لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    الأوقاف: التبرعات ممنوعة بالمساجد .. ورقابة على صناديق النذور | فيديو    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    فى ليلة شم النسيم.. إقبال كثيف على محلات بيع الفسيخ فى نبروه||صور    يمن الحماقي: لا توجد استراتيجية واضحة للصناعة في مصر.. وكل قطاع يعمل بمفرده    أستاذ اقتصاد: المقاطعة لعبة المستهلك فيها ضعيف ما لم يتم حمايته    استشهاد 9 فلسطينيين جراء قصف إسرائيلي على منزل في رفح    ردا على إطلاق صواريخ.. قصف إسرائيلي ضد 3 مواقع بريف درعا السوري    بوتين يحقق أمنية طفلة روسية ويهديها "كلب صغير"    لافروف: الغرب لا يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا    باحث: العلاقات بين السودان وتشاد تشهد حالة من التوتر    قبل معسكر الفراعنة.. «الجبلاية» يلبى طلبات الجهاز.. و«علام»: ندعم المنتخب للتأهيل للمونديال    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    خالد مرتجي يرد على مريم متولي: محدش كلمك ومش هترجعوا الأهلي.. فيديو    تعرف على نتيجة مشروع متطوعي وزارة الشباب والرياضة المقام بمطروح والمحافظات الفائزة    أفضل موبايل سامسونج للفئة المتوسطة بسعر مناسب    مصرع وإصابة 6 في حادث انقلاب تروسيكل بمطروح    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    سعرها صادم.. ريا أبي راشد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور    الباشا.. صابر الرباعي يطرح برومو أغنيته الجديدة    مدير مكتبة الإسكندرية: الوثيقة لها نظام معين في العرض وليست متاحة للعامة    فلسطين تزين مسيرة سام مرسي قائد إيبسويتش تاون    موعد مباريات اليوم الإثنين 6 مايو 2024| إنفوجراف    طارق مجدي يدير مباراة الجيش والمصرى بالدوري    خبير تحكيمي: مستوى البنا في تراجع شديد.. وسموحة يستحق ركلة جزاء أمام الزمالك    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 من جنوده خلال هجوم عند معبر كرم أبو سالم    مصر في 24 ساعة|اعرف طقس شم النسيم وتعليق جديد من الصحة عن لقاح أسترازينيكا    الميزانية السعودية تحقق بالربع الأول العام إيرادات بلغت 293.4 مليار والعجز 12.4 مليار ريال    رياح قوية وسقوط أمطار .. الأرصاد تكشف توقعات طقس الغد على سواحل مطروح    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    كيف استعدت الإسكندرية لاستقبال الضيوف خلال إجازة شم النسيم؟.. "السياحة" توضح    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    3 قتلى و15 مصابًا جراء ضربات روسية في أوكرانيا    عمرو أديب: «مفيش جزء خامس من مسلسل المداح والسبب الزمالك» (فيديو)    أمين الفتوى: الله شرف مصر أن تكون سكنا وضريحا للسيدة زينب    نافس عمالقة ووصل بالأغنية السعودية للقمة.. تعرف على رحلة «فنان العرب» محمد عبده    نقابة البيطريين تحذر من تناول رأس وأحشاء الأسماك المملحة لهذا السبب    عضو الجمعية المصرية للمناعة يقدم نصائح طبية قبل شم النسيم (فيديو)    لدعم صحة القلب والتخلص من الحر.. 5 عصائر منعشة بمكونات متوفرة في مطبخك    حزب الله: استهدفنا مستوطنة مرغليوت الإسرائيلية بالأسلحة الصاروخية    منافسة بين آمال وأنغام وشيرين على أغنية نجاة.. ونبيل الحلفاوي يتدخل (فيديو)    فحص 482 حالة خلال قافلة طبية مجانية في الوادي الجديد    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نتدبر القرآن الكريم
نشر في الشعب يوم 06 - 02 - 2015

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي هذا المقال زيادة بيان وتفصيل لنقطة من نقاط موضوع "أفلا يتدبرون القرآن"، فقد ذكرنا كيفية التدبر ووسائله، لكنه كان مجملاً بحسب الحاجة إليه هناك، ولأهميته كان لا بد من إفراده بمقالات مستقلة.
وليس المقصود من المقال ذكر قواعد تفصيلية لكيفية التفسير ومعرفة المعاني، فنحن لا نريد في هذا المقال أن نجعلكم مفسرين، وإنما المقصود ذكر بعض الأمور التي تعين على الفهم، حتى تكون القراءة مرتبطة دائمًا بالتدبر والفهم، وإزالة الحاجز الذي يحول بين بعض الناس والتدبر الصحيح للقرآن الكريم، وبيان الوسائل الصحيحة التي يسير عليها المسلم لفهم القرآن فهمًا صحيحًا، يحميه من القول على الله بغير علم.
