لان عدد الجنود الاميركيين الذين يقتلون في العراق تزايد في اكتوبر ، ولان الولاياتالمتحدة الاميركية تشهد انتخابات التجديد النصفي البرلمانية، ولان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قرر ترك السلطة في اقل من عام وهناك انتخابات محلية بريطانية على الابواب، ولان المحافظين الجدد اصبحوا في ورطة وعزلة هم واذنابهم من مدعي الليبرالية والتنوير العرب ويقتربون من مزبلة التاريخ، ولان اسرائيل فشلت بالاسلحة الاميركية المحظورة دوليا والدعم الاميركي/البريطاني في فت عضد المقاومة اللبنانية، لكل الذي سبق ينتبه كثيرون الان لما يجري في العراق . ومن حق المتطلعين لمواقع الازلام والاذناب ان ينافقوا بوش، ومن حق كل امرئ ان يختار موقعه، لكن لا يصح ان يفرضه ويسيده باعتباره التوجه الامثل الذي يلزم ان تتبناه الامة فمعظم ما اطالعه من كتابات باللغة العربية، او اسمعه من تحليلات ، يتعلق بالعراق الان انما هو مجرد مرآة لما في الاعلام الاميركي والبريطاني كانما اصبحنا لا يعنينا من امر العراق الا ما يهم الرئيس الاميركي جورج بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وزادت المساحات الاعلامية للاخبار والتحليلات والتعليقات والاراء بشأن العراق مؤخرا مع بروز العوامل التي ذكرناها انفا، وكلها انغلو- صهيوني- أميركية، وكأنما شعب العراق وتراثه وموارده لا تتعرض للدمار منذ الاحتلال قبل ثلاث سنوات فاذا كان القتلى من جنود الاحتلال الاميركي في العراق زادوا عدة مئات فان القتلى من العراقيين بمئات الالاف، وغالبية الشعب العراقي تعاني شظف العيش وفقر الامن والطمأنينة ولا ترى مستقبلا لها في بلدها الذي كان يوما احد اغنى واقوى بلدان المنطقة. بداية من المهم التذكير بان احتلال العراق، وقبله افغانستان ، اميركيا/بريطانيا كان هدفه المعلن تغيير النظام الحاكم في البلدين، دون ادنى اهتمام بمصير الشعبين العراقي والافغاني ولا مستقبل البلدين، وبعيدا عن كل شعارات الترويج الاعلامي المزيفة من قبيل نشر الديموقراطية وابراز نماذج جديدة في المنطقة تدفع بعجلة التحول في بقية بلدانها نحو القيم الغربية باعتبار ذلك افضل لحماية المصالح الاميركية وفي مقدمتها انسياب الطاقة والمخدرات من العراق وافغانستان وقد تحقق الهدف بتغيير النظامين، لكن بعض القيود العملية حالت بين القوات المحتلة واعادة الانتشار بسرعة للتفرغ لمهام اخرى في المنطقة او حولها وهذا هو المطب الذي يجري البحث عن مخرج منه وليس الامر من اجل العراق والعراقيين، بمعنى ان لندن وواشنطن ادركتا ان استمرار الاحتلال يؤدي الى مزيد من القتل والدمار للعراقيين ومقدراتهم، ولكنه من اجل خطط لندن وواشنطن التي تريد التحرر من اي قيود فرضها الاحتلال فالنخب الحاكمة في كابول وبغداد لا تريد من القوات الاميركية والبريطانية ان تنسحب، بل يطلبون تعزيزها لانها اي النخب لم تثبت اقدامها بعد في بلدانها، خاصة وانها في الاغلب نخب عائدة من المهجر وتحتاج الى غطاء "مهجري" لوقت اطول ثم ان بعض القوى المعتدلة في المنطقة لا تريد لقوات الاحتلال ان تذهب مبكرا، وربما يرغب البعض في الشماتة فيها على طريقة "دعوهم ينغرسون في الوحل علهم يلتهون عنا قليلا" . ما لنا نحن ومشاكل اميركا وبريطانيا، وهل هي اهم من ابناء امتنا واخواننا في الدين واللسان وربما المصير ايهما اهم لمن يكتبون ويصرخون: العراق ام بوش للاسف الشديد ان مطالعة غالبية ما يطلق علينا من مواد تشكيل الرأي العام بالعربية تشير الى ان بوش اهم وما الحديث عن انقلابات محتملة في العراق لتشكيل امارة سنية وولاية شيعية اما الاكراد فلهم بالفعل دولتهم المستقلة وانما يشاركون في الحكم المركزي في بغداد لتعزيز المكاسب قبل التقسيم النهائي الا تأكيد على ان احدا في المنطقة لم يعد يعنيه مصير ذلك البلد الكبير ، ولا مستقبل شعبه وثروته فالاستراتيجية الاميركية الجديدة، التي قد تعني التقسيم، ليس الهدف منها وقف حمام الدم في العراق ولا تدمير مقدراته بقدر ما هو توفير المبرر المحلي لاعادة انتشار القوات الاميركية والبريطانية تحت دعوى انه لم تعد هناك سلطة مركزية يمكن مساندتها . اما التصور بان لندن وواشنطن تسعيان للهروب العسكري من العراق، وربما افغانستان ايضا، فلربما اريد له ان يتعزز إعلاميا لاسباب داخلية تتعلق بانتخابات التجديد النصفي في الكابيتول بواشنطن والانتخابات المحلية البريطانية في غضون نصف العام، وكذلك لتفويت الفرصة على حزب المحافظين المعارض في بريطانيا وعلى الحزب الديموقراطي في اميركا كي لا يحرزا نقاطا على حساب العمال والجمهوريين بسبب مشاكل احتلال العراق وافغانستان والارجح ان التكثيف الاعلامي لفكرة البحث عن مخرج انما يمهد لتدخل اخر جديد في المنطقة لن يكون تسويقه سهلا ما لم يبد ان الادارتين الاميركية والبريطانية لديها خطط طوارئ لتقليل الاثار السلبية للعمليات الحالية . وبالنسبة للعراق تحديدا، فمنذ احتلاله قبل ثلاثة اعوام والوجود العسكري له هدف اساسي هو تطوير شكل من اشكال "الصراع الممتد قليل الكثافة" الذي تحدثنا عنه في هذه الصفحة منذ سنوات واختبر بداية في الصومال ويبدو ان ذلك اخذ صورته الان فليست اجتماعات المصالحة والحوار بين القوى العراقية وتكرارها الا دليل على ان الامور بينها وصلت الى نقطة اللاعودة تقريبا وهنا لا تنفع الجامعة العربية ولا غيرها لوقف نيران التفتت التي تمكن المحتل الان من اعادة الانتشار للقيام بمهام اخرى في المنطقة . د. أحمد مصطفى* * كاتب وصحفي عربي مقيم ببريطانيا