كشف موقع إلكتروني أمريكي متخصص وثائق عسكرية سرية أظهرت "صورة مدمرة" لما وصف "بالحرب الفاشلة في أفغانستان"، كما كشفت المستندات أن قوات الاحتلال الغربية قتلت المئات من المدنيين الأفغان في حوادث لم يبلغ عنها. فيما أدانت واشنطن نشر تلك الوثائق، في حين رفضت باكستان التلميح لعلاقتها بحركة طالبان الأفغانية. وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن المستندات، التى يتجاوز عددها التسعين ألف وثيقة، حصلت عليها من موقع "ويكيليكس" المتخصص في تسريب المعلومات والتقارير السرية. وأفادت بأن هذه الملفات، التي حصلت عليها أيضا صحيفة "الجارديان" البريطانية ومجلة "دير شبيجل" الأسبوعية الألمانية، تظهر أن باكستان تسمح لعناصر من مخابراتها بالتعاطي مباشرة مع حركة طالبان في أفغانستان.
وذكر موقع صحيفة "الجارديان" مساء الأحد أن عددا كبيرا من الملفات أظهرت صورة مدمرة لما وصفته بالحرب الفاشلة في أفغانستان.
كما كشفت أن قوات الاحتلال قتلت المئات من المدنيين في أفغانستان في عدد من الحوادث لم يتم الإبلاغ عنها. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الملفات تعد واحدة من أكبر التسريبات في تاريخ الجيش الأمريكي.
ويأتي الكشف عن تلك المعلومات عبر أكثر من 90 ألف وثيقة تتناول حوادث وتقارير استخباراتية تتعلق بالصراع الدائر في أفغانستان خلال السنوات الست الماضية.
وتذكر الوثائق بصورة مفصلة عمليات القتال بين يناير 2004، وحتى ديسمبر 2009، والتي أودت بحياة ما يربو على 320 جنديا من القوات البريطانية وأكثر من ألف جندي أمريكي.
قوة طالبان كما أوضحت الوثائق وجود زيادة كبيرة في الهجمات التي تشنها حركة طالبان على قوات الاحتلال التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، علاوة على مخاوف قادة الحلف من قيام باكستان وإيران المجاورتين لأفغانستان بإذكاء ما زعمت أنه "تمرد" في البلاد.
وقالت "نيويورك تايمز" إن هذه المستندات "توحي بأن باكستان، وهي حليف حقيقي للولايات المتحدة، تسمح لعناصر في جهاز استخباراتها بالتعاطي مباشرة مع طالبان".
ووصفت الصحيفة هذه الاتصالات بأنها "جلسات إستراتيجية سرية"، وأن هذه الاستخبارات "تنظم شبكات لمجموعات مقاتلين يحاربون الجنود الأمريكيين في أفغانستان، حتى أنها تحضر مؤامرات تهدف إلى اغتيال قادة أفغان".
وقال موقع ويكيليكس إن الوثائق التي أسماها بيوميات الحرب الأفغانية كتبها جنود وضباط إستخبارات "وهي تصف في الأساس الأعمال العسكرية المميتة التي يشارك فيها الجيش الأمريكي".
وقال إن التقارير لا تغطي العمليات بالغة السرية أو العمليات التي تقوم بها القوات الأوروبية والقوات الدولية الأخرى المعروفة بأسم إيساف.
وقالت "التايمز" إن المعلومات عبارة "عن يوميات لقوة أمريكية تفتقد غالبا للموارد والإهتمام وهي تحارب التمرد الذي ينمو بشكل أكبر و يتحسن التنسيق له و تزداد ضرباته المميتة كل عام".
سجل غير كامل وأعترفت "التايمز" بأن الوثائق "سجل غير كامل عن الحرب. كما أنها لا تغطي أحداث في عام 2010 مع بدء زيادة القوات في أفغانستان ووجود إستراتيجية جديدة لمكافحة التمرد".
ولكنها ذكرت أن الوثائق تعطي "صورة محبطة للشرطة والجنود الأفغان الذين ينفق عليهم البنتاجون مليارات الدولارات من أجل التدريب".
وقالت التايمز "تسرد التقارير روايات عن وحشية الشرطة وفساد على نطاق صغير وكبير وإبتزاز وخطف. كما يهرب بعض ضباط الشرطة إلى حركة طالبان. ويتهم آخرون بالتعاون مع المتمردين ومهربي الأسلحة وعصابات الطرق".
