"تأجيل سلطة رام الله مناقشة تقرير غولدستون، وتهنئة الأسيرات المحررات من سجون الاحتلال الصهيوني، وضرورة المصالحة كخيارٍ لا مناص منه، وضرورة التكاتف من أجل حماية الأقصى".. موضوعات تناولها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس". وفي خطابه الذي ألقاه في قلعة فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي مساء الجمعة (2-10) ضمن الفعالية التي أقامتها الحملة الأهلية السورية لاحتفالية "القدس عاصمة الثقافة العربية"؛ قال مشعل: "ما أعظم أن نقف اليوم أمام قلعة صلاح الدين!.. مهمة من يصنع التاريخ أن يحفر تاريخه في صخر الواقع القاسي، نقف على أعتاب التاريخ لنأخذ من التاريخ ما يخدم واقعنا، فنردم الفجوة بين تاريخنا المجيد وواقعنا الأليم". وبعد الإشارة إلى ذكرى فتح الأقصى على يد صلاح الدين عاد مشعل لينتقد ما أقدمت عليه سلطة محمود عباس المنتهية ولايته من مطالبةٍ بتأجيل مناقشة تقرير غولدستون بشأن أحداث غزة نهاية العام المنصرم. وأعرب مشعل عن صدمته من موقف سلطة رام الله التي تنكَّرت اليوم الجمعة لتقرير غولدستون ودعت إلى تأجيل بحثه؛ حيث قال: "صدمنا اليوم.. هذا عار.. إن دماء الأطفال والنساء في غزة سوف تلعن من يضحِّي بدم الإنسان الفلسطيني"، واصفًا هذا الموقف ب "السخيف والمخزي". تهنئة كما حرص مشعل على تهنئة الأسيرات المحرَّرات من سجون الاحتلال الصهيوني اليوم مقابل دقيقة فيديو للجندي الصهيوني الأسير لدى "حماس"، مؤكدًا أن ذلك من ثمار المقاومة التي لن تتخلى عنها الحركة حتى يتم إطلاق سراح كافة الأسرى من كافة الفصائل وتُعاد حقوق الشعب بكاملها إليه. وربط بين الأحداث بقوله: "هناك نقاط مضيئة"، مشيرًا إلى إجبار شارون على أن ينسحب من غزة، واندحار الصهاينة 2006 على وقع المقاومة اللبنانية، واندحار العدو وفشله في حربه المجرمة على غزة، مضيفًا: "واليوم نحن أمام نقطة، وهي أن تجبر المقاومة الكيان الصهيوني على الوقوف على قدميه من خلال شريط ليفرج عن عشرين أختًا من أخواتنا الباسلات.. نهنئ شعبنا العظيم والأخوات الأسيرات وسواعد "القسام" التي انتصرت في المعركة". وتابع موجّهًا كلامه إلى الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني: "هذا أول الغيث، وأول الغيث قطرٌ ثم ينهمر، وهذه خطوة على طريق تحريركم بإذن الله، وإن المقاومة الفلسطينية بكل عناوينها ملتزمة أمامكم بأن نفرج عنكم قريبًا إن شاء الله". وأكد مشعل أن المقاومة الفلسطينية تعرف جيدًا اللغة التي يفهمها نتنياهو وقادة الكيان، وقال: "إن المقاومة التي استطاعت أن تأسر غلعاد شاليط، وأن تحتفظ به أكثر من ثلاثة أعوام سليمًا، وأن تعامله المعاملة اللائقة، وأن تحسن إدارة المفاوضات غير المباشرة؛ لقادرة على أن تأسر شاليط وشاليط وشاليط، حتى لا يبقى في سجون العدو أسير واحد إن شاء الله". المصالحة وعلى صعيد المصالحة الفلسطينية قال مشعل: "رغم هذا الألم لا خيار لنا في ترتيب بيتنا الفلسطيني إلا المصالحة، ونحن قدَّمنا الكثير لنضع قطار المصالحة على السكة، والجميع يعلم أن "حماس" والفصائل التي معها هم الذين أعطوا المصالحة دماء الحياة". لكنه في الوقت ذاته أكد موقف الحركة الرافض للتخلي عن أيٍّ من المطالب المحددة لصالح الشعب الفلسطيني الذي اختار الحركة في آخر انتخابات تشريعية، كما شدد على ثوابت الحركة للتصالح والتحاور. القدس والأقصى كما سرد مشعل في خطابه الأخطار