تراجع غير متوقع لمخزون النفط الخام في أمريكا    رئيس المجلس الأوروبي: نثمن جهود الرئيس السيسي الجبارة التي أدت لوقف إطلاق النار في غزة    مقتل شخص في حادث إطلاق نار بمدينة هانوفر شمالي ألمانيا    ليفربول يكتسح فرانكفورت بخماسية في دوري الأبطال    قنديل: لا توجد خلافات في إدارة الأهلي    علي الحجار يفتتح حفله ب«المال والبنون» في مهرجان الموسيقى العربية وسط حضور جماهيري كبير    توجيهات بإنشاء صالة لياقة بدنية متكاملة لخدمة طلاب جامعة المنيا    توزيع مستلزمات مدرسية على الطلاب الأكثر احتياجا في دمياط    تعويضاته المطلوبة تعادل ثروته ب5 مرات.. كيف يربح ترامب من الدعاوى القضائية؟ (تحليل بيانات)    شفيق التلولي: التحول في الرأي العام العالمي تجاه فلسطين تطور جوهري يجب البناء عليه    الرئيس أردوغان يهدي السلطان العماني سيارة توج الكهربائية    انضمام 12 عالمًا من جامعة المنصورة إلى عضوية اللجان الوطنية بأكاديمية البحث العلمي    محافظ البحر الأحمر: 75% من إنتاج بترول مصر يخرج من رأس غارب    تعرف على موعد تطبيق التوقيت الشتوي في أسيوط    «معاهم الفانوس السحري».. 3 أبراج لديها دائمًا حل لكل مشكلة    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    بمشاركة 158 استشاريا.. بورسعيد تحتضن أكبر تجمع علمي لخبراء طب الأطفال وحديثي الولادة    كوبارسي: الجماهير تحب الانتصارات الكبيرة في الكلاسيكو لكننا لا نفكر في ذلك    مصرع رسام الشارع الاخرس صدمه قطار بالمنيا    تجديد حبس صاحب محل موبايلات في «جريمة المنشار بالإسماعيلية» 15 يوما    صور| مصرع شابين سقط بهما مصعد كهربائي بطنطا    رئيس جامعة بنها يطمئن على طلاب كلية الفنون التطبيقية المصابين في حادث أسوان    يويفا يعلن قائمة الأسرع فى دورى أبطال أوروبا وسرعة محمد صلاح القصوى    المتروبوليتان يحتفى ب «آلهة مصر القديمة»    طرح البوستر الرسمي لفيلم "قصر الباشا" بطولة أحمد حاتم    أكرم القصاص: مصر الحليف الأنسب والقوى للاتحاد الأوروبى ولا بديل لها    مبابي ينافس بيدري على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإسباني لشهر أكتوبر    صندوق استصلاح الأراضى بالوادى الجديد يوافق على جدولة ديون المشروعات الزراعية    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    هل يجوز احتساب جزء من الإيجار من زكاة المال؟.. أمين الفتوى يجيب    إيناس جوهر رئيسًا لجنة إعلام الخدمة العامة.. وعمرو خفاجي مقررًا    محافظ شمال سيناء يستقبل نائب وزير الصحة لبحث جاهزية المنشآت الصحية (صور)    نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالى يشهدان افتتاح مؤتمر الجمعية المصرية للصدر    أنغام تحيي حفلا غنائيا في أوبرا الكويت نوفمبر المقبل    مدرب الاتحاد: تعرضنا للظلم أمام الأهلي    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    «التنظيم والإدارة»: «الوزراء» وافق على تخصيص جلسة مسائية للمتخلفين عن اختبارات التعيين    "وان أوف وان" تطلق مشروعين جديدين في الشيخ زايد والتجمع السادس    مصر تستضيف تنصيب الرئيس الجديد لبنك التصدير الأفريقي «أفريكسيم بنك»    «جهار»: 26 منشأة صحية حصلت على الاعتماد الكامل أو المبدئي    تجديد حبس والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته بمنشار فى الإسماعيلية 15 يوما    "مكافحة انتشار المخدرات" فى ندوة بطب بيطري أسيوط    بعد أزمة مواجهة برشلونة وفياريال.. الدوري الإيطالي يتمسك بإقامة مباراته في أستراليا    انطلاق دوري الأنشطة الرياضية لتلاميذ المدارس بالمحافظات الحدودية بجنوب سيناء    تعليم قنا: انتهاء عصر الانتقال الآلي من صف إلى آخر    فى ذكرى تدمير المدمرة ايلات ..