للنشاط الاقتصادي، وممارساته ضد بعضهم، والتي تضر بمصالحهم المستقبلية، كما تعزز أجواء عدم الاستقرار المستمرة والتي ضربت قطاع السياحة وتضرب بقوة قطاعات الصناعات والاستيراد والتصدير. ورصدتها أيضا في: التعريفة الجمركية؛ حيث صدر قرار رئيس الجمهورية برفع التعريفة الجمركية على عدد كبير من السلع، بدعوى ترشيد الإنفاق على السلع التي سمّاها ب"غير الضرورية"، والتي كان من بينها الأجهزة الكهربائية والأدوات المكتبية والمنزلية، وهو ما ترتب عليه مزيد من ارتفاع الأسعار. كما رصدتها في رفع الدعم عن الخدمات العامة، إذ تعددت تصريحات رأس النظام بشأن أن الدولة لن تكون قادرة على دعم خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، وهو ما يعني وجود توجه نحو رفع أسعار هذه الخدمات، بل والشكوك في جودتها بعد إشارات إلى استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها في الشرب. واختتمت الدراسة المؤشرات السلبية في أن الدين المحلي بلغ في عام 2015 ما مجموعه 2.16 تريليون جنيه مصري، أي ما يوازي 83.9% من الناتج المحلي الإجمالي، كما بلغ الدين الأجنبي 48.1 مليار دولار، وارتفع مجموع الدين المحلي والخارجي الى ما يتجاوز قيمة الناتج المحلي الإجمالي. كما انخفضت احتياطيات مصر من العملات الأجنبية إلى 16.4 مليار دولار في ديسمبر 2015. يشار إلى أنه في 13 يناير 2016، ذكرت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس للأبحاث"، إنها تتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد المصري هذا العام مع انكماش قطاع السياحة وانخفاض متوقع في قيمة الجنيه، إلى نحو 3% هذا العام، من حوالي 3.5% في 2015" وأن انخفاض قيمة العملة يؤدي لارتفاع التضخم بنسبة تتراوح بين 3 و4%.