وقالت الصحيفة إن باكستان حليف الولاياتالمتحدة والتي تتلقى أكثر من مليار دولار سنويا من واشنطن تسمح لجهاز مخابراتها بالتعاون مع طالبان ومقابلتهم سرا "لتنظيم شبكات الجماعات المسلحة التي تحارب الجنود الأمريكيين في أفغانستان".
وركزت الجارديان على وحدات القوات الخاصة ( الكوماندوز ) مثل قوة المهام 373 وهي مجموعة مميزة من عناصر الجيش والبحرية والتي تتعقب قادة طالبان من أجل "قتلهم أو إعتقالهم" دون محاكمة.
وقالت إن الولاياتالمتحدة تخفي أدلة عن حصول طالبان على صواريخ أرض جو.
ضحايا مدنيون ووصفت التايمز كيفية التستر على عمليات قتل المدنيين الأفغان "وأن الكثير من الحالات لا يعلن عنها في حينها".
وفي زيارة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي للبيت الأبيض في مايو الماضي بحث مشكلة سقوط خسائر مدنية في العمليات الأمريكية وحلف الناتو وهو موضوع كان مصدر كبير للتوترات مع كابول.
وقال أوباما وقتها "إننا مهتمون بتقليل الخسائر المدنية ليس لأنها تمثل مشكلة للرئيس كرزاي .. ولكن لأنني لا أريد قتل مدنيين .. ونحن نبذل قصارى جهدنا لمنع وقوع ذلك".
وتحدثت "دير شبيجل" عن الوضع الأمني المحفوف بالمخاطر والمتدهور في الشمال حيث تنتشر القوات الألمانية.
وأفادت التايمز إن وكالة الإستخبارات المركزية وسعت دورها في أفغانستان بوحدات شبه نظامية لترتيب الكمائن وتنظيم الغارات الجوية. وقالت "في الفترة من 2001 إلى 2008 دفعت وكالة الإستخبارات المركزية ميزانية وكالة الإستخبارات الأفغانية وتديرها كجهاز تابع لها".
بؤس الحرب وقال جوليان أسانج، مؤسس موقع "ويكيليكس،" الذي نشر الوثائق، إنها تكشف بيانات الجيش الأمريكي الخاصة بالحرب من قتلى، وضحايا وتهديدات، لافتاً إلى أن تلك المستندات تكشف "بؤس" الحرب، وعن حوادث صغيرة لم يكشف عنها وساهمت في رفع الحصيلة الضخمة للقتلى المدنيين.
ومن جانبه قال السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، إن الوثائق "تثير تساؤلات جدية بشأن حقيقة السياسة الأمريكية تجاه باكستانوأفغانستان."
وسبق وأن سلطت الأضواء على الموقع الإلكتروني "ويكيليكس" بعد نشره في إبريل شريط يعود فيديو، يعود تاريخه إلى عام 2007، يصور هجوم شنته مروحية عسكرية أمريكية على مدنيين في العراق مما أدى لمقتل العشرات منهم، بينهم صحفيان غير مسلحان من وكالة "رويترز" للأنباء.
وقال أسانج، وهو قرصان كمبيوتر سابق "هاكر" إن الموقع الذي دشنه فى العام 2007، يتلقى معلوماته، عبر البريد أو البريد الإلكتروني، من جهات مجهولة وأنه يقوم على مراجعتها للتأكد من مصداقيتها قبيل نشرها.
وشدد على أن الموقع نادراً ما يتعرف على هوية الجهة مصدر التسريب، "وفي حال حدوث ذلك نقوم بتدمير تلك المعلومة في أسرع وقت."
ويذكر أن الجيش الأمريكي قام بتسريح الجندي برادلي مانينج، 22 عاماً، بشبهة تسريب الفيديو السري وتوجيه ثمانية تهم له بانتهاك القواعد الجنائية الأمريكية بنقل بيانات سرية.
تنديد أمريكي وسارع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز إلى إدانة نشر هذه الوثائق، وقال إن "الولاياتالمتحدة تدين بشدة نشر معلومات سرية من جانب أشخاص ومنظمات بإمكانها وضع حياة الأمريكيين وحلفائنا في خطر، وتهديد أمننا القومي".
وأضاف جونز في بيان أن موقع ويكيليكس "لم يحاول الاتصال بنا بشأن هذه المستندات، إذ لم تعلم الولاياتالمتحدة بوجود هذه المستندات (السرية) إلا عبر الصحافة".
