بعد 19 عاماً على خسارة الجزء الأكبر من فلسطين تكررت المأساه مجدداً وبخطط يائسه منهكه تدفق مئات الألاف من الفلسطينين إلي الضفة الشرقيه لنهر الأردن وأعتبر "أسماعيل الأزهري" الرئيس السوداني آنذاك فى كلمة أمام القمة العربية في الخرطوم التي عرفت بقمة "اللآت الثلاث" فى أواخر أغسطس عام 1967 أن الهزيمة التي لحقت بالعرب منذ شهرين هي كبوة من الكبوات التى ستظل نقطة سوداء في تاريخ العرب على مدار التاريخ . بعدما فشلت نتائج القمتين العربتين استنجدت الفصائل الفلسطينية أن الكفاح المسلح دون الرجوع إلي قيادة سياسية هي السبيل الوحيد لاستعادة الأرض من أيدي الغاصبين وبدأت تكون لجان فدائيه مسلحة وتنفذ عمليات صغيرة ضد الكيان الصهيوني داخل الأراضي المحتلة . ما "الكرامة" "الكرامة" هي قرية صغيرة تقع في الجزء الشرقي من غور نهر الأردن و هي عبارة عن منطقة زراعية منخفضة جغرافياً اشتهرت ببساتينها الكبيرة وخضرتها الدائمة. كانت تسمى بمنطقة الآبار وذلك لكثرة الآبار فيها وتسمى أيضا بغور الكبد باعتبارها جزءا من منطقة زراعية واسعة وتعتبر هذه المنطقة سلة الغذاء الأردني ويعتمد 95% من سكان هذه المنطقة على الزراعة. تاريخ المنطقة ضارب في القدم فقد مرت عليها ممالك كثيرة كالأدومية والمؤابية والعمونية والآرامية والأشورية ومملكة الأنباط واليونانية والرومانية والبيزنطية حتى جاء الفتح الإسلامي فعلى أرضها الكثير من مقامات الصحابة منهم "أبو عبيدة عامر بن الجراح" و "ضرار بن الأزور" و "شرحبيل بن حسنة" و "معاذ بن جبل" وغيرهم وقد جاء في القران الكريم وهذه المنطقة التي تعد أدنى بقعة على سطح الأرض. "الكرامة".. كيف بدأت فى 18 من مارس عام 1968 أعلن وزير الدفاع الصهيوني "موشي ديان" أن إسرائيل قد ضاقت ذرعاً بما تفعل فصائل المقاومة الفلسطينية . وأتت تصريحات "ديان" بعد انفجار لغم أرضي زرعته قوات العاصفة فى طريق حافله صهيونية مما أدي إلي مقتل شخصين صهيونيين وإصابة العشرات وفي مطلع سنة 1968 صدرت عدة تصريحات رسمية عن إسرائيل تعلن أنه إذا استمرت نشاطات الفدائيين الفلسطينين عبر النهر فإنها ستقرر إجراء عمل مضاد مناسب وبناء عليه زاد نشاط الدوريات الإسرائيلية في الفترة ما بين 15و 18 مارس 1968 وازدادت أيضا الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق وادي الأردن. وأعلن "ديان" فى صبيحة يوم 21 مارس عام 1968 أن 25 ألف جندى صهيوني بدعم كامل من وحدات المدفعية الصهيونية وغطاء جوىي يتوجهون نحو "الكرامة". بداية المعركة كانت الساعة في معسكر الفدائيين الفلسطيني تشير إلى الخامسة والنصف من صباح يوم الخميس 21 مارس 1968 في قرية "الكرامة" في الأغوار الأردنية المتاخمة للحدود الفلسطينية قبيل المعركة. حشد الجيش الإسرائيلي لتلك المعركة اللواء المدرع السابع وهو الذي سبق وأن نفذ عملية الإغارة على قرية السموع عام 1966 واللواء المدرع 60 ولواء المظليين 35 ولواء المشاة 80 وعشرين طائرة هيلوكبتر لنقل المظليين وخمس كتائب مدفعية 155 وبالإضافة إلى قواته التي كانت في تماس على امتداد خط وقف إطلاق النار وسلاحه الجوي الذي كان يسيطر سيطرة تامة على سماء وأرض المعركة بالإضافة إلى قوة الهجوم التي استخدمها في غور