فى ردود فعل غير متوقعة من مجلس وزراء محلب على ثورة الموظفين التى اشتعلت، فى الأيام القليلة الماضية، وتحركت فى مظاهرات منطقة وسط البلد للمطالبة بإلغاء قانون الخدمة المدنية، ولم تبلغ ذروتها بعد، أكد أشرف العربى -وزير التخطيط- عدم التراجع عن القانون، وأن القيادة السياسية تقف بكل قوة خلف هذا القانون، فى إشارة ل"عبد الفتاح السيسي". وأكد العربى أن القانون يرسخ مبدأ "من جد وجد"، وأن من يقف ضده موظف كسلان، واللائحة التنفيذية للقانون سوف تصدر قريبا دون النظر لأى تظاهرات أو وقفات". وكان العربى قد صرح لموقع "المصرى اليوم"، بعد تصاعد ثورة الموظفين، أن الحكومة تدرس مطالبهم، إلا أنه عاد ونفى هذه التصريحات، مما يؤكد أن النظام مُصرٌّ على تطبيق القانون رغم ثورة الموظفين، وأن تعليمات عليا طلبت من الوزير نفى تصريحه السابق. فيما اعتبر مراقبون أن تصريح وزير التخطيط بدعم القيادة السياسية لتطبيق هذا القانون تهديد غير مباشر لثورة الموظفين، وأن عبد الفتاح السيسى هو الذى أصدر القانون، وأنه لا رجعة فى تطبيقه، وأكدوا أن القانون الجديد سحب جميع المخصصات المالية التى كانت تمول حوافز ومكافآت موظفى الضرائب والجمارك والآثار والشؤون الاجتماعية، وغيرها من الوزارات المدنية لصالح زيادة رواتب شركاء السلطة من العسكريين وضباط الشرطة والقضاة ورجال النياية.
"حرامية المالية"
وتصاعدت الأزمة بين وزير المالية وموظفى الضرائب والجمارك، بعد أن وصفهم الوزير (بأنهم شوية حرامية). فيما أكد العاملون أنهم سوف يطالبون بحقوقهم، وسوف يستخدمون كل السبل للحصول عليها، مؤكدين أنهم يعتبرون وزير المالية سبب الأزمة؛ لأنه وافق على تطبيق القانون على موظفى المالية، فى الوقت الذى تم استثناء وزارات وهيئات أخرى. يذكر أن موظفى المالية وبعض الوزارات الأخرى رفضوا مقابلة مندوب رئيس الوزراء أثناء الوقفه الاحتجاجية أمام نقابة الصحفيين، أمس، قائلين: "كل ده شغل مسكنات يا محلب".
المليونية القادمة
فيما أعلن عدد كبير من النقابات المهنية والعمالية تضامنهم مع ثورة الموظفين، مؤكدين أن المظاهرة القادمة ستكون مليونية ضخمة تشارك فيها كل الوزارات والهيئات، حتى وإن لم توافق أجهزة الشرطة عليها. وكان عدد من الاتحادات والنقابات الحرة قد أعلنت تضامنها مع ثورة الموظفين ضد قانون الخدمة المدنية، بخلاف 21 نقابة مهنية وعمالية، ومن بين هذه الاتحادات الجديدة "اتحاد العاملين المدنيين بالدولة- تحت التأسيس- الذى أصدر بيانا حيَّا فيه ثورة الموظفين، وخص رجال الضرائب قائلا: "اكتب جهتك ووقفتك امتي والاتحاد سيدعم وقفتكم". كما أعلنت حركة "حقى فين" للمعلمين أنها شاركت، أمس، فى وقفة نقابة الصحفيين، مؤكدة استمرار النضال مع شركاء الوطن ضد هذا النظام الذى لم يراع العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد. فيما أعلنت حركة "أبناء الأزهر الأحرار" رفضها لغطرسة السلطات الحاكمة، ورفضها مجرد الدخول فى حوار حول حقوق الموظفين، وأكدت الحرية تضامنها الكامل مع ثورة الموظفين لانتزاع حقوقهم من هذا النظام.
استثناء السيسى
وكان قرار عبد الفتاح السيسى باعتبار رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسري عليهما معايير الوظائف الإدارية العليا والتنفيذية وأحكام المادتين 19 و20 من قانون الخدمة المدنية؛ ليثير العديد من ردود الأفعال الغاضبة، ويعمق الانقسامات داخل الجهاز الإداري للدولة، كما أنه يرسخ لمبدأ عدم المساواة والشفافية، ويسمح بخلق بؤر فساد داخل الهيكل الإداري للدولة، مشددين على أنه يعود بالدولة إلى عهد الطبقية والامتيازات. ويقول المحامي الحقوقي محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي: إن القرار الجمهوري الذي أصدره السيسي بشأن استثناء موظفي الوزراء والرئاسة من مواد الخدمة المدنية الجديدة 19، و20 يعد ترسيخًا لمبدأ عدم المساواة والتمييز بين قطاعات وأخرى، مشيرا إلى أن القرار مخالف لنصوص الدستور التي تؤكد أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات. وأضاف زارع أنه لا يجوز الحديث عن جهات ذات طبيعة خاصة لا تسري عليها القوانين والأحكام التي تسري على الباقي، فذلك يعمق الانقسامات داخل الجهاز الإداري للدولة، ويعتبر خطوة على طريق مجتمع السادة والعبيد، لافتا إلى أن قرار السيسي يقلل كفاءات الموظفين، ويزيد من قيم السعي إلى نيل ولاء المسؤول الأعلى بشتى الطرق، وغالبا ما يكون بعيدا عن قيم الشفافية، بل تسود المزاجية، مما يخلق بؤر فساد في المؤسسات السيادية في الدولة. وأوضح المحامي الحقوقي أن تلك القرارات التعسفية لا تدمر المبادئ التي قامت عليها ثورة يناير وحسب، وإنما تقوض كافة الحقوق الواردة في الدساتير المصرية منذ ثورة 52، كما تعود بنا إلى عصور الطبقية والامتيازات. وأكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أن الأوضاع الحالية تزيد مشاعر الاحتقان والغضب لدى الشباب المتفوق، فإلى جانب الأحكام القضائية التي منعت خريجي الحقوق المتفوقين من الترشح لمنصب وكيل النيابة، لمجرد أن أحد والديه لم يحصل على شهادة عليا، ولكنه سعى بكل ما أوتي من قوة ليجعل من ابنه متفوقًا دراسيًّا، فتدمر الحكومة مستقبل ذلك الشخص، مشددا على أن ذلك يلغي قيم التكافل المجتمعي، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تدمير المجتمع.