من المعروف أن هناك نحو 4 إلى 5 آلاف مقاتل يشاركون في الهجوم على كل من محافظة درعا على الحدود مع الأردن، والقنيطرة على الحدود مع هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل. وتضم صفوف هؤلاء المقاتلين وحدات من الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني، وما يقرب من 2000 مقاتل من صفوف حزب الله، أي ما يمثل قسمًا كبيرًا من قوات الحزب المتواجدة في سوريا، وتشارك في هذا الهجوم أيضًا عناصر من الجيش الإيراني، من بينهم مستشارون وضباط مهمون. وقد نشر موقع إنترنت على صلة وثيقة بالنظام السوري صورةً للجنرال قاسم سليماني، وهو قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، وهو يقوم بزيارة المنطقة، في دلالة على أهمية هذا الموقع بالنسبة لإيران. ولم تحقق القوات المهاجمة نجاحًا يذكر إلى الآن، وواجهت معارضة قوية من قبل الثوار، بالإضافة لمواجهتها ظروفًا مناخية سيئة. وكان جنوبسوريا ساحةً لاشتباكات مستمرة منذ بدء الحرب في عام 2011. ولكن على النقيض مما حدث في مناطق أخرى من البلاد، تمكنت جماعات الثوار المحلية، بشقيها الإسلامي والغير إسلامي، من العمل صفًا واحدًا لدحر الجيش السوري. واضطر جيش الأسد، الذي بات ضعيفًا ومشتتًا على عدة جبهات، إلى التراجع التدريجي. وفي أعقاب سلسلة من الهجمات التي تم شنها أواخر عام 2014، فرض تحالف الثوار سيطرته على أجزاء واسعة من محافظتي درعا والقنيطرة، ومن بين هذه الأجزاء كل من مدينة القنيطرة، ومعبر القنيطرة على الحدود مع الأراضي التي “تحتلها” إسرائيل. وقد بقي الوضع على الحدود مع إسرائيل هادئًا نسبيًا. وعلى الرغم من فرض جبهة النصرة، وهي الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وجودها بشكل ملحوظ في جميع أنحاء مدينة درعا وجنوب هضبة الجولان، إلا أن هذا الفصيل ركز على محاربة قوات النظام، ولم يتورط بعد في مواجهة إسرائيل. وتوفر الحرب في سوريا حوافز هامة لتنفيذ النظام لمثل هذا الهجوم. حيث إن انتصارات الثوار في جنوبسوريا تهدد دمشق التي تبعد عن درعا مسافة أقل من 100 كيلومتر إلى الجنوب، وتهدد أيضًا الطرق الاستراتيجية التي تربط بين كل من بيروتودمشق، ودمشق ودرعا. ولكن على الرغم من ذلك، لا يجب النظر إلى هذا الهجوم على أنه معركة أخرى في حرب النظام السوري ضد المعارضة فقط. حيث إن هذا الهجوم يمثل قرارًا استراتيجيًا من قبل ما يسمى ب “محور المقاومة“، الذي تقوده إيران، ويسعى للحصول على موطئ قدم له في منطقة حيوية في جنوبسوريا، قريبة من كل من إسرائيل والأردن على حد سواء. إعادة التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل وفي إشارة للغارة المنسوبة لإسرائيل والتي أدت إلى مقتل جنرال إيراني وستة من عناصر حزب الله بينما كانوا يزورون ساحة المعركة في مرتفعات الجولان السورية في 18 يناير، تم إطلاق اسم “شهداء القنيطرة” على العملية العسكرية التي يشنها النظام السوري في الجنوب. وكان حزب الله قد رد على تلك الغارة بعد أيام، من خلال إطلاقه صواريخ مضادة للدبابات أدت لمقتل جنديين إسرائيليين، وهو ما يشير إلى إيلاء إيران وحزب الله أهمية كبيرة لتغيير معادلة الردع مع إسرائيل. وبشكل واضح، ليس لحزب الله مصلحة في التصعيد مع إسرائيل على نطاق واسع، حيث إنه لا يزال يعاني من جراح حرب لبنان في عام 2006، وقد أنهك الحزب في الحرب في