◄1- لماذا الحديث عن فهم القرآن:
الحديث عن فهم القرآن هو أهم حديث ينبغي الحرص عليه لعدد من الأمور:
أولاً: القرآن هو أصل الأصول كلها، وقاعدة أساسات الدين، وبه صلاح أمور الدين والدنيا والآخرة، وهو إنما نزل ليعمل به، ولا يمكن أن يعمل الإنسان بشيء لا يفهمه، ومثَلُ من يقرأ القرآن ولا يفهمه، كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم يأمرهم فيه وينهاهم، ويدلهم على ما ينفعهم، ويحذرهم مغبة سلوك طريق معين لأن عدوهم فيه يتربص بهم، فعظموا الكتاب ورفعوه فوق رؤوسهم، وصاروا يتغنون بقراءة ما فيه، لكنهم سلكوا الطريق الذي نهاهم عنه فخرج عليهم العدو فقتلهم.
ثانيًا: عدم فهم القرآن معناه زوال العلم وارتفاعه، فعن أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنْ النَّاسِ، حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ" فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ:
كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ؟! فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ" قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قُلْتُ:
أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟! فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنْ النَّاسِ؛ الْخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعً .
فزوال العلم يكون بعدم وجود من يقوم به، ويفهمه حق فهمه، وهو ذهاب أوعيته، ويكون بعدم العمل به، فمن لم يعمل بما علم فلا فائدة في علمه، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن العلم يرتفع من الناس مع أن أصله موجود، لكن لما لم يستفد الناس منه، ويفهموه حق فهمه كان وجوده وعدمه سواء.
ثالثًا: الأجر العظيم والثواب الجزيل في فهم القرآن وتدبره، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ الْعَقِيقِ، فَيَأْخُذَ نَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوَيْنِ بِغَيْرِ إِثْمٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ" قَالُوا: كُلُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَلَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَإِنْ ثَلَاثٌ فَثَلَاثٌ مِثْلُ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ" .
وإذا كان تعلم العلم هو أفضل الأعمال وأحبها، وأشرفها وأرفعها، فأعلى درجات العلم هو معرفة كلام الله وفهمه، لأن شرف العلم من شرف المعلوم، وكتاب الله أشرف شيء في الوجود، فتعلمه أشرف شيء وأرفعه.
رابعًا: فهم القرآن حق فهمه سبب لوجود الألفة، واجتماع القلوب، وزوال الخلاف المذموم، الذي ينشأ عنه الافتراق والاقتتال، وعدم فهمه سبب لوجود الخلاف والشقاق؛ عن إبراهيم التيمي قال:
خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه؛ كيف تحتلف هذه الأمة، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة؟ فأرسل إلى ابن عباس، فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد، وقبلتها واحدة، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرآناه، وعلمنا فيم نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا.
خامسًا: إن من أعرض عن تعلم القرآن وفهمه، فقد يبتليه الله تعالى بالانشغال عنه والانصراف إلى غيره؛ فإن الله أخبر في كتابه أن من جاءه العلم ثم أعرض عنه وهجره فإنه يورثه جهلاً ويصرف قلبه عن فهم العلم والتعلق به، قال تعالى عن اليهود:
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ، واتبعوا ما تتلوا الشيطان على ملك سليمان} فهؤلاء اليهود لما جاءهم كتاب الله على لسان رسول الله الذي يعرفون وصفه ونعته كما يعرفون أبناءهم، فتركوه وأعرضوا عنه، ابتلاهم الله جل وعلا باتباع أرذل الكتب وأكذبها وأضرها وهو ما تتلوه الشيطان على ملك سليمان ، وقال تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون (10)} [سورة الروم 30/10]، فالله عاقبهم لما فعلوا الأمور السيئة، وارتكبوا الأحوال الشنيعة بالتكذيب والاستهزاء، ولو أنهم أصلحوا واستجابوا لجعل الله في قلوبهم التصديق والاتباع.
وقد ذكرنا في محاضرة (أفلا يتدبرون القرآن) أن الاهتمام بالفهم لا يعني إهمال الحفظ، وتحسين القراءة، وضبط التجويد، بل هذه الأمور عليها ثواب جزيل، لكنها جمعيًا وسيلة لفهم القرآن.
