المؤمن المتوكل علي الله هو إنسان علي بينة من ربه فهو موقن بأنه يستمد العون ممن له مقاليد السموات والأرض »له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شئ عليم« (الشوري 21).. والمؤمن حين يتوكل علي الله فإنه يسلم أمره إليه »وأفوض أمري الي الله إن الله بصير بالعباد« (غافر 44).. وعن ابن عباس رضي الله عنهما »حسبنا الله ونعم الوكيل« قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي به في النار، فنجاه الله منها»قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علي إبراهيم« (الأنبياء 96).. وعن رسول الله صلي الله عليه وسلم »إذا قال المؤمن بسم الله توكلت علي الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت، وتنحي عنه الشيطان«.. والتوكل علي الله يمنح المؤمن طاقة إيمانية تعينه علي مواجهة أحداث الحياة رابط الجأش مطمئن النفس، ولذلك يوجهنا ربنا ان نتوكل عليه »وعلي الله فليتوكل المؤمنون« (التوبة 15)، فالمؤمن يحس بأنه يلتمس العون ممن بيده الأمر كله، والذي لا يحول شئ دون نفاذ أمره »وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعال لما يريد« (البروج 41 -61).. والتوكل علي الله معناه اللجوء إليه والإعتصام به »ومن يعتصم بالله فقد هدي الي صراط مستقيم« (آل عمران 101).. والإعتصام بالله يجعل المؤمن ذاكرا لربه دائما، وذكر الله تطمئن به القلوب »الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب« (الرعد 82).. كذلك فإن الإعتصام بالله والتوكل عليه يشعر المؤمن بأنه آمن لا يخشي شيئا ولا يخشي أحدا مادام في معية الله وفي جواره »قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون« (المؤمنون 88).. والمؤمن المتوكل علي الله لا يخالجه شك في أن الله سيدبر له كل أمره علي أفضل وجه، فمادام الله قد وجهنا الي ان نتوكل عليه فهو يكفينا »ومن يتوكل علي الله فهو حسبه« (الطلاق 3).. والتوكل ينبع من الإيمان »وعلي الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين« (المائدة 32) ويقول المؤمنون »ومالنا ألا نتوكل علي الله وقد هدانا سبلنا« (إبراهيم 21).. وجزاء الصبر والتوكل علي الله الجنة »والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نعم أجر العاملين، الذين صبروا وعلي ربهم يتوكلون« (العنكبوت 85، 95).. والمؤمن المتوكل علي الله يسعي جاهدا ليفوز بما عند الله للمؤمنين الذين يعملون الصالحات »الحمد لله الذي أنزل علي عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا« (الكهف 1-3).. فالتوكل علي الله خير في كل إتجاه فهو إذ يمنحنا القوة والثبات في مواجهة أعباء الحياة، فهو يمنحنا الحماية من كيد إبليس اللعين وأعوانه، فالشيطان يتنحي عن المؤمن المتوكل علي الله، كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي سقناه آنفا، لأن التوكل علي الله لا يجعل للشيطان علي المؤمن سبيلا.. والمؤمن لا تبهره الدنيا وزينتها فتجعله يحيد عن بلوغ هدفه وهو الفوز بالجنة والمكوث فيها الي الأبد »إنا جعلنا ما علي الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا« (الكهف 7).. والتوكل علي الله لا يعني بحال ألا نتدبر أمورنا ونأخذ بالأسباب، بل نفعل، ونسأل الله في نفس الوقت ان يوفقنا الي ما فيه الخير والسداد »وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب« (هود 88) وما توفيقي إلا بالله، أي ان الله هو الذي يوفقني.. عليه أتوكل وإليه أرجع في كل أموري..