سورياوالعراق. ويركز الحزب أيضًا على تعزيز مكانته في لبنان في وجه التحدي الذي تمثله الجماعات الجهادية السنية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن شعبية حزب الله تراجعت بشكل كبير في لبنان بعد قراره القتال إلى جانب نظام بشار الأسد، وهو يدرك الآن بأن أي حرب أخرى مع إسرائيل سوف تقوض شرعيته في لبنان. وعلى الرغم من ذلك، يشعر حزب الله بأن إسرائيل تستفيد من تدخله العسكري في سوريا في محاولتها خلخلة ميزان الردع المتبادل. وفي هذا السياق، اتهمت قيادتا سوريا وحزب الله مؤخرًا إسرائيل بحياكة مؤامرة تهدف لإنشاء “منطقة أمنية” في جنوبسوريا، بالتعاون مع جماعات الثوار، بما في ذلك الجهاديين. وبالفعل، ومنذ منتصف عام 2013، بدأ الحزب بالرد على الغارات الإسرائيلية من خلال استعمال الصواريخ وقذائف الهاون، فضلًا عن زرع القنابل على جوانب الطرق من الجانب السوري من الجولان، أو في منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها. وكان الحزب قد شن مثل هذه الهجمات من خلال أتباعه ومن دون تحمل المسؤولية عنها في بداية الأمر، إلا أنه بدأ بالتصعيد والعمل بشكل مباشر بعدها. ويتيح فتح جبهة نشطة مع إسرائيل في جنوبسوريا خيارات هامة لحزب الله ورعاته في مواجهة إسرائيل، ويوفر أيضًا فرصًا أفضل لاحتواء أي تصعيد يحدث في الداخل اللبناني. وبالتالي، وبعد أن استخدمت سوريا حزب الله لسنوات في مواجهة إسرائيل، بات الحزب الآن يستخدمها لتحقيق الغرض نفسه. وتقول الاستخبارات الإسرائيلية إن إيران وحزب الله يسعيان منذ أشهر لتأسيس بنية عملياتية بالقرب من الحدود بين إسرائيل وسوريا لاستخدامها ضد إسرائيل في أوقات التوتر والحرب. وتشمل هذه الخطط تجنيد نشطاء في القرى المحلية، ونشر الصواريخ والعبوات الناسفة، ووضع خطط لشن الهجمات. ومن خلال فتح هذه الجبهة الجديدة، سيكون بإمكان حزب الله أيضًا إعادة شحن شرعيته التي تلاشت تقريبًا في لبنان والعالم العربي، ولبس عباءة المقاومة ضد إسرائيل من جديد. كما تستطيع هذه الجبهة أيضًا المساعدة في جذب الفصائل الفلسطينية المسلحة لهذا المحور، ومن بين هذه الفصائل حركة حماس، الواقعة تحت الضغط، والحريصة على إعادة العلاقات مع طهران. كما ويمكن لهذه الجبهة المساعدة في تحقيق طموحات إيران الاستراتيجية بتطويق إسرائيل في الوقت الذي تتفاوض فيه على الصفقة النووية. قرع جرس الإنذار في إسرائيل تنظر إسرائيل بحذر إلى هذه التطورات الجديدة في جنوبسوريا. وإذا ما تفاقم الاعتداء على حدودها الشمالية، فلن يكون من المرجح أن تجلس إسرائيل مكتوفة الأيدي. وعلى الرغم من أن إسرائيل تشعر بالقلق من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتهديد الجهاديين، إلا أن المحور الذي تقوده إيران يشكل التهديد الأكثر إلحاحًا وأهمية بالنسبة للأمن الإسرائيلي. وبالتالي، يعد فتح جبهة جديدة في هضبة الجولان، التي سادها الهدوء على مدى 40 عامًا، تحديًا خطيرًا لإسرائيل، وهناك احتمال وقوع مواجهة عسكرية كبرى في الأفق. وبكل الأحوال، إسرائيل قلقة أيضًا من أن يؤدي تركيز الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي على التوصل لاتفاق نووي مع طهران ومحاربة تنظيم داعش، إلى السماح لطهران باتخاذ سياسات من شأنها زعزعة ما تبقى من استقرار في المنطقة. وهذا السيناريو يبدو أنه السيناريو المتبع حتى هذه اللحظة.