لكن الاسم رابعة لا يمكن أن يمحى بهذه السهولة من الذاكرة المؤلمة للمصريين، لأن الحديث اليوم يدور عن اسم حركة وليس مجرد ميدان أو مسجد. سيتعذر على النظام أن يجعل رمز وذكرى قوية كهذه طي النسيان". كانت هذه إحدى فقرات تقرير لموقع "ميدل نيوز" الإسرائيلي وصف فيه أحداث فض اعتصام رابعة العدوية قبل عامين ب"أكثر الأيام دموية في تاريخ الجمهورية المصرية. وزعم أن نظام السيسي يحاول جاهدا محو "الوصمة السوداء" من الذاكرة الجمعية المصرية، دون جدوى. إلى نص المقال.. قبل عامين، بدت مصر مختلفة تماما عما هي عليه الآن. عشرات الآلاف عاشوا آنذاك على مدى عدة أسابيع في خيام بميدان رابعة العدوية بالقاهرة، احتجاجا على الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي من الحكم على يد الجيش. في 14 أغسطس 2013 فض النظام المصري باستخدام العنف عشرات الآلاف من المتظاهرين، ما انتهى بأكثر الأيام دموية في تاريخ الجمهورية المصرية. تقول منظمات حقوق الغنسان إن 817 شخصا على الأقل قتلوا في "مذبحة رابعة" في ذلك اليوم، وربما كان العدد الحقيقي أكبر كثيرا. ورغم تسجيل حالات مقاومة عنيفة من قبل المتظاهرين، فإن تنظيمات حقوق الإنسان حددت أن غالبية القتلى لم يكونوا مسلحين. مستوى العنف الذي مورس ضد المتظاهرين لم يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام والنخبة المؤسسية، الذين فضلوا تصوير المتظاهرين كمحرضين مسلحين والزعم أن منظمات حقوق الإنسان تعرض معلومات مضللة. منذ ذلك الوقت، اصبح ميدان رابعة رمزا للنضال من قبل التنظيمات التي تحاول الاستمرار والتظاهر ضد نظام عبد الفتاح السيسي، الذي قاد الانقلاب ضد مرسي. النظام من جانبه فضل تغيير اسم الميدان لميدان هشام بركات، على اسم النائب العام الذي قتل في تفجير، لكن يأتي ذلك في محاولة لمحو الذكرى الجمعية لما حدث خلال الفض العنيف للتظاهرات. علاوة على ذلك، تجرى حاليا دراسة اتخاذ إجراءات قضائية ضد كل من يذكر اسم "رابعة" في البرلمان القادم. لكن الاسم رابعة لا يمكن أن يمحى بهذه السهولة من الذاكرة المؤلمة للمصريين، لأن الحديث اليوم يدور عن اسم حركة وليس مجرد ميدان أو مسجد. سيتعذر على النظام أن يجعل رمز وذكرى قوية كهذه طي النسيان. في ظل الروايتين المختلفتين لما حدث في هذا اليوم من أغسطس 2013، والذي حلت ذكراه الثانية مؤخرا. يحاط الميدان بمواقع الشرطة، ويصعب التصديق أن الساحة الهادئة، التي يمكن المرور أمامها في غمضة عين، كانت قبل عامين ما يسميه عناصر المعارضة "حمام دماء". مازال الجمهور المصري يتساءل إلى اليوم، من يتحمل مسئولية الموت؟ من فتح النار أولا؟ وما هو العدد الحقيقي لمن قتلوا هناك؟. الروايات المختلفة لما حدث في هذا اليوم من أغسطس 2013 ساهمت في الاستقطاب الذي ما زال موجودا في المجتمع المصري. واقعيا، في مصر اليوم، يحاول الكثير من المواطنين أن ينسوا الوصمة السوداء، أو الحمراء، التي حدثت في ذلك اليوم. خلال عامين مرا منذ المذبحة، واصل النظام، تنفيذ مداهمات لمؤيدي الإخوان المسلمين، ولهذا يفضل الكثير من المصريين عدم الخوض في الموضوع. قليلون فقط من يصرحون علانية بالألم العميق الذي يشعرون به بعد هذا اليوم. “كان هذا أسوأ شيئا في حياتنا"، يتذكر نور الدين، مصري يبلغ 18 عاما في حديث مع موقع "جلوبال بوست". سيدة أخرى وصفت ذلك بأنه كان مثل "مشهد سينمائي" و"سفك دماء". رواد مواقع التواصل الاجتماعي وعناصر المعارضة زعموا أن أحداث رابعة هي بمثابة "خط فاصل بين الإنسانية والحيوانية". آخرون وصفوها ب"المحرقة"، و"جريمة ضد الإنسانية" و"أكبر مذبحة في تاريخ مصر". وتعهدوا بمواصلة الثورة ضد النظام لحين تحقيق أهدافها: عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية. بالنسبة للكثير من المصريين، كان الجانب المزعج للغاية ل"مذبحة رابعة" الطريق الذي كشف وضاعف الانقسامات العميقة في المجتمع المصري. في عيون الكثيرين أجهز الحادث على أمل مصر في مستقبل أفضل. الكثيرون، وتحديدا الشباب، بدءوا في التشكك في القيادة، لاسيما وأن شخصا واحدا لم تتم محاكمته في أعقاب القتل الجماعي للمتظاهرين.