الصاف، وهي كتيبة دبابات وكتيبة مشاة آلية وسريتا مظليين وكتيبة مدفعية تم حشد هذه القوات في منطقة أريحا ودفع بقوات رأس الجسر إلى مناطق قريبة من مواقع العبور الرئيسة الثلاثة حيث كان تقربه ليلاً. بدأ الجيش الإسرائيلي قصفه المركز على مواقع الإنذار والحماية ثم قام بهجومه الكبير على الجسور الثلاثة عبر مقتربات القتال الرئيسة في وقت واحد حيث كان يسلك الطريق التي تمر فوق هذه الجسور وتؤدي إلى الضفة الشرقية . الكرامة.. اسماً ومعني كان العدوان الاسرائيلي على الكرامة أول مرة تتخطى فيها القوات الاسرائيلية نهر الأردن فقد توغلت مسافة 10 كم على جبهة امتدت من الشمال إلى الجنوب نحو 50 كم وهي أول عملية على نطاق واسع قادها رئيس الأركان الاسرائيلي الجديد آنذاك "حاييم بارليف" وقد حشدت لها اسرائيل قوات كبيرة نسبيا أرادت منها أن تكون درسا رادعا للفدائيين وأن تحقق بواسطتها نصرا سريعا تستغله في رفع معنويات السكان الإسرائيليين التي بدأت تهتز تحت ضربات العمليات الفدائية في الأراضي المحتلة ولم تكن النتائج كما كانت تتمناها إسرائيل.فقد اعترف رئيس حكومتها أمام الكنيست يوم 25 مارس أن الهجوم على الكرامة لم يحل المشكلة. كانت معركة الكرامة نقطة تحول كبيرة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية وقد تجلى ذلك في سبل طلبات التطوع في المقاومة ولا سيما من قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية كما تجلى في التظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية مما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوف المقاومة الفلسطينية وقد أعطت معركة الكرامة معنى جديد للمقاومة تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتفات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه زير خارجية إسرائيل "آبا ابيان" أثناء جولته يوم في النرويج والسويد بعد المعركة بشهرين فقد سمعت ألوف الأصوات تهتف "عاشت الكرامة". على الصعيد العربي كانت معركة الكرامة نوعا من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في هزيمة 1968 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال ففي معركة الكرامة اخفقت اسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية لرفع معنويات الاسرائيليين بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم. الكرامة.. هزمت إسرائيل انضمت وحدات المدفعيه الاردنيه إلى صفوف الفدائيين بقيادة اللواء "عمار خماش" والذى صرح بأنه تعمد قطع الاتصال بالقيادة العليا للجيش الأردني لكي يضمن هزيمة القوات الصهيونيه وطلبت إسرائيل ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف مساءاً من يوم المعركة إلا أن قائد الوحدة المدفعيه الخاصة بجيش الأردن طلب بعدم وقف إطلاق النار طالما أن هناك جنديا إسرائيليا واحدا شرق النهر. وبلغت خسائر الاسرائيليين 70 قتيلا وأكثر من 1000 جريح واتلاف 45 دبابة و25 عربة مجنزرة و27 آلية مختلفة و5 طائرات. وخسر الجانب الفلسطينية 17 شهيدا.أما الأردنيون فقد خسروا 20 شهيدا و65 جريحا و10 دبابات ودمر الإسرائيليون عددا كبيرا من المنازل وأخذوا معهم 147 عربيا من الفلاحين بحجة أنهم من الفدائيين.