اسرائيل : "ضربة موجعة" لإسرائيل في أعقاب حرب 1967    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة مصر وغانا في تصفيات كأس العالم للسيدات    مرور القاهرة يعلن إغلاق كوبري الأزهر السفلي لإجراء أعمال الصيانة    تكريم خالد جلال بختام ملتقى شباب المخرجين بمسرح السامر.. الليلة    وزير الخارجية الإسرائيلي: لا يوجد لإسرائيل صديق أعظم من الولايات المتحدة وممتنّون لإدارة ترامب على دعمها الثابت لإسرائيل    "واقع مزيف" يتوسع بصمت.. تحذير من الذكاء الاصطناعي    محافظ المنيا يتابع مستوى الخدمات بوحدة طب الأسرة بنزلة بني خلف بمغاغة    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    وصول حكام مباراة الزمالك وديكيداها للقاهرة استعدادا لموقعة الكونفدرالية    محافظ أسيوط: غدا فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه – 2026م وحتى 6 نوفمبر المقبل    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعجاز العلمي في قوله تعالى (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)
نشر في الشعب يوم 26 - 11 - 2015

الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: 146]
مقدمة:
جاء ذكر اليقطين في معرض الحديث عن قصة يونس عليه السلام، وهو نبي من الأنبياء أرسله الله عز وجل إلى قومه ليدعوهم لعبادة الله تعالى، لأن الله سبحانه ما خلق الخلق إلا لعبادته قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
وقد أنجاه الله تعالى بعد أن ابتلاه، ثم أنبت عليه هذه الثمرة بعد أن أخرجه من بطن الحوت، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: 139-146].
ولعل من المناسب أن أسرد في هذه المقدمة شيئاً من تلك القصة، لتكون مدخلاً لموضوعنا هذا، حيث بعث الله عز وجل يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل -وهي مدينة معروفة في العراق- فدعاهم إلى الله عز وجل فكذبوه وتمردوا عليه وأصروا على كفرهم وعنادهم، فلما طال عليه أمرهم خرج من بين أظهرهم وتوعدهم بنزول العذاب، وبعد خروجه من بين ظهرانيهم وتحققوا نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم فكشف الله سبحانه عنهم العذاب.
أما هو عليه السلام فقد ذهب مغاضباً بسبب قومه فركب سفينة في البحر فلما صار هو ومن معه في وسط اليم لجّت بهم واضطربت وماجت بهم وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون، فتشاوروا فيما بينهم على أن يقترعوا فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتخففوا منه فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس فلم يسمحوا به فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضاً فشمر ليخلع ثيابه ويلقى بنفسه فأبوا عليه ذلك ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضاً لما يريده الله به من الأمر العظيم.
وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقي في البحر وبعث الله عز وجل حوتاً عظيماً من البحر فالتقمه، وهنالك قال ما قال بلسان الحال والمقال كما أخبر عنه ذو العزة والجلال الذي يعلم السر والنجوى، ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 87-88] والمراد بالظلمات ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل(1).
والسؤال الآن لماذا ذكرت شجرة اليقطين بذاتها؟ هل لها ميزة على غيرها من الأشجار؟ وهل ذكرها جاء بمحض الصدفة أم أن قائلها يوحى إليه من خالق عليم؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله فيما سيأتي من ورقات.
الآيات الواردة في شأن الموضوع:
1. ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: 98].
2. وقال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88].
3. وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: 139-146].
4. وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القلم: 48- 50].