◄2- تيسير القرآن للعباد:
يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17)} [سورة القمر 54/17]، فهذا القرآن العظيم قد سهل الله ألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم؛ لأنه أحسن الكلام لفظًا، وأصدقه معنى، وأبينه تفسيرًا، فكل من أقبل عليه يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه، والذكر شامل لكل ما يتذكر به العالمون من الحلال والحرام، وأحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر، والعقائد النافعة، والأخبار الصادقة، ولهذا كان علم القرآن حفظًا وتفسيرًا أسهل العلوم وأجلها، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه، قال بعض السلف عند هذه الآية: هل من طالب علم فيعان عليه.
ويقول الله جل وعلا: {فإنما يسرناه بلسانك لعلم يتذكرون}، ويقول سبحانه: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً (97)} [سورة مريم 19/97].
فهذه نعمة عظيمة؛ فهل من مدكر؟ هل من متعظ؟ هل من مقبل على كلام الله يفهمه ويتعلمه؟ والله يعينه ويوفقه ويسدده.
◄3- هل فهم القرآن وتدبره مقتصر على العلماء:
فهم القرآن وتدبره ليس مقصورًا على العلماء، بل كل واحد لا بد أن يأخذ حظه من القرآن، بحسب ما ييسره الله له، وبحسب ما معه من الفهم والعلم والإدراك؛ فالله تبارك وتعالى دعا عباده كلهم إلى تدبر القرآن وفهمه، لم يخص طائفة بذلك دون طائفة، ولو كان فهم القرآن وتدبره مقتصرًا على فئة من الناس لكان نفع القرآن محصورًا عليهم، ولكان الخطاب في الآية موجهًا إليهم، وهذا معلوم البطلان.
قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه؛ وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
فالوجه الذي لا يعذر أحد بجهالته هو معرفة ما فيه من الأحكام الواضحة، والمواعظ الجلية المؤثرة، والحجج القوية البينة، والمعاني الكلية التي دلت عليها الآيات.
فمثلاً حين تتأمل كلام الله، ماذا تجد؟ تجد معاني عظيمة، منها:
أنك تجد ملكًا له الملك كله، وله الحمد كله، أزِمَّةُ الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه، مستويًا على عرشه، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته، عالمًا بما في نفوس عبيده، مطلعًا على أسرارهم وعلانيتهم، منفردًا بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيى، ويقدر ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده، دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
ثم تأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، يذَكِّرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذرهم من نقمه، ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه(7)، إلى غير ذلك من الأمور الواضحة الجلية.
فمثل هذا متيسر لكثير من الناس بحمد الله، لكنه يحتاج إلى شيء من التأمل، والنظر في بعض التفاسير النافعة المختصرة.
كما أن في القرآن من الكنوز والأسرار، والمعارف والعلوم ما يختص به أهل العلم، كل بحسبه؛ فأهل اللغة يعرفون من دقائق إعرابه وبلاغته وأوجه البيان فيه ما لا يعرفه غيرهم، والفقهاء يعرفون من أحكام الحلال والحرام فيه، وأوجه الاستدلال، وأنواع الأحكام، ما لا يعرفه غيرهم، وهكذا.
◄4 - الخطأ في الفهم:
الوقوع في الخطأ عند تدبر القرآن وفهمه وارد، فإن الإنسان قد يفهم من الكلام معنى عامًا، ويكون المقصود ما هو أخص من ذلك، وقد يفهم منه معنى آخر غير المراد منه، وهذا قد وقع للصحابة رضي الله عنهم، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ" فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} فَقَالَ: "لَيْسَ ذَاك الْحِسَابُ، إِنَّمَا ذَاك الْعَرْضُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ".
فتَمَسَّكَتْ عَائِشَةُ بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحِسَابِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟! قَالَ: "لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بِشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ": {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن قد يكون الخطأ بسبب تقصير في النظر والتأمل، ومعرفة ما يجب معرفته، أو بسبب هوى في النفس؛ فإن بعض الناس يكون في نفسه معنى المعاني، أو يعتقد شيئًا من الاعتقاد، ثم يطلب ما يدل عليه من القرآن، فيفهم الآية على غير المقصود منها؛ لتوافق ما نفسه واعتقاده، والواجب على المسلم أن يكون همه طلب معرفة مراد الله تعالى ومقصوده، ولا يكون همه البحث عما يوافق ما في نفسه؛ فإن الفهم الصحيح "يمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى".
ثم إن الحديث عن فهم القرآن وتدبره ليس معناه أن المسلم يجعل من نفسه مفسرًا، يتكلم في معنى كل آية، دون نظر في تفاسير أهل العلم، وفهمها الفهم الصحيح؛ لأن التفسير معناه بيان مراد الله، وهذا مقام خطير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"، وقال أبو بكر الصديق: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم"، وعن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس عن:
{يوم كان مقداره ألف سنة} فقال له ابن عباس فما: {يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} ؟ فقال الرجل: إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس:
"هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما"، فكرِه أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم، وعن عبيد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال:
"إذا حدثتَ عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده"، وعن إبراهيم قال: "كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه"، وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: قال الشعبي:
"والله ما من آية إلا وقد سَأَلتُ عنها، ولكنها الرواية عن الله"، وقال مسروق: "اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله".
