حوار مع النفس! في أقل من عام بعد فوز توني بلير بانتصار تاريخي ساحق في الانتخابات العامة، الثالثة فإن رئيس وزراء بريطانيا في ورطة، فهو لم يعد يسيطر علي أغلبية برلمانية مضمونة في حين تحقق الشرطة في اتهامات بأن حكومته عرضت علي كبار رجال الأعمال رتبة اللورد والنبيل.. مقابل الابقاء علي حزبه مستمراً في السلطة. وتقول الانتقادات المتنامية ازاءه ان الوقت قد أزف ليتنحي بلير ويسلم السلطة لحليفه جوردن براون رئيس الوزراء المنتظر. وبالنسبة لكثير من معجبيه حول العالم، فإن مثل هذا الانتقاد لابد أنه أمر محير. ففي الولاياتالمتحدة ينظر لبلير علي انه شريك موضع ثقة لدي الرئيس جورج دبليو بوش، وحليف ذو عزيمة لا تتزعزع، وفي أوروبا فإن الديناميكية الاقتصادية لبلير موضع حسد للزعماء الذين يفتقرون إلي القوة، أو للقيام بكثير من الاصلاحات المطلوبة في بلادهم. لكن الارتباطات السابقة هي التي قامت بالكثير لوضع رئيس الوزراء تحت الحصار حيث إن غزو العراق والفشل في إيجاد أسلحة دمار شامل قد تسببت في تآكل الثقة في بلير. ولا تظهر بوادر علي قرب انتهاء تلك العملية مع استمرار الوضع في العراق في التدهور ويجعل الموقف أصعب علي رئيس الوزراء ليرد علي باقي الاتهامات الموجهة ضد حكومته. وقد قال رئيس الوزراء إنه سيتنحي قبل الانتخابات القادمة رغم انه ظهر مؤخراً معبراً عن أسفه حول ذلك الإعلان لكن هناك نداءات مصرة ومتزايدة لكي يتنحي مبكراً بدلاً من تسليم السلطة خلال عامين. وهذا قد يسمح للحكومة بالقيام ببداية جديدة تحت قيادة براون، وزير المالية. وهناك خطر بالنسبة لبلير في أن يجد نفسه في منصبه. لكن بدون سلطة وهي التهمة التي وجهت لسلفه المحافظ السير جون ميجور. لكن الاحتمال هو أن تغيير الزعيم لن يفيد بشيء لإنقاذ الحكومة التي أصبح حزبها الحاكم مرهقاً من السلطة. ويبدو أن كثيراً من أعضاء برلمان بلير قد توصلوا إلي الرأي بأن المعارضة أفضل من تحمل تحديات إدارة الدولة. والذين يطالبون بتنح مبكر لبلير يجب ان يفكروا مليا في توقع المزيد من الإصلاح في ظل براون المسئول عن رفع الضريبة للمستويات التي شهدتها الثمانينيات. وعن تزايد القوانين التي تعكس منهجه حول فعالية عمل الدولة. وفي المعارك الأساسية حول الخدمات الصحية والتعليم، كان براون أقل التزاماً بحوافز السوق عن بلير، فهو مقتنع أكثر بأن نفس النتائج يمكن ان تحققها الإجراءات الحكومية. وهذا أمر ذو أهمية حيث إن العديد من إصلاحات حزب العمال مازالت تحت التنفيذ. تواجه الخدمات الصحية القومية تحديات خطيرة مثل تغطية نفقات العلاج التي سيبدأ سريانها هذا العام وكشف الإدارات غير الكفء والمبذرة وكان آخر مشروع قانون للتعليم متساهلا بدلا من أن يكون أمرا ويحتاج إلي دفعه من الحكومة البريطانية. وتلوح في الأفق تحديات كبيرة تسبب قلقا كبيرا لقطاع الأعمال البريطاني منها اصلاح المعاشات حيث وضع تقرير حكومي أجندة طموحا لرفع معاش الدولة وتقليل استقطاع الموارد وزيادة سن التقاعد وخلق نظام جديد للمعاش القومي لتشجيع الادخار حيث فصل براون زيادة فوائد استقطاع الموارد حيث إن أكثر من نصف السكان في النهاية سيعتمدون عليه. وتأمين الطاقة هو أمر آخر حيث تتطلب قرارات عاجلة لاستبدال محطات الطاقات النووية البريطانية القديمة فالتزامات تغيير المناخ تعني الحاجة إلي امكانيات نووية جديدة وهذا سيعارض بشدة من جانب كثيرين من مؤيدي حزب العمال كما أن البديل للتوسع في مصادر الطاقة المتجددة سوف يرفع التكلفة بالنسبة لقطاع الأعمال مما يدمر القدرة التنافسية للمملكة المتحدة. والمشكلة بالنسبة لبلير هي أنه يخسر السلطة التي يحتاجها ليسير خلال هذه التغيرات وإذا ما اتضح أنه لا يستطيع تمرير التشريع المطلوب لإعداد بريطانيا لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين فمن الافضل ان يرحل، ومع ذلك فحتي الآن لا تزال هناك ضرورة للضغط علي بلير كي يغادر وبعد ثمانية أعوام من المعارضة، فالمحافظون مستعدون لمساندة الاجراءات الضرورية لتحديث الدولة، وزعيمهم دافيد كاميرون الجديد علي دراية بتحديث بريطانيا، ويتفهم الحاجة إلي إصلاح اعضاء حزب المحافظين والأهم من ذلك، انه أدرك أن الناخبين قد تحركوا بعيداً عن الولاءات الحزبية القبلية ولم يعودوا يحترمون المعارضة من أجل المعارضة. ولقد كانت أصوات حزب المحافظين هي التي أمنت تمرير قانون التعليم رغم ثورة حزب العمال. وقد أوضح فريقه أنهم سيستخدمون طريقا مماثلا بالنسبة لاجراءات أخري، بما في ذلك الطاقة النووية والمعاشات، لذلك يمكن لبلير أن يستمر في جدول أعمال الإصلاح لأن الهزيمة البرلمانية ستكون أقل احتمالا. وقد يتضح أن المال المدفوع لفضيحة التتويج ليست بسبب رئيس الوزراء، لكن في الوقت الراهن، فاستمراره في منصبه يقدم أفضل أمل لمزيد من الاصلاح، لذلك ينبغي علي بلير أن يضغط للاستمرار مع أية أغلبية يمكن أن يحصل عليها - وينبغي علي كاميرون أن يستمر في تقديم مساندة المحافظين للتغيرات التي تعود بالفائدة علي بريطانيا.