أما معنى قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ فقيل معناه لولا أنه سبح الله هنالك وقال ما قال من التهليل والتسبيح والاعتراف لله بالخضوع والتوبة إليه والرجوع إليه للبث هنالك إلى يوم القيامة ولبعث من جوف ذلك الحوت، وقيل معناه فلولا أنه كان من قبل أخذ الحوت له من المسبحين أي المطيعين المصلين الذاكرين الله كثيراً.
ويشهد لهذا حديث ابن عباس أنه ركب خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا غلام إني معلمك كلمات: إحفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فلتسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف»(2).
ولن نتناول أقوال المفسرين بأكثر من هذا فيما تقدم من الآيات؛ فالذي يعنينا هو أن تلك الحادثة قد ورد ذكرها في كتاب الله تعالى وهي حادثة إلقائه في البحر والتقام الحوت له ومن ثم نبذه في العراء وإنبات شجرة اليقطين عليه.
الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- واليقطين (الدبّاء):
عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "إن خياطاّ دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعه، قال أنس ابن مالك: فذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك الطعام فقرب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبزاً ومرقاً فيه دبّاء وقديد، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدبّاء من حوالي القصعة، قال فلم أزل أحب الدبّاء من يومئذ"(3).
ولشراح الحديث تعليقات مفيدة لا غنى عنها لفهم معاني الحديث، فقد ذكر ابن حجر في الفتح ما نصه: "الدبّاء هنا في الحديث هو اليقطين، وفيه جواز أكل الشريف طعام من دونه من محترف وغيره، كما ههنا، وإجابة دعوته ومؤاكلة الخادم وبيان ما كان في النبي -صلى الله عليه وسلم- من التواضع واللطف بأصحابه، وتعاهدهم بالمجيء إلى منازلهم، وفيه الإجابة إلى الطعام ولو كان قليلاً، ومناولة الضيفان بعضهم بعضاً مما وضع بين أيديهم وإنما يمتنع من يأخذ من قدام الآخر شيئاً لنفسه أو لغيره.
وفيه الحرص على التشبه بأهل الخير والاقتداء بهم في المطاعم وغيرها، وفيه فضيلة ظاهرة لأنس لاقتفائه أثر النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في الأشياء الجبلية وكان يأخذ نفسه باتباعه فيها رضي الله عنه"(4).
وأضاف النووي قائلاً: "وفيه فوائد منها إجابة الدعوة وإباحة كسب الخياط وإباحة المرق وفضيلة أكل الدبّاء وأنه يستحب أن يحب الدبّاء وكذلك كل شيء كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وأنه يحرص على تحصيل ذلك وأنه يستحب لأهل المائدة إيثار بعضهم بعضاً إذا لم يكرهه صاحب الطعام، وأما تتبع الدبّاء من حوالي الصحفة فيحتمل وجهين:
أحدهما: من حوالي جانبه وناحيته من الصحفة لا من حوالي جميع جوانبها فقد أمر بالأكل مما يلي الإنسان.
والثاني: أن يكون من جميع جوانبها وإنما نهى ذلك لئلا يتقذره جليسه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يتقذره أحد بل يتبركون بآثاره -صلى الله عليه وسلم- فقد كانوا يتبركون ببصاقه -صلى الله عليه وسلم- ونخامته ويدلكون بذلك وجوههم، وشرب بعضهم بوله وبعضهم دمه وغير ذلك مما هو معروف من عظيم اعتنائهم بآثاره -صلى الله عليه وسلم- التي يخالفه فيها غيره.
والدبّاء هو اليقطين وهو بالمد هذا هو المشهور وحكى القاضي عياض فيه القصر أيضاً الواحدة دباءة أو دباة والله أعلم"(5).
اليقطين في اللغة:
اختلف أهل الدراية ما هو اليقطين، فمن قائل هو كل ما ليس له ساق من النبات، ومن قائل هو الدبّاء أو القرع، فقد ورد هذا وهذا في أقوالهم، قال في لسان العرب: اليَقْطِين كل شجر لا يقوم على ساق نحو الدبّاء والقَرْع والبطيخ والحنظل، ويَقْطِينُ اسم رجل منه، واليَقْطِينة القَرْعة الرَّطبة، واليَقطين شجر القرْع، قال الله عز وجل: ﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: 146].
