"25 قتيلا وقرابة 700 جريحا"، كانت هذه حصيلة ضحايا الاشتباكات الطائفية المسلحة الأخيرة التي لم تمنع حرمة شهر رمضان من تجددها في ولاية غرداية الجزائرية، بين العرب والأمازيغ، لتشهد مناطق سهل وادي ميزاب وبريان والقرارة أعمال تخريب وحرق عشرات المنازل وواحات نخيل ومحال تجارية. المعركة مستمرة.. إلى متى؟ أحداث العنف بين الطرفين اندلعت مطلع الأسبوع، في الولاية الواقعة على بعد نحو 600 كيلومترا جنوب العاصمة الجزائر، وأرسلت قوات الأمن تعزيزات في محاولة لتهدئة الاشتباكات. غير أن القتال اشتد يوم الاثنين، عقب صلاة التراويح، وليل أمس الأول الثلاثاء، عندما اشتبك عشرات الملثمين بأسلحة بيضاء مدة ساعات، دون أن تتدخل قوات الأمن لتفريقهم، بحسب موقع "العربية نت". لماذا ولاية غرداية؟ يسكن بلدات منطقة غرداية غالبية من الأمازيغ الميزابيين الذين يتحدثون اللغة الأمازيغية ويتبعون المذهب الإباضي، وأقلية من العرب الشعانبة الذين يتبعون المذهب المالكي، وتتجدد المواجهات الطائفية والعرقية في هذه الولاية من آن لآخر منذ عدة سنوات، وفي هذه المدينة، يتنافس العرب والأمازيغ على المساجد والوظائف والمنازل والأرض. ما أسباب الصراع؟ الأمازيغ جزء من مكونات المجتمع الجزائري، وهم أول من سكنوا البلاد، ويتواجدون بشكل كبير بها، كما يمثلون حوالي ثلث السكان، ويحاولون إثبات وجودهم على الساحة الجزائرية في كافة المجالات حتى لو بإثارة العنف، بحسب محللين سياسيين. أما تسميتهم بالميزابيين فجاءت نسبة إلى مدينة ميزاب، ولأنهم يقطنون غرداية منذ نحو 10 قرون، وحرفتهم التجارية التي ازدهرت خلال هذه الفترة، صار العرب النازحين اليهم عقب الإستقلال منذ نحو نصف قرن يجدون أنفسهم على هامش الإقتصاد. وبحسب موقع "الميادين"، فإن الشعانبة العرب يقولون إن السلطات المحلية لم تبتكر لهم حلولا غير تلك الترقيعية وتتزامن عادة مع المواعيد الإنتخابية الكبرى ثم ما تلبث أن تتهاوى أمام حقيقة الأزمة. متى كانت البداية؟ شهدت ولاية غرداية وبلداتها ظهور بوادر الفتنة بين الأمازيغ والعرب منذ شهر مارس 2008، حين اندلعت مواجهات بين الطرفين، لكن أعنف المواجهات كانت تلك التي اندلعت في 29 ديسمبر 2008، في مدينة بريان بولاية غرداية، وتسبب في مقتل 3 أشخاص وجرح 4 آخرين. كيف تجددت الأزمة؟ في أبريل 2009، تجددت المواجهات بين أتباع الطائفتين، ما أدى إلى مقتل شخصين وجرح أكثر من 25 شخصا وتخريب عدد من المحلات التجارية، كما اندلعت اشتباكات عنيفة في ديسمبر من عام 2013، مرورا ببداية عام 2014 وفي فبراير الماضي، تجددت المواجهات وأدت إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 120 آخرين بجروح، واعتبرت تلك الأحداث الأعنف والأخطر التي تشهدها الجزائر، كونها أول مواجهات ذات طابع عرقي ومذهبي تشهدها الجزائر منذ الاستقلال. وبعدما اشتعل العنف في المدينة من جديد، في 13 يونيو الماضي، بعد أن توفي رجل متأثرا بجروح أصيب بها في أعمال عنف، على الرغم من محاولات احتواء الأحداث من السلطات الجزائرية، التي نشرت حوالي 10 آلاف شرطي ودركي في الشوارع الرئيسية للمدينة، جاءت الاشتباكات الأخيرة لتحطم رقما قياسيا جديدا في عدد الضحايا. كيف ردت السلطة؟ كلف الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، الجيش بمتابعة الحالة الأمنية في غرداية لوضع حد للمواجهات واستعادة الأمن، خلال اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن، عقده أمس الأربعاء على خلفيه الأحداث. كما كلف رئيس الوزراء، عبدالمالك سلال، بالعمل على إنجاز البرامج التنموية التي تم تخصيصها بهدف استعادة الوضع الطبيعي على أن تقوم النيابة بملاحقة العصابات الملثمة التي تقف وراء القتل والتخريب. وشكل المجلس لجنة عليا عسكرية وأمنية تعمل بالتنسيق مع الناحية العسكرية الرابعة، تكون مهمتها متابعة التطورات الميدانية، وقرر تعديل الإجراءات الأمنية التي تتبع عند وقوع اضطراب. كما سخرت القيادة نحو 5 آلاف شرطي وألفي مجند من قوات التدخل السريع، وأشرف قائد الناحية العسكرية الرابعة في الجيش الجزائري، والمشرف على الوضع الأمني بولاية غرداية، اللواء شريف عبد الرزاق ، على نشر هذه القوات في مخطط أمني جديد. وبدوره، أكد "سلال"، عبر صفحته على موقع فيسبوك"، أن بلاده ستكون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بأمن وسلامة المواطنين، وكل من يحاول المساس بوحدة البلاد واستقرارها، ومن يحاول عرقلة ما تم تحقيقه من مكتسبات على جميع الأصعدة. ما موقف الأحزاب؟ استنكرت الأحزاب السياسية في الجزائر هذه الأحداث الخطيرة في المنطقة، وعبر حزب "جبهة التحرير الوطني" عن "أسفه الشديد للتصعيد الخطير" الذي تشهده المنطقة، على الرغم من تجند الدولة بجميع مؤسساتها السياسية والتنفيذية والعسكرية والأمنية لإيجاد حلول مرضية وعادلة ودائمة. من جهته، دعا "التجمع الوطني الديمقراطي" إلى "التطبيق الصارم لقوانين الجمهورية ضد أولئك الذين يستخدمون العنف للمساس بأمن الأشخاص وممتلكاتهم" فيما رأت حركة "مجتمع السلم" أن ما يجري بغرداية "أمر خطير للغاية"، مشيرة إلى أن "بقاء الاقتتال لساعات طويلة بين الجزائريين من دون تدخل من الأجهزة الأمنية أمر غير مستساغ". وأعربت حركة "النهضة" عن قلقها الكبير حيال التطورات الخطيرة والمؤلمة التي تعيشها غرداية، ورفضت ما وصفتها بالمجازر التي راح ضحيتها مواطنون عزل.