وأكد أن "هذه التسريبات غير المسئولة لن يكون لها أي تأثير على التزامنا الحالي الرامي إلى تعزيز تحالفنا مع أفغانستانوباكستان، للتغلب على أعدائنا المشتركين، ودعم تطلعات الأفغان والباكستانيين"، وفق مزاعمه.
باكستان تنفي ومن جهته وصف السفير الباكستاني في الولاياتالمتحدة حسين حقاني نشر المستندات السرية بأنه "غير مسئول"، وشدد على أن بلاده ملتزمة بالكامل بمكافحة المجاهدين الإسلاميين. وقال إن هذه المستندات تضمنت معلومات غير دقيقة، مضيفا أنها "لا تعكس الواقع على الأرض"، حسب زعمه.
وزعم حقاني في بيان إن "هذه التقارير لا تعكس شيئا أكثر من تعليقات صادرة عن مصدر واحد وعن إشاعات، وهي كثيرة على جانبي الحدود وتبين أنها خاطئة بعد دراستها بشكل أعمق".
وأشار السفير الباكستاني إلى أن حكومة بلاده "تتبع إستراتيجية محددة بوضوح، من خلال محاربة وتهميش الإرهابيين. وأجهزة استخباراتنا المدنية والعسكرية تتبع هذه السياسة"، على حد زعمه.
يشار إلى أن قتل المدنيين الأفغان جراء عمليات الناتو تكرر مرارا منذ بداية العدوان على أفغانستان فى العام 2001.
كما ترددت أنباء عن تدخل باكستاني في أفغانستان، ففي وقت سابق من هذا الشهر نشرت كلية لندن لعلم الاقتصاد تقريرا أشار إلى أن تأييد طالبان كان "سياسة رسمية" للمخابرات العسكرية الباكستانية، غير أن إسلام آباد نفت بشدة ذلك الزعم.
مشهد مختلف من جانبها، قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن الوثائق العسكرية الأمريكية عن حرب أفغانستان التي سُرِّبت مؤخراً تكشف عن مشهد مختلف تمام الاختلاف عن تلك الصورة التي باتت مألوفة لدى الناس.
وأضافت أن من المهم التعامل مع تلك الوثائق باعتبارها تمثل فهرساً معاصراً للصراع في أفغانستان، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن بعض أكثر التقارير الاستخبارية إثارة مشكوك في مصدرها، كما أن بعض سجلات قوات التحالف حول الضحايا المدنيين تبدو غير موثوق بها.
وكانت"الجارديان" تعلق في افتتاحيتها اليوم على الكم الهائل من الوثائق السرية التي بثها موقع "ويكليكس" الإلكتروني، ونشرتها الصحيفة البريطانية بالتزامن مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ومجلة "دير شبيجل" الأسبوعية الألمانية.
واستهلت الصحيفة تعليقها بالقول إن ضباب الحرب الذي يكتنف أفغانستان ملبد بشكل غير اعتيادي، لكنه ما أن ينقشع حتى يتبدى مشهد مختلف تماما عما بات مألوفاً لدينا.
فوضى عارمة وتابعت قائلة "إن سجلات الحرب تلك، التي دوِّنت في وطيس المعارك، تكشف النقاب عن صراع يتسم بفوضى عارمة وارتباك. وهو مشهد ينطوي على قدر من التناقض مع الصورة المعلنة لحرب حسنة الترتيب تُبث عنها معلومات منتقاة، كما توحي بذلك البيانات الرسمية واللقطات الخاطفة والانطباعات العابرة لتقارير المراسلين المرافقين (للجيوش)".
غير أن الصحيفة المحسوبة على تيار يسار الوسط في بريطانيا تقول إنها استبعدت أي مواد وردت في الوثائق السرية من شأنها تهديد سلامة القوات والمخبرين والمتعاونين المحليين في أفغانستان.
ومضت إلى القول إن الصورة الإجمالية التي تصدر من هناك مقلقة جداً، مشيرة إلى أنها ليست أفغانستان التي توشك الولاياتالمتحدة وبريطانيا على تسليمها "هدية مغلفة ومزينة بأشرطة وردية" إلى حكومة وطنية ذات سيادة.
وبدت الصحيفة أكثر تشاؤما وهي تختتم افتتاحيتها بقولها إنه بعد مُضي تسع سنوات من الحرب فإن الأوضاع تنذر بفوضى قد تعم.
وخلصت إلى أن حرباً شُنت في ظاهرها لاستمالة قلوب وعقول الأفغان لا يمكن أن تنتهي بنصر بهذه الطريقة.