التي تهدد القدس ومقدساتها، وقال: "هناك معركة شاملة يخوضها الأعداء ضدنا تستهدف كل شيء، ونرى في القدس وحول الأقصى جهدًا صهيونيًّا محمومًا، وهذا التصعيد لأنه بعد 60 عامًا من الاحتلال ورغم كل جبروت الكيان وتفوقه العسكري لا يزال شعبنا يقاوم، ويتشبث بالقدس ويحلم بالعودة، ولم تستطع "إسرائيل" أن تغير الصورة، فلا تزال القدس برموزها تقول: أنا عربية". وأوضح مشعل أن الصهاينة "أطلقوا من عام 2002م برنامجًا لتغيير معالم المدينة وحسم مصير القدس كعاصمةٍ موحدةٍ ل"إسرائيل"، وأرادوا تثبيت الشكل العملي ل"دولة" الاحتلال حدودًا وعاصمة، فانتكسوا بمرض شارون ثم في لبنان ثم في غزة". ولفت إلى أن الكيان يغذي مشروعه على أكثر من مسار؛ فالمسار الأول هو "خلق مدينة يهودية موازية للبلدة القديمة بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ومشتركة معها في المركز ذاته، تمتد أسفل المسجد الأقصى وفي ضاحية سلوان وأجزاء من الحي الإسلامي وما يسمى الحي اليهودي في البلدة القديمة، كل هذا ضمن مشروع تأهيل الحوض المقدس الذي يعمل به العديد من الهيئات الحكومية". والمسار الثاني يتمثّل في "تحقيق وجود يهودي دائم ومباشر في المسجد الأقصى ومحيطه من خلال الاقتحامات، وهم يخططون لأن يفعلوا في الأقصى ما فعلوه في الحرم الإبراهيمي"، أما الثالث فيقوم على أساس "تفريغ الأحياء المحيطة بالمسجد الأقصى من سكانها، والحد من قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة"، ثم يأتي المسار الأخير ب"الترويج لمدينة القدس كمدينة يهودية". خطة شاملة وعن الواجب الملقى على كاهل الأمة أمام القدس قال: "ينبغي أن نحشد لمعركة القدس كل الأسلحة وكل الجهود"، داعيًا إلى "تثبيت أهل القدس في أحيائها، وتثبيت أهلنا في الأراضي المحتلة عام 48 الذين يذهبون للصلاة في الأقصى، والحفاظ على ثقافة شعبنا وعلى برنامج تعليمه، والحفاظ على كل معلم". كما طرح مشعل في خطابه خطة شاملة تهدف إلى "وضع القدس على رأس الأجندة العربية والإسلامية"، مشددًا على "رفض أي حل يستثني القدس أو يؤجِّل بحثها؛ لأن التأجيل يعني التجاوز والقفز عن القدس وبيعها للصهاينة". كما دعا مشعل إلى "إعادة النظر في الإستراتيجية الفلسطينية والعربية، ويكفينا عرض المبادرات وانتظار الحلول من غيرنا"، وهنا تطرَّق إلى لقاء نيويورك الثلاثي الذي جمع رئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس مع رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو برعاية أمريكية الشهر الماضي، ووصف اللقاء بأنه "مشهدٍ مذلٍّ ومخزٍ". واعتبر مشعل أن المطلوب هو "التمسُّك بالأرض والقدس والحقوق"، مشدّدًا على "رفض أية مساومة عليها؛ فالمقاومة وشعبنا وأمتنا لن تقبل مساومة لا على الأرض ولا على القدس ولا على المقدسات وحق العودة". كما شدد في الخطة التي عرضها على "التمسُّك ببرنامج المقاومة وإعادة الاعتبار إليه من خلال وقف التنسيق الأمني"، إضافةً إلى "إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني"، محذّرًا "الدول العربية من أن تخطوَ أية خطوة نحو التطبيع. ودعا مشعل إلى "إدارة القرار السياسي الفلسطيني والعربي إدارة حكيمة تحترم نفسها وتفرض خياراتها على الأعداء"، وقال إنه آن الأوان لوقف التفاوض الذي سمَّاه "عبثًا"، "ومن ظنَّ أن "حماس" ستعطي تفويضًا لأحد في هذه المفاوضات للمساومة على الأرض والقدس وحق العودة فهو واهم".