اليقين في اللغة من أيقن يوقن إيقانا فهو موقن، ويقن ييقن يقنا فهو يقن واليقين نقيض الشك، واليقين طمأنينة القلب على حقيقة الشيء، واصطلاحا: تصديق جازم لا يقبل الشك، واليقين والإيقان: العلم دون الشك، يقال: يَقِنْتُ الأمر بالكسر يقنا وأيقنت واستيقنت وتيقنت كلها بمعنى واحد، وأنا على يقين منه. وإنما صارت الياء واوا في قولك موقن للضمة قبلها وإذا صغرته رددته إلى الأصل فقلت مييقن والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها. قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "اليقين: الإيمان كله" ، وقال أبو بكر الوراق: "اليقين مَِلاك القلب -أي قوامه وعنصره الجوهري- وبه كمال الإيمان، وباليقين عُرف الله" ، وقال الأستاذ عبد السلام ياسين "الإيقان درجة عالية من الإيمان" ، وهو العلم الحق الذي به ينقطع الاحتمال، وبه يطمئن البال وتسكن النفس، وهو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعمَلُ القوم إنما كان عليه، وإشاراتهم كلها إليه، وهو "روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصديقية، وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره" . ويحصل اليقين بترادف وتوالي مجموعة من الأمارات، وبقراءة آيات الله المسطورة والمنظورة، يقول الله تعالى عن آياته المقروءة والمنظورة: قد بينا الآيات لقوم يوقنون ، وقال: وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون، ويزداد بعد البلى ويتجدد بذكر الله، قال الله عز وجل: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان ليخلُق -يبلى- في جوف أحدكم كما يخلُق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" ، ودلهم في رواية أخرى على وسيلة تجديد الإيمان، فقال لهم: ""جددوا إيمانكم" قالوا يا رسول الله! وكيف نجدد إيماننا؟ قال أكثروا من قول لا إله إلا الله" وبتربية العارفين بالله أولياء الله، فبذلك تتولد طمأنينة القلب وسكون النفس فيصل الإنسان إلى التصديق الجازم الذي لا شك فيه بما علم حتى لا يعتقد إلا المطابقة ولا يصَدِّق بالنقيض. اليقين علم ودرجة تسكن به النفس ويطمئن به الجنان، ويحصل به الفهم، ويذعن به الإنسان إلى الحق، وهو علم بالحق يحمل المتيقِّن على الصبر ويهوِّن عليه المشاق والصعاب وتحمُّل المكاره. إن اليقين عند المؤمن هو روح حياته كلها، فهو عندما يشك الشاكون ويتردد المترددون وينكُصُ الناكصون، وتُظلم الدنيا في وجه الكثيرين ويبدو للناظر أنه ليس هناك أمل، تزداد ثقته بالله ويزداد توكلا عليه، لأن الإيمان بربه عمَّر قلبه فأكسبه ثقة وتسليما، قال ابن القيم رحمه الله: "ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم، فامتلأ محبة في الله، وخوفا منه ورضى به، وشكرا له، وتوكلا عليه، وإنابة إليه". والثقة بالله هي خلاصة التوكل على الله، وهي قمة التفويض إلى الله، قال مؤمن آل فرعون: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ، وهي الاطمئنان القلبي الذي لا يخالطه شك، وهي التسليم المطلق للملك جل وعلا، والاستسلام له، قال المؤمنون الواثقون بربهم وبتأييده وعونه في غزوة الأحزاب لما لقُوا عدوهم كما حكى عنهم القرآن: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ". قال أحد الصالحين: "صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء، والفقر إليه في كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء" .