مثل أي نظام سياسي، تحاول هذه الحكومة محو ما وقع في الماضي واستخدام اسم يتوافق مع سياساتها الحالية.” جاء هذا في سياق تقرير مطول نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني والذي سلط الضوء على الرؤى المتناقضة بخصوص القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية بتغيير اسم ميدان "رابعة العدوية" واستبداله باسم النائب العام الراحل المستشار هشام بركات الذي تم اغتياله في تفجير إرهابي نهاية يونيو الماضي.
ففي الوقت الذي يذهب فيه البعض إلى أن الخطوة لن تسهم في محو الذكرى الأليمة لفض اعتصام رابعة قبل عامين من ذاكرة الكثيرين، يتحمس البعض الأخر للقرار ويعتبره تكريما لشخصية خاضت معركة مع الإرهابيين. وإلى نص التقرير: تحيي مصر اليوم- الجمعة- الذكرى الثانية لمذبحة رابعة العدوية، عندما قامت قوات الأمن المصرية بفض اثنين من الاعتصامات لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في القاهرة.
لكن الاعتصام الأكبر المؤيد ل مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر قبل الإطاحة به من جانب المؤسسة العسكرية في ال 3 من يوليو 2013 كان في ميدان رابعة العدوية، في حين كان الأخر بميدان النهضة، قبل فضهما معا من جانب قوات الأمن في ال 14 من أغسطس 2013، ما أسفر عن وفاة نحو 1.000 شخص من المحتجين.
وقبل أيام قائلا من الذكرى الثانية ل فض اعتصام رابعة، وضع مسئولون حكوميون لافتات في ميدان رابعة، تفيد تغيير اسم الأخير واستبداله باسم النائب العام الراحل هشام بركات الذي تم اغتياله في تفجير إرهابي نهاية يونيو الماضي.
المراقبون نظروا إلى الخطوة على أنها محاولة لطمس ذكرى الفض الأليمة والقمع العنيف الذي استهدف مئات الآلاف من المحتجين على عزل مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وأصبح ميدان رابعة منذ ذلك الحين رمزا للمقاومة بعد أن شهد، وفقا لتقرير صادر عن منظمة " هيومان رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، مقتل ألف شخص على الأقل، معظمهم من مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين خلال فض الاعتصام.
لكن الحكومة المصرية طالما انتقدت تقرير المنظمة الحقوقية، قائلة إنه يشتمل على " معلومات مضللة.” ووافق مجلس الوزراء المصري رسميا على تغيير اسم ميدان رابعة العدوية في يوليو المنصرم، بعد ثلاثة أسابيع تقريبا من اغتيال النائب العام الراحل المستشار هشام بركات في تفجير استهدف سيارته.
وقال عبد الله فتحي رئيس نادي القضاة في تصريحات أدلى بها في اليوم الذي قُتل فيه بركات إن طلب تغيير اسم " رابعة العدوية" يهدف لمحو ذكرى اعتصام رابعة العدوية من الذاكرة واستبداله بذكرى خالدة أخرى، وهي استشهاد بركات. فرض رواية معينة وفي الوقت الذي يرى فيه نزار الصياد أستاذ العمارة والتخطيط والتصميم الحضري والتاريخ الحضري بجامعة كاليفورنيا في بيركلي أن تغيير اسم " رابعة العدوية" هو تقليد متبع من جانب كافة الأنظمة الحاكمة في مصر، فإنه يعتقد أيضا أن هذا التغيير لن يتم تطبيقه بسهوله.
وقال الصياد:” لا أتوقع أن يختفي اسم رابعة بسهولة. فالأشخاص الذين يدعمون النظام سيفرحون لتلك الخطوة، لكن أنصار الرئيس المعزول سيستمرون في تسمية الميدان ب رابعة.”
وأوضح أنه عندما وصل مبارك إلى سدة الحكم عقب اغتيال الرئيس أنور السادات، أقدم الأول على تغيير اسم ميدان التحرير واستبداله ب " أنور السادات"، لكن أحد لم يستخدم هذا الاسم.
وتابع:” ما يحدث الآن مع ميدان رابعة شيء مماثل،" مردفا " مثل أي نظام سياسي، تحاول هذه الحكومة محو ما وقع في الماضي واستخدام اسم يتوافق مع سياساتها الحالية.”
من جهته، يتفق نيكولاس سيمسيك-أريز، المرشح لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة أكسفورد مع ما ذهب إليه الصياد، بقوله:” تدمير أو محو مساحة من ذاكرة جماعية في مدينة ليس ظاهرة جديدة.”
واستطرد بقوله:” عبر التاريخ، وعلى الأخص في العصور الحديثة في مصر، كان ثمة محاولات دائمة للتأكيد على القوة عبر محو أو حتى فرض رواية معينة في مدينة ما.” تعميق الاستقطاب ويرى الكثيرون من المصريين أن تغيير اسم ميدان " رابعة العدوية" ما هو سوى رسالة من الحكومة إلى جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها بأن الأولى هي التي تحكم الآن، لاسيما أن النائب العام الراحل هشام بركات كان مسئولا عن أحكام الإعدام التي صدرت بحق مئات الأشخاص من أنصار الإخوان المسلمين.
وتحدث عبد الرحمن الدهشوري الطالب في كلية الحقوق ل " ميدل إيست آي"، قائلا:” هذه الخطوة أشبه ب كيد النساء [ تعبير مصري يُستخدم في سياق مضايقة النساء لبعضهن].”
وأردف الدهشوري، 21 عام، أن الحكومة تشبه سيدة عجوز تحاول مضايقة خصومها. وتابع:” كنت واحدا من الذين شاركوا في مظاهرات 30 يونيو، لكني على علم بأن أنصار الإخوان قد قتلوا هناك. فلماذا استثارة غضبهم؟"
وقال حسن إبراهيم، محاسب ويبلغ من العمر 32 عام إنه " ينبغي على الحكومة أن تكون مسئولة بدرجة أكبر من خلال اتخاذ القرارات التي تصب في صالح البلد بأكملها.” وأوضح:” هذا القرار يتسم بالصبيانية. كما أن جماعة الإخوان لم تعلن مسئوليتها عن اغتيال النائب العام الراحل هشام بركات. فهذا قرار ما كان يجب أن تتخذه الحكومة.”
وعلى الجانب الأخر، أعرب مواطنون آخرون عن تحمسهم للقرار الذي اتخذته الحكومة بتغيير اسم ميدان " رابعة العدوية"، ومن بينهم أبو بكر أبو المعاطي، 63 عام، مسئول حكومي متقاعد والذي أشار إلى أن هشام بركات قضى حياته في محاربة الإرهابيين، ولذا ينبغي تكريمه بالصورة اللائقة.”
وتعكس تلك الرؤى المتناقضة حول تغيير اسم ميدان رابعة حالة الاستقطاب العميقة في المجتمع المصري والتي يقول المراقبون إنها لن تقل مع تنفيذ القرار.