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف تدل على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، أو أن يقولوا فيه برأيهم، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعًا فلا حرج عليه.
◄5- الاختلاف في الفهم والتفسير:
قد يقع اختلاف في فهم الآية، وتجد عددًا من الأقوال في كتب التفسير، فلا تدري أي المعاني هو المراد، فتظن أنك لم تفهم المقصود من الآية، ولإزالة هذا الإشكال لا بد أن نبين أمرين مهمين:
الأمر الأول: الفهم العام للآية لا يضر معه الاختلاف في بعض التفاصيل:
أي أنك قد تكون فاهمًا الآية في الجملة، لكن لا تفهم معنى هذه الكلمة، أو لا تدري أي المعاني أصح، فهذا لا إشكال فيه، ويكفيك المعنى العام، وبخاصة إذا كانت معرفة المعنى الخاص مما لا يترتب عليه فائدة كبيرة، ومن أمثلة ذلك ما رواه أَنَس قال: "كُنَّا عِنْد عُمَر وَعَلَيْهِ قَمِيص فِي ظَهْره أَرْبَع رِقَاع, فَقَرَأَ : {وَفَاكِهَة وَأَبًّا} فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَة قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْأَبّ؟ ثُمَّ قَالَ:
مَهْ نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّف" وفي لفظ آخر عَنْ أَنَس أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر يَقُول: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا} الْآيَة، إِلَى قَوْله {وَأَبًّا} قَالَ:
"كُلّ هَذَا قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الْأَبّ؟" ثُمَّ رَمَى عَصًا كَانَتْ فِي يَده، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا لَعَمْر اللَّه التَّكَلُّف، اِتَّبِعُوا مَا بُيِّنَ لَكُمْ مِنْ هَذَا الْكِتَاب،وَمَا لَا فَدَعُوهُ".
أما إذا ترتب على فهم المعنى الخاص أمر علمي فلا بد من معرفته، كما في قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}، فالمعنى الإجمالي للآية أن المطلقة تعتد بثلاثة أقراء، لكن اختلف أهل العلم في القرء ما هو؟ أهو الحيض أو الطهر، وهنا إن كان عندك معرفة بالفقه، وقدرة على الترجيح فأنت تنظر في أقوال أهل العلم، وتتعرف على أدلتهم، وإلا سألت من تثق في علمه.
الأمر الثاني: التفريق بين اختلاف التنوع، واختلاف التضاد:
اختلاف التنوع هو أن يكون لفظ الآية محتملاً لجميع المعاني المذكورة، ولا بأس أن تدل على الجميع، كقوله تعالى: {كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة} فبعضهم يقول: القسورة الرامي أي الصائد الذي يرمي الصيد، وبعضهم يقول هو الأسد، فيجوز أن يكون المراد هذا، ويجوز أن يكون المراد هذا.
ومثاله أيضًا قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [سورة فاطر 35/32]، فبعض أهل العلم يفسر السابق بأنه الذي يصلي في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثناء الوقت، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى اصفرار الشمس، وبعضهم يقول: السابق هو المحسن بأداء الصدقة والزكاة، فيؤدي الواجبات والمستحبات، والمقتصد هو المقتصر على الواجب وهو الزكاة، والظالم لنفسه هو آكل الربا، أو مانع الزكاة ، وهكذا.
والآية تشمل كل هذه المعاني؛ فالسابق هو المسابق إلى فعل الخيرات كلها، فيتقرب بالمستحبات والواجبات، ويترك المحرمات والمكروهات، والمقتصد هو الفاعل للواجبات التارك للمحرمات، والظالم لنفسه هو المضيع للواجبات، المنتهك للمحرمات، وإنما يذكر أهل التفسير أنواعًا أو صورًا من الاقتصاد، والسبق، والظلم.
وأما اختلاف التضاد فهو أن تكون المعاني المذكورة متقابلة، لا يمكن الجمع بينها، بل لا بد من ترجيح أحدها، مثل قوله تعالى: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} ما المراد بالقول في هذه الآية؟ هل كل قول فتكون أل للجنس، أم أن المقصود بالقول هو القرآن فقط، بدلالة أن الله إنما يذكره في أكثر من موضع بهذا اللفظ، كما في قوله: {أفلم يدبروا القول..}، وقوله: "إنه لقول رسول كريم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.