قال الفراء: قيل عند ابن عباس هو ورق القرْع، فقال وما جعَلَ القَرْعَ من بين الشجر يَقْطِيناً كل ورقة اتسعتْ وسترتْ فهي يَقْطينٌ، وقال مجاهد: كل شيء ذهب بَسْطاً في الأَرض يَقْطينٌ ونحو ذلك.
قال الكلبي: ومنه القَرْع والبطيخ والقِثَّاء والشِّرْيان، وقال سعيد بن جبير: كل شيء ينبت ثم يموت من عامه فهو يَقْطِينٌ(6).
فإن قيل: ما لا يقوم على ساق يسمى نجماً لا شجراً، والشجر: ما له ساق -قاله أهل اللغة-، فكيف قال شجرة من يقطين؟
والجواب: أن الشجر إذا أطلق كان ما له ساق يقوم عليه وإذا قيد بشيء تقيد به، فالفرق بين المطلق والمقيد في الأسماء باب مهم عظيم النفع في الفهم ومراتب اللغة(7).
ومن جانب آخر فإن القرآن لم يستعمل كلمة نبات إلا كاسم مصدر مثلاً: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 99].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً﴾ [نوح: 17] كما لم يستخدم كلمة حيوان إلا بذات الطريقة: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 64].
ولكنه استخدم لفظ شجرة للنبات، ودابة للحيوان في مواضع كثيرة من القرآن، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ﴾ [الحج: 18].
وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ [لقمان: 27].
وقوله: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: 6] وكذلك في نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن اقتراب المسجد لمن أكل البصل والثوم؛ كما قال عمر رضي الله عنه: "ما أراهما إلا شجرتين خبيثتين"، فكان العرب حينها يطلقون على النبات لفظ الشجر، وبهذا يمكننا أن نقدم تعليل آخر لتسمية اليقطين شجرة في الآية المتقدمة.
وقد ذكرت الآية شجرة اليقطين بصيغية التنكير ﴿شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ [الصافات:146]؛ ومعلوم أن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، وبهذا يمكن أن تطلق اللفظة على كل عائلة اليقطينيات، دون تحديد لنوع معين، فيمكن أن تفيد اللفظة بأن اليقطين إنما هو من جنس أو قبيلة اليقطينيات.
فقد يكون النبات المعيّن الذي أنبت على يونس عليه السلام هو يقطين معين يستعمله الناس في جزيرة العرب، ولكن كما يقول أهل التصنيف النباتي: إن الصفات المورفولوجية الشكلية الظاهرة والتشريحية تتشابه وتتقارب وتشترك أحياناً بين أفراد الفصيلة الواحدة(8).
فالراجح من اليقطين هو الدبّاء (القرع)، قال ابن كثير: اليقطين هو القرع وهو قول جمهور السلف(9)، وقال ابن حجر: والمشهور أنه القرع(10).
اليقطين عند علماء المسلمين:
عرف لليقطين فوائد جمة منذ زمن بعيد، وقد كان المسلمون يقدمونه في موائدهم اقتداءاً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحبوه لحبه إياه، ومن ثم عرفوا له فوائد كثيرة ومنافع جمة، ذكرها المهتمون بالطب في كتبهم، فاليقطين بارد رطب يغذو غذاء يسيراً سريع الانحدار وإن لم يفسد قبل الهضم وله خلط صالح وسبب محبته له ما فيه من زيادة العقل والرطوبة وما خصه الله به من إنباته على يونس حتى وقاه وتربى في ظله فكان له كالأم الحاضنة لفرخها(11).
وذكر بعضهم في القرع فوائد منها:
سرعة نباته وتظليل ورقه لكبره، ونعومته، وأنه لا يقربها الذباب، وجودة تغذية ثمره، وأنه يؤكل نيئاً ومطبوخاً بلبه وقشره أيضاً، وقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحب الدبّاء ويتتبعه من نواحي الصحفة(12).
ومن فوائده: أنه يتولد منه خلط محمود مجانس لما يصحبه، فإن أكل بالخردل تولد منه خلط حرّيف، وبالملح خلط مالح ومع القابض قابض وإن طبخ بالسفرجل غذا البدن غذاءاً جيداً.
وهو لطيف مائي يغذو غذاءاً رطباً بلغمياً وينفع المحرورين ولا يلائم المبرودين ومن الغالب عليهم البلغم، وماؤه يقطع العطش ويذهب الصداع الحار إذا شرب أو غسل به الرأس، وهو ملين للبطن كيف استعمل ولا يتداوى المحرورون بمثله ولا أعجل منه نفعاً.
ومن منافعه: أنه إذا لطخ بعجين وشوي في الفرن أو التنور واستخرج ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة سكن حرارة الحمى الملتهبة، وقطع العطش، وغذى غذاء حسناً، وإذا طبخ القرع وشرب ماؤه بشيء من عسل وشيء من نطرون أحدر بلغماً ومرة معاً، وإذا دق وعمل منه ضماد على اليافوخ نفع من الأورام الحارة في الدماغ، وإذا عصرت جرادته وخلط ماؤها بدهن الورد وقطر منها في الأذن نفعت من الأورام الحارة وجرادته نافعة من أورام العين الحارة ومن النقرس الحار، وهو شديد النفع لأصحاب الأمزجة الحارة والمحمومين، ومتى صادف في المعدة خلطاً رديئاً استحال إلى طبيعته وفسد وولد في البدن خلطاً رديئاً ودفع مضرته بالخل والمري، وبالجملة فهو من ألطف الأغذية وأسرعها انفعالا(13).
اليقطين والعلم الحديث:
يقول أهل الصيدلة: إن المكونات الكيميائية قد تكون مشتركة بين أفراد الفصيلة الواحدة في النبات، وبناء على ذلك فقد توجه البحث لمعرفة مكونات بعض اليقطينات وأثرها الوقائي والعلاجي(14).
الجدير بالذكر أن اليقطينيات فصيلة كبيرة بها حوالي ألف نوع نباتي، وهي تنتشر في الأقاليم المدارية وشبه المدارية وتتميز بالأوراق الكبيرة وبالأزهار خماسية الأجزاء، ومنها، القرع العسلي، وقرع الكوسة، وقرع الأواني، والحنظل، وغيرها.
اختيرت بعض اليقطينيات المشهورة في البحث الأول واختبرت ضد البكتريا واليقطينيات هي قرع الأواني Siceapia Lagenaria والقرع العسلي Cucumis melo Var. flexosus والحنظل Citrullus colocunthis حيث زرعت الأنواع الأربعة ومن ثم تم تحضير مستخلصات مائية كحولية (الكحول الميثانولي) ومستخلص الكلوروفورم لمختلف أعضاء النباتات من الأنواع الأربعة، وتم اختبار هذه المستخلصات ضد أربعة أنواع من البكتريا وهي المكورات العنقودية الذهبية Bacillus Subtilis والبكتريا الاشريكية القولونية Escherchia coliوالبكتريا الزائفة الزنجارية Psudomonasa eruginosa فكانت النتائج التالية:
أولاً: أظهرت جميع الأنواع الأربعة من اليقطينيات فعالية ضد البكتريا ثم اختلفت درجة هذه الفعالية باختلاف نوع النبات والعضو المستخدم منه البكتريا والمستخلص وكما يلي:
أعطى القرع العسلي من الأوراق والحنظل من الثمار أعلى فعالية ضد البكتريا، كما أعطى طور الأزهار للنبات أعلى فعالية بالنسبة للأطوار الأخرى.
وكان المستخلص الكحولي الميثانولي هو أقوى المستخلصات فعالية وفي التجزئية الميثانولية للمستخلص كانت خلات الإيثيل أعلى فعالية مقارنة بالبيوتانول والأثير البترول، وبالنسبة للبكتريا كانت الحساسية ضد البكتريا موجبة القرام ve-Gram أقوى منها في البكتريا سالبة القرامGram-ve وكل هذا يؤكد تأثير اليقطينيات الناجح وقاية وعلاجاً ضد الميكروبات خاصة.
أما بالنسبة للبحث الثاني فقد انطلق لمعرفة تأثير اليقطينيات على الحشرات، واختبرت بعض اليقطينيات منها قرع الأواني والحنظل سالفي الذكر ثم قرع الكوسة على بعض الحشرات مثل الذبابة المنزلية وآفات المخازن.
هذا وقد وجد حتى الآن أثر طارد لكل من الحنظل قرع الأواني وقرع الكوسة على آفات المخازن Tribolium castoneum وتأثير على تطور عذراء الذبابة المنزلية، ولازال البحث جارياً في هذا المضمار وهو يؤكد تأثير اليقطينيات الواقي ضد الحشرات وبالتالي الأمراض التي تنقلها.
أما أهم المواد الكيميائية الطبية الموجودة في اليقطينيات فهي كوركويتبين Cucutbitacins وهي أنواع عديدة تختلف باختلاف أنواع اليقطين وهي تنتمي إلىالتربينات الثلاثية المسماة Tetracyclic triterpenes كما توجد مواد أخرى مثل بيتوزيد حمض ستراولين لوسين وتيروزين.
فهل يمكن أن يضاف كل ذلك لذكر اليقطين مع حالة يونس عليه السلام فور خروجه من بطن الحوت، وبغض النظر عن أكل سيدنا يونس عليه السلام من اليقطين المذكور أو عدم أكله منه، فإنه أي اليقطين جيد الغذاء سهل الهضم لا تجهد ثماره المعدة ولا الأمعاء ومفيد جداً لمرضى القلب والشيوخ والناقهين عموماً.
كما أنه ذو قيمة عالية جداً بفيتامين a مما يوضح فوائده للبصر في عدم جفاف قرنية العين والأغشية المخاطية المبطنة للجسم فهو يحتوي على 70810 ملجم لكل مائة جرام، كما يحتوي على نسبة معقولة من فيتامين C والفسفور، ونسب قليلة من فيتامينات B والحديد والنشا والسكر والبروتين والدهون.
وأخيراً هنالك استخدامات علاجية من بذوره ضد الديدان وضد الحروق والالتهابات أيضاً، وأكدت الدراسات أن أكل القرع الأصفر يمنع السرطان، وهنالك تأثير في حالات التهابات المسالك البولية وعسر البول وحرقته وهو مليّن ومفيد لمرضى القولون الغليظ(15).
وأظهرت التجارب التي أجرتها المحاضرة والباحثة في جامعة العلوم الماليزية الدكتورة نور عازيه عبد العزيز أن الأحماض الموجودة في اليقطين تمنع المواد النشوية من الهضم ما يؤدى إلى تخمير البكتيريا وإضعاف الخلايا السرطانية، مضيفة أن اليقطين غني بالألياف ويحتوى على فيتامين (أ) ومواد معدنية ومضادة للأكسدة.
وأضافت إنه بالإمكان الاستفادة من قشر اليقطين بعد تجفيفه ومزجه بالطحين لأغراض متعددة وتابعت قائلة: أدرس حالياً استخدام قشور وبذور اليقطين بعد مزجه بالطحين، مشيرة إلى أنه ليس لمسحوق هذه الثمرة طعم كالفاكهة ولكن بإمكان أي شخص استخدامه(16).
ويعد اليقطين من أسهل الخضراوات هضماً وأكثرها فائدة حسب ملحق جريدة الاتحاد الإماراتية (دنيا)، ونقلت الصحيفة عن خبير الأعشاب عبد اللطيف عاشور أن اليقطين يفيد في علاج العجز الجنسي حيث تمزج كميات متساوية منه مع بذور الخيار والبطيخ الأصفر وتطحن ويؤخذ منه ثلاث ملاعق يومياً، وهو مهضم ومسكن وملين ومدر للبول ويساعد في علاج البواسير والتهاب الأمعاء والأرق، كما يستعمل في الطب الشعبي ضد الحروق والخراجات بوضع كمادات عليها من معجون مسحوق البذور، كما تفيد بذور اليقطين في طرد الدودة الوحيدة بتناولها مع الحليب لمدة ثلاثة أيام، وأضافت نقلاً عن الدكتورة عزيزة فراج أستاذة النباتات أن بذور القرع مفيدة في علاج تضخم البروستات عند كبار السن(17).
وجه الإعجاز:
أثبت العلم الحديث فوائد العائلة اليقطينية عموماً واليقطين خصوصاً من الناحية العلاجية، وكما مر بنا أنه علاج للميكروبات والبكتريا بشكل خاص، وفي موضوعنا هذا تبين لنا أن اليقطين يتميز بصفات وخصائص تجعله من أولويات النباتات التي تصلح لأن تكون مجاورةً ليونس عليه السلام وهو في تلك الحالة من السقم، بعد أن لفظه الحوت بغض النظر عن الفترة التي بقي فيها في جوف الحوت، فالذي أنزل علينا هذا القرآن وأودع فيه ما أودع من الأسرار أخبرنا بتلك القصة التي قد تستعصي على عقول البعض ممن لا يؤمنون إلا بالماديات ويصمون أعينهم وآذانهم عن عالم الغيب والمعجزات، فإن الذي جعل النار برداً وسلاماً لإبراهيم هو ذات الإله الذي أبقى يونس عليه السلام حياً في جوف الحوت.
وما من شك من أن اليقطين الذي ذكره الله تعالى في كتابه هو نفس اليقطين الذي أجرى عليه الباحثون اليوم تجاربهم وبحوثهم، ولا غرابة في الحقيقة من ذكر اليقطين في محكم التنزيل بعد أن كان السياق يدور حول قصة يونس عليه السلام؛ لأن الله تعالى وتقدس وعد بأن القرآن محفوظ وهو آية لنا على مر الزمان.
ومما جاء فيه من الآيات ما أودعه الله تعالى من أسرار في مختلف مجالات العلوم، وينبغي أن تكثف البحوث أكثر وأكثر حول النبات المبارك اليقطين أو القرع واليقطينيات عموماً؛ لما في هذه البحوث من مزيد الفائدة، وإظهاراً لإعجاز القرآن العلمي في عصرنا، فخلود القرآن آية وحفظه من التحريف والتبديل آية أخرى، وورود الآيات العلمية التي يتم اكتشافها بين الحين والآخر آية أعظم، بل إن القرآن هو معجزة الإسلام الخالدة بشتى الأساليب وبمختلف الفنون والعلوم، والله تعالى يقول: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53].
المصدر: جامعة الإيمان


_____________________
(1) البداية والنهاية لابن كثير1/ 231.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، 1/ 293، برقم: 2669، وقال الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح: صحيح، 3/ 149، برقم: 5302.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 737، برقم: 1968.
(4) فتح الباري 9/ 525.
(5) شرح النووي على مسلم 13/ 224.
(6) لسان العرب 13/ 342.
(7) زاد المعاد4/ 370.
(8) اليقطين غذاء ودواء بتصرف، أخذاً من موقع: http://www.nawafith.net
(9) مختصر ابن كثير3/ 224.
(10) فتح الباري - ابن حجر6/ 451.
(11) فيض القدير5/ 229.
(12) تفسير ابن كثير 4/ 28.
(13) زاد المعاد4/ 370
(14) اليقطين غذاء ودواء أخذاً من موقع: http://www.nawafith.net
(15) اليقطين غذاء ودواء بتصرف، أخذاً من موقع:
http://www.nawafith.net
(16) اليقطين مفيد في مكافحة الخلايا السرطانية أخذا من موقع:
http://www.afkaaar.com
(17) اليقطين يساعد في علاج الضعف الجنسي، أخذا من موقع:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.